الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

طابور آيفون 6 أمام مكتبة كتب ..!

طابور آيفون 6 أمام مكتبة كتب ..!

جريدة الرؤية

تداول في وسائل التواصل الاجتماعية " الفيس بوك " و " تويتر " منذ وقت قريب ، خبر مع صورة شاهدة فنحن في عصر الصورة بامتياز ، الخبر يكتب والصورة تثبت ما يقوله الخبر بأن المئات من السعوديين أمام مكتبة " جرير " .. لوهلة حين تقرأ هذا الخبر تتفاجأ وتفرح في داخل نفسك لا سيما حين تكون قارئا أو كاتبا ، فإن الفرح يتمدد في قلبك الصغير ، ولا يذهب حيز تفكيرك سوى أن هؤلاء المزاحمون أمام مكتبة معروفة ببيع الكتب ونشرها يترقبون في طابور عريض لاستقبال كتاب جديد صادر حديثا ، وهذه الحادثة تذكرك كقارئ شغف يلاحق كل كتاب جديد من مكان إلى آخر بــــ " ظاهرة ثقافية " غدت عادة في دول أوروبا وأمريكا وبعض الدول آسيا ، حين يحتشد آلاف من القراء لينال كل منهم نسخته قبل أن تنفذ من كتاب الصادر حديثا لكاتب يحب أن يقرأ له ، أو يسعى لأن يقرأ عنه ، أو يقرأ له ؛ لأنه ببساطة يرى العالم بكل خرائبه ومآسيه وكوارثه وجمالياته ونبله وخيره في كتاب يفر منه وإليه ، كما حدث في اليابان حين اصطف مئات من القراء حتى ساعات الفجر الأولى متلهفين لشراء النسخة الأولى من رواية الكاتب الياباني " هاروكي موراكامي " الجديدة أمام مكتبة في طوكيو ، كما اصطف أيضا قراء رواية " هاري بوتر " صدور الجزء الأخير من الرواية ، وقراء آخرين تزاحموا لنيل نسخة من رواية " الرمز المفقود " للروائي " دان براون " .. فيالها من ظاهرة ثقافية ، ويا لها من عادة مدهشة ، ويا له من مشهد يخطف الأنفاس ، حين تشاهد أو تسمع أو تقرأ بأن أفرادا من شعبك أو جنسك أو قبيلتك أو من مذهبك – حسب التصنيف الديني – السائد للناس حاليا ، على الرغم من أنك ضد هذا التصنيف تماما بل ضد كل ما يخضع الإنسان للتصنيفات ؛ لينسفوا المفهوم الحقيقي للبشر في كونهم سواسية كأسنان المشط ، لكن هذا لا يتوافق ومصالح كثير من الأشرار في هذا العالم ، أولئك الذين هم عشاق التصنيف وأعداء كل من يلغي التصنيف ..!
تلقي بعقد التصنيفات خلف ظهرك ، وتحلم كخيالي بأن العالم القادم يسعى إلى تصنيف البشر على أساس أنهم قراء وغير قراء ، عشاق الكتب وأعداء الكتب ، أفرادا لا تعرفهم وليس لك صلة بهم ، ولكن الجامع الوحيد بينك وبينهم هو حب القراءة وشراء كتاب ..!
في السعودية ترى المشهد نفسه ، وترى الحشد الذي سبق ورأيته وقرأت عنه في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعية حين تداولوا صور مئات من القراء ينتظرون كتابا ، أجل لا بد وأنهم في انتظار صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب الذي يستقبلونه طازجا ؛ من هو هذا الكاتب العربي المحظوظ يا ترى أو الكاتبة المحظوظة ..؟ من يمكن أن يؤخر نومه حتى الساعة 12 تمام منتصف الليل سوى قراء مجانين أمثالك ..؟! هكذا تفكر لوهلة ، لكن مهلا جلّ توقعاتك ككقارئ تسقط في خيبة مريرة ، حين تكمل قراءة بقية الخبر المتداول والذي يقول بأن أولئك السعوديين متزاحمون أمام مكتبة " جرير " لشراء iphone6 ..!
تلملم خيبتك الكسيرة ، وتؤمن كقارئ أن ليس جميع الناس على سجية واحدة ، ولا تجمعهم الاهتمامات نفسها ، بل أنت أكثر الذين يؤمنون بالعبارة التي تقول : " لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع " ..!
لكنك في الوقت نفسه يقظ تماما لاختلاف توجهات الناس وسعيهم الحثيث تجاه ما تجلبه لهم التقنيات الحديثة من أجهزة منوعة ، وفي مجالات شتى ، وأنت نفسك تولي اهتماما ببعض أنواع تلك الأجهزة المفيدة ، ولست ضد انفتاح الناس على العالم ، ولكنك ضد هذا اللهاث الغريب لدى بعض الأفراد في - الوقت الحاضر - إلى مراكمة الأجهزة في بيوتهم وسياراتهم وفي كل مكان يكونون متواجدين فيه ؛ لمجرد استعراضها أمام الآخرين ، لمجرد أنه يوحي للعالم بأنه إنسان حضاري ، وأن أفراد أسرته حضاريون كذلك ، حين يهدي طفلا من أطفاله دون الثالثة جهازا الكترونيا مهما بدت استخداماته ، ثم يلتقط له صورة ليكمل مسلسل استعراضاته في الانستغرام بغية التباهي بطفله الحضاري ..!
 ولم يفكر قط أن طفله المسكين يحتاج إلى أب حقيقي يهتم به لا أن يهديه جهازا يحل محله ؛ لأنه كأب ليس لديه متسع من الوقت فهو مشغول في عمله أو مع أجهزته الخاصة حين يتواجد في البيت ، الطفل الذي يحتاج إلى حنان الأم واهتمامها المسؤول ، لكنه حين يولد هذا الطفل في عصرنا التقني ماذا يجد حوله ..؟ مجموعة أجهزة وألعاب الكترونية غزت أول وأهم أعوام انفتاحه على العالم ، فهو ما يزال في الأعوام الأولى من طفولته ، تلك الأعوام لا يدرك كثير من الآباء مدى خطورتها وأهميتها في حياة طفلهم ، تلك الأعوام الأولى هي التي تبلور شخصيته كإنسان بالغ حين يكبر ، ويعتقدون أن مجموعة من الأجهزة يمكن لها أن تصنع لهم طفل المعجزة ..!
تعود وتستعيد خبرات العالم الآخر وأفكارهم الحكيمة في تنشئة الأطفال ، فتقرأ أن في أمريكا عندما يدلف الصغار إلى أسرتهم لا سيما في أعوامهم الأولى ، فإن كتابا لابد أن يكون موجودا إلى جوار دمية الدب الشهيرة ، ووقت الاستحمام تجد كتابا بلاستيكيا جنبا إلى جنب مع اللعب التي تأخذ شكل المراكب والسفن في حوض الاستحمام مع الصغار ، وشيئا فشيئا يعتاد الأطفال ذلك ، وينتهي بهم الأمر إلى قبول الكتب باعتبارها جزءا مهما لا يتجزأ من حياتهم  ؛ فالآباء في الولايات المتحدة يعرّفون أطفالهم بالحضور المرتبط بالكتب ..!
وتقرأ أن في اليابان يخصصون للطفل غرفة مليئة بأجهزة وأدوات وأشياء مختلفة في مجالات شتى منها التقنية و الفن و القراءة وغيرها ، كل تلك الأشياء يجمعونها في غرفة واحدة ثم يراقبون توجهات طفلهم إلى أن تتجه ؛ ليقوموا بتنميتها له ..!
أما في دولنا العربية ، فإن معظم الآباء للأسف يضعون في يدي طفلهم جهازا يستهلك جل وقته ، ولا فائدة تذكر سوى أنه ينتقل من لعبة إلى أخرى ، وما من غاية سوى أن ينشغل الطفل فلا يسبب إزعاجا لوالديه  المشغولين بأجهزتهم ..!
سرعان ما يضجر الصغير ويسعى إلى تحطيم الجهاز الذي يرافقه حتى فراش نومه ، فهي في النهاية آلة ولا تحكي له قصصا بصوت أمه أو أبيه ما قبل النوم ، ولا تطبطب على حزنه حين يبكي ، ولا تمنحه الحب والحنان حين يكون في أمس الحاجة إلى حضن أم وقبلة من أب ..!
أعتقد أن لدى كل منا ما يكفيه من أجهزة ، وحان الوقت لنستعيد حياتنا قليلا التي أصبح العالم التقني يسلبها رويدا رويدا ..!

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد:

  1. لذلك أصبحنا أمة متخلفة بعد أن كانت أمة اقرأ
    الله المستعان

    ردحذف