الاثنين، 22 أكتوبر 2012

هاشل : " بلى تستطيع ذلك " ..


 
 
هاشل : " بلى تستطيع ذلك " ..

 

نشر في الرؤية / العرب

 

يقول " باولو كويلو" : " احتمالية أن تجعل حلمك حقيقة هو ما يجعل الحياة ممتعة .." ويقول أيضا : " كلما اقتربنا من تحقيق أحلامنا أصبحت الأسطورة الشخصية دافعا حقيقيا للحياة .."

لا يوجد إنسان في هذا العالم ليس له أحلام .. مهما غدت تلك الأحلام كبيرة أو صغيرة .. قريبة أو بعيدة .. ممكنة أو مستحيلة .. فالخيال موّلد للأحلام والإنسان تواق ومتلهف دائما نحو بلوغ مسافة أحلامه والاحتفاء بها والكابوس الحقيقي حين يبقى الإنسان بلا حلم أو يكون فارغا من الأحلام ؛ ويذكر أن حكيما صينيا عزم الانتقام من عدو له ، فدأب على تحقيق كافة رغباته وعمل على توفير جميع الأحلام التي تاق لتحقيقها أو الحصول عليها .. وحين لم يبق للعدو شيء يطلبه أو يشتهيه فرغ قلبه من الحياة كليا ، ولم يطق هذا الفراغ المهول الذي سقط في هوته ، ولهذا لم تمر أيام قليلة حتى غادر الحياة كئيبا وبائسا وفارغا ..!

وكم من إنسان فنى في مجتمعاتنا العربية ؛ ليس لأنه بلا أحلام ؛ بل لأن أحلامه ردمت في جوفه قبل أن تنمو ..؟! هناك كثيرون لهم أحلام ولكن هناك أيضا من يمنع هذه الأحلام من أن تتحق في واقع جميل ..؟! ففي مجتمعاتنا الخليجية والعربية هنا لديهم هواية تحطيم الأحلام ويجدون متعة كبيرة في تكسير الطموحات .. هنا على الإنسان الحالم أن يذم حظه العاثر ؛ ولهذا يهرب آلاف العباقرة إلى الخارج إلى قارات ودول تستوعب عقولهم وأحلامهم وطموحاتهم ..!

 هذا عن الانسان العاقل الذي يجد حيلة في الهرب .. أما الذي لا تمكنه ظروفه من الهرب فأمامه درب شاق كي يصل إلى كوة أحلامه .. أما الإنسان المريض أو الذي يعاني من إعاقة ؛ فإن إعاقته الكبرى والأشد مرارة هو المجتمع عدوه الأول والذي يسعى سيرا حثيثا إلى غلق الأبواب في وجهه وإعاقة أحلامه وإعاقة محاولته في أن يكون إنسانا طبيعيا .. إلى إعاقة كل محاولة له في الحياة ..! الإنسان الذي لديه إعاقة في مجتمعاتنا العربية عليه وعلى أهله ومن حوله أن يدفعوا ثمن إعاقته وكأن هو من سبب لنفسه الإعاقة وهو من قدّرها على نفسه ..! هكذا يفعل المجتمع بهم حين يرفضهم وينبذ أحلامهم ويرفض كل طريق تفتح لهم ..!

لماذا كل تلك المقدمة وهل أنا أضخم سرد الواقع ..؟! خلال هذه السنة تحديدا كلنا عرفنا بحالة الشاب السعودي " عمار بوقس " الذي من خلال شبكات التواصل الإجتماعية استطاع أن يوصل للعالم العربي حكاية مشواره الشاق في مجتمع رفض فيه لأن لديه " إعاقة " فلاحقته سلسلة من الصعوبات في دخول المدرسة والجامعة حتى حصوله على الوظيفة .. وحكايته لا تختلف عن حكاية شاب عماني في مقتبل العمر يدعى " هاشل " والتي فجرت أيضا منذ فترة قريبة عبر وسائل التواصل الإجتماعية و" هاشل " لديه إعاقة مذ كان في الثالثة من عمره ولديه شقيقتان لديهما إعاقة أيضا ولكن بدرجة أقل منه وتلكم الشقيتين أكملتا الدراسة حتى وصلتا مرحلة حصول على شهادة ماجستير في مجال الحاسوب وبدرجة إمتياز و" هاشل " الشاب حين رأى أختيه ورغم الصعوبات أكملتا دراستهما حفز ذلك فيه إرادة قوية كي يكمل الدراسة وعزمه كان واضحا ؛ فعلى الرغم أنه يعيش مع أهله في الإمارات قرر أن يكمل لنيل شهادة الثانوية العامة في بلده عمان كي يتمم إجراءات دخول الجامعة .. ولكن وكما يقول القول الشائع :" تجري الرياح بما لا تشتهي السفن " ..! فالشاب الطموح وصاحب الإرادة والعزيمة " هاشل " رفض طلبه من قبل أكثر من جامعة ..! وجامعة حصرته في تخصص واحد فقط هو الشريعة ؛ بحجة إعاقته مع تبريرات كثيرة أبرزها أن مرافق الجامعة لا تسمح بذلك  ..!

كأن هذا المجتمع يوحي للإنسان الذي لديه إعاقة على أن يدفن نفسه في تابوت ويغلق على نفسه جيدا ..! ولا اعتقد بأنني أبالغ في توصيفي ؛ فواقع الحال كاشف للجميع ..!

ولا أدري من هؤلاء .. ؟! بل من نحن كي نقرر عن الآخرين حياتهم وكي نملي عليهم ما نراه نحن ..؟! من نحن حتى نقرر أن ذاك الإنسان يصلح أو لا يصلح  سواء أكان موفور الصحة أو يعاني من عطب ما ..؟!

 هل يعلم محطمي الأحلام ماذا تفعل كلمة تشجيع واحدة .. ؟ هل يعلمون مدى تأثير التحفيز على قدرات الإنسان التي لا حدود لها والتي وظفها الله عزوجل في جميع بني البشر .. ؟!

لا يوجد إنسان في هذا العالم لا يستطيع .. الجميع يستطيع أن يفعل طالما هناك إرادة وعزيمة  وعندما تنتفي الإرادة فإن فعله لن يفعل بتأكيد .. لكن أن تتوفر الإرادة الحقيقية مع إنسان يراه المجتمع أنه لا يستطيع فيمنعه بشتى الطرق والحجج والتبريرات المحبطة ؛ فهذه جريمة كبرى في حق هذا الإنسان ؛ لأنه يريد ولكن إرادته مقيدة بسبب الآخرين ..؟!

لماذا السعي الدائم إلى خلق فئات مهمشة في مجتمعاتنا العربية ..؟! تلك الفئات التي يتم تهميشها غالبا من لديهم إعاقات في بعض المجتمعات .. حيث لا يكتفون بتهميشهم ، بل إنهم يخلون  مسؤوليتهم عنهم وعن حقوقهم ..! هؤلاء فئات عديدة ليسوا شراذمة قليلة ، ومن حقهم أن يمارسوا الحياة وعلى الدولة أن تقوم بتوفير كافة مستلزمات الحياة لهم كما توفرها لأي مواطن في الوطن فهؤلاء أيضا لهم حقوقهم .. لكن الأهم من كل ذلك هي كلمة " نعم " التي لها مفعول السحر .. هذه اللفظة بحروفها الثلاث هي من تفتح لهم أبواب المستحيل وتحوّلها إلى ممكن .. هي التي تنتشلهم من مستنقع الإحباط والكآبة والإحساس بالدونية إلى حياة مضمخة بالتفاؤل والأمل والإستمرارية وتحقيق الذات ما يسمى بــــ" الأسطورة الشخصية " .. فهل نحن - مسؤولين - كفاية لندرك تأثيرها الفعّال ..؟!   

ماذا سنخسر .. بل ماذا سيخسر هذا المجتمع حين يقول لمن هم بمثل حالة " هاشل " : بلى تسطيع ذلك ..؟

هاشل : بلى تستطيع دراسة الحاسوب .. حلمك الأجمل .. بلى تسطيع ذلك ..!

وهناك آلاف كــ" هاشل " في قائمة انتظار أحلامهم أن تنتشلها معجزة لفظة " نعم " .. أحلام بسيطة كمقعد في مدرسة أو جامعة أو وظيفة ..!

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد:

  1. متى ما قتلنا التبعية العمياء، متى ما ولدت الفرص.

    ردحذف