الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

قيادة السيارة : ليس من اختصاص النساء ..!

قيادة السيارة : ليس من اختصاص النساء ..!

الرؤية / العرب

تقول الروائية التشيلية " إيزابيل الليندي " : " التغيير الحقيقي يحتاج إلى قوة نسائية في إدارة العالم " ..!
النساء وحقوقهن في عالم ذكوري : ما لونها . ما شكلها . ما طعمها . ما رائحتها ..؟
سأحكي لكم قصة كفاح امرأة في زمن أوروبي ، حيث كانت المرأة في ذاك الزمن الغارق في مستنقعات الجهل والتخلف ما هي سوى قطعة أثاث ، سلعة للمتعة ولإنجاب الأطفال فقط ..!
ولكن هناك نماذج من نساء لم يخضعن للمجتمع البطريركي ، بل نبذن فكرة أن يكن مجرد أدوات إنجاب وحبيسات أربع جدران بينما ثمة رجل يسلبهن حقوقهن ، رجل يشاركنه الحق في الحياة ، رجل يعملن معه جنبا إلى جنب في الزراعة والصناعات اليدوية ويديرون شؤون المنزل ورعاية الأطفال ويتدبرون سبل العيش الكريم في المجتمع الذي ينبذهم ، وكل ذلك بأجر بخس وغالبا بلا أجر ، وبلا حقوق ، وقائمة طويلة من واجبات فرضت عليهن عنوة ..!
من ضمن قافلة النساء المكافحات ، الذكيات ، امرأة تدعى " صوفي جيرمان " هذه المرأة كانت تعشقن الرياضيات ، وعشقها الفطري للعمليات الحسابية دفعها إلى تعلم القراءة ، في زمن كان تعليم البنات فيه عارا ، تعلمت صوفي قراءة لغة الأرقام وفي الليل كانت تحلم بأرخميدس ..!
ولكن عندما عرف والدها بذلك ، منعها قائلا : هذا ليس من اختصاص النساء ..!
وعندما أسست الثورة الفرنسية المعهد البوليتيكنيكي كان عمر " صوفي جيرمان " ثمانية عشر عاما ، أرادت دخول المعهد ، فأغلقوا الأبواب في وجهها قائلين لها بقسوة : ليس من اختصاص النساء ..!
وحين رفضت مساعيها الجادة للانضمام إلى معهد يحكمه رجال عقولهم متحجرة ؛ لم تجد بدا من مراسلتهم عبر البريد ، فقد كانت ترسل أعمالها بالبريد إلى البروفيسور كان يدعى " ليغران " ولكن ليس باسمها الحقيقي بل باسم مستعار ذكوري ، حجبت أنوثتها تحت اسم رجل " أنطوان أغوست " ؛ كي تتخلص من عبارتهم التي تطاردها في كل مرة بجفاء مرير : ليس من اختصاص النساء ..!
ظلت المرأة المكافحة " صوفي جيرمان " وباسم ذكوري مستعار تراسل المعهد البوليتيكنيكي والفيلسوف المسؤول حوالي عشر سنوات ، وبعد هذه السنوات الطوال اكتشف البروفيسور أن الرجل الذي يراسله المدعو " أنطوان أغوست " هي نفسها " صوفي جيرمان " ..!
منذ ذلك حين صارت " صوفي جيرمان " هي المرأة الوحيدة في أولمب العلم الأوروبية في علم الرياضيات ، تعمقت نظرياتها ومجال دراساتها بعد ذلك في عوالم الفيزياء ، حيث طورت دراسة السطوح المرنة ، بعد قرن من ذلك ساهمت إضافاتها في بناء برج إيفل فضلا عن إنجازات أخرى ، ولأنها في عالم ذكوري محض ومستعبد ، وأناني ، نقشت على البرج أسماء عدد من العلماء الذكور ، ولكن اسم " صوفي جيرمان " أسقط عمدا وظلما ..!
وفوق هذا في شهادة وفاتها الذي صادف عام 1831م ، كتبت أنها ذات دخل وخجلوا من كتابة أنها " عالمة " وصاحبة إنجازات في علوم الرياضيات والفيزياء ، وظل شبح عبارة " هذا ليس من اختصاص النساء " يحوم حولها حتى بعد وفاتها رغم إبداعاتها المتميزة والجريئة كامرأة في زمن الكفاح وهضم الحقوق ..!
حكاية " صوفيا جيرمان " كانت في أعوام التخلف عام 1831م ، حيث كن النساء لا شيء غالبا ، لكننا اليوم في عام 2013م .. ولو تأملنا قليلا في عوالم نساء العرب ، بالأخص الخليجية منها ، بالأدق السعودية ؛ فتصوروا أننا في هذا الزمن من عام 2013 م والعالم السعودي قضيته الأولى اليوم ، القضية التي أحدثت جلبة عالمية وصخبا هي " قيادة المرأة السعودية للسيارة " أين أنت يا " صوفيا جيرمان " ..؟!
ما فعلته " صوفيا جيرمان " عام 1831م هو الفعل نفسه سلكته بشكل مختلف فتاة سعودية في زمننا هذا ؛ اضطرت نتيجة لفقر أسرتها ومرض والدها العائل الوحيد في العائلة إلى أن تسوق السيارة التي يملكها الأب  ، تسوقها لنقل الراكبين وهي متخفية في ملابس رجال ، مع حرصها طبعا على إخفاء ملامح وجهها الأنثوي بلثام والمسكينة ، هذه المرأة المكافحة في مجتمع ذكوري ، كُشفت حين شوهدت أصابعها مخضبة بالحناء ..!
يحدث هذا في السعودية في عام 2013م ... يحدث هذا وغيرها من الحكايات الغريبة والمدهشة والمريرة ، وأسبابها الصوت الذكوري المستبد نفسه : هذا ليس من اختصاص النساء ..!
رغم أنهن أثبتن بجدارة عبر مواقف الحياة كافة بأنهن جديرات لتحمل عبء العالم والأوجاع والدمار الذي خلّفه الرجال ؛ هؤلاء الرجال حكموا العالم ، فانظروا شكل الفساد الذي نراه ، ولون الدم الذي يكبس على روح الحياة  ..؟!
سأضم صوتي لصوت الروائية التشيلية " إيزابيل الليندي " حين صرحت في وسط قاعة مزدحمة بصوت صارم ورافض : " أنا سئمت من السلطة التي يملكها فئة قليلة من الناس على الأكثرية من خلال الجنس والدخل والعرق وحتى الطبقة " ..!
أنا أيضا سئمت ، وكثيرات يعانين من السآمة نفسها ..!

ليلى البلوشي

هناك تعليقان (2):

  1. مقياس المجتمع لابد وأن يكون بالفكر السليم والحرية المطلقة بما لايتعارض مع المبادئ والمصالح العامة .. فالإنسان أيا كان جنسه له الحق في تصريف حياته وسلوكه في حدود دينه ومعتقداته.

    ردحذف
  2. مقال منصف وجميل يا ليلى، وحدها السعودية التي تعيد الحاهلية بقضايا أكثر تحضرا وتئد النساء وأدا عصريا، فيما يتقدم العالم في الخارج، والسعوجية تدور في الحلقة المفرغة نفسها التي تسمى بالنساء.

    ردحذف