الاثنين، 2 نوفمبر 2015

حالة ثقافية مُزرية ..!

حالة ثقافية مُزرية ..!

لفت نظري للغاية ما كتبه الناقد د. " سعد البازعي " على صفحته في الفيس بوك يدعو فيها إلى تقصير كبير من وزارة الثقافة السعودية و جهات الإعلام ؛ لأن رواية سعودية مترجمة إلى الفرنسية حازت على جائزة مهمة : " فازت رواية القندس لمحمد حسن علوان بجائزة فرنسية بعد ترجمتها بوصفها أفضل عمل مترجم ، وحضر وزير الثقافة الفرنسية ليسلم الجائزة التي رفعت اسم المملكة و اسم العرب عاليا ، لكن لم نسمع أي تعليق من وزارة الثقافة أو أي المؤسسات الثقافية السعودية ، ترى لو كان علوان لاعب كرة قدم في فرنسا هل كنا سنرى هذا التجاهل الرسمي ، ولو أن علوان كان مطربا من الدرجة العاشرة كما معظم المطربين اليوم ، هل كنا سنرى هذا التجاهل الإعلامي المؤسف ؟ " ..
في الحقيقة هذا الهاجس طالما شغلني كثيرا ، الهاجس نفسه ألمّ بي في الفترة الأخيرة و أنا اقرأ خبر تكريم الدكتورة " فاطمة العلياني " في الدوحة ، التي كرمت ضمن مبدعي دول مجلس التعاون عام 2015م في مجال العمل الثقافي المدني و جاء تكريمها باعتبار صالون فاطمة العلياني هو أول صالون أدبي في سلطنة عمان ، و ضمن أبرز الصالونات الخليجية انتشارا ، الدكتورة فاطمة العلياني التي يعرف الجميع جهودها الجبارة لخدمة الثقافة والفكر في عمان ، و مع ذلك جاء الاهتمام بهذا الخبر هزيلا من وسائل الإعلام و الصحف العمانية ..!
بل ما يضاعف القهر حقا في حال الثقافة العربية عموما و الخليجية خصوصا هو الاهتمام الغريب بالموتى ، بالكتّاب و الشعراء الذين يغادرون عالمنا ..!
فمنذ الأسبوع الماضي وصلتني عشرات الرسائل تطلب مني المشاركة في كتابة تحقيقات أو فقرات عن الروائي الراحل " جمال الغيطاني " الذي ابتسم له الموت ، نعم ، لقد ابتسم له الموت مبشرا إياه بأنه سيتصدّر و أغلفة كتبه و سيرة حياته جميع الصحف و المجلات العربية ، ها هو الموت يثبت هنا أنه وحده من ينصف الكتّاب و الشعراء ، وحده من يجعل حظوظهم في الشهرة تحظى بريق وسائل الإعلام خلال مراسيم جنازته المهيبة ..؟!
حالة مزرية للغاية أن الكاتب حين يموت في العالم العربي يبرق نجمه و على حين فجأة يكون موته سببا لشهرته ، للكتابة عنه ، للتحريض على قراءة أعماله ، سببا لتتراكم التقارير و يلاحق حتى أدق تفاصيل حياته و التي ربما لا تمت مشواراه الثقافي بصلة ؛ لنيل السبق في نشر أخبار عنه حتى لو كانت هزيلة ، حتى لو كانت تلفيقا ..؟!
بل حمى اهتمام بالكتّاب و الشعراء الموتى تصيب حتى الناس العاديين ، أولئك الذين لم يسمعُ بالأديب قط ، بل ربما لا يعرفون حتى نطق اسمه أو كتابته بشكل صحيح ، لكن مع ذلك عبر حساباتهم في الفيس بوك وتويتر يعبرون عن مشاعرهم الجياشة عن رحيل الفقيد الأديب و كأن موته حالة احتفالية يجب أن يشير إليه جميع الناس ؛ ولا أدري لماذا لا تظهر الحالة الاحتفالية نفسها بالأديب و أعماله خلال حياته ، أجهل حقا هذا النكران الفظيع لكثير من الأعمال الفكرية والأدبية حين يكون الكاتب حيّا يرزق و بكامل صحته ، وهل يجب أن يموتوا حتى يحين موعد الكرنفال الكبير ، كما كتب الشاعر " عبدالكريم كاصد " على حائطه الفيسبوكي رثاء لصديقه الشاعر " سركون بولص " في ذكرى رحيله : " المدائح للميّت / دوماً / و دوماً / شاتموك المعزوّن / أو شاتموك الأعزاء / هم / خارج الكرنفال " ..؟!
حالة مزرية ، حقا مزرية ، تنم عن جهل فظيع و احتفال غريب للموت ، وكأننا حقا شعوب تحتفل بالموت و تطلبه ، صار الموت وحده حاكم حياتنا و حارس تفاصيلنا ، الموت وحده صار يقرر متى يئن أوان احتفاء بالأعمال الفكرية والثقافية لكاتب ما ، أو متى علينا أن نجهز العدّة للحديث عن مشوار شاعر مع قصائده ..؟!
الموت صار الحدث الأهم الذي ينعش صفحات الصحف العربية ومجلاتها ، وحده يجعل مبيعاتهم تتضاعف و اهتمام الرأي العام نحوهم تصبو ، الموت صار هو الحدث الأهم الذي ينتظرون بشائره ليولّموا في جنازة الميت الذي وقع الحظ عليه ليكون شهيرا و موضع اهتمام خلال فترة جنازته ، هي فترة مؤقتة ، معدودة لأيام ، فالعرب لا تتعدى أحزانهم عن ثلاثة أيام ، وبعدها تطوى صحفهم سيرة الفقيد كما يطويه القبر إلى موت أبدي ، إلى موت منسي من التجاهل و اللامبالاة و التغييب و التهميش ..!
رحم الله كل الأحياء من الكتّاب و الشعراء و المفكرين والمثقفين حتى يأذن الموت نبش مسيرتهم الإبداعية  ..!
عن نفسي لن أكتب عن الموتى ، سأكتب عن المتفرجين الموتى ، لن أكتب عن أديب ميت بل سأبذل قصارى جهدي كي أكتب عن أديب حيّ ليحتفي بنفسه و حياة شخوصه قبل موته ..!

ليلى البلوشي

هناك تعليقان (2):

  1. قلة مشاركة مثل هذه الشخصيات في المجتمع الشاب الفتيّ.
    مثلاً كونك كاتبة ، ما رأيك فالحضور والمشاركة في معرض الكتب المستعملة ، هنا عندنا فالجامعة مجموعة شباب أستثمروا جزء من وقتهم في تجميع الكتب المستعملة وتسعيرها ، وتجهيزها للمعرض بتاريخ 11-12-13 .. لكن أين هم الكتاب العمانيين ومبادراتهم ، فهم حين التعريف بأنفسهم يعرفون المجتمع على ثقافة الكتابة العمانية وعلى المثقفين العمانيين !

    ردحذف
  2. كتاب كثر يتشاركون في هالمصير، دوستويفسكي، كافكا... والقائمة تطول.الموت يخلص اﻷديب من العيوب المادية، التي كانت قد توقعه في مجال منافسة مع البعض للبقى، الموت يجعل النص أكثر تحررا من صاحبة. وهنا أتذكر مراجعة منيف لبعض الكتاب الذين رحلوا في كتابة "لوعة الغياب" ودعوة منيف الى الرجوع لعماله لتقييمة...

    ردحذف