الاثنين، 1 أكتوبر 2012

كيف انتقّم من عدوّي ..؟!


 
 
كيف انتقّم من عدوّي .. ؟!

 

جريدتي : الرؤية / العرب

 

كم أغبط اليابان ..!

دولة الحضارة والفكر والحداثة والتطور والقيم والنبل .. كم أغبط اليابان على روح تسامحها وعلّوها على سوقية الانتقام والتشفي مما لحق بها جراء الحرب العالمية الثانية ؛ فاليابان بعد الهزيمة أصبح همها الأول وغايتها العظمى هو أن تنهض وتلحق بركب الأمم العظمى ؛ فاختارت العلم وسارت نحو المعرفة سيرا حثيثا لأنها تعي أن العلم والمعرفة وحدهما هما يصنعان حضارة ورقي الأمم .. فبعد شهر واحد فقط من إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما .. معلم وتلامذته يعودون إلى أقسام الدراسة في العراء .. لم يكلفوا أنفسهم عناء جمع أحقادهم وبغضهم وكرههم للدولة التي قتلت شعبهم .. لم يعلنوا حرباً مقدسة بإسم إلههم لأخذ الثأر والقصاص .. لم يلتفتوا حتى إلى الماضي .. بل أخذوا العبرة واتخذوا من الهزيمة تحديا وإنطلقوا في البناء من الصفر .. اجتهدوا وتفانوا حتى أصبحوا ما هم عليه اليوم من تقدم وحضارة يشهدها التاريخ الحديث ..

من هنا يطفو إلى السطح مبدأ مهم من مبادئ بناء أي دولة من جديد بعد هدم نظام بائد ألا وهو مبدأ " التسامح " لنبني دولة عصرية ؛ فلا يمكن البناء مع التشفي وروح الانتقام ، والعقول الناقمة لا همّ لها في الدنيا سوى الانتقام من أعدائها وحين يغلب ذلك ويسود المجتمع ، فإن التأخر هو وحده سرعان ما سيطال هذه الأمم ..!

وإذا ما رجعنا لقراءة التاريخ فلسوف نصادف مواقف عظيمة لزعماء في التسامح الروحي الشامل تجاه أعدائهم ولعل أشهرهم " نيسلون مانديلا " فهو لم يصفي حساباته مع سجانيه ، ولم ينكل بكل من ساند التمييز العنصري ، ولم يلحق الأذى بأي كائن تعرّض له أو آذاه .. بل على العكس لقد صفح عنهم ، ولم يكتف بالصفح عن مضطهديه بل حرص على القيام بزيارة أرملة رئيس الوزراء السابق " فيروود " الذي كان أحد مهندسي التمييز العنصري لكي يقول لها إن الماضي طويت صفحته وإن لها هي أيضا مكانة في أفريقيا الجنوبية الجديدة ..

وإذا ما تأملنا في حضارتنا الإسلامية في عمق تاريخ العرب سندرك أن الحضارة الإسلامية كان من أهم دعائمها هو مبدأ " التسامح " وهو ما أعلنه أول من أعلنه نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم -  فحين فتح المسلمون مكة توقعوا أنهم سوف يعاقبون كفار قريش أولئك الذين آذوا رسول الله وتعرضوا له ووصفوه بأبشع الصفات وحاولوا قتله .. ولكن رسول الله يومئذ خاطب قريش قائلا لهم : " يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ..؟ " قالوا : " خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم " قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : } لا تثريب عليكم اليوم { اذهبوا فأنتم الطلقاء .. " من هنا انبثق شمس الإسلام ليعّم أرجاء المعمورة ..

وعبر رؤية شاملة إلى عالم اليوم ؛ يمكننا أن نجسّ بوضوح تقهقر مبدأ " التسامح " والصفح .. ولعل ثورات الربيع العربي تؤكد هذا الجانب المحبط .. ففي تلك الدول نتفاءل بسقوط الطاغية المستبد ونعتقد أن الصراعات تهدأ بسقوطه ، فإذا وراء كل طاغية طغاة آخرين وهم على أصناف .. صنف مع الطاغية الذي سقط نابذين فكرة سقوطه فيزرعون الفتن للتشفي والانتقام .. بينما صنف آخر حين يسقط الطاغية بدافع من القهر يقومون بمطاردة كل ما له صله بالطاغية وحاشيته ومن هنا يظل نار الصراعات مشتعلا والشعوب هي من تدفع ضريبة كل ذلك ..!

ما أحوجنا اليوم إلى مبدأ " التسامح " ما أعوجنا إلى إرسائه بقين وإيمان حقيقي في زمن ثورات الربيع العربي أن نتجاوز عن أحقادنا وأن نصفح عن أعدائنا وعن ماض تليد ؛ فلكي نبني حضارة راقية تليق بمستوى أوطاننا علينا أن ننسى ما تعرضنا له من ألد أعدائنا ؛ فالرغبة في الانتقام والرغبة في البناء لا يجتمعان على أرض واحدة وكذلك في نبض واحد وفي روح تأتلق في زخم السلام ..

وقد سئل حكيم : بم ينتقم الإنسان من عدوه ..؟ قال : بإصلاح نفسه ..!
 
ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد: