الثلاثاء، 14 يناير 2014

السلطة والفرد 1


السلطة والفرد 1-3

الرؤية / العرب

" السلطة والفرد " هو عنوان كتاب الفيلسوف الإنجليزي المعاصر " برتراند رسل " يطرح فيه عدة قضايا تمس الفرد وسلطته في المجتمع الذي يكون فيه مواطنا له حقوق وواجبات وهناك سلطة تقود شؤونه ..
وحول هذا الفرد وسلطته في المجتمع الذي يعيش فيه على صعيد التنظيم الاجتماعي ، انقسم المفكرون وعلماء الاجتماع  في أنحاء أوروبا إلى قسمين متعارضين أشد التعارض ، ففريق الأول يرى أن الحرية لا تتحقق على وجهها الأكمل إلا إذا تمتع الفرد بحقوقه وامتيازاته كافة ويتم ذلك التمتع كاملا عن طريق تقليص ظل الحكومة تقلصا كبيرا ؛ إذ تعتبر الدولة والمنظمات السياسية والاجتماعية وسائل لخدمة الفرد لا غايات يخدمها الفرد ومن أشهر دعاة هذا المذهب وهم كثيرون ، " مونتسكيو " و" روسو"  و" فولتير"  في فرنسا .. و" جون ستورت مل " و" آدم سمث " و" جرمي بنثام " في إنكلترا .. و" توماس جفرسن " والرئيس " هوفر"  في الولايات المتحدة الأمريكية ..
بينما يرى الفريق الآخر من المفكرين بأن الحرية لا تتم إلا عن طريق الخضوع للدولة ، ويعتبر هذا الفريق من الكتاب الأفراد وسائل لتحقيق المثل العليا التي تسعى الدولة إلى تحقيقها ولا يصبح الفرد بنظرهم إنسانا بالمعنى المراد إلا إذا انضوى تحت لواء دولة معينة .. ومن أشهر داعة هذا المبدأ من القدامى شيخ الفلاسفة " أفلاطون " ومن المتحدثين " هيغل"  و" شبنغلر"  و" روزنبرغ " في ألمانيا و" كروتشى " و" جنتيلي"  و" موسوليني " في إيطاليا ، والكتاب الذين يؤمنون بالمذهب الدكتاتوري كافة ..!
وخلال التأمل نرى أن كلا الفريقين سواء من كان مع مبدأ حرية الفرد أو خضوعه لسلطة الدولة فإنهما يفتقدان التوازن ؛ فقد اعتبرا كلا من الحرية الفردية والتنظيم الاجتماعي شيئين متناقضين ، وعد أنصار الحرية الفردية وهم دعاة المدرسة الأولى تدخل الحكومة في شؤون الأفراد اعتداء على حرياتهم ، بينما خالفهم دعاة التنظيم الحكومي وهم أنصار المدرسة الثانية واعتبروا الحرية الفردية خروجا على النظام ونقضا لمبدأ الحرية نفسه ..
واختلاف مذهب كلا الفريقين من حيث سلطة الفرد وحريته في ظل التنظيم الاجتماعي يعود إلى الأوضاع التي عايشها هؤلاء الفلاسفة والعلماء في ظل حكوماتهم ؛ فدعاة الحرية الفردية ونبذ تدخل الحكومة في شؤون الأفراد وفي ظروف سياسية كان تدخل الحكومة في شؤون الأفراد أثناءها عنيفا صعب الاحتمال ، مما دفع هؤلاء المفكرين إلى الدعوة إلى تقلص ظل الحكومة وإطلاق حرية الناس ، لقد انبرى كل من " فولتير " و" روسو " حينما ساءهما كثيرا تدخل الكنيسة والدولة في التضييق على حرية الأفراد إلى مهاجمة التنظيم الاجتماعي مما مهدا لقيام الثورة الفرنسية ، وفي الوقت نفسه حمل كل من " بنثام " و" جون ستيورت مل"  و" آدم سميث " حملات صارمة على تدخل الدولة في أمر حرية الأفراد السياسية الاقتصادية ونادى كل منهم بوجوب رفع الحواجز التي وضعها المجتمع عن طريق قوانينه كي يصبح الأفراد أحرارا لا أرقاء ..!
بينما عاش دعاة التنظيم الحكومي في ظروف سياسية تقلص فيها نفوذ الحكومة ، فخيل لهم بأن تمتع الفرد بالحرية إنما ينتج عنه نوع من الفوضى ، وفقدان النظام ، فدعوا إلى نقيضه ، ومن أشهر دعاته كما قلنا سابقا " أفلاطون " تلميذ الوفي " سقراط " حكيم اليونان والذي حين حكم عليه الجمهور بالقتل مما جعل " أفلاطون " ينفر من الحرية الفردية كما كانت شائعة إلى زمنه ودعا إلى ضدها ..!
وفي الوقت نفسه تلك الحرية الفردية مع هذا الفريق أتعب كل من " هيغل " و" شبنغلر " و" روزنبرغ " فقدان التنظيم الحكومي في ألمانيا في الفترة التي عاشوا أثناءها ، مما أفقدها على رأيهم القدرة على تأدية رسالتها التاريخية للعالم ؛ فنادوا بوجوب القضاء على حرية الأفراد ..!
في تلكم النداءات التي دارت حول إطلاق الحرية ومنعها ، النزاع الذي دار بين فلاسفة أولئك العصور يجعلنا نتساءل حول تفسير الحرية في مجتمعاتنا ، فللحرية آفاق ومفاهيم عديدة من حيث حرية اللباس وحرية المعتقد وحرية الاختيار ، يجعلنا نضع استفهامات حول المراد بالحرية ..؟ وهل حرية الفرد ذاتية أم مؤثرة ضمن الجماعة التي يتعاطى معها ..؟ وهذا بدوره يقودنا إلى تعريف الحرية بمفهوم الاجتماعي ..
تعنى الحرية بمعناها الاجتماعي هي توزيع علاقات أفراد مجتمع من المجتمعات في وقت ومكان معينين أي أن الحرية تغيير في حصص الأفراد والجماعات التي تكون ذلك المجتمع ، وعليه عدم استطاعة شخص ما من الناحية الاجتماعية أن يقوم بعمل معين تعني فسح المجال لغيره كي يقوم بذلك العمل أو بعمل معين آخر تحت ظروف خاصة ، وعلى هذا المبدأ لكي نعرف حرية مجتمع من المجتمعات ينبغي ألا ننظر إلى ما يستطيع بعض الناس أن يفعلوه فقط بل وإلى ما لا يستطيعون أن يفعلوه كذلك ..!
يعيش الفرد في ظل مجتمع تنطلق حريته من حرية الآخرين ، وكلما ارتقى المجتمع سلم التطور ازدادت درجة ذلك الاعتماد وأصبحت أعمال الفرد وآراؤه ذات أثر كبير على غيره من الأفراد ، وإذا ما وقفت وقتيا حرية فرد معين في محل ما تحت ظروف معينة ، فإن ذلك يعني بدء تحرك حرية فرد آخر أو أفراد آخرين وعلى هذا الأساس لا ينبغي البحث عن حرية فرد من الأفراد أو جماعة من الجماعات البشرية دون النظر إلى حرية الأفراد الآخرين والجماعات التي تشارك ذلك الفرد أو تلك الجماعة حياتها ..
وفي ظل مصالح الأفراد في تلك المجتمعات تتزاحم وتتشابك ، فإن على الحكومة أن تسعى إلى تنظيم توزيع علاقات الأفراد تجنبا لاصطدام بعض المصالح ولابد للأفراد كي يحافظوا على حرياتهم أن يخضعوا للحكومة في هذا المضمار والأفراد الذين يخضعون للحكومة يحصلون على قسط من الحرية أكبر مما قد يصيبهم في حالة نفض الحكومة يدها من الاشتراك في عملية توزيع ، ولكن أفراد الحكومة لا يترددون في الوقت نفسه في إساءة استعمال سلطتهم فيقتلون الحرية تحت ستار الدفاع عنها ، أي أن أفراد السلطة قد يصل غرامهم بالسلطة التي يمارسونها حدا يحبب لهم استعمال تلك السلطة للقضاء على أي حركة مهما كان الدافع لها ومهما كانت غاياتها ..!


ليلى البلوشي
Ghima333@hotmail.com

هناك تعليق واحد:

  1. عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    "مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا فى نصيبنا خرقاَ ولم نؤذِ مَنْ فوقَنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاًَ، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونَجَوْا جميعاً" (2)
    هذا حديث لخير الخلق عن الحرية الفردية والحرية الجماعية فيه بيان وان كان الحديث يتحدث عن النهي عن المنكر وما الحرية الا افعال اما مراعية من حولها فمحدودة المجال مراعية لحريات الاخرين وحقوقهم وبالتالي فهي حرية اجتماعية تسير حسب طبيعة البشر الاجتماعية مراعية تلك العلاقة لوثيقة بين الافراد في بناء مجتمع متماسك تجمعه الرغبة في عيش مشترك يكفل الامن ويحصن الحرية من تبعاةت الهوى وأما حرية فردية تهمل ماحولها فتتعدى حدودها وتهمل حق عيرها فتكون حرية غاب هي الى الحرية الحيوانية اقرب لاتعرف الا ما يخدم هوى النفس ومنه فالحرية الحقة هي الحرية التي تراعي قيم المجتمع المهيمن لتكفل حق كل افراده وحسب ماستقيت من الحديث الشريف ارى ان الحرية الاولىبالاهتمام والتثمين هي حرية الجماعة لما فيها من امن واستقرارواتساع اما حرية الفرد فلا بد لها من الانضواء تحت قوانين المجتمع ليقننها ويضع لها حدودا لا تجعلها تتصادم مع حريات الاخرى

    ردحذف