الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

رؤى أمين معلوف عن الزعيم الناصري في اختلال العالم ..!

رؤى أمين معلوف عن الزعيم الناصري في اختلال العالم ..!

الرؤية / العرب

في كتابه ( اختلال العالم ) يعرض الكاتب الروائي والباحث " أمين معلوف " أهم رؤاه عن عصر عربي مثير للجدل والانتصارات والخيبات والجماهيرية والهزائم والنجاحات والإخفاقات ؛ كل ما سبق في خليط مدهش عن قامة عربية جاءت في وقت كان فيه العرب منهزمون ، منكسرون ، وعندما أعلن عن مجيئه التّف العرب حوله بجماهيرية خلدها التاريخ لزعيم تاريخي " جمال عبدالناصر " ..!
في البداية يلقي الكاتب " أمين معلوف " الضوء على الحالة النفسية التي صاحبت العرب والدول العربية قبل مجيء " جمال عبدالناصر " ؛ كان العالم العربي في بداية الخمسينات خارجا توا من العصر الاستعماري ، كان المغرب لا يزال تحت السلطة الفرنسية وإمارات الخليج خاضعة للتاريخ البريطاني ، بينما دول عربية أخرى وإن نالت حريتها ، فإن استقلالها كان شكليا كحال " مصر " ، فقد كان الإنجليز يؤلفون حكومات ثم يسقطونها دون المراعاة أو الرجوع للملك " فاروق " الذي كانت مكانته في انحدار شديد في عيون شعبه ، ويعود ذلك لأسباب منها أسلوب عيش الملك وفساد محيطه ، وتساهله المفترض مع الإنكليز ، ناهيك عن هزيمة جيشه المخزية أمام إسرائيل منذ سنة 1948م ..!
كل تلك الأسباب كثفت من ظهور وجسارة مسعى الضباط الأحرار بقيادة الزعيم " عبدالناصر " الذين استولوا على الحكم في القاهرة في يوليو 1952م والتي عرفت فيما بعد بثورة يوليو 52 ، والتي جاءت لتعد الشعب المصري والعربي بالتعويض عن الإهانات التي تعرضوا لها دفعة واحدة ، هؤلاء الضباط الأحرار الذين كانوا يحلمون بوضع حد للنظام السابق ، واستكمال الاستقلال عن طريق التخلص من النفوذ الإنجليزي ، واستعادة فلسطين من اليهود ، وقد كانت هذه الأهداف متطابقة مع طموحات الجماهير المصرية كما مع طموحات كل الشعوب العربية ..!
في مثل هذه الظروف استقبلت مصر والشعوب العربية " جمال عبدالناصر " بترحيب عظيم بعد طول انتظار وأثار خطابه القومي الحماسة بشكل كبير وسريع ؛ فقد كان العرب يحلمون منذ زمن طويل بظهور رجل يقودهم بيد واثقة نحو تحقيق أحلامهم والتي هي الوحدة ، والاستقلال الحقيقي ، والتطور الاقتصادي ، والتقدم الاجتماعي ، واستعادة الكرامة قبل كل شيء ..
أرادوا أن يكون هذا الرجل هو " جمال عبدالناصر " فآمنوا به وساروا وراءه وأحبوه ثم صدمهم فشله حتى الأعماق ، وجعلهم يفقدون كل الثقة بقادتهم كما بمستقبلهم إلى أمد طويل على حد وصف " معلوف "..!
تتوزع المسؤولية كما يذهب " أمين معلوف " في إخفاق " عبدالناصر " بين جهات متعددة ؛ فقد شنت عليه دون ريب حرب عنيفة من الدول الغربية ، وإسرائيل ، والممالك النفطية ، والإخوان المسلمين ، والأوساط الليبرالية ، وكذلك جانب من الشيوعيين العرب في بعض تلك الفترات ، إلا أنه ما من أحد من أولئك الأعداء أسهم في إفلاس الناصرية بمقدار اسهام " عبدالناصر" بالذات ..!
فيوضح " معلوف " ذلك من عدة وجوه أهمها ، أن " عبدالناصر " لم يكن ديمقراطيا ؛ كان قد أنشأ نظام الحزب الواحد ، وفاز في استفتاءات بنسبة 99% ، وأنشأ شرطة سرية كانت حاضرة في كل مكان وسجونا كان يلقي فيها الإسلاميين والماركسيين والمحكومين بجرائم عادية ، وأبناء مدن تعساء لا يعرفون ضبط ألسنتهم ..!
يتابع " معلوف " آراؤه حول الزعيم حيث يرى أن قوميته كانت مشوبة كثيرا بكره الأجانب ، بينما من الناحية الاقتصادية كانت إدارته نموذجا في العبثية والتقصير ، كان من بين ممارساته المألوفة أن يعيش على رأس المؤسسات المؤممة عسكريين ، أولئك الذين يرغب في مكافأتهم أو إبعادهم بهدوء ، فلم تكن تلك الطريقة الفضلى لتأمين إدارة فعالة ..!
أما الجيش الذي بناه بتكاليف عالية مستعينا بالسوفيات والذي كان يبدو مرهوب الجانب ، فقد انهار خلال بضع ساعات في 5 حزيران يوليو 1967م أمام إسرائيل ، ويومها قد وقع الرئيس المصري في فخ نصبه له أعداؤه ولم يحسن تحاشيه ..!
لم يكن " عبدالناصر " طاغية دمويا ، فإنه لم يكن أيضا من أنصار اللاعنف ، إن باشوات النظام السابق ماتوا في أسرتهم ؛ فقد تعرض بعد الانقلاب لممتلكاتهم ولكن لم يتعرض لشخوصهم ، ولكن خصوما سياسيين آخرين من اليسار ومن اليمين أيضا اعتبروا خطرا على الحكم فعلقوا على المشانق وأعدموا بالرصاص أو اغتيلوا وقضى كثيرون نحبهم تحت التعذيب ..!
يضاف إلى ذلك أن النزعة القومية الناصرية أظهرت دوما في خطابها كما في قراراتها الفعلية عداء منهجيا نحو كل ما هو " دخيل " على المجتمع المصري ..!
حين وصل " عبدالناصر" إلى الحكم في بلد تسوده حياة ديمقراطية ناقصة جدا ، كان في وسعه أن يصلح النظام بفتحه أمام طبقات مجتمعية أخرى بإقامة دولة الحق فعلا ، فيتابع " معلوف " ليبن وجهة نظره حول هذا وعن دولة الحق ، والتي يعني بها وضع حد للفساد والمحسوبية والتدخلات الأجنبية ولو أنه فعل هذا ، فمن المرجح أن كل طبقات وكل تيارات الرأي كانت ستسير معه ، لكنه آثر أن يلغي النظام بكامله ويقيم نظام الحزب الواحد بذريعة أنه يجب جمع صفوف الأمة حول أهداف الثورة ، وأن من شأن كل انقسام وكل اختلاف أن يفتح فجوة يستفيد منها الأعداء ..!
أصبح " جمال عبدالناصر " معبود الجماهير العربية في عام 1956م لدى نشوب أزمة السويس ؛ لأنه أقدم على تحدي الدول الاستعمارية الأوروبية وخرج من هذا التحدي ظافرا ..!
وقد امتد حكمه أكثر من 18 سنة من تموز يوليو 1952م إلى أيلول سبتمبر 1970م ، أي من تاريخ انقلابه حتى وفاته .. وبعد هذا العرض التأملي لعصر الزعيم يقف الكاتب " أمين معلوف " متسائلا بجدية : " هل كان عصر جمال عبدالناصر ذهبيا ..؟!" ويليه جوابه مباشرة : " كلا بالتأكيد إذا ما نظرنا إلى حصيلته ..! " ..
فيسرد " معلوف " بالهدوء نفسه مباعث إخفاقات " عبدالناصر " في أنه لم يستطع أن يخرج بلاده من التخلف ، ولم يحسن إقامة مؤسسات سياسية عصرية ، كما أن مشاريعه الاتحادية مع دول عربية أخرى لم تعرف سوى الفشل ، وتوج كل هذا بهزيمة عسكرية مدوية أمام إسرائيل ..!
غير أن الانطباع الذي ما برح قائما عند العرب أنهم في تلك المرحلة كانوا هم صانعي تاريخهم ، ولم يكونوا مجرد كومبارس عاجزين ، وتافهين ، ومحتقرين ، وأنهم وجدوا زعيما يرون فيه ذواتهم ؛ وإن كان هذا الزعيم غير ديمقراطي ، وأنه وصل إلى الحكم بواسطة انقلاب عسكري واستمر فيه بواسطة انتخابات مغشوشة ، فقد كان يبدو شرعيا حتى خارج حدود بلاده ، بينما كان القادة المعارضون له يبدون غير شرعيين حتى ولو تحدروا من أقدم الأسر الحاكمة ومن أحفاد النبي عليه الصلاة والسلام ..!
رغم قسوة الكاتب " أمين معلوف " في بعض جوانب عرضه لشخصية " جمال عبدالناصر " إلا أنه كان منطقيا وواقعيا في آن ، حين ألقى الضوء على معظم زوايا عصر الناصري وبموضوعية متناولا الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وفي حقيقة الأمر ربما ساهم انكسار العرب وتعرضه للذل والهوان على يد الاستعمار في التفاف جماهير العرب حول شخص الزعيم ، كشأن وطني عربي يتحدى دولا استعمارية عرفت بجبروتها واستبدادها ؛ فالتخلص من هذا الاستعمار هو الغاية المتوحدة والورقة الرابحة التي علت من شأن ووجود كيانه في ذاكرة العرب وتاريخه بشكل أكبر ، وهو ما جعلهم يمنحونه الشرعية الكاملة ، هذه الشرعية التي تم منحها له لم تكن اعتباطا ، بل لإيمان الشعوب في ذلك الوقت أن " عبدالناصر " يصارع العالم من أجلهم ؛ فباسمهم تحدى دول الاستعمار وباسمهم تصدى لــ" العدوان الثلاثي" وباسمهم انتصر ولم يتخلل كل ذلك شهوة كرسي أو منصب ..!
فصوت الجماهير العربية كان موحدا وكانوا يريدون ظلا واحدا يضمهم بأمن وأمان ويضخهم بطاقة التحدي لكسر قيود الهوان والهزيمة ؛ لهذا فإن الحكم العسكري في ذلك الوقت كان يلقى قبولا شعبيا ، كما أن حكم الحزب الواحد كما في حال حكم " عبدالناصر " لم يكن يشكل أزمة بين طبقات الشعب المصري الذي كان جل همه أن يستعيد كرامته ، والتي فلحت خطابات الزعيم في رفع معنوياتهم وبقوة ..!
ولا يمكن قط نكران التأثير القوي لتلك الخطابات الحماسية وشخصية " عبدالناصر"  في نبذ المصريين والعرب عموما كل من جاء بعده ؛ فقد كان معبود الجماهير ، ووجدت الشعوب العربية صعوبة بالغة في تقبل أي شخص مهما غدا أن يحل محله ..!
واليوم اتساءل كما يتساءل كثيرون : يا ترى ، لو كان الزعيم المصري " جمال عبدالناصر " في عصر الفيس بوك وتويتر هل كان سيظل " المخلص " أو " المنقذ " ..؟!
ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق