الخميس، 22 سبتمبر 2011

بين مداهنة السلطة وتحدي قمعها ، هل دور من دور للمثقف في الثورات العربية ؟















بين مداهنة السلطة وتحدي قمعها هل من دور للمثقف في الثورات العربية؟




جريدة الطليعة الكويتية ..










كتبت هدى أشكناني:




تعد الثقافة من أهم عوامل نجاح ورقي وتنوير المجتمعات، ودائما ما ترتبط بمفاهيم كبيرة تندرج تحت مظلتها كالتغيير، الديمقراطية، الحرية، التنوير، الإصلاح.. الخ.




ومنذ القدم، كانت الثقافة ولا تزال تشكل فوبيا لكل الأنظمة الدكتاتورية، وخير ما يعبر عن هذه الفوبيا مقولة وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر وألمانيا النازية جوزيف غوبلز «كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي»!




ولهذا، تحرص الأنظمة القمعية على منع المثقفين من تحريك الشارع والشعب بشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة، فبعضها يلجأ إلى قتل أو اعتقال مثقفي التغيير، والبعض - وهو الأدهى والأقسى - يقوم بتطويع المثقفين من أجل «التلميع» لهذا النظام تحت التهديد بقتله أو إبادة عائلته.




وهذا يجرّنا لتساؤلات كثيرة.. ما علاقة الثورة بالثقافة؟ وهل الثقافة هي من تصنع الثورة؟ اعتقال المثقف والثقافة هل سيحد أو يمنع من قيام ثورة؟




يختبئون في اللحظات الحاسمة




يقول الكاتب السوري عدنان فرزات: المثقفون إذا دخلوا ثورة أفسدوها.. نعم، فليس بالضرورة أن تكون هناك علاقة بين الثقافة والثورة، هناك ثورات جياع مثلا لا علاقة لها بالثقافة، وهناك غضب شعبي يحدث في الشارع نتيجة ضغوط وتراكمات قمعية كأن يحرم الإنسان من حقوقه في حرية الاعتقاد مثلا، أو حرية الرأي، أو يجعله مهاناً على الدوام، فينفجر بشكل عفوي ومن دون تخطيط مسبق، وبعد أن يتمرغ هذا الإنسان البسيط بطين الثورة، يأتي المثقف بكامل أناقته ليلتقطها بمنديل ورقي ويضعها في جيبه، وكذلك يفعل السياسيون المحترفون بهذه الثورات، إذ غالبا ما يصادرونها.




ويضيف قائلا: الثورات غالبا ليست من صنع المثقفين، والمضحك أن البعض منهم يمهدون للثورات نظريا قبل قيامها بسنوات، أي يكتبون الشعر الثوري والسرد والمقالة والمسرحية عن الحريات، ويثوّرون الناس، ثم عندما يصدقهم الجمهور، ويخرجون إلى الشارع، يتوارون خائفين وكأنهم لم يدعوا إلى شيء، بل قد تستميلهم السلطة لتهدئة الشارع أيضا، ولكنهم سيصدمون هنا بحقيقة مهمة جدا، وهي أن الشارع أصبح خارج وصايتهم.. ويصبح المثقف هنا هو التابع يتعلم من الشارع أبجديات ثقافة الحرية.




ولكن، علينا ألا ننكر دور عدد محدود من المثقفين الذين كانوا منسجمين فكريا وسلوكيا، فشكلوا بمواقفهم دعما حقيقيا للثورات، فمثلا هناك مثقفون في مصر حرسوا المتحف الوطني على قدر استطاعتهم، وآخرون قاموا بدور كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبعضهم في أماكن أخرى تعرض للاعتقال أو للاعتداء، ولكن كل هذا القمع للمثقف لا يمكنه أن يطفئ شعلته، فهذه جدلية العلاقة الأزلية بين الطاغية والتنوير، وفي النهاية ينتصر أصحاب الفكر وينهزم الطغاة..




الانتماء والمبادئ




يؤكد الشاعر والروائي الفلسطيني أنور الخطيب أن الثقافة كلمة واسعة جدا، تتسع باتساع الأفكار والقيم والتوجهات والمواقف، وليس بالضرورة أن يكون الإنسان المثقف ثوريا، هناك مثقفون عنصريون ونازيون، وهناك مثقفون يشكلون أذيالا للسلطات، هؤلاء مثقفون انتهازيون، وفي المقابل، هناك مثقفون إنسانيون وطنيون يناضلون ضد الظلم والتمييز والعنصرية بكافة أشكالها، وكل ثورة تتأسس على الوعي، فالثقافة تسبق الثورة بالتأكيد، والمثقف الحقيقي الإنساني الذي يقف ضد الظلم والتمييز يحتل مرتبة في طليعة مجتمعه، ويتعرض للاعتقال والتنكيل لكنه يتمسك بمبادئه وقيمه وأفكاره، شرط أن يكون وطنيا ملتزما بحاضر وطنه ومستقبله، ويغلّب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، هذا المثقف هو نواة الثورة، والمثقف هنا هو المبدع والكاتب والفنان والأكاديمي والإعلامي والمحامي وغيرهم، وأنا أعتقد، أنه كلما زاد التنكيل بالمثقف ارتفع صوت الثورة المطالبة بالتغيير، ولا سيما في عصرنا الحالي، عصر ثورة الاتصال والتكنولوجيا، والسلطة التي تواجه المثقف بالقمع إنما تحفر قبرها بيدها، وتأخذ المجتمع كله نحو الهاوية، لقد حاولت السلطات الاستبدادية على مدى العصور أن تقمع المثقف، لكنه ينتصر دائما، لأنه يكون قد أسس لنوعية إدراك لا يمحوها الزمن، وبالتالي، تبقى الكلمة أقوى من الرصاصة، وإن انتصرت الرصاصة مؤقتا..




ويسلط الضوء أكثر فيقول: مشكلتنا في الوطن العربي، أن نسبة كبيرة من المثقفين في الوطن العربي داهنت السلطة على مر سنوات طويلة، لكنهم تساقطوا، وإن حققوا مجدا شخصيا في فترة ما، وما يبقى في الذاكرة، وفي وجدان الشعوب، تلك الإضاءات الصادقة التي تحملت الحفر في الليل وصولا إلى الضوء، هؤلاء يرسخون في قلوب الناس، ويكونون شعلة الثورة.




الميدلوجيا بديلاً عن المقهى




وكان للكاتب كريم هزاع رأي مختلف، حيث يقول: لا نستطيع تحييد أو تهميش دور المثقف في الثورة، وإلا ماذا يعني مصادرة الكتب والوعي واعتقال المثقفين ومصادرة كتاباتهم ومقالاتهم وفنهم الهادف؟ ماذا يعني تقريب مثقفي السلطة وتدليلهم وإبعاد المثقفين الحقيقيين وتهميشهم؟ لا شك بأنه كانت هناك تربة أو جذور وخطاب سابق لهذه الثورات ساهم المثقف في إيجادها أو صنعها إلى جانب عوامل أخرى ساهمت في قيام الثورة، وهناك حراك اجتماعي سياسي ثقافي، والمثقف عود في تلك الحزمة، ولا ننكر أن الاجتماعي والمتمثل في الشارع كان على رأس تلك العوامل وربما الاقتصادي هو أهمها جميعاٌ بعيدا عن المفهوم الأيديولوجي.




وعزّز هزاع رأيه، مضيفا: المثقف ما زال فاعلاٌ ويشكل خطرا على الدكتاتور ولسنا ببعيدين عن محاولة اغتيال رسام الكاريكاتير علي فرزات أو اغتيال كامل شياع أو هادي المهدي وسجن الكثير من المثقفين الذين يشكلون خطرا على السلطة في سوريا أو سواها من البلدان التي قامت فيها الثورات، أو التي لم تقم فيها ثورة حتى الآن، كما أننا نستطيع أن ندلل على صوت المثقف من خلال إبداعه الذي رصد به حالات القمع والدكتاتورية .




سقوط الأقنعة




الكاتبة العمانية ليلى البلوشي قسّمت أجوبتها تفصيلا: علاقة الثورة بالثقافة هي علاقة شعارية في البدء ثم توجيهية حتى تحدث ثورة وتحقق أهدافها المرجوة، فإن الثقافة هنا تكون قد أفلحت في تحقيق ما أرادته من أهداف بالدرجة عينها.




كيف تكون الثقافة شعارية؟




هنا، بما أن المثقف لديه مخزون فكري وسعة ثقافية؛ فهو يدرك جيدا ومعرفته تسعفه بالعبارات التي تصلح أن تكون شعارات ذات تأثير عميق على نفسية الفرد في المجتمع بغية نهوضه من غفوة صمتية دامت دهورا، طوال تلك السنين وبعض المثقفين المخلصين في عمل دؤوب لإفشال خطط الأنظمة المستبدة، لتقويضها من أجل إصلاح المجتمع ومن باب عدم السكوت على الظلم والطغيان؛ وبالإضافة إلى السجن والنفي طالما لحق بهؤلاء المثقفين أشد أنواع التعذيب التي تنوعت أساليبها من حرق وقطع لسان وبتر أيد وأرجل وسحق أصابع.




لكن تضحيات هؤلاء المثقفين لم تذهب سدى؛ فقد هاجت الشعوب العربية وتغير الفكر العربي، فبعد أسلحة الحرب الصامتة التي طوعتها الأنظمة الفاسدة بين أبناء الشعب الواحد سقطت الأقنعة وانكشفت الخطط، وعرف الجميع نوايا الأنظمة وأغراضها الشخصية البحتة التي ترسو بمصالحها فوق أجساد شعبها، بغية إذلاله وإفشال أي محاولة لنهوضه.. لكن الشعوب العربية نهضت وحدثت الثورة والأهداف في طريقها لإثبات التغيير في حركة وصناعة التاريخ، وهذا ما يمكن تسميته بالجانب التوجيهي.




وتردف قائلة: الثقافة لوحدها لا تصنع شيئا كاليد الواحدة التي لا تصفق؛ لهذا نقول حتى يكتمل التأثير وتقوم الثورة بعد أن تصنعها الثقافة لا بد من رجل الشارع، فمع شعارات المثقف وصوت رجل الشارع ومساندته في المسيرة الإصلاحية تتكون ثورة حقيقية ذات صدى حاشد. وربيع الثورات خير دليل، فلولا رجل الشارع البسيط لما حدث ما حدث، وكما يقول عائض القرني وهو يصف أحوال قاعدة العرب: «حال قادة عرب عديدون انقلبت إلى الأسوأ لأنهم ظلموا، فابن علي طريد، ومبارك سجين، والقذافي خنيق، والأسد غريق، وصالح حريق..».




وتضيف البلوشي: في أزمنة الخوف العتيقة، كان العقاب الذي يناله المثقف يدفعه للصمت ونادرا للتمرد، والتمرد غالبا ما يكون خارجيا حين تنأى المسافات الجغرافية عنه ووطنه؛ لأنه في بلده لن يسلم، كما حدث مع الصحافي اللبناني سليم اللوزي الذي كان مطاردا من السلطات السورية في عهد الأسد الأب، وكان المسكين هاربا من بطش السلطة القمعية، ولكنه اضطر للرجوع ليشهد جنازة أمه الراحلة في بيروت حيث تواجدت قوات الردع السورية، وفي اعتقاده الطيب أن للموت حرمة؛ ولكن لا حرمات عند أنظمة الظلم والاستبداد فاغتيل بعد عشرة أيام من وجوده في أرض الوطن ووضعت أصابعه التي كان يكتب بها في فمه!




اليوم تبدلت الحال، وماتت أصوات الخوف وجرت الألسنة على قول الحق، اليوم أي اعتقال يلحق بالثقافة والمثقف لا يسكت عنه من قيام تظاهرات وحشود وأصوات هتافات وشعارات رافضة للوضع؛ من دون أن يفوتنا حجم تأثير وسائل التواصل الحديثة، الفيسبوك وتويتر، اليوم عرفت أنظمة القمع مكانة المثقف والثقافة ورجل الشارع خير معرفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق