الأحد، 22 مايو 2011

من " عادل إمام " إلى " دريد لحام " ..!






من " عادل إمام " إلى " دريد لحام " ..!







" جريدة الرؤية العمانية "






هي " ثورة " كانت طفلة وغدت مكتملة ، وفي اكتمالها قطعت عهدا على نفسها وهي تتأمل هتافات الآخرين من أجل إحيائها بالتضحية في سبيلها ، على أن تبذل هي الأخرى جل طاقاتها ؛ كي تقدم لهم قرابين حبهم وثقتهم ووفائهم وتضحيتهم مثلما تعاهدت قوانين الحب في الكون ، وعدت وفعلت ، وجرفت من جرفت ، واقتلعت من اقتلعت من رؤوس الفساد والفتنة ، ورميت من رميت في شرور أعمالهم ومازالت تواصل دربها للخلاص ، وأنفار آخرون لهم حكايتهم مع " الثورة " حينما كانت طفلة لم يربتوا على كتفها بحب ، لم تثر اهتمامهم والبعض شكك في قدرتها على جرف ما تراكم من قرون ، والبعض حقن فيها سموم اتهاماته واتخذها سخرية يتندر عليها وعلى من كان سببا في وجودها ، ولكن حينما استطالت أفعالها الآمال ، غسلوا وجوههم وأزالوا أقنعتهم والبسوها أقنعة أخرى تلائم الوضع الجاري ، كما حدث مع أصحاب الشهرة والملايين والفنانين ، الذين كانوا ما بين كر وفر وخسر من خسر وربح من ربح ..!




على رأس قائمة الفنانين الذين قال وقيل عنهم الكثير الفنان " عادل إمام " الذي يجر خلفه أضواء الشهرة حيثما مشى على السجادات حمراء يفرشها له محبيه من العالم العربي والعالمي ، " عادل إمام " تستعيد الذاكرة العربية أفلامه في فترة السبعينات وهي وامضة في ذاكرة العرب حتى هذه اللحظة ، ذاك الشاب النحيل الذي أضحك الملايين بنقاء قلب ، الشاب المعدم الذي كان مع الغلابة وقضاياهم حبا بحب ، المواطن الصالح في فيلمه " إرهاب وكباب " الذي احتل المبنى الحكومي مع بعض رهائن وظل يضخ فيهم الأمنيات طوال فترة الرهن لعرض مطالبهم على الحكومة ، وفي النهاية لم يطلبوا سوى الكباب ، فقد كان حلم أولئك - المعدومين - تناوله ولو لمرة واحدة في حياتهم على الأقل ..! ومثله مثل أفلامه الأخرى ذات النزعة السياسية الاجتماعية كما في " الإرهابي " و" طيور الظلام " وغيرها ، وكلها كانت تناصر المصري المظلوم الواقع بين أنياب المتوحشين في مجتمع يستبد فيه أسياده ..




لكن ماذا عن " عادل الإمام " خارج شاشة السينما والتلفزيون وخشبة المسرح ..؟!حين كانت الثورة في مناهضتها الأولى صرّح " عادل إمام " واصفا الشباب في ميدان التحرير أنهم مجرد غوغائيين والمظاهرات بأنها " قلة أدب " ، وقد بعث بعقولهم وعليهم العودة إلى بيوتهم ، فسياسية الحاكم المتنحي " حسني مبارك " كانت جيدة ولا تشكو من أي نقصان ..!وحينما هجم محبّوه من الملايين في صفحات الفيس بوك قائلين له بصوت متفق : " عيب يا زعيم " ، عاد " عادل إمام " قافزا من شاشة إلى شاشة ؛ كي يمسح كل لفظة جاحدة من فمه في حق الثورة ، ليسجل عوضا عنها عبارات تصفق في صالح الشعب ، مضيفا أن من حق الحكومة الاستماع للشباب ومطالبهم في الحرية والكرامة والعدل والديمقراطية ، ليؤوّلها إلى قوله المصرح أخيرا : " أنا معكم وفي صفكم " ، بعدما رأى بأمّ عينيه " سقوط التمثال " الذي اتكأ عليه ..!




إلى " دريد لحام " الفنان السوري الذي جسّد شخصية " غوار الطوشة " التي ألصقت بجلده رغم حشد الشخصيات التي مثلها هذا الفنان ، " غوار الطوشة " الشخصية التي رمزت إلى الشخص السوري العادي الذي كان يكافح من أجل لقمة عيشه ، ويتحدث عما يصادفه من مشاكل في حياته كلها ، هذه الشخصية التي من تأثيرها في مجال التمثيليات اعتلت منصة المسرح ، وعرف عنه في الماضي بأنه يكتب ويخرج ويمثل أفلامه ، وينقد ما هو خطأ في المجتمع العربي ، ويبصر المشاهد بمآسي الإنسان البسيط ، حيث كان غوار يجمع في سياق حديثه المصائب الشخصية للمواطن ، والمآسي التي تواكبت على الإنسان العربي في كل بقعة من أرجاء المعمورة ، بل من ينسى الفنان في مسرحيته " كأسك يا وطن " التي كانت دعوة لإيقاظ المواطن العربي من سباته العميق.. وتنتصب أيضا هنا " لكن " الاستدراكية ، وهي هنا تحتمل معان عدة ضمنية إضافة إلى معناها الحقيقي هي هنا " تستنكر " و" تندهش " و" تثور " و" تحتار " وأشياء أخرى كثيرة ..!




في قصيدة " ترميم قضية أو مجد الصغائر " يقول مؤلف مسرحية " كأسك يا وطن " الشاعر " محمد الماغوط " : " تصرخ أدوات تعبيري في وجه القدر والطغيان / كما لم يصرخ ثائر من قبل .." وكلنا يعرف جيدا أن " ماغوطا " كان جسدا من قول معجون بفعل وكان سيسقطها ثائرا صارخا في وجه الطغيان حتما إن كان قلبه ما يزال ينبض كما كلماته تنبض ..




وندرك كما سيدرك الآخرون أن " دريد لحام " ما هو سوى ممثل وكم فاتنا ذلك ، وأن صرخاته الثائرة طوال تلك الأعوام على أنظمة القمع والطغيان ، لم تكن سوى سطور حفظها من سيناريوهات التمثيل ، خطها غيره بدم كرامته وحريته ورغباته المتأججة في نيل المستحيل للمعدمين في كل مكان ، ما كانت سوى أصوات كاتبيها ، وما كانوا هم سوى ممثلين.. ولهذا هل على معجبي ومحبيّ الفنانين " عادل إمام " و" دريد لحام " وما يماثلهما أولئك الممثلين على إلقاء اللوم عليهم أو حتى محاسبتهم .؟!




الحقيقة تقول : إنهم " ممثلون " يا سادة ، يا أيها المعدمين ، يا من تركتم أحلامكم الفقيرة على أبوابهم ، يا من منيتم أنفسكم المهزومة على نيل ربق انتصاراتها منهم .. إنهم " ممثلون " يقومون بأعمال يأخذون عليها أجرا ماليا وقدره .. وتلك المبالغ هي نفسها حولتهم من شابين لا يملكان قرشا إلى أصحاب الملايين ، ألبستهم الكرافتة والبذلة الأنيقة ووجه منفوخ الخدين مع كرش متدل ، ومنزل فخم مفروش بالسجاد الفاخر وسيارات فارهة ، خدم وحشم وأحلام لا تصاغر أبدا أحلام الفقراء ، التي نسوها تماما إلا في أدوار مكتوبة النص بقلم كاتب حالم عن المعدمين .. !




وكأن أوضاعنا العربية في هذا العام بالتحديد ليست قضية ما " قبل " و" بعد " وحدها بقدر ما هي قضية مأزومة ما بين " لكن " و" لكن " ..! لكن الناس ، محبيهم ، لم يقنعوا بفكرة أنهم " مجرد ممثلين " ، خصوصا في وزن فنانين كـ " عادل إمام " و" دريد لحام " ، فهذين الممثلين أضحكوهم ، أبكوهم ، جسوا معاناتهم بعمق ، ربتوا على أكتافهم بمحبة ، صرحت أدوارهم عن المكشوف في عوالم الفساد والطغاة ، حرضوا العقول على بعث الوعي وإيقاظ الضمائر وهتافات المنادية بالكرامة والحريات والقيم النبيلة والقومية والوطنية ، حتى غدا كليهما رمزين لامعين من رموز الوطن والمواطن العربي في كل قلب وعقل ، وهو السبب العميق والكبير الذي جعل وجود اسميهما على أفيش أي فيلم هو صك الضمان لجماهيرية الفيلم ونجاحه ، وهو السبب عينه الذي راكبهما في مكانة عالية من النجومية ، بقيت حتى آخر رمق دون أن يأفل قمرها ولو للحظة ، رغم جمهرة الممثلين آخرين في مضمار التمثيل ..




وهنا تحتشد الأسئلة القلقة الحائرة : فهل مهنة التمثيل هي " حمالة أدوار " فقط ؟ لأنهم يخاطبون أكثر العقول بساطة ، فهي تؤمن بهم وتصدق كل ما يعرضونه على أنه واقعهم هم ، على أنهم داخل وخارج الشاشات يناصرون القضايا نفسها ، ولكن أليس " الفن " رسالة " كالكتابة وكالفن التشكيلي بأنواعها المختلفة ..؟! لماذا يحاسب الكاتب على كل كلمة وعبارة يسجلها ، أليست القصص والروايات حكايات على ورق من الخيال ..؟! وتلكم الرسوم التي تستصرخ ألوانها على شراسة الواقع الموجع ، هل هي مجرد فنون للتعبير ليست من الضرورة أن تمثل مبادئ راسميها ..؟!




ليس من حقنا أن نلومهما أو حتى نلوم غيرهم ، وهذا المقال خارج مبدأ التأنيب أساسا ، لكن ونعود للفظة " لكن " على هذين الرمزين الكبيرين إقناع الناس " الدراويش " أن كل ما كانوا يفعلونه طوال سنوات تمثليهم ، كان ضمن التمثيل لا أقل ولا أكثر ؛ كي لا يرجمهم جمهورهم بعد الآن بقول : " ما يصحش كده يا زعيم " و قول : " يا عيب الشوم يا غوار الطوشة " ..! عليهم أن يقنعوا العالم الذي صفق لهم من قلوبهم المحبة ، أن ما كانوا يمارسونه مجرد دور سلطت عليه كاميرا شاشاتهم الصغيرة ، لا تمت إلى شخصياتهم الواقعية بصلة في شاشة العالم الواقعي ..! فليعلنوا أنهم أحرار كبشر ، في تعاطي مواقفهم ، من السلطة ومن الشعب ومن كل شيء ، ولكن أيضا عليهم بألا يطالبوا أولئك الشعوب بتصديقهم بعد الآن مطلقا ، وأنهم مجرد " أراجيز " خيوطها بيد السيناريو في النص ، وبيد المصالح في خارج النص ..!




أولئك البسطاء ، كم صدقوهم حد السذاجة ، دون أن يدوّرا طاحونة الرحى في عقولهم ولو لمرة واحدة أن ما كانوا يذرفونه تلكم الرموز من دموع ، كان مجرد دموع " مسلسلات " ..!







ليلى البلوشي










هناك تعليق واحد: