الخميس، 10 فبراير 2011

ثوّار الفيس بوك



ثوّار الفيس بوك

" أنا لست بطلا ، أنا كنت وراء حاسوبي فقط ، أنا مناضل " الكيبورد " .. الأبطال هم الذين نزلوا واستشهدوا في شوارع مصر .. "
- وائل غنيم -
* * *
ثورة حديثة من نوعها ، استحدثتها جوقة من الشباب خلف حواسيب شخصية ، كل واحد منهم يتواصل مع الآخر بأريحية عصرية ، معدمين من خلالها عدوان المسافات الفاصلة والجدران الشاهقة والأسلاك العازلة ، شباب يحملون رتب غير التي يتباهى بها معظم حاملي الرتب والألقاب ، إنهم فقط متحمسون ، مناضلون ، ناشطون ، كيفما اختلفت التسمية اتفق المغزى والحلم والهدف ؛ فهي متوحدة بتوحدهم ، كبيرة ، شاهقة بشموخ أحلامهم ، تلك التي تغدو في نظر التاريخ أبسط ما طالب به الإنسانية طوال تلك القرون ..
كانت في البدء يدا واحدة ، ثم يد ثانية ، وثالثة ، فعاشرة ، حتى تفاقمت عدد الأيدي تشابكت وتكاتفت مع بعضها وهي تنقر بهمة وحماسة مفرطة على " كيبورد " ، كانت نقرة واحدة ثم مئات النقرات ، آلاف ثم جاء أوان احتشاد الملايين في قلب الحدث حيث الحواس كلها مدفوعة بعزيمة نقية صادقة ، ومن هنا كانت الحكاية التي أثبتت جدارة مفكرها ثم منفذوها وشخوصها الماثلين للعيان ..
في الشرارة الأولى للثورة اندهشت الأعين والأذان والأفواه ، كانت مباغتة لم يتوقعها الكثيرون من داخل وخارج الثورة ، حتى أن إحدى الأمهات المتظاهرين عبرت بحرارة قائلة : " لم أعتقد يوما أن هؤلاء الشباب الذين كنت أقول إنهم شباب انترنت ودلع وهيافة من الممكن أن تشكل أصواتهم عاصفة عاتية في وجه الاستبداد والظلم ، أهلا بشباب الانترنت إذن " ..
وفي وسط الحشود المتجمهرة حيث الأصوات تتعالى وتتداخل ، مسلمون ومسيحيون يدا في يد والله واحد أحد .. تسلل على الخط المستقيم " أصوات نشاز " تطالب المتظاهرين بـ " العودة إلى منازلهم " ؛ بحجة حفظ النظام وعدم إشاعة الفوضى ..!
لكن ماذا يمكن ..؟ أو ما الذي يمكن أن يوقف هذا الصهر البشري الممتد ..؟! فهؤلاء لا يعيشون في أبراج عاجية كالذين يطالبونهم بالكف ، و لا تدثر لياليهم القارصة مدافئ ، ولا كرامة في أكل العيش ، ولا سكن صحي صالح للإقامة ، بل إن معظمهم شبان عاطلون عن العمل مازالوا ضمن طابور الانتظار الدهري الذي طال وانفقأت مرارته ، فأي توقف هو متوقع من هؤلاء الشباب في وجه نظام كان واقفا في وجوههم طوال تلك الأعوام ..؟!
" العودة إلى منازلهم " فأي عودة هذه ..؟! وإلى أي منازل هي تلك التي يتحدثون عنها ، " قبور " ، " مزابل " ، أم إلى " احباطات " ما فتأت ترافقهم في ذهابهم وإيابهم ، وهم محسوبون على حياة ضمن شعب متكون من أكثر من ثمانين ألف مليون ، كأرقام فقط أما عن الحقوق ؛ فهم محذوفون من القائمة تماما ..!
إنهم الآن على الأقل في - الوقت الراهن - غير عاطلين عن العمل من أجل الشعب بعد أن خذلتهم الحكومة ، إنهم الآن يعملون بموجب حق كمواطنين وإنسانيين ، بحرية وكرامة كانتا مخنوقتان ومسلوبتان في مخابئ الرعب والوجل كانت ما بين الفينة والفينة تدلي برؤوسها رغم القمع ، ورغم تعرضها في أي لحظة و على الدوام للشنق ، إنهم يحاربون الحياة العاطلة التي كانت من أبرز سجانيهم .. هنيئا لتونس و هنيئا لمصر بشابها وأطفالها ، والعقبى لشباب الآخرين ، شباب الظلم والطغيان والاستبداد ..
أحد المسنين علق بحزن : " الآن أنا كبير في السن والحياة فاتتني ، لكني لا أريد مطلقا أن تفوت الآخرين من الشباب .."
الكاتب " محمد الماغوط " كان قد أشار فيما مضى إلى حقيقة تاريخية أثبتت نفسها على الدوام : " كل طبخة سياسية في المنطقة ، أمريكا تعدها ، وروسيا توقد تحتها وأوروبا تبردها وإسرائيل تأكلها والعرب يغسلون الصحون " ..
اعتقد أن هؤلاء الشباب ضجروا من اكتفاء وزهد من سبقوهم بغسل الصحون فقط ..! فخرجت وجوه أصيلة ملفوفة بالضمادات ومغطى بالجروح والقطب والمراهم والاعتقالات في سبيل الحرية التي لم تمنح نفسها يوما عبر التاريخ دون ثمن ، ودون استحقاق خالد ، حرية عمر المختار وغيفارا وغسان كنفاني وناجي العلي و جميلة بوحيرد ولوركا ونيلسون مانديلا .... الحرية عينها التي تظل أبدا تترقب الفارس الانترنت هذه المرة ؛ كي يحررها من الجبن والحرب والذل والعبودية ، من كل خناق ، الأعناق والأيدي والحواس ..
* * *
" أنا وزير منذ سبعة أيام فحسب ، وحققتم مكاسب ما كان أحد يتخيلها ، كيف فعلتم هذا ..؟ جميعنا ومن هم داخل الحزب وداخل النظام السياسي اندهشوا وذهلوا من هذه المفاجأة .."

- وزير الداخلية المصرية للناشط السياسي وائل غنيم -

ليلى البلوشي

هناك تعليق واحد:

  1. جميل جدا اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد يوما أن يستجيب القدر

    ردحذف