الثلاثاء، 15 يناير 2013

مراسيم زمن الرومان ..!


 
 
مراسيم زمن الرومان ..!

 

نشر في جريدتي الرؤية / العرب اللندنية

 

أثناء قراءاتي لتاريخ المجتمع الروماني في عهوده العتيقة ، وقفت على جوانب هذا المجتمع الذي كان أبويا حتى النخاع ،هذا المجتمع البطريركي كان يسعى إلى إصدار قوانين تتآلف والمصلحة الخاصة بالإمبراطورية وطموحاتها دون أن تراعي حقوق المواطنة الشاملة ؛ فهو مجتمع كان يؤمن بحقوق مصلحته فقط وبما أنه مجتمع بني على قوائم ذكورية فمن الطبيعي أن يفرض فيه الرجل مواطنته وإن لم تبارك الإمبراطورية ذلك وإن لم يكن ضمن غاياتها وخططها ، فالرجل كانت وسيلة أما المرأة فكانت وسيلة وسلعة قابلة لكل شيء حسبما صفقات الإمبراطورية ، ومن الواضح عبر دروس التاريخ أن المجتمع الذي لا يراعي حقوق المرأة ومواطنتها الحقة على أرض إمبراطوريتها فمن الطبيعي أن تنهار ..!

يذهب معظم الفلاسفة والباحثين أن أهم سبب من أسباب انهيار الحضارة الرومانية هو عدم وجود جيل جديد يساندها في وقت سقوطها ، فالمجتمع الروماني كان مجتمعا قويا ، وقد خاض حروبا شرسة في الزمن السالف ونتيجة لذلك قضى معظم الرجال نحبهم في تلك الحروب ساقطين موتى بالآلاف ..

المجتمع الروماني كان مجتمعا عسكريا وطبيعة هذه المجتمعات أنها تعتمد على النسل لتدعيم مملكتها الضخمة ؛ ولهذا كان الزواج منظما ويتم للشاب في سن الرابعة عشر وللأنثى في سن الثانية عشر وليس مطلوب من المرأة سوى أن تنجب أبناء دون مراعاة لحقوقها كمواطنة حرة في مجتمع كان أبويا ضمن منظومة شديدة الصرامة ، ومن مظاهر تلك الأبوية القاسية كانت الأسرة أشبه بوحدة عسكرية من جيش في حرب دائمة وكان الأب وحده دون سائر أفراد الأسرة الذي له حقوق قانونية في عهد الجمهورية الأول ، فهو وحده الذي كان من حقه أن يشتري الملك ويحتفظ به ويبيعه حتى بائنة زوجته تكون ملكا له ، ليس هذا فقط بل كانت ابنته من ضمن مملكاته حتى إن تزوجت تظل تحت سلطتها ، إلا إذا أسلمها بنفسه إلى زوجها فتنتقل من ملكية الأب إلى ملكية الزوج ..!

ويبدو أن مجتمع الروماني كان متعمقا في نظامه الأبوي ؛ فحتى الابن كان كل ما يكسبه في نظر القانون ملكا خاصا لأبيه ولم يكن من حقه أن يتزوج دون موافقته ..!

ولعل هذه القوانين الصارمة هي التي كانت وراء تفلت المجتمع الروماني الذي مر بتحديات هائلة ، وكان من ضمنها سلسلة الحروب التي لم تهدأ أوارها ، وهذه الحروب كانت أشبه بتنين ضخم تلتهم الرجال ولا تخلف وراءها سوى الحرائق ؛ فاختل نظام السكاني في هذا المجتمع الذي كان عملاقا وحريصا تمام الحرص على زيادة النسل باستمرار وكانت هذه الوظيفة تقوم بها المرأة ، فعسكرية النظام كان بحاجة ماسة إلى ذكور لحروبها وكانت المرأة التي تجهض نفسها تعاقب بالإعدام كما تعاقب إن لم تمارس دورها كأم ..!

بل بالغ المجتمع الذكوري في إسقاط كرامة المرأة كإنسانة ؛ فالرجل منهم حين يكتفي بعدد أطفاله كان القانون يخول له أن يعطي زوجته إلى جاره الذي لا ولد له ؛ كي تنجب له أبناء أو يقدمها لأي إنسان يرغبها لمدة معينة أو لزمن غير نحدد ، هنا يتضح لنا مدى استبدادية هذا المجتمع الذي كان يسعى فقط لغاياته ويكتفي بتحقيق مآربه ، فدور المرأة الأساسي في المجتمعات الحربية هي إنجاب الأبناء ولا يهم السبل لذلك والمرأة مجرد متاع وكان يطلب من الرجل أن يتجرد من غيرته بسبب حاجة المجتمع للعدد الوفير من الرجال المحاربين ..!

كل هذه القوانين الصارمة جعل المرأة تطالب بتحريرها من النظام البطريركي ، بل جعل النساء والشباب يمتنعون عن الزواج ويميلون للعلاقات الحرة التي تعفيهم عن المسؤوليات الجمة التي يطالب بها المجتمع الصارم وهنا كانت بداية الانهيار ..!

ونتيجة للفوضى السائدة وقتذاك فقد سعى أباطرتهم إلى الإصلاح الإجتماعي ؛ كي يستعيد المجتمع المختل نظام توازنه ويذكر أن " أغسطس " هو مؤسس النظام الامبراطوري الروماني ومن أعظم ساسة روما وقادتها على مر العصور والذي كان يعرف بأسماء عديدة وكان أشهرها لقبه " أغسطس" والتي تعني " القديس " ، كان من الحكام الذين اتصفوا بالجدية والصرامة والسعي الدؤوب للإصلاح على المستوى الإجتماعي ونتيجة للحالات الطلاق السائدة وامتناع الأفراد عن الزواج في ظل مجتمع متساهل في ممارسة الفجور والرذيلة  وضع " أغسطس " لائحة قوانين تهدف العودة إلى روح العهد القديم ورصانته التي بلي عهدها ، ومن تلك القوانين أنه سوف يذيق أشد العقوبات كل من يمارس الزنا والتي عدها إساءة إجتماعية ، كما أنه منع حضور النساء من حفلات الألعاب الرياضية ، ولكن أشهر تلك التشريعات كانت تنظم الطلاق وتشجع العودة إلى العائلات الكبيرة ، ولم يكتف بهذه القوانين الأولية بل حرص على إصدار لائحة أخرى بالقوانين وكان من ضمنها أن العزاب وبحسب مرسوم " لكس جوليا " للقرارات يحرمون من الإرث ، أما المتزوجون الذين لم ينجبوا أطفال كان عليهم دفع ضرائب باهضة على الإرث ..

وبعدها بزمن صدر مرسوم آخر كان يدعى مرسوم " لكس بابيا بوبايا " يكافأ بموجبه الأبوان اللذان ينجبان ثلاثة أطفال فما فوق بإعفائهم من ضرائب معينة وبتفضيلهم في ترقيات الوظائف ..

ولكن هذه الأنظمة واللوائح الجديدة لم تفلح في إعادة الشعب إلى سابق عهده حيث الولاء والطاعة العمياء ؛ وهذا أمر طبيعي لم يفلح أباطرة الرومان في فهمه ، فكل جيل يحمل طابعه الخاص وتمرده الخاص وتحدياته الخاصة وكل ذلك في ظل نفسيات قابلة للتغيير والتجدد والإنطلاق ، وليس من المعقول والحكمة أن تسير كل الأجيال على الخط نفسه وأن تبقى له الأطباع نفسها التي كانت سائدة عند الجيل السالف في تقبّله لسياسات حكامها التي تفرض على هوى مصالحهم قبل كل شيء ..!

الإمبراطورية الرومانية أو غيرها من الإمبراطوريات وجب على أممنا العربية أن تأخذ منها حزما من الدروس والعبر في مراعاة المواطنة لكافة أفراد المجتمع دون تمييز جنس على آخر ، وأن تصدر لوائح وقوانين تصب في مصلحة الشعوب لا تكون كداعيات لمصالحها السلطوية الخاصة ..!

ولعل من أهم الرؤى التي يجب أن تقف عليها حكومات اليوم هو أن كل جيل له خصوصيته وله أفكاره وتوجهاته ولن يعودوا إلى الوراء بينما الزمن يتقدم وبينما العالم في لهاث نحو التغيير ، فما تزال سياسات بعض الدول متأخرة إلى زمن معطل يستجدي من ابن قرن الحادي والعشرين ما كان مفعولا وساريا عند ابن قرن العشرين ..!

الإمبراطورية الرومانية التي صمدت ثلاثة قرون سقطت في غمضة عين وكأن شيئا لم يكن ..! في زمن التغيير تعرف الحضارات العظيمة كيف تتماشى مع تغيرات الزمن والعالم والتاريخ ، والأهم أنها تعرف كيف تحتوي شعوبها وتطلعاتهم نحو مستقبل زاخم بمصلحة الشعب وبقائه كي تبقى صامدة كمماليك وإمبراطوريات ودول ..

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق