الثلاثاء، 28 مايو 2013

خمسة جنيهات ..!


 
 
خمسة جنيهات ..!

 

الرؤية / العرب

 

كانت واقفة المرأة العجوز تنتقي مشترياتها من السوبرماركت المزدحم بالناس ، وعندما دفعت الحساب رمقها شاب في مقتبل العمر على بعد مسافة ، وحين خرجت من السوبرماركت خرج الشاب العشريني وراءها ، يتبع خطواتها الشائخة خطوة خطوة ، وفي ظل ليل الشتاء والهدوء الذي أنعم الحي بساكنيه كانت خطواتهما تكاد تسمع حتى شعرت المرأة أن ثمة من يتبعها كظلها ، فتوقفت لوهلة ، ثم التفتت بإذا بالشاب يلتفت وهو يدخن سيجارته ، ثم عجلت المرأة في خطواتها ، وكان الشاب يتعجل مثلها فإذا بها تتعثر فتسقط مشترياتها من يدها فتتدحرج علبة العصير إلى قدم الشاب فيرفعها ثم يعيدها للعجوز التي تعلو ملامحها خوف ظاهر ، فتمسك بعلبة العصير وتضعه في الكيس ، وهي تشكر متلعثمة الشاب ، ولكن الشاب يأخذ منها الكيس ويصر على مساعدتها ولا تبدي العجوز الخائفة رفضا ، فتابعا سيرهما حثيثا حتى بناية سكن العجوز وعند المصعد طلبت العجوز من الشاب أن ينادي بواب البناية فذهب وإذا بالعجوز تسلل داخل المصعد ويسبقها خوفها كمحاولة للهرب ، ولكن ما إن تهم بإغلاق الباب حتى ترى الشاب أمامها وهو يسألها بابتسامة ماكرة : " هل ستصعدين من دوني " ..؟

وعند باب الشقة تتعثر مفاتيحها في يد العجوز المرتعشة ، فيطلب منها الشاب أن يحاول فتحها فتعطيه المفاتيح فيفتح باب الشقة ويدخلان كلاهما ، فيستفسر الشاب عن مكان وضع المشتريات وتدلّه العجوز بإشارات من يدها على مكان المطبخ ، فيضع على منضدتها الأشياء ثم يخرج علبة العصير ويفتحها ويخرج من جيبه حبة دواء صغيره يهرسها في العصير ثم يذهب إلى حيث العجوز ويستأذن للذهاب ولكن العجوز تضع في يده خمسة جنيهات يرفضها الشاب لوهلة ثم سرعان ما يقبلها بعد إصرار العجوز ..

وفي وقت متأخر من الليل يفتح باب الشقة ، فإذا بالشاب نفسه يلج في ظلمة الشقة ثم يدنو بهدوء من غرفة العجوز فيراها أمام التلفاز والعصير في يدها تحتسي منه رشفة رشفة ، يوارب الشاب الباب ويذهب إلى الحمام ، يغسل وجهه بالماء ، ثم يدخل مرة أخرى وبهدوء إلى غرفة العجوز فيحضر الشاب مخدة ويقترب من المرأة المستغرقة في النوم فيضعها خلف رأسها وحينئذ تفتح العجوز عينيها وهي تهتف بحب : " أحمد .. كنت فين يا أحمد وحشتني  يا ابني .." !

يمسك الشاب أحمد بيد أمه العجوز ويضعها في سريرها ثم يضع خمسة الجنيهات في كأس ماء فارغة وفي داخله كل خمسة جنيهات قدمته له أمه المصابة بــــ" الزهايمر " ..!

هذه الحكاية عبارة عن فيلم قصير " خمسة جنيهات " للمخرج المصري الواعد " محمد أديب " وعرض في مهرجان كان السينمائي ..

 

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد:

  1. سلام عليكم..
    سرد رائع سلس ..
    كم هو مؤذي الكبر كيف إذا ما رافقته الوحدة وفقدان الذاكرة ، حينها يظل الانسان ريشة في مهب الرياح، إلا ما حفظ الله.
    حتى يأذن الله بقراءة اخرى كونوا بخير، مبارك عليكم الشهر الفضيل

    ردحذف