الاثنين، 25 فبراير 2013

رجال الشرطة والمثقفين ..!


 
 
رجال الشرطة والمثقفين ..!

 

نشر في جريدتي الرؤية / العرب

 

بإعادة شريط الثورات إلى خلف تحديدا إلى " تونس " إلى لحظة حرق محمد البوعزيزي جسده بعد أن أوقف رجال الشرطة عربة الخضار وقاموا بتحطيمها وحين وقف البوعزيزي – بائع الخضار - أمام إحدى شرطيات الدولة يدلق بغضبه وقهره كإنسان معدم لا حول له ولا قوة عوضا عن السماع له وفهم خلفيات قهره وظروف عوزه قامت بصفعه على وجهه صفعة أهانت كرامته كإنسان .. إنسان معدم لا يملك سوى لفيف كرامته فأهينت إهانة من الصعب أن تبرأ في روحه الحرة ..!

ولنقف قليلا على خلفيات أحداث الثورة في " مصر " إلى الذي فجر ربيعها " خالد سعيد " الشاب المصري الذي خطفته رجال الشرطة وقامت بتعذيبه بسادية حتى مات فيه النبض ، وتفجرت الدماء وانفجر الشعب بدوره صارخين " كلنا خالد سعيد " في ميدان التحرير في 25 من يناير ، ولم يكن هذا التاريخ على وجه اعتباط بل هو يوم عيد الشرطة ؛ عيد تحول إلى احتجاج واعتصام ومظاهرة حاشدة تنكأ بتصرفات رجال الشرطة التي تبدلت شعارها مع مرور الزمن والمصلحة والمنفعة السياسية من " في خدمة الشعب " إلى " قاتل الشعب " ..!

ثورات الربيع العربي في معظم الدول التي اشتعل أوارها جاءت تعلن بجسارة فقدان ثقتها في الشرطة بالمعنى الأدق في رجال السلطة الذين تحولوا إلى وكر للنهب والاستغلال والوحشية والقتل وإهانة كرامة البشر وإهدار حقوقهم حسبما تقتضي منافعهم ومصالحهم ومراتبهم مع إسقاط مصلحة وأمن الشعب وحقوقه ، مما خلّف أزمة عدم ثقة إلى وقتنا الحاضر ما بين الشعب والشرطة ، ولعل أبسط مثال هي الأحداث الأخيرة في " تونس " مع اغتيال الشهيد " شكري بلعيد " حيث روت صحفية وهي جارة تسكن في العمارة نفسها الذي سكن فيه " بلعيد " روت أنها شاهدت تفاصيل ما جرى ولكنها لم تستطع ولم تتشجع أن تخبر رجال الشرطة والأمن في الدولة وذلك لأنها ما عادت تثق بهم ..!

وكما حدث في " مصر " أيضا من وقت قريب حين تعرض فندق سميراميس إلى هجوم بلطجي وظلوا لساعات وهم ينهبون بعد أن زرعوا الرعب عند نزلاء الفندق وكان معظمهم سياح من دول خليجية وعربية ، ولكن الشرطة ظلت متفرجة رغم استمرار نداءات المواطنين والسياح لطلب الحماية منهم ولكنهم مع ذلك حظروا متأخرين وبعد أن تعرض الفندق لخسائر فادحة وعايش النزلاء وضعا نفسيا غاية في الصعوبة وانفلت الأمر من عقاله ..!

أما على صعيد تعامل رجال الشرطة مع المثقفين في المجتمع فإنه غالبا تعامل وحشي من باب استعراض القوة وفرض سلطة فوقية والأمثلة وفيرة لا تعد ولا تحصى والواقع المحلي والعام وحده سيد المشهد والموقف والوصف ..!

وجد رجال الشرطة لخدمة الشعب ولكن أساليبهم وتصرفاتهم تقول إنهم وجدوا لخدمة السلطة فقط على حساب الشعب ، ولهذا فإن أي احتجاج أو موقف أو مظاهرة تظهر من الشعب تجاه السلطة فإن رجال الشرطة والأمن يحولونه إلى قضية شخصية ولا يتناولونها على أنها قضية رأي عام ، لدرجة تصل بالبعض إلى إهانة المواطن وضربه متناسيا أن هناك قضاء ومحكمة تضع العقوبات حسبما الإدانة والقضية ، ولكن بعض رجال الشرطة نصبوا أنفسهم  سلطة قضائية أخرى .. سلطة استفعلت جبروتها ، لأن العدل معدوم ، ولأنهم على يقين تام بأن لهم سلطة قوة على المواطن .. سلطة قاموا باستغلالها على وجه خاص وشخصي مسقطين بذلك المصلحة العامة .. للأسف هذه هي أساليب الشرطة في معظم دولنا الخليجية والعربية ..!

ولكن إن تأملنا قليلا رجالات الشرطة والأمن في دول غربية ، سنجد منظومة مختلفة تماما ، ستبهرنا العلاقة ما بين رجال الشرطة والشعب ، الشرطة التي تقوم بخدمة الشعب والشعب الذي يثق بالشرطة ويثق في إمكانية توفيرها للأمن فهناك سلطة تحاسب تقصير الجميع وهناك القانون على الجميع بلا استثناءات ..

مما اذكره في عهد الرئيس السابق " جورج بوش " قبض رجال الشرطة على ابنتيه التوأم لأنهما كانتا تقودان السيارة وهما في حالة سكر وقد تكرر سقوطهما في يد الشرطة على هذه الحال ، الملفت للنظر أن رجال الشرطة قاموا بواجبهم دون أن يلتفتوا للحظة أنهم قبضوا على ابنتي رئيس دولتهم - رئيس أهم دولة في العالم - رجال الشرطة آمنوا بالمصلحة العامة .. بمصلحة الشعب لا مصلحة سلطة معينة أو سيادة أو مال ..!

أما على صعيد تعاملهم مع الكتاب والمثقفين ، فاذكر مثالا تعرضت له الروائية العالمية " أليس وولكر " التي اعتقلها رجال الشرطة الأمريكية حين تظاهرت أمام بيت الأبيض مع مجموع من الكتاب والمثقفين من النساء حيث جاء وقفتهم للاحتجاج على حرب العراق في " يوم العالمي للمرأة " وتصف " وولكر " لحظة اعتقالها على يد رجال الشرطة حين تقدم منها شرطي ونظر إليها وهو يقول : " أوه ، لسوف تقلتني زوجتي لو أني رجعت للبيت وقلت لها بأني اعتقلتك ..! " فقد كانت زوجة الشرطي تحب " أليس وولكر " وتقرأ لها كثيرا ..

وتتابع " وولكر " وصف الموقف : " والحق أنه حين خرجت من الحجز قام رجال الشرطة بمساعدتي في ربط حذائي لأنهم ينتزعون منك حذاءك .. وبدأنا نتحدث عن أطفاله وأراد أن يعرف إن كنت كتبت كتبا للأطفال وكنت كتبت فعلا وهكذا أتيحت لي فرصة إرسال بعض الكتب لأطفاله .."

الموقف يوضح لنا بوادر علاقة الطيبة ما بين رجال الشرطة والمثقفين في مجتمعهم ، حيث يحضون بتقدير واحترام كبيرين ، فإن تعرضوا للاعتقال فإنهم لا يسعون إلى تشويه سمعتهم ، أو التلصص على كل تفاصيل حياتهم وعناوينهم صغيرها وكبيرها ، أو حتى مهاجمتهم بألفاظ نابية وسوقية وضربهم بما يهين كرامتهم الإنسانية ، أو تلفيق التهم لهم لغايات لا يعلمها سوى الله ..!

رجال السلطة والأمن في الغرب يؤدون وظيفتهم وفق ما يمليه عليهم ضمائرهم ، لا وفق ما يمليه عليهم أي أحقاد شخصية أو أوامر فردية من سلطة ما ..!

ختمت الروائية " أليس وولكر " تجربة اعتقالها على يد رجال الشرطة بقولها : " كانت تجربة جميلة جدا ؛ لأني أدركت بأننا حتى لو فكرنا أحيانا بالشرطة كأعداء لنا إلا أنهم عائلتنا حقا وغالبا خاصة كالنسبة لأفرو أمريكيين " ..

عبارتها تشير إلى نظرتين مهمتين أولاها أن الناس عموما ومهما كانت ثقافتهم ينظرون إلى رجال الشرطة كأشرار وهي نظرة ساهم بخلقها رجال الشرطة أنفسهم من خلال ممارساتهم العنيفة واللاقانونية في بعض الأحيان .. أما النظرة الثانية وهي تتكاثف حول تبديل النظرة نحو رجال الشرطة وهي نظرة أيضا يساهم في تفعليها الشرطة وتصرفاتهم ؛ فالشرطة منظمة أمنية وجدت في خدمة الشعب وعلى أساس مسؤولية هذا الشعار كان وجودها ، أما الشرطة التي جعلت جل ممارساتها طوعا لخدمة سلطة معينة أو سيادة ما فإنها خاسرة لا محالة وساقطة كما سقطت من قبل مؤسسات ودول والواقع زاخر بالأمثلة وكذلك التاريخ زاخم ..!

 

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد: