الاثنين، 3 أكتوبر 2011

طريق المثقف هو انتفاضة عمالية ( १-३ ) ..












طريق المثّقف هو انتّفاضة عمالية ( 1 – 3 )







جريدة الرؤية العمانية ..







من هو المثقف ..؟! هل مفهومه يظلل فقط الذي يملك مخزونا ثقافيا ..؟!




تعريف الثقافة كما جاء في قاموس المحيط : " ثقف ثقفا ثقافة ، صار حاذقا خفيفا فطنا ، وثقفه تثقيفا سوّاه ، وهي تعني تثقيف الرمح ، أي تسويته وتقويمه " ..




وحينما بزغ شمس الثقافة في أوروبا في القرن الثامن عشر كان دائرا حول عملية الاستصلاح كما هو الحال في عملية الزراعة أو البستنة وهو أمر طبيعي ؛ لأن المجتمع كان مجتمعا زراعيا بامتياز، أما في القرن التاسع عشر غدا يشير إلى تحسين أو تعديل المهارات الفردية للإنسان ، لاسيما من خلال التعلم والتربية ، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان ، والتوصل إلى رخاء قومي وقيم عليا ، وفي منتصف القرن التاسع عشر استخدم بعض العلماء مصطلح " الثقافة " للإشارة إلى قدرة الإنسان البشرية على مستوى العالم ..




ومع حلول القرن العشرين تفاوتت معاني الثقافة ، وأصبحت تحتمل مفاهيم ذات علاقة بعلم " الانثروبولوجيا " ، ليشمل بذلك كل الظواهر البشرية التي لا تعد كنتائج لعلم الوراثة البشرية بصفة أساسية ..




المثقف الذي يحمل كمّاً من المعلومات ولا يوظفّها في المكان المناسب والاتجاه الصحيح هو كما الذي يحمل على رأسه خزانا ضخما من الماء ولكن غير صالح للشرب ..!




من هنا يمكن القول بأن للمثقف عدة تأويلات حسبما تأثيره ؛ فالثقافة والتثقيف ليسا مقصوران على من لديه مخزون ثقافي ، فهو لا يشمل فقط الكاتب أو الشاعر أو الباحث أو الصحفي أو الأكاديمي أو الفنان ؛ ولا من لديه شهادة عالية يتخذها عكازه لتثبيت شخصه ..!




بل يفيض هذا المفهوم فئات أخرى لا يقل تأثيرها في المجتمع عن أولئك المثقفين كـ الإعلامي ومقدم البرامج والمطرب والممثل ، المعلم ، المحامي ، أعني هنا بالنخبة المتعلمة ..




وآخرون وتأثيرهم الإنساني لا يقل أهمية عن النخب المتعلمة في حبها الوطني الممتد وهم العاملون : كالفلاح والعامل البسيط والخباز والحداد إلى ما لا نهاية ، وهؤلاء لديهم ما يسمى بثقافة " الواقع " أو ما يوازي ثقافة " المجتمع " ..




لن نسأل بـ لفظة ما " دور " المثقف في المجتمع ..؟! لأن المثقف الذي عجز عن تحديد موقعه عن مرحلة " الدور " وتاه عنها ؛ فإن تأثيره أيضا سّيان ؛ تائه وبلا بصمة حقيقية في المجتمع ..!




وجب السؤال بــ ما " تأثير " المثقف في المجتمع ..؟!




كأن العلاقة ما بين المثقف والمجتمع في الوطن الواحد علاقة مترددة كعلاقة الإبرة بالبالون ؛ تنقصها المرونة في التعاطي ، في بعض المجتمعات يرى الأفراد بأن ما يدلي به المثقف هي مجرد عبارات فضفاضة عن الحاجة ، يفرغها في سطور منمقة لها جرس تنظيري أكثر مما يكون لها أي دور فاعلي تطبيقي في حياة الأفراد ضمن المجتمع الواحد ..




ولا يمكن بأي حال من الأحوال لوم الإنسان البسيط ؛ الذي يستطلب ثقافة تكون على مسافة قريبة من أحلامه وطموحاته وحقوقه ، ثقافة تنوّره ؛ تمنح ظلمته الكابية ضوء أمل ؛ ليرمم آمال مشواره في الحياة ، وهو على ثقة بأن ثمة أصوات واعية تلملم جراحاته وتستعيد حقوقه بصوت الوطن والوطنية ..




في مقطع من مقالة معنونة بـ " نحو فن بروليتاري " لـ " مايد غولد " كتبها عام 1929 م في صحيفته الراديكالية " الجماهير الجديدة " قال فيه وقتئذ : " لم يعد الفن أمرا نخبويا متعجرفا أو جبانا ، فهو يعلم الفلاحين كيف يستخدمون الجرارات ، ويمنح الأناشيد للمقاتلين الشباب ، ويصمم القماش الذي يرتديه العاملات في المصانع ، ويكتب المسرحيات الهزلية لمسرح المصنع ، وله فوق ذلك مائة مهمة أخرى ، الفن المفيد مثله مثل الخبز " ..




من عمق هذه العبارة يمكن القول : بأن لا ثقافة حقيقية ؛ إن لم يجس الجانب الإنساني في المجتمع قبل أي غاية أخرى ، فالمثقف هو إنسان قبل كل شيء ، والحاسة البشرية فيه ينبغي أن تكون على مستوى أعلى / أرقى من الشعورية ؛ كي تساند كلماته الأفئدة المحطمة ، كي ترمم أزمة معدم ، كي تمنح أملا ؛ كي تخضع بقوة كلماته سلطة مستبدة وتقهرها ، ما أعرض وأطول حاجات البشرية على وجه الكون ..!




ولا أبعد عن المثال الكاتب الياباني " كينزا بورو أوي " الذي عزم منذ سنوات خلت أن يكرس حياته لإبنه المعوق ذهنيا ، إن أول ما دفعه ليصبح كاتبا إدراكه العذاب الصامت الذي تعاني منه السمكة في الخطاف ؛ وأصبح كاتبا ليشف الستار عن تلك العلاقة المعذبة لسمكة في الخطاف بإنسانية مكثفة ، ووحده صدقه الإنساني النبيل هو ما أوصله إلى جائزة بحجم نوبل .. المثقف لم يعد ذاك الذي يقتعد خلف مكتبه بين أوراقه وكتبه هذا الدور التقليدي العتيق عفي عليه في زمن غدت فيه السلطة جلادا تتلذذ في تذليل مواطنيها فهم في مرتبة العبيد بالنسبة لها ، وهذا العبد البائس دوره الهامشي ، وخفوت صوته الإنساني الهزيل ؛ يسد حنجرته عن النطق خاصة إن ثمة بطون جائعة فلا حيلة له سوى أن ينتمي إن أبت عزة نفسه إلى قوم " بني صامت " ؛ متحسسا الجدار في كل خطوة من خطواته المرتجفة ..!




المثقف هو ابن المجتمع له حصة من الوطن كما الجميع ، وما يقع على الآخرين يقع عليه وما يمس وطنه يمسه ؛ وفي أثناء الثورة الثقافية في عهد الزعيم الصيني " ماو " فرض التأهيل على المثقفين وأجبروا على التوقف عن مباحث العلم والدراسة والذهاب إلى القرى واعتكاف فيها لممارسة الحياة الثورية مع الفلاحين في أسوأ إيديولوجيا لسياسة الحكم ..!




انقسم المثقفون مع وضد السلطة ؛ وذلك بسبب حدوث خلل في سياسة السلطة في المجتمع الواحد ..! قديما كانت العلاقة متجانسة ما بين السلطة والفرد في مجتمع يسوده التجانس ؛ ولعل خير مثال هو عهد الخليفة العادل " عمر بن الخطاب " عندما خطب المسلمين غداة تولية الخلافة فقال قولته المشهورة : " أيها الناس ، من رأى منكم في ّ اعوجاجا فليقوّمه " وكان الرد على هذه المقولة ما نطق به أحد أولئك البدو البسطاء : " والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا " ..




وشأن المثقفين مع السلطة كما الطائرات الورقية ..!




بوق سلطوي ينفخ لعرش من بيده سوط الأمر وجَلد النهي ، متزاحمين كل حسبما مصدر خوفه ونزعة آماله وأبدا هم حيثما ريح المصالح تميل ..!




وحين يزفر مقام السلطان عن غضبه ؛ فعاصفة هوجاء تمزقه إربا إربا ، ويتلاشى مبعثرا كأن لم يكن ..! أو قد تثخن جراحاته لدهور وهو مشربك على غصينات التعذيب أو التخبط ما بين الصخور ؛ فللريح أمزجتها الخاصة ..!




والمثقف ضد السلطة كعظم في الحنجرة لا يبتلع ...!




لأن السلطة تعي جيدا تأثيره كأسلحة الدمار الشامل ؛ فالتنوير الذي يمارسه في فكر أبناء المجتمع عميق التأثير ، ولكن المثقف إذا ما أراد أن يغدو فاعلا فعليه أن يكون واحدا من الآخرين وضمنهم فوعيه الفكري ومخزونه الثقافي يؤهله كمتحدي لاستبدادية السلطة وكمنافع قوي الذي يكسر شوكة الطغيان ..!




ولأن للمثقف تأثير جم ؛ فالسلطة عكفت بحرص دؤوب على تضييق نطاق حريته ، فكم من رقيب عسسي بحوزته مقص يقطع أعناق الحروف وأرجل العبارات وأيدي الكلمات ؛ لتمنعها عن المضي في دربها ، كي تستأصل دورها الحيوي وتكممه عن الآخرين ؛ فكم من كتب أحرقت ، منعت عن الحصول على جنسية الوطن ، وكم من كاتب نفي وبترت أصابعه وخمد صوت أحلامه في اغتيال قبل أن يصل حسها النبيل معدمي الأحلام ..! ولا أمرّ من تجربة الكاتب الجزائري " ياسمينه صالح " الذي اختبأ وراء اسم زوجته ؛ مضطرا من بطش السلطة كونه جندي في سلك الدولة ولم يكشف عن هويته الأصلية إلا حينما تقاعد ؛ ليعلن للملأ عن اسمه الحقيقي " محمد مولسحول " ..!




وتبدو هنا " أيسلندا " هي حلم كل مثقف وئدت أحلامه وحرياته تحت مسميات باطلة ؛ ففي " أيسلندا " ثمة حرية تعبير شامل انطلاقا من عبارة عضو البرلمان الآيسلندي " روبرت مارشال " : " إننا نرغب في الذهاب بعيدا إلى أقصى حد يمكننا الذهاب إليه لخلق بيئة جيدة لعمل الصحافيين وحماية حرية التعبير " ..




أما المثقف الذي يجد في نفسه نزعا نحو المشاركة الفعلية للوصول إلى مقاعد سياسية عليه أن يكون على الدراية بهدفه وبتطلعات الشعب ؛ كأداة فاعلة مناهضة لا مستبدة برتبة مثقف ..!




ويذكر أن الحكومة الإسرائيلية عرضت منصب رئاسة الدولة في عام 1952 م على " آينشتاين " لكن الأخير رفض العرض قائلا باقتناع : " أنا رجل علم ولست رجل سياسة " ..




أما في مصر فثمة جهات رشحت العالم المصري " أحمد زويل " الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء ، والذي أعلن أمام وكالات أنباء العالم بأنه سوف يرشح نفسه لرئاسة مصر بعد تغييرات الدستور ، وإذا وجد المناخ المناسب معلنا أن حب مصر والمصريين عنده أقوى من حب العلم والمغريات الأمريكية والعالمية له ..





يتبع .........

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد:

  1. مساء الخير سيدة الدار ,,, مررت من هنا لأرتشف شيئا من روعة وإبداع و رقي ... لك التحايا من أقصى زوايا الفيس بوك إلى حيث الجدي وسهيل ...

    محمد محسن

    ردحذف