الأربعاء، 13 مارس 2013

حوار افتراضي مع " كارلوس ليسكانو " .. عن تجربته في السجن والكتابة


 
 
حوار افتراضي مع " كارلوس ليسكانو " 1..

عن تجربته في السجن والكتابة

 

نشر في آرميا الثقافي ...

 

" الكتابة عن الأدب ذريعة لكي لا اكتب عن الحياة ؛ حياتي فليس هنالك ما أكتبه عنها " هذه العبارة أقرّ بها الكاتب والروائي " كارلوس ليسكانو " وهو اعتراف ليس في محله قطعا ، فمذ السطر الأول من كتابه المعنون بــــ" الكاتب والآخر " تجد نفسك أمام قامة أدبية يحتشد فيها زخمان : زخم الأدب من ناحية وزخم الحياة من ناحية أخرى .. يتحفنا هذا الكاتب بعصارة تقشير لإنسانية الكاتب من القاع حيث تتلاقى روح الكتابة وروح السجين وروح الإنسان ..

" كارلوس ليسكانو " أحد أبرز أدباء أورغواي المعاصرين ولد في مونتيفيديو عام 1949م ويكتب القصة والشعر والرواية والمسرح والمقال الصحفي حائز على عديد من الجوائز وترجمت كتبه لغات عالمية .. إضافة إلى قامته الأدبية كان عسكريا وعضوا في حركة التوبمارو 2 .. وسجينا سياسيا ومعلما للغة السويدية بعد خروجه من السجن وعندما عاد إلى مونتيفيديو لم يعد غريبا على الآخرين لكنه ربما غدا غريبا على ذاته .. ربما كانت العودة طريقة لإعادة بناء الكاتب الذي ولدت موهبته عام 1981م في السجن حين كان منكبا وبشكل محموم اثنتي عشرة ساعة يوميا على الكتابة .. الكتابة التي كانت أشبه بلقاح أمان في حبسه ذاك عن اندفاعات الجنون والتعذيب الجسدي والتعري الروحي والعار ونضالات الحرية والكرامة والإنسان ..

 

ليلى : كارلوس ليسكانو تقول في صفحات كتابك الغائر في الجرح ككاتب وكسجين قضى ثلاثة عشر عاما أنك قبعت في غرفة واقعة تحت الأرض ما من شيء على الإطلاق ولا حتى الضوء .. صمت ورطوبة وقضبان حديدية تفصل بين السجين وباب السجن وثمة حفرة في زاوية جرة ماء والفراش الذي يعدونه مساء ويستعيدونه في السادسة إلا ربعا صباحا .. حين خرجت من هذه الغرفة الواقعة تحت الأرض كيف كان أمر الحياة حين خروجك  ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " حين خرجت من السجن كنت في درجة الصفر لم يكن في حوزتي كلمات لأصف بها ليلة 14 وصباح 15 آذار 1985م كنت لا شيء .. لا أحد .. لم يكن لي وظيفة وبيت ومال ووثائق رسمية .. لا أبوان ولا أطفال أو أي شيء يمكنني من العمل .. لا ملابس وأوراق أو أي علاقات .." .

 

ليلى : إذن لم تكن لديك وجهة معينة في هذه الحياة تعينك في الذهاب إليها ولا ثمة عائلة تنتظرك بكامل شوقها وتحتضنك بكامل دفئها يا لها من غربة فظيعة تلك التي أحاطت بعالمك وقتئذ ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " الشعور بالغربة هو ذاته على الدوام .. هو ذلك الذي أحسست به ليلة 14 آذار 1985م عندما اجتزت مونتيفيديو في المقطورة التي كانت تقل من خرجوا من السجن إلى بيوتهم .. عندما لم يكن لي وجهة ولا عمل ولا عائلة .. كنت على وشك أن اكتب " عندها لم يكن لي وجه " بدلا من " لم يكن لي وجهة " ثم تداركت يدي على الفور على هذا قد يكون تعريفا حسنا لما كنت عليه آنذاك لفرط ما لم أكن أملكه بسبب كل ما كان ينقصني لم أكن أملك في تلك الليلة حتى وجها .."

 

-       ليلى : هل فقدانك لوالديك أثناء فترة حبسك هي التي كانت وراء تلك الوجهة الغامضة أو ذاك الوجه الذي فقدت الإحساس عن وجوده ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " في سنوات السجن الأولى حاولت أن أعيد بناء نفسي قليلا لكن موت أمي في العام 1976م قذف بي في عالم من العزلة وبعد موت أبي في العام 1978م جعل القمع الحاصل في البلاد وضرورة الانحناء من أجل البقاء حيا ملاذي والقراءة مهربي الوحيد .."..

 

-       ليلى : إذن في سجنك من ضمن أهم القضايا التي كنت تناضل من أجلها " الحياة " وهي مضاد الموت ومن خلال اكتشاف الكاتب بداخلك والتشبث بهذا الاكتشاف كنت تتغلب على هذا الموت على نحو واعي ..

 

-       كارلوس ليسكانو : " أن تكتب هو أن تريد أن تتجسد وأن تكون موجودا بعد أن يأتي الموت ؛ لأن الكاتب يريد أن يكون مختلفا.. أن يكون من هو وأن يكون آخر لأنه يطمع إلى خلق العمل العظيم الذي سيسمح له بالاستمرار في الوجود بعد الموت .. إنه ذلك الإحساس الغريب الذي ينبعث فيك حين تعرف أنه في هذه اللحظة في مكان ما وربما في لغة أخرى ثمة من يقرأ أحد كتبك وأنت لا تعرفه ولن تعرفه أبدا لأن الحديث إلى النفس يجري عبر الآخرين .. عبر القراء الذين نكتب من أجلهم ولا نعرفهم .."

 

-       ليلى : أنت من الكتاب الذين يعون بوجود قرائهم وأنهم جزء من عملية الكتابة .. دعني استعير عبارة بديعة كنت قد أطلقتها على القراء بوصفهم " أول من يعزز الابتكار هو القارئ " عبارتك الحميمية هذه تحمل دفئا تجاه كل قارئ خفي يقرؤك بل تتماشى مع عصر يقال إنه عصر القارئ بامتياز لكن ما دور الناقد في عصرنا هذا ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " أول من يعزز الابتكار هو القارئ ، إنه يبتكر كاتبه الخاص انطلاقا من الكتاب الذي يقرأ ثم يأتي النقاد ليواصلوا ابتكار مناظر طبيعية وصلات وطرقات في بلاد لا وجود لها ما لم يصفوها هم " ..

 

-       ليلى : ماذا عن دور الكاتب نفسه مع كتابه .. مع النص أو الحكاية التي يكتبها مع الحياة بمجملها ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " الكاتب دوما اثنان : ذلك الذي يشتري الخبز والبرتقال ويجري الاتصال الهاتفي ويذهب إلى عمله ويدفع فاتورة الماء والكهرباء ويحيي الجيران والآخر الذي يكرس نفسه للكتابة .. الأول يسهر على حياة المبتكر العبثية والانعزالية .. إنها خدمة يؤديها بكل سرور لكنه سرور ظاهري فقط ؛ لأن التوق إلى الاندماج يظل موجودا فأن تكون اثنين ليس أسهل من أن تكون واحدا .."

 

-       ليلى : أوافقك فيما ذهبت بلا شك .. ولا أبالغ حين اعترف بأني مبهورة من طريقة تقشيرك للكاتب من الداخل حيث هناك يقبع أكثر من كيان إلى ما أطلقت عليه " خادم " والآخر " المبتكر " .. يقبع كاتب هو إنسان في النهاية له صلات في الحياة والتزامات يومية وعلاقات مع الآخرين ..هذه الإزدواجية المدهشة هلاّ تمعن في وصفها لنا ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " شخصية الكاتب قد وجدت دون أن تعرف كيف حدث ذلك .. إنها اللحظة التي تدرك فيها أن ثمة من يعترف بهذا الصوت الذي يحكي فتتعرف إلى ذاتك في هذا الصوت الذي تم الاعتراف به وإذ ذاك فإن الآخر ذلك الذي يريد أن يصير كاتبا لا يعود موجودا ، فالشخصية المبتكرة تهيمن على كل شيء وما من حوار ممكن بين المبتكر والآخر .."

 

-       ليلى : أنت تعني أن وجود الكاتب في داخل الإنسان يبدأ على نحو واقعي حين تعترف به الأصوات الأخرى و بهذا الاعتراف الأدبي بعينه سوف يخلق العمل الأدبي نفسه ..

 

-       كارلوس ليسكانو : " لأن الأمر يتعلق بخلق الكاتب لا بخلق العمل الأدبي إذا نجحت في خلق الكاتب فإن الكتاب يخلق وحده ؛ لأن الكاتب يخلق أثناء التأمل في فعل الكتابة والحياة التي يختارها لنفسه أكثر منه في أثناء الكتابة فأن تصبح كاتبا يعني أن تختار حياة وطريقة توجد بها في العالم وترى من خلالها الأشياء لأن الفرد إن لم يكتب لن يكون كاتبا لكن الكتابة وحدها لا تكفي في لحظة ما سيطرح عليه نشاطه الكتابي أن يتأمل متسائلا : ماذا ولماذا وما الفائدة ..؟ "

 

-       ليلى : هل هذه التساؤلات عن جدوى الكتابة تهجم على الإنسان حين يصل إلى مرحلة الشبع الكتابي أو حين يقف على سفح الإبداع متسائلا عن الغاية من كل ما يفعله أو الجدوى من كونه كاتبا ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " لقد كان ذلك زمن البراءة الأدبية حين كانت الكتابة تعنى المضي دوما دون أن أتساءل لماذا أمضي قدما وما فائدة ذلك ..؟ كان ذلك قبل الحكاية حين لم يكن الفرد قد انشطر بعد لم يكن ثمة مسافة بين الإنسان الفرد والكاتب ، فالكاتب لم يكن قد ابتكر بعد لكن ظهوره كان محتما في ضوء الإيمان بأن كل الأشياء ستتألف لإنجاز العمل المقدر سلفا بريئا وممتلئا بالأوهام .. اخترت طريقي وأخذت أتقدم فيه بلا حذر دون أن ألتفت إلى أنني كنت أمضي نحو الشك والقلق والحياة المزدوجة على الدوام .. لأننا في الأدب لا نتقدم أبدا نتعلم تقنيات .. نكتشف كمائن لكننا نبقى دوما في النقطة ذاتها نحفر الحفرة ذاتها ونبحث عما يعرف العالم أجمعه أننا لن نعثر عليه هناك .. مقتنعين بأن الشيء الوحيد الذي يستحق العناء هو أن نستمر في الحفر .."

 

-       ليلى : وهذا الحفر نفسه يكفلك كثيرا ككاتب مهنته ووظيفته الوحيدة في الحياة هي الكتابة وخلق شخوص لحكاياته .. هذا النبش عن آخرين يجبرك على حياة ذات نمط معين وعلى عزلة من نوع ما .. قد تكون عزلة مبالغة أشبه بعزلة الروائي " مارسيل بروست " الذي صنع لعزلته غرفة من الفلين واختار الفلين تحديدا لخمد حس الضجة من حوله تماما أو تكون عزلة أقل كتما للأنفاس .. بمعنى أوضح كيف هي عزلتك ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " الكتابة هي تشييد عزلة لا يمكن اختراقها .. ليست تلك العزلة التي تصل القارئ عبر العمل بل العزلة الأخرى الأكثر عمقا .. عزلة الحيوان المحكوم بالحوار مع ذاته بالتفكير وحيدا .. المحكوم بالتأرجح بين الاندفاع الطفولي والإحباط المدمر .."

 

-       ليلى : لكنك أشرت في كتابك " الكاتب والآخر " بأن من يجعل من الأدب مركز حياته لا يستوجب عليه أن ينعزل فهذا ليس ضروريا ، لأن الأدب بعينه سجن لا يمكن الخروج منه حيث تكون على الدوام حبيس زاوية نظر معينة يحددها الأدب  ..

 

-       كارلوس ليسكانو : " من أجل الكتابة لابد من أن تكون في الحياة وخارجها في الوقت ذاته .. أن تراقب وتعيش في صمت إنهما حياتان .. إنها الإنسانية المبنية بطريقتين كل منهما مسلكا خاصا وفي هذا إفراط : أن تكون إنسانا بطريقتين مختلفتين وأن يكون لك في الحالتين حياة تامة ظاهرة للعيان .. الأولى حياة المواطن المستقيم كثيرا أو قليلا والثانية حياة الفنان الذي لا يظهر إلا عبر أعمال فنية والذي يمكن أن يعاد بناء حياته عبر هذه الأعمال أيضا .. إن له فكره الخاص ويمكننا أن نعرف إلى أي جوانب الواقع يوجه انتباهه ومدى إحاطته به .." .

 

-       ليلى : كونك كسجين عسكري أعادت ذاكرتي إلى كاتب عربي سوري له كتاب يروي فيه تفاصيل العذاب في السجون وتحويل الجلاد الضحية إلى حيوان .. يدعى كتابه " حيونة الإنسان " .. ترى ما الذي يجعل الآخر يحوّل البشر مثله إلى منزلة الحيوان أو تشييئه إلى أقل من الحيونة ..؟ ما هو غرض الجلاد وما هي مسوغاته للقتل بدم بارد .. ؟ هل للجلادين ضمائر أم هم مجرد عبيد مأمورين ..؟ !

 

-       كارلوس ليسكانو : " من الصعب أن تروي التعذيب ، لأنه شيء حميمي مثله في ذلك مثل الحياة الجنسية ما من داع للحديث عنها خارج الحياة الخاصة أو جلسات العلاج .. ما من داع للحديث عنها خارج الحياة ..ففي غير هذه اللحظات لا يكون الحديث عنها سوى بذاءة واستعراض ومرض ربما .. في التعذيب ثمة طرفان .. جسدان .. جسد المعذب وجسد الجلاد يتصادم الجسدان .. يتلامسان .. يتبادلان روائحهما ويصرخان .. ثمة دموع وشكوى وشتائم .. يشعر الجلاد بأن جسد الآخر ملك له وبما أنه يمتلكه فبوسعه أن يفعل به ما يشاء غير أنه لا يجد غضاضة في أن يبدي الآخر مقاومة الآخر ضده بل إنه يفضل أن يفعل ذلك .. لقد وجد الجلاد من أجل هذا ، من أجل أن يدفع الجسد إلى الاستسلام ودون مقاومة لا يكون هنالك استسلام .."

 

-       ليلى : مرة اعترف قناص أمريكي في حوار عن  مشاركته في حرب العراق أنه كان يقتل العراقيين كما لو أنه يمارس لعبة الجيم فلا ينظر إلى هؤلاء الناس الذين يقتلهم كبشر ولا يتساءل إذا كان لديهم أُسر ..!

 

-       كارلوس ليسكانو : " ذات ليلة اقتادوني إلى قاعة التعذيب كان ثمة سجين آخر لم أكن أعرفه وفي تلك الليلة لم أتمكن من رؤيته تكمن التسلية في دفع سجين إلى تحطيم سجين آخر كان هذا الأمر من أكبر البذاءات كما كان انتهاكا للجسد أيضا ولكن على نحو استعراضي هذه المرة .. امتزج الألم مع الخجل والشعور بالعار وبكونك مضطرا لإظهار ضعفك وبؤسك الشخصيين أمام رفيقك لم يخطر لنا عندها أن العجز عن الدفاع عن النفس كان عذرا كافيا كي لا نشعر بالعار .. لم نكن نشعر أن كوننا مكبلين ومقنعين يمكن أن يخفف من وطأة إحساسنا بالعار .." .

 

-       ليلى : منفّذ التعذيب يتم شحنه بفكر معين وعواطف وأحقاد خاصة ، يشعر معها أنه يؤدي خدمة خاصة للسلطة التي يحترمها أو يخافها أو يهابها أو للإيديولوجيا التي يؤمن بها وهذه السلطة هنا هي الحكومة أو الحزب أو الطائفة أو الجماعة ..

 

-       كارلوس ليسكانو : " شهور طويلة من القمع المدمر وتفتيش الزنزانة والعقاب والأعمال التعسفية .. كانت الوحشة التي تمارس في السجن ضد الأفراد مضاعفة لأنه كان سجنا عسكريا ليس لأن وجود الجنود في السجن العسكري يجعل حياة السجناء مستحيلة ؛ بل لأن الفظاعة والقسوة هي شرط العسكري ولأن العسكر ألفوا قهر البشر منذ بدء التاريخ فقد أصبح التعسف نظامهم حيث ما من طريقة لمعرفة ما إذا كانت الأوامر ستنفذ دوما في أي لحظة تحت أي ظرف فوحده التعسف يمكنه البرهنة على صلابة النظام وهذا كله يضاف إلى القسوة التي تتعرض لها المجموعة ووحشية الضباط الذين تم تأهليهم في قاعات التعذيب والذين لا يرون في أجساد الآخرين إلا مادة للقهر والإخضاع يكمل جو السجن .."

 

-       ليلى : لعل هذا الكم الهائل من التعذيب الجسدي والقمع لحرية الإنسان وإهانة كرامته كلها تجعل الروح المثقلة تتكئ على السخرية .. السخرية من كل شيء وكأن هذا الاستخفاف بالحياة بكل ما حولنا يبرأ الجرح المثقوب في كيانك كإنسان ..

 

-       كارلوس ليسكانو : " السخرية طريقة لرؤية الذات تساعدك على ألا تحسب نفسك شيئا وألا تصاب بالجنون فلكي تقضي ساعات وساعات في الوحدة وأنت تكتب لابد من أن تصدق نفسك بقوة عليك أن تعتقد أن بإمكانك قول شيء ما وأن لديك شيئا ما تقوله للآخرين وأنك تمتلك أيضا من الأدوات ما يمكنك من القيام بذلك وحدها السخرية إذن تنقذ من الجنون والغرور الفاحش .." .

 

-       ليلى : افهم أن السخرية أسلوب نافذ لضخ روح المناعة من الجنون أو لتفتيت لعنة الوحدة التي أحاطت عالمك ككاتب سجين ..

 

-       كارلوس ليسكانو : " إن السخرية تمنحك نظرة للعالم من الأعلى وتحميك من أن تصدق نفسك على عكس الآخرين الذين يميلون إلى تصديق أنفسهم ثم تمضي باحثا عن ملاذ .. عن حماية .. عن قليل من الدفء مثل الآخرين .. لا يجد الفرد خلاصا لكن لا وجود للخلاص أصلا كما نعرف منذ البداية وذلك هو واقع الكاتب كبيرا كان أم صغيرا ؛ لأن نضاله من أجل أن يكون يقوده على نحو مستمر من العظمة إلى البؤس .." .

 

-       ليلى : الكاتب مناضل .. يناضل من أجل غايات كثيرة ولعل أعظم نضالاته تكمن حول الحرية خاصة إذا ما كان حبيسا ولكن هل من الممكن أن تكون الحرية عبئا بعد امتداد زمن يقضيه الإنسان في بقعة يقرر عنه الآخرون كل شيء حتى أدق الأشياء الحميمية .. هذا يذكرني شخصيا بالزنوج حين نقلت لهم لجان حقوق الإنسان في أمريكا أنهم أصبحوا أحرارا وأن عصر العبودية ولىّ إلى الأبد ولهم حرية كاملة في فعل أي شيء في الحياة ولكن البعض منهم رفض هذه الحرية بل فضّلوا أن يبقوا عبيدا مقابل حفنة من طعام ..!

 

-       كارلوس ليسكانو : " خلال السنوات الثلاثة عشرة التي قضيتها في السجن ، كان كل شيء ينقصني .. هناك لم يكن الواحد منا يحتفظ حتى بشَعره .. ذات يوم استعدت حريتي وبدأت المشاكل فأن تكون حرا يعني أن تختار عند كل خطوة وفي كل يوم وأمام كل موقف ؛ لأن الحرية هي أن تضطلع بالمسؤوليات وهنا يمكن أن يصل بنا الأمر إلى الحنين إلى ذلك الزمن الذي كنا فيه محرومين منها إلى تلك الراحة التي كنا نعيش بها حين كان الآخرون يقررون بالنيابة عنا وعندها يبدأ كل شيء من جديد ، لأن الحرية هي بناء فردي طويل وشاق .. يتطلب كثيرا من الوقت والجهد والمعاناة لأننا نكون أحيانا أو حتى في كل لحظة على استعداد لأن نتنازل عنها من أجل أن نسلم أنفسنا إلى مؤسسة أو فرد أعلى يرينا الطريق ويشير علينا الحقيقة ويقول لنا أين الخير وأين الشر .."

 

-       ليلى : لكن تظل الحرية هي ربق الروح الناقصة .. تظل الحرية غاية النضال العظمى الذي يخوضه الإنسان في حياته ..

 

-       كارلوس ليسكانو : النضال من أجل الحرية لا ينتهي أبدا ، ففي كل لحظة وعند أقل غفلة يأتي أحد كي يحاول إخضاعنا .. يجب أن نكون حذرين طوال الوقت وهذا هو الأصعب .. الأدب هو أو يجب أن يكون هذا المزيج بين الحياة والانعزال بين الهذيان والتفكير بين السخرية والقلق .. نشوة أن أكون أنا .. ذلك الذي أعرف أن أكونه وأنا مستلق على فراشي وانظر إلى السقف فأرى وجهي .."

 

-       ليلى : كارلوس ليسكانو لعلك اليوم مدين لكل آلامك وأوجاع الحبس الطويل لثلاثة عشر عاما قضيتها في بقعة مظلمة مبللة برطوبة الخوف وامتداد الوحدة وجرح العزلة في تشكيلك ككاتب معروف له وزن .. روائي من طراز رفيع حصدت رواياته عدة جوائز .. ما شعورك تجاه هذه الشهرة العظيمة ..؟

 

-       كارلوس ليسكانو : " حين نبدأ في البحث عن كيفية أن نكون أكثر شهرة من غيرنا نكون قد ابتعدنا كثيرا عن البدايات حين كان الفن وسيلة للبحث عن معنى اندهاشنا لوجودنا في هذا العالم .."

 

-       ليلى : الله .. الله .. عاجزة أنا عن وصف قامتك كمبدع .. مبدع حتى النخاع .. حتى قلب الكلمة  وروح الإنسان ..!

 

-       كارلوس ليسكانو : " نهوضك ذات أحد خريفي الساعة السابعة صباحا وريّك النباتات ودخولك إلى بيتك والخروج منه هو أيضا فعل إبداع .."

 

-       ليلى : كارلوس ليسكانو .. شكرا لكل ظروف الإبداع .. القمع .. النضال .. السجن . الإنسانية . الجمال التي جمعتني بك .. بمعنى أعمق ممتنة أنا كالعادة بـــ" حدسي " الذي قادني نحو كتابك الأروع " الكاتب والآخر " .. ممتنة .. ممتنة

 

-       كارلوس ليسكانو : " إن M  هو من ابتكرني وقد ابتكرتني في الظلمة " ..

 

-       ليلى : وممتنة لـــ" M " خاصتك بلا شك .. رفيقك الأوحد في ظلمات السجن ..!

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 _ الحوار الافتراضي : إجابات الروائي كارلوس ليسكانو من كتابه " الكاتب والآخر " من إصدارات دار كلمة للترجمة ، الطبعة الأولى 2012م .. ترجمة نهى أبو عرقوب ..

 

2 – حركة التوبمارو : هي حركة تحرر ثورية يسارية اعتمدت النضال العسكري وحرب العصابات أهدافها بين العامين 1960م و1970م ويعود اسمها إلى " توباك أرمو " الهندي الذي قاد واحدة من أهم ثورات ضد الإسبان في العام 1780م في مملكة البيرو سابقا ..

 

 
ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق