الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

في سيرة قصور الحكام ..!

في سيرة قصور الحكام ..!

الرؤية / العرب

قرأت مرة حكاية عن صوفي شهير كان يدعى " إبراهيم الأدهم " دخل ذات يوم هذا الصوفي قصر أحد الملوك ولما كان معروفا في تلك الأرجاء ، فإن أحدا من الحراس لم يتعرض سبيله ، وهكذا تمكن هذا الصوفي من المثول أمام الملك فخاطبه بجسارة : " أود قضاء الليل هنا " فرد عليه الملك مندهشا مما قاله الصوفي للتو ومن جسارة عدها وقاحة لا تغتفر وفيه تعدي على حقوق الملك وملكياته : " ولكن هذا القصر ليس فندقا " ..!
فرد عليه الصوفي أدهم بهدوء : " هل لي أن أسألك من الذي امتلك هذا القصر قبلك " ..؟
كاد الملك أن يصرخ في وجهه على وقاحته التي أخذت منحى متماديا غير أنه قرر أن يكبح جماح غضبه وتطاول الصوفي عليه : " كان أبي مالكا لهذا القصر وتوفي فغدا القصر ملكا لي " ..
فباغته الصوفي بسؤال آخر ورماه كقذيفة في وجه الملك مشتعل شرارة من هدوء أعصابه : " ومن الذي كان يملك هذا القصر قبل أبيك " ..؟
استبد الغضب بالملك وكاد أن ينفجر في وجهه ولكنه رأى أن من الذكاء كملك في مثل مقامه أن يرد بحكمة مقنعة على صوفي متشرد وليسكته قال : " كان القصر ملكا لجدي وتوفي بدوره فغدا ملكا لأبي " ..
ولحظتئذ عقب الأدهم : " هكذا إذن .. فإن هذا القصر هو مكان يمكث فيه الناس قليلا من الوقت ثم يرحلون عنه .. أليس هذه هو على وجه الدقة الوضع في الفندق " ..؟!
حين وعى الملك صدق ما ذهب إليه الصوفي أبدى الملك احترامه وتقديره له وسمح له النزول ضيفا عليه في القصر طوال وقت الذي يريد ..
هذه الحكاية بين صوفي وملك لا تختلف عن حكاية رجل تقي مع ملك إسبانيا الذي كان معروفا بقسوته تجاه من هم أضعف منه ، كما أنه كان يقدس الفخر لأجداده مذ انتصب ملكا على عرشه ..
وحدث مرة أن سافر مع حاشية له فمروا بحقل في منطقة أراغون حيث كان والده قد قتل في معركة منذ سنوات .. وفي طريقه التقى الملك برجل تقيّ يفتش في كومة كبيرة من العظام ، فاستوقفه ما كان يعمله الملك فسأله : " ما هذا الذي تفعله " ..؟
فأجاب الرجل التقيّ : " كل الاحترام لك يا صاحب الجلالة .. عندما علمت بأن ملك إسبانيا سيأتي إلى هنا قررت أن أجمع عظام والدك الراحل وأعطيك إياها لكنني مهما جهدت في التفتيش عنها لن أجدها ذلك لأنها تشبه تماما عظام الفلاحين والفقراء والشحاذين والعبيد " ..!

هل يلزمنا رجل رشيد في كل مملكة من مماليك الطغاة والقصور ؛ ليهز ضمائرهم ولو قليلا بأن كل شبر من أرض الوطن هي ملك جميع الشعب وليست ملكية خاصة للحاكم ..؟
 ولكن بعض الجبابرة والطغاة لا يريدون إدراك هذه الحقيقة الفاغرة أمام أعينهم في كل شبر من شوارعهم التي يعدونها ضمن ممتلكاتهم ، حتى الشعب هم ضمن ممتلكات هؤلاء الطغاة .. !
الشعب نفسه إذا تجرأ على التفكير ولو قليلا أرادوا التخلص منه أو ربما استبداله على تعبير الساخر للمسرحي الألماني " برتولت بريخت " :
" الشعب فقد الثقة بالحكومة / وأنه بجهد كبير فقط / يمكن له أن يستعيدها / ألن يكون من الأسهل / أن تحّل الحكومة الشعب / وتختار شعبا آخر " ..؟!

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق