الأحد، 1 مايو 2011

فتاة الوشاح الأحمر وتاريخ ماو



فتاة الوشاح الأحمر وتاريخ ماو



" فتاة الوشاح الأحمر " رواية صينية وهي سيرة موجزة عن المؤلفة ، كما كتب عنها المترجم : " ولدت في شنغهاي في الصين في عام 1945م ، كانت طالبة متفوقة عام 1966م تحلم بمستقبل مشرق عندما أطلق الزعيم ماو ثورته الثقافية ، فتغير كل شيء وأصبح الذكاء جريمة كما هو السيرة الخاصة بالعائلة إن كانت ميسورة الحال "



واستوقفتني لوهلة عبارة المترجم : " كانت طالبة متفوقة " ، فما علاقة هذا بالرواية التي أنا في خضم قراءتها ؟! ولكن حال انتهائي من قراءة الرواية ، التي لم تستغرق مني سوى نصف يوم ، فهمت مدلول هذه العبارة التي ركز عليها المترجم ।



الرواي، الذي عاش في كهف ة التي بين أيدينا هي رواية صينية ، وإذا ما كانت الروايات الصينية التي مرت علينا سالفا روايات خصصت في مضامين سطورها حديثا موجزا عن الزعيم الصيني " ماوتسي يونغ " والثورة الثقافية كما في رواية " بلزاك الخياطة الصينية الصغيرة " للكاتب " داي سيجي " والكاتبة " آنتشي مين " في روايتها " الأزاليا الحمراء " ، فإن هذه الرواية كان لها نصيب الأسد ؛ ولا أبالغ إن وجهت نصيحة لكل من يرغب بالتعمق في جذور الثورة الثقافية والصين في عهد الزعيم ماو ، فإن هذه الرواية من أكثر الروايات التي فصلت في هذه الأمر ؛ لأنها سيرة حياة كاتبة عاصرت وهي ما تزال تلميذة صغيرة في الثانية عشرة من عمرها ، التاريخ التفصيلي لكل ما مرت به الصين من محن ، وهي مخزون ذكرة الثورة الثقافية ।



رغم أن الرواية سيرة الكاتبة ، لكنها استطاعت سرد أحداثها بموضوعية كبيرة ، قوامه الصدق والبراءة والنظرة المحايدة للأمور ॥



" ماو تسي يونغ " قليلة جدا المعلومات حول هذا الزعيم * ، الذي عاش في كهف في مدينة شنسي ، ظل فيه لأربعة عشر عاما ، رغم شهرته وتأثيره الكبير على أقوى شعب من حيث تضخم العدد السكاني ، لم يكن من عادة " ماو " أن يحكي عن نفسه في حضرة الصحفيين ، بل كان رجلا هادئا يميل للصمت ، والصحفي الوحيد الذي استطاع أن يجري مقابلتين التي أجرت الأولى قبل تزعمه ، والثانية بعد تزعمه إلى كتابين من تأليف هذا المراسل الصحفي ।



تولى " ماو " قيلدة الصين في عام 1949م حتى وفاته 1976م ، ولا يمكن القول سوى أن هذا الرجل الذي كان مفكرا وشاعرا ، تمكن من القبض المحكم على العقول الصينية من خلال أفكار تزعمها ، ومما لا شك فيه أن هدفه في جعل الصين في مصاف الدول الكبرى كان هما من همومه ، واستطاعت بالفعل الصين في عهده أن تحرز تقدما في منشآت عدة ، ولكن في الوقت نفسه سنجد أن هذا الزعيم بعد أن غسل عقل شعب بأكمله بفرقه الشيوعية ؛ لم يجانب هدفه في الناهية سوى الحفاظ على مركزه القيادي ضد منافسين له على السلطة ، وهي خدعة تفجرت في وجه الصينيين حين وفاة زعيمهم ، ولكن يحسب له بالتأكيد العبقرية الفذة في أن يمسك الشعب بقبضة واحدة مطمئن البال ، حيث جعل كل شيوعي يحكم نفسه بنفسه ।



في إبان الثورة الثقافية تغيرت أحوال الصين تغييرا جذريا ، هذه الثورة التي تعرف رسميا بالثورة البروليتارية العظمى ، وهي الحركة الاجتماعية والسياسية العنيفة التي سادت في الصين خلال عامي १९६६ و1967م ، وخلالها تعرض الكثيرون من الأبرياء للملاحقة العنيفة ، أطلق " ماو " هذه الثورة للتخلص في الغالب من التأثيرات المعادية للشيوعية ، ولكن تبين في وقت لاحق أن " ماو " أطلق العنان لهذه الفوضى من أجل حماية موقعه السياسي كما أشرنا آنفا ، فهذه الحركة رفعت من مستوى الفلاحين والمعدمين ، في حين قمعت طبقة الملاكين الذين حوكموا لمجرد أنهم أغنياء برجوازيين ، أو لأن قبائلهم سلالة كانت أجدادها من الملاكين ।



نتج عن ذلك ظهور حشد من المفاهيم والمصطلحات ، وقد عرضت جزءا كبيرا منها في هذه الرواية ، ويشكر للكاتبة بأن خصصت في ختام روايتها تفصيلا لكل مفهوم من تلك المفاهيم ؛ كي تزيل أي لبس في عقل القارئ ।



ولأن الحكاية تجري على لسان تلميذة صغيرة في الثانية عشرة من عمرها تدعى " يانج " ، فإنها تنطلق في حديثها عن مدرستها الابتدائية ، وهي في الصف السادس ، حيث جاءت الأجواء تلائم الأحداث الجارية وقتئذ ؛ ففي الفصل في أعلى السبورة صورة للزعيم " ماو " ، وثمة ورقة موازية لأسفل الصورة دونت عليها عبارة من عبارات " ماو " " ذاكروا بهمة وتقدموا في كل يوم " بينما التلاميذ يرتلون في حصة الموسيقى نشيد رواد الشباب محاولين ضبط الايقاع المربك : " نحن رواد الشباب ، وارثوا الشيوعية ، وعلى صدورنا ترفرف الأوشحة الحمراء "



انقسم الشعب الصيني في عهد " ماو " إلى قسمين ، قسم يحمل الملف الأسود وهم طبقة الملاك أولئك الإقطاعيين الذين نال على أيديهم الفلاحين أشد التنكيل كما آمن الشيوعيون بذلك ، وقسم آخر أولئك الحاملين للملف الأحمر وهم طبقة الفلاحين والموظفين والمعدمين ।



وعلى طول الرواية سرد عن التظلم الذي تعرض له هؤلاء الحاملين للملف الأسود ، وهو ضغط قاس كابده الصغار في المدارس ، والكبار في وظائفهم ، فالصغار المنتمين لطبقة الأثرياء منعوا من الترشيح في جيوش أشبال الأحمر ، أولئك الذين يملكون امتيازات عدة ، ومنعوا من الانتماء لمركز التثقيف الصحي ، وكانت نظرة التلاميذ الباقين حاملي الملف الأحمر للآخرين نظرة تحمل ثقلا من الكراهية ، فهؤلاء أذلوا في زمن غابر الفلاحين والفقراء في أرجاء الصين ، وكانت الكاتبة مصنفة ضمن تلك الطبقة الملطخة بالسواد ।



وكان للطلبة في المدارس على كافة مراحلهم ، دورا تزّعم معظم الحركات التي قام بها الشيوعيون ، فالطلبة في المدارس الابتدائية ، كانوا يدأبون على إرساء أنظمة فرضها زعيمهم المقدس" ماو " وهو تدمير القديمات الأربع لتحل محلها الجديدات الأرضع ، وكانت تشمل هذه القديمات الأربع الأفكار والثقافة والعادات والمفاهيم القديمة البالية ؛ ففي هذه الرواية تقوم فرقة من الجديدات الأربع تحطيم لافتة مكتوب عليها سوق الازدها العظيم ، ويسعى هؤلاء إلى تكسيرها ؛ لأن عنوانها يحمل نوعا من الاستغلال للناس ، وفي الحافلات حرص المنتمون للحرس الأحمر من طلبة المدارس الثانوية على ملاحقة كل من يرتدي ثيابا تمثل القديمات الأربع خصوصا السراويل الضيقة والأحذية المدببة ، ونرى في الرواية كيف أن رجلا تمزق هذه الفرقة ثيابه وحذاءيه على ملاءى من الناس ؛ نتيجة لمخالفته لأفكار ماو !



ومن جانب آخر ظهر ما يسمها بكتابة " دا - زي - باو " ويعنى بها كتابة ينقذ بها طلبة المدارس هيئات التدريس ومعلميهم ، وقد حفل الطلبة بهذا القرار ، غير أن " يانج " حين أرادت أن تكتب نقدا تذكرت معلمتها " غو " التي كانت بمثابة أم حازمة ، ولكنها محبة لها ، فقد كانت مخلصة في عملها ، فلم تستوعب فكرة ربطها بالأشرار ।



بينما الكبار المنتمين لطبقة الملاكين ، فقد تعرضت منازلهم للتفتيش ، وقد صودرت كل ممتلكاتهم التي كانت تمثل نوعا من القديمات الأربع ، والمدهش في أن المرأة في عهد " ماو " التي تتبرج وتبالغ في ملابسها وتزين نفسها ، تعد امرأة برجوازية تستحق أن تتعرض للنقد اللاذع وفوق هذا تعاقب بكنس الشوارع ، كما حدث مع العمة " تشي - وين " التي كانت على قرابة مع عائلة " يانج " ؛ فتعاليم " ماو " تقول : " الجمال الداخلي أهم كثيرا مما يبدو على السطح " ।



كما تعد وجود خادمة في البيوت جريمة ، وعليه تقوم عائلة " يانج " بالتخلي عن خادمتهم " بوبو " التي كانت معهم مذ كانت طفلة وليس لها مكان محدد تذهب إليه ، ولكن تعاليم الزعيم ترى أن وجود خادمة هو نوع من استغلال بشري فظيع ।



وأنكل صراع تتعرض له " يانج " وهي تسرد ذكرياتها حين ألقي القبض على والدها وتعرضه للتحقيق في مقر عمله في المسرح حيث يعمل ، وقد أجبرت الطفلة على الإدلاء بشهادتها في محاكمة والدها على أنه معاد للثورة ؛ وإن أبت تكون هي ضمن أشد المنكلين لتعاليم الزعيم !



ونرى كيف أن هذا الصراع يتفاقم في داخلها ، وتتعرض لضغوط كثيرة ، فعديدون حين تعرضت عائلاتهم لموقف مشابه تخلوا عن أسماء عائلاتهم ، وطهروا أنفسهم من الطبقة التي ينتمون إليها ، كان هذا بمثابة فرصة جديدة منحها الشيوعيون لكل من يريد أن يتطهر من ماضي طبقته غير المشرف ، وتحشد الرواية مواقف رهيبة تعرضت لها معظم الأسر الحاملين للملف الأسود في عهد " ماو " ।



فحمى التنكيل بهذه الطبقات اشتاحت الشعب بأكمله ، حتى أن المنتمين للطبقة البرجوازية يتخلون عن أسماء عوائلهم وعن والديهم لتطهير أنفسهم ؛ كي ينعموا بالسلام ؛ فقد كانت تعاليم الزعيم الصيني مقدسة جدا ، وجمعت في كتاب كان يدعى وقتذاك بـ " الكتاب الأحمر الغالي " يردده عن ظهر قلب كل صيني آنذاك ।



ورغم مرارات التي ذاقتها المؤلفة حينما كانت طفلة وعائلتها وكل إقطاعيين في عهد " ماو " على أيدي الشيوعيين من أشكال التنكيل ؛ لمجرد أن أجدادهم كانوا من أصحاب الملاكين ، نجد اعترافا في مختتم الرواية حيث تقول الكاتبة : " سألني الكثير من الأصدقاء عن سبب عدم كرهي للزعيم ماو أو الثورة الثقافية في تلك الفترة ، بعد كل ما عانيته ، وإجابتي على ذلك بسيطة تماما : كانت أدمغتنا مغسولة ॥" وتضيف : " بالنسبة لنا كان الزعيم ماو عبارة عن إله ، فهو يسيطر على كل ما نقرأ ، وكل ما نسمع ، وكل ما نتعلم ، ومن ثم كنا نصدق كل ما يقول ، بطبيعة الحال لم يصل إلينا إلا كل ما هو جيد عن الزعيم ماو وعن الثورة الثقافية ، وما غير ذلك كان خطأ الآخرين ؛ أما ماو فلا لوم عليه "


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



* لمزيد من المعلومات عن الزعيم " ماو " يمكن قراءة كتاب " ماوتسي تونغ " للمؤلف جورج مدبك ، سلسلة عالم مشاهير




ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق