الاثنين، 27 يناير 2014

السلطة والفرد 3-3

السلطة والفرد 3-3

الرؤية / العرب
مع مرور الزمن انتقل الفرد من الولاء للقبيلة إلى الولاء للحكومة التي نشأت وأخذت مكان القبيلة وأصبح الإنسان خاضعا ومحكوما من قبلها ؛ فبنشوء الحكومة أصبح بعض الناس أكثر سلطة من البعض الآخر وأصبح مفهوم القوة نابعا من عدد من يحكموا هؤلاء الأفراد ..
وقد أثار حب السلطة اللذة في الغزو والتوسع في الممالك وزيادة عدد الأفراد ليشكلوا قوة كبيرة ، ولهذا حين تم استعمال المغلوبين لخدمة الغالبين بعد أن كان مصيرهم الموت كان هذا العامل من صالح الحكومة لاستخدامهم في أمور شتى لتحقيق أغراضهم الخاصة مثل بناء القصور والأهرامات ..
على الرغم من هذا الاستغلال البشري إلا أن الناس كانوا ينعمون بأوقات من الرخاء في ظل تلك الحكومات ، فقد ساد هؤلاء الناس شعور بوجوب التضحية في سبيل الدولة ، بل كان لتأثير العامل الديني التأثير الأكبر فكان العصيان من قبلهم يعد خروجا على الدين يسبب غضب الآلهة ، ولما كان الحكام يؤمنون بذلك إيمانا صادقا حاولوا أن يجعلوا بقية الناس يؤمنون به فيدربونهم عليه كما تدرب الحيوانات على القيام ببعض الأعمال ..!
لكن الاستقرار بحد ذاته لم يكن سهلا وكان من السهل نتيجة لاتساع مساحات الممالك المترامية الأطراف التي يحكمونها عبر شمال الأرض وجنوبها أن يفقدوا السيطرة عليها وأن ينتج عن ذلك ظهور أمراء وملوك الطوائف لتخرج عن سيطرة الدولة ويحكموا بسلطة مستقلة ، لقد حكم كل من الإسكندر وهولاكو وجنكيز خان امبراطوريات شاسعة تفككت بعد موتهم مباشرة إذ كانت تعتمد على شهرة الفاتح وقوته ، أما في روما واليونان فالوضع كان مختلفا حيث كانت الحضارة الرومانية – اليونانية مبنية على مبدأ تثقيف الأفراد لا على مجرد إخضاعهم بالقوة ..
لقد تغير شكل سيطرة الحكومة على حياة الأفراد تغيرا كبيرا على مر الزمن وزاد سلطانها ليس فيما يتعلق بسعة ذلك السلطان فقط ولكن في مدى تدخل الحكومة في حياة الأفراد ، إن حضارتين كالمصرية والبابلية كان فيها للطبقات العليا في المجتمع ( الملوك والكهنة ) في هذه الامبراطوريات نشاط سياسي محسوس بينما انعدم مثل ذلك النشاط عند أفراد الشعب الآخرين وتمكن الكهنة من التدخل في حياة الناس إلى حد كبير ، وكان للملوك سلطان مطلق في كل شيء تقريبا عدا أمور الدين التي كانت في يد السلطة الدينية وهي الكنيسة ..
بدا الاستقرار سائدا في هذه الحكومات ولكنه كان استقلالا قائما على سياسة الخضوع والتخويف وعلى مبدأ العبودية وعلى حساب استذلال سائر أبناء الشعب ..
أخذت قوة الدولة تزداد في حين تضعف قوة الأفراد باستمرار منذ القرن الخامس عشر حتى الآن ، وكان اختراع البارود سبب ذلك في بادئ الأمر ، وقد شهد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر نجاحا كبيرا في قوة الدولة إلى حد جعلها قادرة على حفظ النظام وفي الوقت نفسه قل تمتع أفرادها بالحرية خاصة الطبقات الدنيا الاجتماعية ، ونتج عن هذه القوة للدولة إلى مطالبة الناس بالحرية الفردية ، وقد وقف معهم المصلحون الاجتماعيون ودعوا إلى ضرورة المساواة بين جميع أفراد المجتمع في حقوقهم وواجباتهم ، خاصة مع ظهور طبقة جديدة من الأغنياء وأرباب المال أدت الثورة الصناعية إلى إيجادها ..
وحين حددت الحكومة والشركات كثيرا من مظاهر حرية الفرد أدى ذلك إلى ضعف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية وكانت هذه الظاهرة قد هددت روما القديمة وهي ظاهرة خطرة على النشاط الاجتماعي ..!
حين تكون السلطة بيد أفراد معينين وقلائل وحين تتحكم الشركات الكبرى فإن الفرد في المجتمع يتناسى المصلحة العامة وينصرف إلى ملذاته الخاصة بقدر ما تسمح به الظروف ومن هنا تظهر أول مظاهر هوة ساحقة ما بين الحكام والمحكومين ؛ هذه الحالة التي تجلب الكثير من المشاكل وتتداعى مظاهر التمرد والثورة في نفوس الشعب ..
لقد حكم على " سقراط " بتناول السم لتبشيره بمبادئ خلقية جديدة ، ففي الدول الدكتاتورية المعاصرة يعرض الشخص الذي يعتنق فكرة تعارض فكرة الدولة نفسه للخطر كما تتعرض فكرته للخطر كذلك ، إذ إن كل تغيير في التفكير السياسي في الدول الدكتاتورية ينبغي دائما أن يأتي عن طريق الحكومة والحكومة كما هو معروف في الماضي والوقت الراهن في أنها لا تشجع ما يتنافى ومصالحها وعلى هذا هي لا تنشر سوى مذهبا واحدا وعلى أفراد المجتمع الكافة الخضوع له ..
لقد كانت للدولة منذ نشأتها الأولى وظيفتان ، إحداهما سلبية والثانية إيجابية ، وكانت الوظيفة السلبية منصبة على منع اعتداء الأفراد على بعضهم داخل الدولة والوقوف دون الغزو من الخارج وتبع ذلك محاولة المحافظة على حياة الأفراد وملكياتهم ومعاقبة المجرمين بالعقوبات القانونية ..
أما من الناحية الإيجابية فكانت الدولة واسطة لتسهيل الاتصالين العقلي والعاطفي بين أفرادها ولتكوين شعور عام مماثل فيهم جميعا نحو وطنهم ..
ولكن حين نحت معظم الحكومات اهتمامها نحو مصالحها الخاصة وإسقاط حقوق شعوبها نتج عن ذلك ثورات كثيرة غزت تلك الحكومات وقامت بفك سيطرتها وإنهاء حقبة حكمها التي دامت لقرون وأعوام طويلة ..
فالأفراد اليوم أكثر وعيا حول ما يتعلق بحقوقهم كأفراد في المجتمع تحت حكم دولة وجدت لخدمتهم ولتنظيم أمورهم وتسير مصالحهم العامة بما فيه من حفظ النظام ودعم مبادئ الاستقلال وبث الرخاء بينهم ..

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق