الاثنين، 21 يوليو 2014

أن تكون كاتبا في عهد زعيم دكتاتوري ..!

أن تكون كاتبا في عهد زعيم دكتاتوري ..!

انتشرت خلال مباراة كأس العالم بين فريقي الجزائر وكوريا الجنوبية صورا لزعيم كوريا الشمالية " وهو يرتدي وشاحا لعلم الجزائر ليؤكد تشجيعه لفريق الجزائري على نظيره كوريا الجنوبية ..!
ولمن يعرف علاقات الحرب المتوترة التي تسود بين كل من الدولتين الآسيويتين الجارتين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية فلن تدهشه تصرف زعيم كوريا الشمالية الدكتاتور ..!
ويبدو أن زعيم كوريا الشمالية يسير على مبدأ ميكافيلي وهي أن الغاية تبرر الوسيلة من خلال الحرب التي يشنها على كوريا الجنوبية ، كما جاء في كتاب صادر حديثا عنوانه " عزيزي الزعيم " للشاعر الكوري الشمالي " " جانغ جين سونغ " وترجم متقطفات اعترافية منه وقيّمة المترجم " أحمد شافعي " ، في هذا الكتاب الذي ترجمه عن الانجليزية " شيرلي لي " يعترف الكاتب الكوري الشمالي والذي حظي مكانة سامقة في عهد الزعيم بعبارة مهمة بقولة : " لكي تكون كاتبا في كوريا الشمالية يجب أن تغير اسمك " فيبدأ الكاتب الحديث عن طفولته في المدرسة ، في ظل هذا الزعيم حيث تكون جل المناهج الدراسية باختلافها تعظم الزعيم الأوحد ، والتلاميذ الذين يتماهون في تطبيل هذا الزعيم هم أكثر تفوقا ونجاحا في الدراسة في وقت كان فيه ذا مستوى ضعيف في هذا الشأن ، فآخر ما كان يهتم به هو تعظيم الزعيم الأوحد في واقع لا حقيقة فيه إلا تاريخ الزعيم الأعلى الثوري ..!
وهذا الاعتراف يعيد ذاكرتي إلى الصين تحديدا في عهد الزعيم الشيوعي " ماو تسي يونغ " حين كان طلاب المدارس يعظمونه وصورته الكبيرة التي تكون في واجهة السبورة تماما كشيء مقدس كما حكت كثير من الروايات الصينية حين سقط زعيمهم الأوحد بعد ذلك بزمن كرواية الصينية " فتاة الوشاح الأحمر " للكاتبة " جي لي يانج " والتي كتبت في ختام الرواية التي جاءت كسيرة ذاتية تتناول مرحلة حياتها في عهد الزعيم ماو اعترافا بقولها : " سألني الكثير من الأصدقاء عن أسباب عدم كرهي للزعيم ماو أو للثورة الثقافية في تلك الفترة ، بعد كل ما عانيته ، وإجابتي على ذلك بسيطة تماما : كانت أدمغتنا مغسولة .." وتضيف : " بالنسبة لنا كان الزعيم ماو عبارة عن إله ، فهو يسيطر على كل ما نقرأ ، وكل ما نسمع ، وكل ما نتعلم ، ومن ثم كنا نصدق كل ما يقول .. بطبيعة الحال لم يصل إلينا إلا كل ما هو جيد عن الزعيم ماو وعن الثورة الثقافية ، وما غير ذلك كان خطأ الآخرين ؛ أما ماو فلا لوم عليه " ..
ورواية " الأزاليا الحمراء " للكاتبة " آنتشي مين " ورواية " بلزاك والخياطة الصينية الصغيرة " للكاتب الصيني المقيم في فرنسا " داي سيجي " وغيرهم ..
وهو الكلام نفسه الذي اعترف به الشاعر الكوري الهارب من دكتاتورية زعيم الكوري الشمالي الذي حظي كما قلنا سابقا بمكانة عظيمة عند الزعيم ؛ لأنه كلف بكتابة ملحمة شعرية تعظم أهمية كوريا الشمالية وزعيمها الأوحد بالنسبة لسكان كوريا الجنوبية ، كحرب نفسية يديرها الزعيم الأوحد بوسائل قائمة على الخداع والمؤامرة ؛ باعتراف الشاعر " جانغ جين سونغ " فحين طلب منه حاشية الزعيم مهمة تأليف تلك القصيدة الملحمية كلفته في الوقت نفسه بتغيير اسمه من مواطن كوري شمالي إلى مواطن كوري جنوبي بحيث يظن الجميع كتمويه بأن كاتب القصيدة هو شاعر من كوريا الجنوبية ، وقد نالت القصيدة المدبجة التي ألفها الشاعر إعجاب زعيم كوريا الشمالية ، فأصبح بموجبها مقربا منه ، بل نال شرف أن يكون واحدا من أمراء الشعراء الستة ، والتي وفرت له حصانة فحتى أعلى سلطات جمهورية كوريا الشمالية – كما يعترف – الشاعر لم يكن بوسعها مساءلة أو استجواب أو مقاضاة أو إيذاء أحد من المعترف بهم ..
ولكنه فر هاربا حين ارتكب خيانة وتتمثل خيانته تلك والتي كلفته مغادرة البلاد هو أنه أعار صديقا له كتابا محظورا من بين محتوياته سيرة لــ" كيم إل سونغ وكيم جوننغ إل " كتبها أكاديمي من كوريا الجنوبية ، وقد تناول فيه مروقات دينية وعنيفة في أسرة كيم والتي تتناقض مع صورة التاريخ الثوري التي عرضوها أمام الملأ .. وحين علمت سلطات الزعيم بمخالفته الشنيعة والمحظورة والمنحلة لم يملك سوى النفاذ بجلده ، فقد كان الاطلاع على أي ثقافة أجنبية في كوريا الشمالية هو جريمة " انحراف " ؛ فما بال حين تصب في صلب الزعيم وتاريخ عائلته في بلد تكون فيه اللغة المستخدمة في الإشارة إلى الزعيم الأعلى معزولة عن بقية اللغة لها نحو مستقل ومفردات خاصة فــ" كيم إل سونغ " دائما " العظيم " و" العظمة " لابد أن تبقى للزعيم الأعلى وحده ..!
مما جعل الشاعر في الكتاب نفسه يعترف بصوت نابع من ضمير حازم قائلا : " أعرف أنه لا نجاح لدكتاتورية بالقوة وحدها ، قد يستعمل الدكتاتور عقيدة دينية ما تنزهه عن المساءلة وتخول له الطاعة من الجميع ، أو يعمد إلى أسطورة سمو عرقي فيعزز ولاء الكثرة لقضية أنانية واحدة ، وكوريا الشمالية ليست استثناء من الاستبداد في العصر الحديث ففيها المعسكرات السياسية الغاشمة التي تجهز فعليا على حياة الشعب الكوري الشمالية ، ولكن فيها كذلك دكتاتورية العقل ، أعني السجن السياسي الذي يخنق الفكر والتعبير ، ولا يمكن أن تنتهي دكتاتورية القوة الكورية الشمالية المفروضة على الشعب – بنظام دولة بوليسية ونظام مراقبة لا فكاك منه وخضوع حزبي تام لإرادة الزعيم الأعلى – ما لم تنته أولا دكتاتورية العقل الطاغية ..، لا يمكن للشعب الكوري الشمالي أن يتحرر ما لم يدرك كل واحد فينا أن تاريخ الزعيم الثوري لا يمثل واقع كوريا الشمالية الحقيقي " ..

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق