الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

جريمة الضرورة ..!

جريمة الضرورة ..!

جريدة الرؤية

شاهدت من وقت قريب فيلما انجليزيا يتحدث عن أزمة الزنوج كما أطلقت عليهم أمريكا في زمن العبودية وهذا الفيلم يدعى " Belle " ألهمت كاتبة السيناريو فكرة هذا الفيلم الذي يكشف عن قصة حقيقية من خلال لوحة انجليزية رسمت عام 1779م وهي لوحة لفتاتين شابتين في العمر نفسه وهما " ديدو إليزابيث بيل " وهي فتاة سوداء بجانب ابنة عمها " الليدي إليزابيث موراي " وهما تحتلان مساحة متساوية نسبيا في الاطار، وهو أمر غير مألوف في تلك الحقبة مهما أشعل فضول كاتبة السيناريو كي تعرف سر قصة اللوحة ، وبعد قراءات واسعة وعمليات بحث توصلت لقصة حياة الفتاة السمراء " بيل " أو " ديدو " كما أطلق عليها عمتها حين جاء بها والدها القبطان البريطاني وهي في حدود العاشرة من عمرها بعد أن فارقت أمها الحياة ، حملها إلى قصر عمه الذي كان حاكما للعدل في تلك الفترة في إنجلترا ، ولم يجد العم بدا من ضيافتها لكونها من دم ابن أخيه ..
الفتاة " ديدو " السمراء ترعرعت مع ابنة عمها " إليزابيث " في بيت يعمّه المحبة والاحترام بل استطاعت نيل محبة عم أبيها والذي كانت تناديه بأبي ، وبتأثير هذا الاحترام والمحبة استطاعت أن تؤثر على قراراته كرئيس للقضاة حين اشتهرت في انجلترا في ذاك الزمن مذبحة تسونغ حين ألقت سفينة إنجليزية بشحنة عبيد في البحر ومقيدين لينالوا الموت ، بحجة أن السفينة كانت ستهلك من حمولة هؤلاء الزنوج وبجحه قلة الماء والطعام ، ولكن الوثائق أثبتت غير ذلك ودحضت حججهم ومزاعمهم ، وكشفت أن السفينة رمت بشحنة العبيد ؛ لأنهم كانوا مرضى ، وإذا ما وصلوا إلى حيث يجب أن يكونوا كانت سيطالبون بتعويض وتأمينات لقاء هؤلاء العبيد المرضى ، الذين تعاملوا معهم وكما لو أنهم حيوانات وليسوا ببشر من لحم ودم ، وربما لولا الفتاة " ديدو " التي ولدت من أم عبدة وأب انجليزي ذو مراتب وأصول وعلى صلة قرابة من العم مانسفيلد رئيس القضاة لما حكم لصالح العبيد ولما طالب بقانون إلقاء الرق في بريطانيا ..
وإذا ما كانت " ديدو " بطلة فيلم " Belle  " استطاعت بتمردها وقوة شخصيتها التأثير في محيطها حول قضية العبيد ، فإن التاريخ يشهد ممارسات فظيعة في حقهم ، ليس فحسب في أقبية البيوت ، حيث كانوا عبيدا وخدما لأسيادهم ، بل على متن البواخر والسفن التي كانت تتاجر بهم عبر ممارسات تتسم بالقسوة الشديدة والدناءة ، ويذكر كتاب " أمريكا والإبادات الثقافية " ترجمة " منير العكش " بعض تلك الممارسات الفظيعة في حق الهنود والعبيد ، وفي حق كل إنسان ، كان خارج منظومة العرق والطبقية في زمن أسياد ذوي البشرة البيضاء ، حيث كان العيش السوي والحياة الكريمة محرمة سوى لبني جلدتهم ..!
ويستعرض الكتاب عدة حوادث شبيهة بقصة مذبحة سيونغ ؛ فقد كان المعروف لدى البحارة الإنكليز أن ما يسمى بغلمان السفينة وكان يعنى بهم العبيد هم في النهاية " زاد احتياطي من اللحم الطازج " حين تنتهي مؤنهم من اللحوم ، بل يقال إنهم كانوا يتناولون لحم الإنسان الطري وهم يتغنون فيهم شعرا غزليا ..!
وكانت بعض تلك القضايا تجد من يحاكمها في المحاكم بطريقة أقرب إلى الهزلية بأيدي قضاة بلا قلب عادة أو ضمير ، حيث حوكم بعض البحارة على قتل شاب في 17 من عمره وقتلوه على متن سفينة وأكلوه ؛ لأنهم كانوا جائعين وسط البحر ، وفي ذاك الوقت كانت المحاكم الأمريكية توصف قضية أكل لحم البشر بــــ" جريمة الضرورة " على الرغم من أنهم كانوا وسط بحار غنية بالأسماك لو فكروا بإشباع جوعهم الإنساني لكن نفوسهم الدنيئة أوزعتهم لالتهام لحوم بشرية لتقتات وحشتهم منها ..!
ومن ملاحظات القاضي الأمريكي وهو يطلق هذه الاصطلاحات يومها أنه قال  : " كان يجب إتباع أساليب أكثر ديمقراطية في اختيار الضحية " ..! نعم .. نعم ، فالغاية تبرر الوسيلة ، ويبدو أن الأحكام التعسفية في حق العبيد وجواز التهام لحومهم واعتبارها " جريمة ضرورة " دعت وزير الداخلية البريطاني في فترة حكم 1880 – 1885م " وليم هاركورت " يدلي بتصريح خطير حين قال : " القضاة الإنجليز في القريب العاجل سيقرون أكل لحم البشر ويجعلونه بديلا طبيعيا لدفن الموتى " ..! خاصة بعد أن ساد اعتقاد في تلك الحقبة لدى الانجليز بأن " أكل لحم الرجل الأسود يقوي الباه ويطيل العمر " كما كتب " غانانت أوبيسكير " – أبرز علماء الأنثروبولوجيا المعاصرين – وأستاذ هذه المادة في جامعة برنسون ..!
إذا كانت الجرائم الضرورة في عصور " الظلام " باسم العرق والطبقية ، فإنها اليوم ونحن في عصور " الجاهلية " بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ومغزى تقترف جرائمها الضرورية باسم الدين ؛ يكفي أن تتأملوا أيها السادة والسيدات ما تقترفه " داعش " بحق كل من يختلف عن تصوراتها الدينية من ترحيل ، وهجر، ونفي ، وقتل ، وتدمير ، وقطع رؤوس ، وهتك شرف أرواح بشرية ، لندرك حجم الفجيعة الإنسانية التي نقبع في دركها ..!
في ماذا تختلف " داعش " عن أولئك القضاة الأمريكيون والإنجليز الذين حاكموا العبيد بنظرة احتقار عرقية وطبقية تحت مسمى قانوني وضيع " جريمة بالضرورة " ..؟!
خطر " داعش " الذي تمدد اليوم وسط خرس العالم كدولة اجمالي عدد سكانها حتى اللحظة يزيد على 8 مليون نسمة حسب جريدة نيويورك تايمز ، من سيدفع ثمن هذا الخرس العالمي عما تقترفه " داعش " سواكم يا عرب ..؟!

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد:

  1. اخت ليلى نهاية عهد العبودية بدات من نفس المجتمعات اللي كانت تمارسها بعد معركة تنوير داخلي وتطور فكري في الغرب
    اكيد نهاية عهد التطرف وداعش وهلم جرة بيبدأ مننا..
    من مجتمعاتنا ومدارسنا وجامعاتنا وشوارعنا..

    ردحذف