الثلاثاء، 7 مايو 2013

كتاب الفراشة الياباني ..!


 
 
كتاب الفراشة الياباني ..!

 

رؤية / العرب

 

لوهلة حين تلج من البوابة الفسيحة وأنت في أرض اكسبو للمعارض في الشارقة تبهرك الألوان المبهجة وهي تزين برحابة كافة المساحات التي تستقبلك بفرح ، ولم لا يعرف مناسبتها تدهشه هذه الحفلة اللونية ، ولكن حين يرفع رأسه قليلا سيجد أمامه لافتة كبيرة مكتوب عليها بلون أحمر و بنفسجي فاتح وبرتقالي وأخضر بدرجات مريحة للنظر عبارة " مهرجان الشارقة القرائي للطفل " ..

" مهرجان الشارقة القرائي للطفل " هو عرس حقيقي للأطفال ، وهو عرس لا يكتفي باحتضان الكتب وحدها بل يحرص وحرص هذه المرة بشدة على دعوة مؤلفي كتب الأطفال ورساميها من جنسيات مختلفة في ورش متنوعة و مقاهي أدبية وحوارية يعد أكبر المهرجانات الثقافية المتخصصة في أدب وثقافة الطفل في الدولة والمنطقة ، وتنظمه إدارة معرض الشارقة الدولي للكتاب، ويضم أكثر من 450 فعالية مختلفة من شأنها أن تدعم توجهات الطفل العلمية والمعرفية والتوعوية من خلال استضافة متخصصين يباشرون تقديم ورش وندوات المهرجان  ، تضم قائمة المشاركين في فعاليات المهرجان 80 شخصية من 13 دولة عربية هي: لبنان، ومصر، والكويت، والسعودية والبحرين، والأردن، إضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ، ويشارك في المهرجان الكاتب " يعقوب الشاروني " أحد رواد أدب الطفل في مصر والعالم العربي والكاتبة " سمية الألفي " المدير العام للإدارة العامة للتنمية والنوع في المجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر وغيرهما من الشخصيات الفكرية والثقافية التي تعنى بثقافة الطفل ويمكن التعرف على المزيد منهم من خلال كراسات التي قام المهرجان بتصميمها وعرضت فيها صور هؤلاء المؤلفين وسيرهم الذاتية ومواعيد حواراتهم وندواتهم المختلفة في أرض المهرجان ..

ومن خلال ندوة " تطورات الكتابة للطفل في الإمارات " التي كنت أدير جلستها لتقديم كاتبين قديرين في مجال الكتابة للطفل في الإمارات الكاتب د. " هيثم يحيى خواجة " و الكاتبة " أسماء الزرعوني " اللذين عرضا قضايا مهمة تمس الطفل العربي عموما ، الطفل في كل مكان ، من حيث إشكاليات اللغة والنشر والكتابة للطفل والاهتمام الصحافي لكتاب الأطفال وغيرها ..

أما من حيث إشكاليات اللغة فقد أشار د. خواجة إلى أنه سأل مرة بعض التلاميذ في زيارة له عن اللغة التي يفضلونها لقراءة القصص التي تؤلف لهم ؛ فأشار حوالي  90% من أطفال إلى أنهم يفضلون القراءة باللغة الإنجليزية أكثر من العربية ..! فذهب أن السبب عائد إلى أن معظم القصص العربية تخلو من الروح ، والتي تحضر وبقوة في قصص وحكايات أجنبية وبتعبير الكاتب هيثم خواجة : " لا تقل بأن العجوز صرخت بل هات العجوز وأتركها تصرخ " ..!

وذهبت الكاتبة " أسماء الزرعوني " بأن كتب الأطفال خاصة في أوائل الأعوام يجب أن تكون مشكّلة بالحركات ؛ لأنه في مرحلة يتعلم فيها الحروف ويتلقى لغة الكلام والتي يجب أن يتلقاها بطريقة صحيحة وسليمة ..

وختمت قضية إشكالية اللغة بتعليق من د. " بهيجة مصري إدلبي " وهي ناقدة متخصصة في مجال أدب الأطفال والتي كانت ضمن الجمهور المستمتع للندوة بأن : " اللغة العربية تقدم إلى الطفل كوعاء وأفكار مكررة ولم تقدم اللغة العربية للطفل كموضوع واللغة هي من أهم مقومات لنهضة الطفل وارتباطه بلغته " ..!

أما من حيث النشر فكتب الأطفال لها مواصفات معينة من حيث الغلاف السميك والأوراق الجيدة والرسوم والألوان ، وهي أمور يحتاجها كتاب الطفل كي تبعث فيه تشويق الإقبال على الكتاب من ناحية ، وكي يبقى صامدا في يد طفل مشاكس يعشق التمزيق ، غير أن المشكل الحقيقي في ثمنها الباهظ غالبا وذلك لجشاعة بعض الناشرين الذين يبحثون عن الربح المادي أولا ..!

ومما عرضه د. " هيثم يحيى خواجة " عن أهمية شكل الكتاب لجذب حواس الطفل إليه ، أنه في أثناء مشاركته في مهرجان الطفولة في إيطاليا وتجواله بين دور النشر المختلفة يومئذ استوقفته دار نشر يابانية ، فامتدت يده بفضول إلى كتاب من الكتب المعروضة أمامه ، وحين فتح إحداها فاجأته فراشة طارت من الصفحات ، أخافته لوهلة ، فباعدت الصدمة وجهه عن الكتاب قبل أن يلحظ أن الفراشة الملونة تحلق بخفة في محيطه وحين أغلق الكتاب عادت الفراشة إلى مكانها مسترخية بسلام ودعة تحت تأثير المجال المغناطيسي ..!

يعلق الدكتور أن مثل هذه الكتب بتأكيد تشد كافة الحواس الطفل إلى مادة الكتاب وموضوعه وتخلق فيه حسا تشويقيا جامعا ما بين فضول المعرفة والتسلية والقراءة ..

أما حيث الاهتمام الصحفي فقد أشارت الكاتبة " أسماء الزرعوني " بأن لا الصحافة العربية ولا صحفها المختلفة أخذت على عاتقها الاهتمام بنشر أدب الطفل وأفكار مبدعيها كبقية الدول الغربية التي تعنى بنشر ثقافة الطفل في صحفها بشكل ملفت للنظر كصحيفة نيويورك تايمز التي خصصت أقسام كاملة لعين الطفل وفكره وقلبه وجميع حواسه ..!

وتضيف الكاتبة الزرعوني بأن في أسبوع المهرجان كان من المفروض ألا تكتفي الصحف بعرض أخبار عن الندوات ومقاهي الحوارات ، بل أن تقوم إلى جانب ذلك بعرض قصص وأشعار المؤلفين المشاركين في صحفها لخلق جو فكري ثقافي حقيقي عبر الإعلام الورقي والذي له جمهوره ومتابعيه ..!

ولقد تخللت الجلسة نقاشات واسعة بين مهتمي أدب الطفل وجماهيره ، ولكن برأيي الشخصي أن الطفل الخليجي والعربي في بوتقة تحديات هائلة في زمن أصبحت الأجهزة الحديثة هي لعبة العصر وهي الغاية والإغواء التي تسحب الطفل إليها رويدا ورويدا ، والعالم اليوم معولم في جهاز صغير وعبر كبسة زر يشرع هذا العالم بكل موجوداته عن نفسه بسهولة ورحابة مدهشين ، ولا يمكن القول بأن هذا الانفتاح الهائل يشكل أزمة ، ولكن ستشكل أزمة حقيقية مستقبلا إن اكتفى الطفل بها عما سواها من اهتمامات أخرى لا تقل أهمية  كالكتب والمهرجانات الثقافية التي تقوم على شرفه وما يتخللها من عروض فيحضرها طفل بجسده فقط بينما جل حواسه في داخل آلة صغيرة نجحت بفاعلية كبيرة في جذبه عن عالم واقعي وحقيقي وملموس ..!

ولهذا ينبغي تعويد الطفل على عادات القراءة وتقوية صلته بالكتاب منذ الصغر ويكون هذا ضمن أسس التربية الواعية على حد قول مثل مصري شعبي : " ابنك على ما تربيه " ..!

ومحاولة فتح مداركه المعرفية عبر وسائل مختلفة ، كي لا يكون هذا الطفل نفسه وليمة سهلة الاقتناص من قبل الأجهزة الصغيرة التي غزت نصف عقول الأطفال وسلبت اهتماماتهم جلها ببرامجها المختلفة والمتنوعة خاصة ما يتعلق بحيز التسلية ، فيزجي الصغير متعة وقته معها دون أن يعير بقية الأشياء والأمور في مراحله الطفولية أهمية تذكر ..!

ولكن الشعور باليأس أو الأزمة يضمحل قليلا في كل مرة حين تقام مهرجانات وحضور طفلي مكثف فيها أو حين تقرأ وعبر وسائل التواصل الإجتماعية والتي أصبح الطفل الخليجي والعربي جزءا لا يتجزأ منها خبرا ملهما يمدك بشعور التفاؤل والإيجابية وبشائر الخير خاصة حين تعرف وأنت في داخل ندوة تعنى بالطفل ومواهبه بأن أحد هؤلاء الأطفال حصد جائزة مهمة في مجال الموهبة الأدبية ، فقد قرأت عبر - تويتر - وأنا في قاعة ندوة الطفل بأن الطفلة الإماراتية " مريم حمد أحمد عبدالله " فازت بجائزة الشيخة " سعاد الصباح " للطفل الخليجي المبدع .. بتأكيد هذا الفوز الطفولي يقف وراءه كتّاب وشعراء ورسامين ونقاد ومهرجانات وفعاليات تعنى بإخلاص ومحبة ودافعية حقيقية بالطفل في الإمارات وقبل كل ما سبق من أسباب وعوامل وشخوص تقف أسرة مسؤولة ومهتمة بطفلها وثقافته ورقيّه في مجتمعات كثرت فيها التحديات ، وعسى أن تتفشى هذه العدوى الإيجابية إلى بقية دول الخليج والعالم العربي بأكمله ، وكل مهرجان والطفولة بألف خير وعافية وانطلاق ..!

وعلى خطى " ماركيز " : " للطفل سأعطي الأجنحة لكني سأدّعه يتعلم التحليق وحده " ...

 

ليلى البلوشي

هناك تعليقان (2):