الثلاثاء، 22 يوليو 2014

يوم يغدو الشارع امرأة ينتهي سفك الدماء ..!

يوم يغدو الشارع امرأة ينتهي سفك الدماء ..!

جريدة الرؤية

في فيلم " The book of Eli " دينزل واشنطن تدخل عليه الفتاة المكفوفة فيسألها : " هل أنت مبصرة ؟ " و تجيبه : أن لا .. فيرد عليها : " من الرائع أنك لم تشاهدي هذا العالم " ..!
ما الذي يجعل إنسان له عينان مبصرتان يغبط فتاة مكفوفة لا تبصر هذا العالم من حولها كما لو أن العمى أصبح نعمة يُغبط عليها الآخر ..؟! إنها الحرب .. رحى الحروب التي لم تورث سوى الكوارث الإنسانية البشعة والهائلة حيث ويلات الروح وخسارات الجسد ..
الحرب لعنة لا تعرف متى تهجم عليك ..؟ أو كيف تهجم عليك ..؟ أو بأي حق تهجم عليك ..؟! فهي حين تأتي تباغتك ؛ كي تضاعف من هلعك ، ومن خيباتك ، وتضعك أمام واقعها الأليم لمزيد من التشفي ، وأمام ذاك الواقع تعدد خساراتك التي لا تحصى ، إما أن تكون في مرتبة المحظوظ فتغادر كابوسها ميتا قضت الحرب على كل ما فيه وأحرقت تاريخه ، لتكون في النهاية مجرد رقم في قائمة الشهداء أو الضحايا الذين غادروا وراكموا حزن رحيلهم في غمضة عين أولئك الذين نجوا .. !
نعم في الحرب إما أن تكون ميتا أو تكون حيا بروح ميتة تحصد أرواح من سلبتهم الحرب اللعينة منك ، من وجوه ، من قلوب ، من ذكريات ، من حصيلة أحلام جمعتك بهم ، من أشياء لا تعد ولا تحصى .. أي أن تلك الحرب التي تعتقد بأنك نجوت منها بجسدك فإنها لا تكف عن خنق روحك الهزيلة بوجع المغادرات فتموت في اللحظة الواحدة مئات المرات وأنت في غمرة استعادة كل ما لا يعوّض ..!
من قال إن الحرب تشبع ..؟! إنها لا تكتفي بخسائر التي ألحقتها بك بل تسعى بكل جبروت إلى التهام راحتك ، إلى قذف روحك في حالة من الشتات الأبدي ، وكلما سعيت إلى بناء روحك تجدد نفث لعنتها فيك ، إنها الحرب التي لا تهدأ ، إنها الحرب التي لا تستكين ، إنها الحرب التي عرفت جيدا كيف تشغل العالم الأجمع كي تضاعف جبروتها لتورث الإنسان مزيدا من ويلاتها ..!
الحرب هي شكل من أشكال الجنون كما يرى الكاتب " هنري ميللر " وهو نفسه الذي صنف حالة الفرد الذي يقاتل في زمن الحرب : " أن تقاتل يعني أن تعترف بأنك مشوش ؛ إنه تصرف يدل على اليأس وليس على القوة ، يمكن لجرذ أن يقاتل بشكل رائع عندما يتورط ، فهل يجب أن نحاكي القرد ..؟" ..
لعل من ظلمات الحروب أن من يديرونها ومن يكونون وراء اشتعالها يغدون في صفقة الحرب تلك مجرد متفرجين على بشر أبرياء وجدوا على حين غفلة مدفع الحرب موجهة نحو صدورهم ؛ الضحايا الذين يكونون حطب الحرب وهم لا يعلمون متى ستكف الحرب نارها عنهم فذلك قرار يتخذه الساسة ، ساسة الحرب ، فالملوك والسياسيون والرؤساء ورؤساء الوزراء هؤلاء – ساسة الحرب – لا يذهبون إلى الحروب التي يكونون مبعث اندلاعها ، أما الأشخاص العاديون البسطاء الذين لا صلة لهم بقتل الناس فهم الذين يذهبون إلى الحرب ليقتلوا وليُقتلوا ..!
فحين تعلن المصلحة أنها حققت غايتها يتباكون كمنافقين على كم الجثث التي خلفتها الحرب الطاعنة التي كانوا وراء الجحيم الذي خلفوه ..!
ولا أحد من أولئك الجنود ، المطيعين للساسة لديه الجسارة على سؤال : لماذا نسفك دماء أولئك الأبرياء ..؟ فالحرب دائما تجد حججها ودائما تتقن بمهارة في حشد أسباب قيامها ، فالحرب تدرك بمكر أن أولئك الساسة عرفوا جيدا كيف يسكبون الولاء الآلي في أفئدة وعقول جنودهم ، ترى ماذا كان سيحدث لو أن أولئك الجنود وعبر قرون التاريخ في ساحات الوغى أعلنوا العصيان ، عصيان الحرب وعصيان دمارها والوقوف في وجه لعنتها ..؟
هل من جندي ، قائد شجاع وقف في وجه حماقة طاغية ، طاغية مستبد ، غارق في الذاتية ، في جبروت الحياة وتعاليها ليعلن كسر ولائه له كي ينعش أرواحا طاهرة قدر لها أن تدفع ثمن حماقات الطغاة والمستبدين ..؟
وللشاعر اللبناني " أنسي الحاج " حكمة تستدعي الكثير من التأمل حين أعلن بقوله : " قبل أن نكره الحرب يجب أن نكره الرجولة ، هذه الكتلة الصماء ، عنتر والزير وأبو زيد الهلالي .. السيف والرمح شوارب الكرامة الكاذبة وحواجب الإرعاب الهزلي .. يوم يغدو الشارع امرأة ينتهي سفك الدماء " ..
كم يعوز هذا العالم ، العالم الغارق في ظلمات الحروب أن يعلن حالة عصيان وطنية يفرضها ضمير إنساني حي ، نابض بروح المسؤولية كي نخمد نيران الحروب ..!
ربما هذا العالم العصيّ ما عاد يثق برجال أوغاد ساهموا في دمارها وتشويه روحها ؛ فهل يستنجد العالم نفسه يوما بامرأة ..؟



ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق