الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

الإنسان ذاكرة أجيال ..!

الإنسان ذاكرة أجيال ..!

الرؤية / العرب

تقول الروائية الأمريكية " مارلين روبنسون " في عبارة من روايتها " جلعاد " : " الكلمات نفسها التي تبث الحماسة في جيل ما تصبح مضجرة ، عديمة المعنى للجيل التالي " ..!
كما ذهب الفيلسوف " أوشو " في كتابه " العلاقات الحميمة " إلى تعليقه عن الأجيال قائلا : " إن كل جيل ينقل أمراضه ويورثها للجيل الذي يليه وبالتالي يصبح الجيل الجديد محملا بأعباء التطيّر والكبت ، لذا حين تلحظ وجود أي مشكلة اذهب إلى جذورها ولا تختلق الأعذار ، وأنصحك بأن تعرف نفسك جيدا ؛ لكي تستمتع بكل شيء في هذا الوجود ، ولكي تنعم بالسعادة وتتخلص من خوفك من الموت " ..!
يا ترى ما مدى تأثير كل جيل على الجيل الذي يليه ..؟ وهل يستطيع الجيل الحديث أن يبني حضاراته ومجتمعه وأسسه الفردية الخاصة منها والعامة دون الاتكاء أو المرور على تجارب الجيل السابق ..؟!
الإنسان لا يمكنه أن ينشأ من فراغ ، ولا أن يولد من غلالة ضوئية لم تسلط نورها على غيره ، ولا أن يتكئ على فعل أو قول لم يوظف من قبل ، الإنسان يأتي إلى هذه الحياة محملا بتجارب وتراكمات وأسماء وأمكنة وأزمنة ورثها عن الجيل الذي يسبقه ، عن جده وجدته عن أبيه عن أمه عن أخيه عن أخته ، حتى طريقة أكله وأسلوب لغته وخروج الكلمات من حنجرته هي أساليب تلقاها تعلما عبر من اعتنوا به ، عبر من تعلموها بدورهم عن من سبقوهم .. الإنسان ذاكرة أجيال وموروث تجاربهم في الحياة ..!
الناقد والروائي الإيطالي " إيتالو كالفينو " في كتابه " السيد بالومار " يعرض جانبا من جوانب تأثير الأجيال وتحامل الشبان من ذلك ؛ فهو يرى أن حل مشكلة التواصل بين الأجيال يكمن استحالتها في أمرين ؛ أولاهما استحالة نقل تجربته الخاصة ، أما الاستحالة الثانية فتكمن في تجنب الآخرين الأخطاء التي سبق واقترفناها ..! ليبررها موضحا : " فالمسافة بين جيلين تبرز من خلال العناصر المشتركة بينهما ، والتي تفرض تكرارا دوريا للتجارب نفسها على غرار سلوك الأجناس الحيوانية التي تنتقل بالوراثة البيولوجية " ..!
ويوسع " كالفينو " حديثه عن الجيل ؛ ليتحدث عن مضمون التغييرات المؤثرة على الجيل الحديث فيقول : " والحال إن عناصر الاختلاف بيننا نحن وبينهم هي حصيلة التغييرات التي لا رجوع عنها ، والتي يحملها كل عصر في كنفه أي إنها ترتبط بالإرث التاريخي الذي خلفناه نحن أنفسنا لهم ، هذا الميراث الفعلي الذي صنعناه نحن بأيدينا وإن بلا وعي كامل ، لذا ليس لدينا إلا أن نلقّنه ، إذ ليس في استطاعتنا أن نؤثر في ما هو أشبه بتجربتنا ولا نملك أن نتعرّف أنفسنا في ما يحمل أثرنا " ..!
تبقى الذات في ذاكرة السلف خلال أمرين أو فئتين وهما :
-       التركيب البيولوجي الذي يتيح لنا نقل هذا الجزء إلى الخلف وهو ما يسمى بالجانب الوراثي ..
-       التركيب التاريخي الذي يتيح عبر ذاكرة ولغة ما يدوم حيا ، هذا القليل الأقل .. هذا الحد الأقصى أو الأدنى من التجربة التي عايشها وراكمها حتى أقل البشر حيلة .. كما رأى " إيتاليو كالفينو " ..!
ذكاء الإنسان الذي جعله قادرا على نقل الخبرة من جيل إلى جيل ، حيث تمكن تدريجيا من أن يحافظ على نوعه أكثر من أي الكائنات الحية على وجه الكون ..!

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد: