الثلاثاء، 22 فبراير 2011

ديمقراطية تتنفس بهدوء على طريقة " جين شارب " ..


ديمقراطية تتنفس بهدوء على طريقة " جين شارب "

إذا أردتم أن تحققوا حرية ، عدالة ، إنسانية ، حقوق مدنية ، ديمقراطية عامة بلا عنف ،فعليكم بهذا الكتاب المعنون بـ " من الدكتاتورية إلى الديمقراطية " وهو عبارة عن إطار تصوري للتحرر يتحدث المؤلف " جين شارب " في عشرة فصول مضغوطة من سبعين صفحة مع أخذ الاعتبار أن كل كلمة فيه ، وكل عبارة بين سطوره تشكل خطة وفكرة ودربا لتحقيق أيديولوجية ديمقراطية ، وببساطة أعمق لن تجد في صفحاته هذرا أو مساحة فارغة للثرثرة التي لا معنى لها ॥
في الفصل الأول : ( جميع أنواع النضال لها تعقيداتها ولها ثمنها ) ..
يطرح المؤلف عن مواجهة الدكتاتورية بأسلوب واقعي ؛ فالحرية التي تحقق عن طريق العنف تضعنا أمام حقائق بشعة منها : حرب عصابات ، انقلابات عسكرية مستمرة ، تبرير سياسية العنف من خلال الحكومة الدكتاتورية ، اختيار المنفى من قبل الثوريين للهرب من البطش ، ظهور قوى خارجية لها أهدافها ومصالحها الشخصية ..!
وكل ما سبق يؤدي إلى تفشي دكتاتوريات أعتى قسوة من سابقتها ؛ أما بشأن الضغوطات الخارجية التي يستعان بها للتنكيل بالحكومة الدكتاتورية فهي جيدة كما يرى المؤلف ويتبدى عملها في المقاطعات الاقتصادية ، أو فرض حصار ، أو قطع علاقات دبلوماسية ، ولكن المهم جدا هنا هو وجود حركة مقاومة داخلية قوية ؛ لأن غياب هذه الحركة لن يكون هناك ردود فعل دولية ..
في الفصل الثاني : ( ليس كل من يستخدم " سلام " يريد السلام الحر العادل ) ..
في هذا الفصل يسرد المؤلف عن خطورة المفاوضات التي تحاول من خلالها الحكومة الدكتاتورية فرضها على الشعب المناضل ؛ فعندما يكون نظام الحكم الدكتاتوري قويا ولكن يعاني من وجود مقاومة تقلق مضاجعه فإنه يعرض تفاوضا على المعارضة ؛ لكي يجرها نحو الاستسلام تحت شعار : " صنع السلام " ..
فلحكام الدكتاتوريين دوافع مختلفة مضمرة في هيمنتهم ، وهم يسعون لفعل ما بوسعهم للحفاظ عليها ، مهما كانت الوعود التي يقدمونها فهي تصب في اتجاه تأمين خنوع خصومهم من الحركات الديمقراطية ..!
بالمقاومة يتم تحقيق الأهداف لا التفاوض الذي يأتي أهميته حين انسحاب أو سقوط الحكم السابق ، وقد يستغرق هذا وقتا حتى تضعف الأنظمة الدكتاتورية ، فعبر التاريخ كما يرى المؤلف استغرق انهيار الحكم الشيوعي في بولندا عشر سنوات ، في حين انهار في ألمانيا خلال أسابيع ..
في الفصل الثالث : ( يحكم بعض الرجال شعوبهم بإتباع الخدع ، لا المبادئ الأخلاقية ، هؤلاء الحكام يشبهون سيد القردة ، فهم لا يعون تشوش أذهانهم ولا يدركون أنه في اللحظة التي يدرك الناس أمرهم ينتهي مفعول خدعهم ) ..
القصة " أسطورة سيد القرود " يحكيها المؤلف في هذا الفصل ، وهي أسطورة صينية من القرن الرابع عشر كتبها " ليو جي " ، فقد كان هناك رجل إقطاعي عجوز يعيش بفضل قردته الذين يقدمون له الولاء والخدمة ، فكان يجمع القردة كل صباح في ساحته ويأمر أكبرها أن يقودهم إلى الجبال لجمع الفاكهة من الأجمة المختلفة ، وكان سيد القرود يفرض على قردته قاعدة وهي أن يقدم كل قرد عشر ما جمع إليه ، والويل لكل من يتخلف بجلده دون رحمة ، كانت معاناة القردة جسيمة ولكنها لم تكن تجسر على الشكوى ، وفي يوم طرح قرد صغير سؤالا على القرود الآخرين قائلا لهم : هل زرع الرجل جميع أشجار الفاكهة والأجمة ؟ فأجابوه : لا ، إنها تنمو وحدها .. فقال القرد الصغير : لماذا إذا نعتمد على الرجل العجوز ، ولماذا علينا أن نخدمه ..؟! .. ففرت القردة من أقفاصها التي مزقتها ليلا إلى الغابة ، وفي النهاية مات العجوز جوعا ..
في الفصل الرابع : ( فبالرغم من مظهرها القوي إلا أن أنظمة الحكم الدكتاتورية لديها نقاط ضعف وتعاني من عدم الكفاءة وهناك منافسات شخصية بين أفرادها وتعاني مؤسساتها من عدم الفعالية وهناك نزاعات بين منظماتها ودوائرها ) ..
سرد المؤلف هنا قصة " كعب أخيل " المعروفة عبر التاريخ ، الذي كان لديه مناعة ضد كل أنواع الأسلحة بفضل المياه السحرية التي استحم بها في مياه نهر ستايكس ، وهو بعد طفلا صغيرا ولكن أمه فاتتها وضع كعبيه في الماء ، وحينما علمت إحدى القوى بذلك استطاعت ضربة قاتلة منها أن تستقر في كعبه ..
حشد المؤلف نقاط ضعف كثيرة ولعل من أهمها هو سحب التعاون ما بين العامة والمجموعات والمؤسسات وهي مهمة لتشغيل النظام ..
في الفصل الخامس : ( الخيار العسكري واستخدام الأسلحة والذخائر والتكنولوجيا العسكرية وما إلى ذلك ضد الأنظمة الدكتاتورية لا تؤثر في مواطن ضعف هذه الأنظمة ، إنما يبرر لها استخدام قوتها الآتية ويضع حركات المقاومة في موقف ضعف لا تحسد عليه ؛ لأن الأنظمة الدكتاتورية غالبا ما تتمتع بالتفوق العسكري والتكنولوجيا العسكرية .. الحل هو " التحدي السياسي " ..)
السؤال : ما هو التحدي السياسي ..؟
يجب ألا ننسى أن هذه الكتاب يدعو إلى " اللاعنف " والتحدي السياسي هو من أهم أساليب اللاعنف ؛ حيث أنه يستخدم الأسلحة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمواطنين ولمؤسسات المجتمع ، وقد أطلق على هذه الأساليب عدة أسماء مثل : الاحتجاجات ، والإضرابات ، واللاتعاون ، والمقاطعات ، وسحب الولاء وسلطة الشعب .
وقد عرض الكتاب عدة أساليب أخرى لتحقيق سياسات اللاعنف ، إضافة إلى آليات للتغيير وأهمها أربعة وهي : ( التحول / اللاعنف والتفكك / التأقلم / تفكك ) ، ويعنى بـ" التحول " وهي الآلية أقل ترجيحا بالرغم من حدوثها ، وهي عندما تتحرك عواطف الخصوم من خلال تأثرهم بالمعاناة والاضطهاد المفروضين على المقاومين الشجعان الذين يناضلون من خلال أساليب اللاعنف ، بينما عندما ينظر إلى مطالب المعارضة أثناء حملة محدودة بأنها غير خطيرة لهذا توضع على المحك وهو ما يسمى بـ " التأقلم " ، ومسميات " اللاعنف والتفكك " و " التفكك " حينما لا يستطيع الخصوم التصرف كما يحلو لهم من خلال تغيير حالة النزاع والمجتمع ..
في الفصل السادس : ( يؤدي افتقاد حركات المقاومة الديمقراطية إلى التخطيط إلى نتائج وخيمة ؛ لأنها جعلت الظروف تتحكم باتخاذ قرارات مصيرية ، فضلا عن ذلك إن افتقار التخطيط في كيفية تسيير التحول إلى النظام الدكتاتوري ساهم في ظهور ديكتاتوريات جديدة حتى بعد القضاء على الأنظمة الدكتاتورية السابقة ) ..
يوضح المؤلف في هذا الفصل المقصود بـ " تخطيط إستراتيجية " بأنه إعداد طريق عمل تجعل من الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع المستقبلي المرغوب أمرا أكثر ترجيحا ، وتتكون الخطة التي تمكننا من الوصول إلى ذلك الهدف من سلسلة من الحملات ، والنشاطات المنظمة ، والأخرى المصممة ؛ لتقوية الشعب والمجتمع الراضخين تحت نير الاضطهاد وإضعاف الدكتاتورية .
فليس وحده الإخلاص للمثاليات ، والأهداف الإنسانية تحقق الحرية وتقضي على الدكتاتورية .
في الفصل السابع : ( الأخذ في الاعتبار بأن لا يوجد وضعان متشابهان تماما ، ولكل نظام حكم دكتاتوري خصائصه الفردية ، وتختلف أيضا قدرات كل شعب يسعى من أجل الحرية عن قدرات الشعوب الأخرى ) ..
هنا على المناضلين الالتفات إلى أهدافهم والعواقب التي في طريقها ، ومعرفة نقاط قوة وضعف السلطة الدكتاتورية التي يواجهونها مع معرفة نقاط قوتهم وضعفهم في هذا النضال .
في الفصل الثامن : ( تحويل مسؤوليات النضال إلى مجموعة مختلفة من السكان وحشد مصادر قوة إضافية وتطوير مسارات جديدة للعمل ) .
هنا يمارس التحدي السياسي عن طريق نشر المسؤوليات ، كل جهة تقوم بمقاومة ، فالطلاب في المدارس يعلنون الإضراب عن مدارسها ، والعمال عن المصانع ، والقادة الدينيون يركزون على الحريات الدينية ، والكتاب والصحفيون يطالبون بفتح باب الحريات وإغلاق القمع .. وهلم جرا . وكلها تستهدف القوة الدكتاتورية ويمكن هنا كسب تحالفات أخرى يكون لها أشد أهمية لعل من أهمها قوة الجيش وجعله يتعاطف معهم .
الفصل التاسع : ( يستمد نظام الحاكم شرعيته من الطاعة والتعاون الذي يحصل عليه ، وعندما ينفذ " اللاتعاون " بواسطة قطاعات كبيرة من السكان فإن هذا يشكل خطرا كبيرا على النظام الحاكم ، فمثلا إذا توقف موظفي الحكومة عن العمل بفعاليتهم المعتادة أو حتى إذا بقوا في بيوتهم فإن هذا يضر بالأجهزة الإدارية بشكل خطير ) ..
يرى المؤلف أنه كلما تضاعفت سيطرة الديمقراطية على مصادر الاقتصاد والأملاك والمواصلات ووسائل الاتصالات كلما ضعفت وانهارت القوة الدكتاتورية ، وفي حال قيام الحكام الدكتاتوريين التهديد بالقوة ضد المتظاهرين ، فإن هذه القوة تضعف من خلال طريقتين مهمتين هما :
1 ـ إذا كان المواطنون مستعدون كما هو الحال في الحرب للمخاطرة بنتائج خطيرة كثمن للتحدي .
2 ـ إذا قامت الشرطة والقوات العسكرية بسحب ولائها ، سواء كان هذا الولاء فرديا أو جماعيا أو عند رفضهم القيام بتجنب أو رفض مباشر لأوامر الاعتقال ، والضرب وإطلاق النار على المقاومين ..
الفصل العاشر : ( يعتبر تفكك نظام الحكم الدكتاتوري سببا لاحتفال عظيم ) ..
مع الاحتفال ينبغي الاهتمام بأن لا يكون ثمة فراغ في السلطة يمكن من خلاله أن يفغر أطماع الكثيرين ، والمهم جدا هو الاستعجال في عمل انتخابات نزيهة ؛ كي يتولى الشخص المناسب المكان المناسب ..
وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب ثمة " ملحق لأساليب العمل باستخدام اللاعنف " وقد حشد المؤلف أساليبا كثيرة ومتنوعة مثل :
- تصريحات رسمية : ( خطابات للجهات العليا ، رسائل معارضة أو تأييد ، بيانات تصدر عن مؤسسات ، تصريحات علنية موقعة ...)
- مخاطبة الجماهير العريضة : ( شعارات وكاريكاتيرات ورموز ، لافتات وملصقات ، كتب وكتيبات ....)
- احتجاجات جماعية : ( انتخابات صورية هزلية ، تفويض ، اعتصامات ....) .
- أعمال رمزية عامة : ( رفع أعلام ، الصلاة والعبادة ، عرض لوحات فنية معبرة ...) .
إضافة إلى أساليب أخرى كالمسرح والموسيقى والغناء ، المواكب ، تكريم الموتى ، التجمعات الشعبية ، الإضرابات ، والتدخل السياسي والاقتصادي والنفسي والاجتماعي .....إلى لا آخره .

يضع المؤلف في الختام قولا شائعا : " لا تأتي الحرية مجانا " ، وهو قول يؤكد على صحته .


ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق