بوكوفسكي شاعر البيرة و النساء و الكسل ..!
انفتحت على عالم الشاعر والروائي الأمريكي من أصل ألماني " تشارلز بوكوفسكي " من ديوانه الشعري الذي ترجمه الشاعر " سامر أبو هواش " إلى العربية عبر مشروع كلمة للترجمة عام 2009م ..
النصوص الشعرية التي تألقت في عنوان لافت وملعون " الحب كلب من الجحيم " ذيلها المترجم بمقدمة مؤثرة عن الطفولة الشاقة للطفل " بوكوفسكي " الذي عاش تعيسا في ظل والده العاطل عن العمل ، والذي كان يفرغ نوبات غضبه بالشتم واللكمات مما جعله يبغض والده بل يشكر الرب لأنه زهق روحه وأراح العالم – عالمه الداخلي - من شرّه ، تلك الأبوة التي اسقطت حقها من الحب و التوقير و الاحترام في قلب الطفل " بوكوفسكي " حين أسقط دوره الأبوي بفجاجة مقيتة ..!
" بوكوفسكي " الذي عرفته أكثر كشاعر عصيّ على الوصف من خلال مدونة " معطف على سرير العالم " للمترجم والشاعر الشاب " محمد الضبع " حين سمعت لأول مرة صوت " بوكوفسكي " شعرا من خلال نصه الشعري الشهير " لا تحاول " وهي الكلمة نفسها اختارها كي تنحت اصراراها على شاهدة قبره ، وكأنها تعويذة إلى قلبه ، ولعل ترجمات الشاعر الشاب " الضبع " لعبت دورا هائلا في لفت أنظار كثير من الشعراء والقراء - الشباب - نحو عالمه الشعري المغرق في العتمة والنساء الجميلات وكؤوس البيرة ..
يلقي قصائده الشعرية بعاطفة تهطل كالفيضان دفعة واحدة ، يكمن ألقها المكثف في عفويتها ، بفجاجة يلقن تعاليمه وهو الذي لا تعاليم له ولا الوصايا ، حياته التي تسيّرها قنينة بيرة فهو لا يلقي الشعر دون قناني البيرة التي يغدقها عليه منظمو الأمسية أو حتى الجمهور ، الجمهور الذي يهيم مع سكرته و صوته الشعري الذي يتجسد فيه العنفوان الهائج كلما تدفقت البيرة في دمه دفعات هائلة حتى ندر أن تجد له صورة فوتوغرافية بلا كأس خمرة في يده ، وقد برر حال سكرته الأبدية قائلا ذات مرة : " كان من الجيد أن أشرب وقررت أنني أحب هذه الحالة فهي كانت تبعد الواضح عني ، وربما إذا استطاع المرء بما فيه الكفاية الابتعاد عن الواضح فلن يعود واضحا هو نفسه " ..
و من خلال المترجمة السورية " أماني لازار " وعبر مدونتها الإلكترونية الخصبة بجماليات في الأدب والفكر العالمي المترجم التي تحمل عنوان " الأماني " اقتربت من عالم " بوكوفسكي " القصصي ، سرده الآسر ، جمله تلك التي تنطلق كدعامات حكائية ، وعيه ، لعناته ، ونساؤه ..
الكتابة القصصية التي حفرت إبداعها في ذهنه في سن مبكرة من حياته ، حين كان في ربيعه الرابع والعشرون ، غير أن تقلباته في وظائف متعددة لكسب المال جعله يتخبط كتابيا ، ولكنه بعد أن قدم استقالته كساع للبريد من مكتب البريد وكان حينها في 49 من عمره ، عزم ورغم كل الظروف غير المضمونة ، فلا شيء مضمون في عالم الكتابة أن يتفرغ كليا لعالمه المجنون الكتابة أو كما يحلو له التعبير لكل من يسأله عن وظيفته أو عن مبعث مطاردة النساء الجميلات له " الدق على الآلة الكاتبة " ، وكان هذا تحديا عظيما ومنعطفا في حياته من موظف ملتزم بدوام يومي وراتب شهري إلى كاتب ملعون برتبة كسول وراتب يعتمد على وضعه الكتابي ولا شيء آخر ، هذا التحدي جعله يكتب رواية " مكتب البريد " بعد شهر من استقالته وقد نقلتها المترجمة " ريم غنايم " وهي أولى رواياته التي ترجمت إلى العربية ..!
من يغطس في عتمة عالم " بوكوفسكي " سيتعرف على طباعه النفسية ، وعلى أنه كائن يحيا في عالمين ، منقلب ما بين الواقعية الموجعة التي تفاقمت بعد طفولته التعسة مع وجهه الذي لحقه التشويه في أكثر مراحل الإنسان صدمة زمن المراهقة ، تلك الحبوب جلدته بقسوة عنيفة فخلفت ثقوبا في تقاطيعه حتى أنه كان ينعت نفسه بالبشع ، تلك الدمامة التي استعاض عنها بالكتابة ، الكتابة هي حل مؤقت لأزمات الروح ، الكتابة هي انتصار ضمني في عالم متوحش ووحشي وعالمه الخيالي المفرط في حميمية الجسد والبيرة والنساء ..!
على الرغم من تلك الدمامة كان " بوكوفسكي " شاعرا محاطا بالنساء أو هكذا يخال لكل من يتطفل على عوالمه الكتابية شعرها وسردها ، وقد تزوج أكثر من مرة ، ولعل روايته الأخيرة التي ترجمها " شارل شهوان " إلى العربية من منشورات الجمل المعنونة بـــ" النساء " تكشف جل علاقاته وغرامياته بالنساء في حياته ، الرواية التي تفيض بإيروتيكية ، بشهوة فاضحة ولكنه نكهها بسخرية فاضحة أيضا ، حتى يعتقد قارئها بأنه يعطي دروسا مجانية في عالم الجنس ، فلا تكاد تخلو صفحة من صفحات الرواية عن الجسد الطافح بالشهوات ، عن نساء حسناوات ، التقى بهن " بوكوفسكي " في حياته ، صلاته بالنساء الجميلات و البشعات والكبيرات والصغيرات و الشاعرات والمومسات توثقت أكثر حين أصبح شاعرا ، تلكم النساء كان يحولهن بعد شهوة الجسد العنيفة إلى كتلة كتابية متفجرة بلغم الكلمات و غزل العبارات ، الشاعر الذي يبقى وفيا رغم عن كل خياناته لجسد القصيدة وحدها ، يفرغ فيها معالم الحياة التي يخوضها بجنون كائن استثنائي ..
ولكنه وعلى الرغم من ذلك لم يخل من عقدة الضعف تجاه النساء المحترمات وحدهن دون بقية النساء اللواتي كان يجدهن في بحثه الحثيث عن رغبة مشبعة " النساء المحترمات كن يرعبنني ؛ لأنهن في نهاية الأمر يردن الحصول على روحك وما كان تبقى من روحي كنت متمسكا به ، كنت بشكل أساسي أرغب بشدة المومسات ، النسوة الفاجرات ؛ لأنهن كم مهلكات و قاسيات وما كن يطالبن بأي متطلبات شخصية ، لم تكن تخسر شيئا إطلاقا حين يغادرن " ..
كان يتقلب من امرأة إلى امرأة ، بالأدق كن النساء ، المزيج منهن ، يتقلبن في فراشه ، تلك العلاقات التي لم تعرف معنى الدوام ، ربما لأنها كانت تنبع من حرمان الروح ، علاقات جسدية تخلو من الحب الحقيقي دون أن تفقد شبقها في نبش رغبات ممنوعة ، فهو لم يحب في حياته سوى امرأة واحدة أو امرأتين ، ذلك الحب الذي حين يخسر روحه النابض فهو يستعيض عن الخسران الهائل في روحه بمحاولات تعويض تعبر أجساد شتى منهوكة ، مستهلكة و ساقطة من معنى إنساني ونبيل ، ولعل ذلك نابع من يقينه بأن علاقات البشر مهووسة بالسادية والمازوشية وتماهى ذلك بقوة في شخصيته المضطربة وتعاطيه مع النساء من حوله عبر اعترافات عن أدق تفاصيل النساء اللواتي عرفهن في حياته والتقاهن ، و رواية " النساء " تشهد على تاريخه الفاضح في عالم معجون بعرق النساء و فروجهن ..!
ليلى البلوشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق