الثلاثاء، 22 أبريل 2014

مديح الكراهية ..!

مديح الكراهية ..!

جريدة الرؤية

في عام 1867م وقف الكاتب الأمريكي " مارك توين " بكل عنجهية قاسية بجانب وزير الحرب واقترح عليه بأن يجمع كل الهنود في مكان مناسب ويذبحهم مرة وإلى الأبد ثم قال له : " إن لم توافق على هذه الخطة فإن البديل الناجح هو الصابون والتعليم ، فالصابون والتعليم أنجع من المذبحة المباشرة وأدوم وأعظم فتكا .. إن الهنود قد يتعافون بعد المجزرة لكنك حين تعلّم الهندي وتغسله فإنك ستقضي عليه حتما ، عاجلا أم آجلا .. التعليم والصابون سينسفان كيانه ويدمران قواعد وجوده ، سيدي أقصف كل هندي من هنود السهول بالصابون والتعليم ودعه يموت " ..!
على مدى خمسمائة عام تعرض هنود أمريكا لحملات غزو إسبانية وبرتغالية وفرنسية وهولندية وإنكليزية ، سلبتهم إنسانيتهم وأنزلت بهم فنونا عجيبة من القتل والتدمير ، ونظرت كلها إلى حياتهم وديانتهم ولغاتهم باحتقار كما يقول مؤلف كتاب " أمريكا والإبادات الثقافية " ، في هذا الكتاب وقف المؤلف على أسوأ وأطول حرب إبادة في التاريخ البشري لحقت الهنود الذين نجا بعضهم بأعجوبة ، أولئك الذين طالبوهم أن يتطهروا من أسمائهم وأخلاقهم وثقافتهم وأجسادهم ويمثلوا دور الموتى ..!
فكرة أمريكا وجنرالاتها أن احتلال الأرض والإبادة الجسدية ليست كل شيء وأنه لابد من كسر " العمود الفقري " لضحيتهم ويعنى بها اللغة والثقافة والتراث الروحي ، هذه الإبادة الثقافية أو " المحرقة الأخيرة للوجود " بتعبير الممثل و الناشط الأمريكي الأصلي " راسل مينز " ..!
الإرهاب الثقافي والنفسي " الأبيض " الذي جعل بعض السكان الأصليين يعتبر هويته كابوسا لدرجة مجاهرته بالقول : " أتمنى لو أنني لم أخلق هنديا " ..!
ولمزيد من الإيلام وتحطيما للمثل الثقافية قام هؤلاء الغزاة بتغيير أسماء بعض الهنود وتحويلها إلى أسماء توحي بالكراهية والوحشية ، ليحملوا عارها رغما عنهم ، وبسياسة الإكراه البشعة نفسها أجبروهم على تلقينها لأبنائهم .. فأي وحشية هذه وأي كراهية عمياء ..؟!
الكراهية التي تعاظمت بعنصرية مقيتة ، لدرجة رغبتهم الحقيرة في أكل لحم الأسود بكامل شحمه وعظمه ، هذا الحقد العنصري الذي تم تبريره في ذاك الزمن ؛ حين روّج فيها الإنجليز بأن أكل لحم الرجل الأسود يقوي الباه ويطيل العمر ..!
مظاهر وأشكال الكراهية الأمريكية نفسها اليوم نراها تتجسد في احتلالهم لأرض الآخر ، وفي تصريحاتهم ومن ذلك تصريح " كونداليزا رايس " يوم كانت مستشارة للأمن القومي حول ضرورة تغيير العقل العراقي كمقدمة لتغيير العقل العربي ..! نعم تغييره ، تغييره بغرس الفتن الطائفية والحروب الأهلية لسلب ثرواتهم النفظية ..!
وكتصريح ميشال سافاج وهو مذيع وكاتب شعبي واسع الشهرة حين أكد بأن : " الغالية العظمى من الأمريكيين تتمنى أن ترى قنبلة نووية تلقى فوق عاصمة عربية كبرى – لا تعنيهم أن يعرفوا ما هي – إنهم يريدون استخدام السلاح النووي دونما تحفظ .." !
في إحدى مقاطع فيلم " فندق رواندا " الذي تناول عرض الصراع والاقتتال الأهلي ما بين قبيلتين في رواندا عرفتا بالهوتي والتوتسي ، يسأل التوتسي صديقه الهوتي بكامل حزنه : لماذا العالم قاس لهذه الدرجة ..؟ فيجيبه الهوتي بنبرة حزن شبيهة : إنها الكراهية ..!
تحطمت أواصر السلام والمحبة بين هاتين القبيلتين بسبب خطاب الكراهية التي شنها أولئك السياسيون ، حين مدت أفعى الكراهية لسانها في مجتمعات معدمة يحرّض فيه الكبير الضعيف على الصراع ، ويدفع البسيط نحو كراهية الآخر ، هذه الكراهية التي سرعان ما تغدو بمثابة واجب وطني ، نعم واجبا وطنيا حين يحرضك السياسي بدافع مصلحته على كراهية ابن بلدك ، على كراهية من يحمل تقاطيعك نفسها ، واللغة والدين والطباع والعادات والمثل والثقافة نفسها ، يحرضك بخطابه على كراهيته بدافع واجب وطني .. أو بدافع واجب ديني إن كان من كان من حقنك بسمّ الكراهية يختلف دينيا ومذهبيا مع الآخر الذي يكن له الكره ، أو بحجة حماية الهوية الوطنية حين ننفتح على ثقافة الآخر كموقف الفرنسي من الأمركة أو العربي من كل ما هو غربي وعصري لدرجة أنهم أصبحوا يحمّلون بعض الكلمات مفاهيم سوء الظن والبذاءة بغرض تخويف الإنسان البسيط ليتجنبها في مجتمعات منغلقة فكريا كــ" الحرية " و" الاستقلالية " و" الفردانية " وهلم جرا .. !
في زمن الكرامة تم تلقين الإنساني العربي على كراهية المستعمر الذي احتل أرضه ، وهنا الكراهية بحد ذاتها كانت فعلا له غاياته المبررة نابعة من واجب قومي ، ولكن اليوم أصبح هذا الجيل يلّقن على الكراهية غير المبررة حين يطلب من عربي من أن يكره أخيه العربي وهما يحملان الدين نفسه واللغة نفسها والمثل والقيم والثقافات نفسها ..!
في وطن ، في عالم ، في كون من ينبذ فيها الكراهية ويعلن عصيانه لقوانينها يغدو خائنا لوطنه ولأبناء قبيلته ولساداته ، خائنا لأنه وفيّ للإنسانية .. الإنسانية وحدها ..!
غدت مظاهر الكراهية في عالمنا اليوم فاغرة كفم تنين وحشي قادر على بث نيران حقده الكامن ، الكراهية التي تجذرت بشكل خطير شنها المستعمرون منذ الأزل ، وها هي تستطيل فينا بأشكال ومسميات وممارسات مختلفة نابعة من طابع الكراهية نفسها ونغتذي عليها ، على نارها ، وعلى قبحتها ، وعلى بذاءتها ، وعلى سوادها القاتم دون أن توجعنا ضمائرنا .. دون أن نشعر بأننا مختلّون في مشاعرنا بل نكره بمنتهى الألفة وكأن الكراهية فن علينا التعاطي معها ؛ لنحمي أنفسنا من الآخر ولنردع عنا شرور الكون ..!
نشعر بثقل الحزن والكآبة والخيانة والموت والقتل والدم ولكن حين تستعمرنا " الكراهية " وتسلل إلى أعضائنا عضوا عضوا فتشنها مشاعرنا على الآخر نفعلها بمنتهى الرضى والغرور الإنساني ، دون أن نفكر .. ولم نفكر قط لوهلة أن سلسلة تلك الانفعالات مسببها انفعال واحد هي " الكراهية " وأننا لو قضينا على الكراهية التي استعمرت عقولنا وقبضت على جمرة قلوبنا ؛ لغدا العالم اليوم نظيفا ، ناصعا ، معافى من كل شرور العالم .. شرورنا ..!
ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد:

  1. كلامك واقعي , الكراهيه هي سبب كل شي سيء , استمري !

    ردحذف