الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

مفارقة مشبّعة برائحة الموت ..

مفارقة مشبّعة برائحة الموت

الرؤية / العرب

   مفارقة مدهشة تلك التي تسامقت لديّ ، حين عكفت على قراءة قصة حياة الصحابية " عاتكة بنت زيد " – رضي الله عنها – في الأسبوع عينه مع قصة حياة الشاعرة الأميركية اللاتينية الحاصلة على جائزة نوبل " غابرييلا ميسترال " ..
 فكلا المرأتين باختلاف مكانتهما وظروف زمنهما والأحداث والطوارئ التي تعاقبت عليهما في تاريخ البشرية إلا أن حياتهما كأنما غزلتا على ثيمة الموت .. ذاك الموت الذي أضحى حقلا ملغّما مسوّرا حول قدرهما و كل من يطأ الحقل ينال نصيبه من حفنة الموت ..
فـ" عاتكة بنت زيد " هي أخت " سعيد بن زيد " – رضي الله عنهما -  كاتبة وشاعرة رائعة الجمال ، في حياة عاتكة ظاهرة تستلفت النظر وتستدعي التأمل والتعمق ، هذه الظاهرة هي أنها ما تزوجها رجل من صحابة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلا كانت خاتمة حياته الشهادة ..!
تزوجها أولا عبدالله بن أبي بكر – رضي الله عنهما – ثم قضى شهيدا يوم الطائف ، ثم تزوجها زيد بن الخطاب فقضى شهيدا يوم اليمامة ، ثم تزوجها عمر فمات عنها شهيد المحراب ، ثم تزوجها الزبير بن العوام فمات عنها شهيدا يوم الجمل ، وكان آخر أزواجها الشهداء الحسين بن علي شهيد الكربلاء ، فلقيت وجه ربها بعده بزمن يسير.. ولذلك قال فيها عبدالله بن عمر بن الخطاب : " من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة " ..
أما " غابرييلا ميسترال " هي الأخرى كان الموت يتنفس حولها ، ولكنه قبل أن يتنفس من رئتيها شفط الأكسجين من رئات الذين تعاقبوا على حياتها ، فكان الموت لهم بالمرصاد .. كان أولهم " روميليو أوريتا " الرجل الذي أحبته كان يعمل في شركة سكة حديد وانتحر بإطلاق الرصاص على نفسه بعد إدانته بتهمة اختلاس لتبدأ بعده طرقعات البؤس في حياتها ..
وفي خلال الحرب العالمية الثانية عملت ميسترال قنصلا فخريا لبلادها في البرازيل ومن هنا نشأت صداقة وثيقة بينها والكاتب النمساوي " شتيفان زفايغ "  وزوجته غير أنها سرعان ما انتهت بمأساة انتحارهما معا في " ريودي جينيرو " قد بلغت في نفسها مبلغا عظيما ؛ مما انعكس على حالتها الصحية ، وما تكاد تهدأ دويّ تلك الفرقعة حتى صفعتها فرقعة أعنف دويَّا وذلك بإقدام ابن أخيها " خوان ميغيل " على قتل نفسه ، وكان آخر سلسلة موتاها هو الطفل الذي تبنته ميسترال فتركها تتخبط في فوضى المآسي ، وحيدة ، منفردة ، فلم تتزوج أبدا وفاء لحبيبها المغدور ، وظلت طوال حياتها تواقة للأمومة التي وجدت نبضها الحقيقي في صفحات قصائدها المعتقة .. ولا عجب أن تحيي ذكرى موتاها في ديوان " سونيتات الموت " وهي القائلة : " الحياة حجّ غامض يفضي إلى الموت " فطوى السرطان صفحة حياتها المليئة بثقوب الموت واليأس في جنازة شيعّها أكثر من نصف مليون مواطن تشيلي مرفرفة بلقب " المملكة الروحية لأمريكا اللاتينية " ..
تلك المفارقة المشبعة برائحة الموت أذهلتني ..!


ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق