الثلاثاء، 6 يوليو 2010

الخلطة السرية لأسطورة سلفادور دالي ..


الخلطة السرية لأسطورة سلفادور دالي ..

" إذا كنت تقوم بدور العبقري فسوف تصبح عبقريا في يوم من الأيام "

هكذا كان ديدن سلفادور دالي السريالي الذي قلب الفن رأسا على فوضى ، لا قوائم ولا مساحات ولا أحجام ولا أشكال ، مكونا عالما افتراضيا متلونا بالأحلام الصاخبة والملامح الغرائبية أشبه ببهلوان يسير بقدميه على حبل متدل ، بينما يداه تصبغان على أعين العالم أسطورته الشخصية بدهشة كبيرة ..
هذا الفنان العبقري المجنون الهذياني الذي شعر بالإهانة في طفولته ، حينما اكتشف أنه ليس سوى نسخة عن شقيقه الذي فارقه قبل ولادته بعامين ، وكان يرتدي ملابسه ، يتكلم ويمشي مثله ويحلم كما كان يحلم ، ولأن شقيقه مات بعد نزلة برد حادة جعلت نظرات عائلته الثاقبة تترصده خشية أن يكون مصيره كمصير سابقه ، فكانت تصيح فيه باستمرار :" سلفادور فليبي جاسانتو " لا تمت مرتين ! " ..
دالي هو صاحب نظرية " البارانويا النقدية " وكان يسير على خطى سرياليين المقدس " لا شيء هو كل شيء " ، عزى البعض أسطورته إلى مسمى " جنون العظمة " وهو الذي لم ينف عن نفسه التهمة حين ذكر في إحدى صفحات مذكراته قائلا : " ما أكثر الناس وبخاصة في أمريكا الذين يسألونني عن الطريقة المثلى للنجاح ، وهذه الطريقة موجودة واسمها عندي " طريقة جنون العظمة في ذروتها " أو " البارانويا المتأزمة " ، اهتديت لأكثر من ثلاثين عاما وأمارسها دون أن أعرف حتى هذه اللحظة ، ماذا تكون ..؟ " ..
لكن أسطورته لا تعزى إلى - جنون العظمة - بقدر ما تعزى إلى قانون كوني بدأ يشق دربه المضيء بقوة في فضاء العالم ، يعرف هذا القانون بـ " طاقة الكون " أو بـ" قانون الجذب " ، هو قانون عجائبي ذا طاقة هائلة ، يعمل كمغناطيس جاذب ، ويستطيع من خلالها الإنسان أن يجذب كل الأمور والأمنيات والأحلام التي يريدها إليه ، وفق أفكار يعقد بها سلسلة حياته كيفما يرغب ، فلكل فكرة تردد يبثه الكون ، وحين يطلب الشخص ، فإن أفكاره تتحول إلى وقائع ملموسة من خلال ثلاث كلمات مختصرة هي : " اطلب " ، " آمن " ، " تلق " ..
ومن خلال قراءتي لكتاب " السر " رأيت أن سلفادور دالي هو أكثر شخصية يمكن من خلالها أن نستنتج قوة هذا القانون وفعاليته ؛ فمعظم أفعال المنجزة في حياته كانت أقوالا مقترنة بتنظيم دقيق ، حتى غدت أفكاره الخطيرة تلك التي كانت تتملكه ثمارا آتت أكلها ، ومن تلك الأقوال التي اقترنت بالأفعال :

* " كنت أحب أن يقول الناس عني " سلفادور دالي " رسام لا يمكن نسيانه ، فقد كان يعنيني أن أكون " سلفادور " الذي يولد يوم يموت " هذا الاسم الذي يتموسق حتى الآن على ألسنة الجميع باحتفاء بالغ ، وادعى مثال على ذلك لوحاته التي تناثرت اليوم كتاريخ في عواصم العالم تحكي عن حكاية هذا الإنسان العبقري ، فعند متحف " لوهافر " الفرنسي عبارة ذهبية اللون تقول : " هنا جناح الاسباني الكبير " سلفادور دالي " الرجل الذي كان يرى في كل زائر له صديقا ، وفي كل صديق لوحة ، وفي كل لوحة خيال غض وشاسع نحو ما لا نهاية " .

* " إذا كنت تقوم بدور العبقري فسوف تصبح عبقريا في يوم من الأيام " .. وقد لمسنا هذا المفهوم متجذر بقوة عميقة في حياة " سلفادور دالي " الحافلة بالأقوال التي اعتاد الإقرار بها بين حين وآخر ، يتداعى من خيال خلاق ، ذاك الخيال الذي لبس واقعه وكأنه الواقع نفسه ، فقد طمح في يوم من الأيام أن يكون في شهرة " نابليون بونابرت " ، ومذ ذاك لم تترهل طموحاته عن الازدياد والنمو ؛ ولأنه لم يكن مثل الكثيرين محاطا بسر هذا القانون الذي كبر من خلاله طوال أعوام التي أعقبت ؛ فقد عزى مثل الكثيرين أسطورته إلى " جنون العظمة " معتقدا كذلك لأنها ؛ وكما كان يرى وراء دفق نجاحاته المتتالية في عوالم الفن ، تلك الطاقة الهائلة التي كانت تنبعث منه مقيدة أفكاره إلى طريق التحقيق ، كما كان يرغب بها تماما ..

* " لم أكن أطيق فكرة أن لا يتعرف علي الناس " فعلى مستوى علاقاته كان شخصا يجر خلفه أضواؤه الصاخبة ، فهو لم يطق فكرة ألا يتعرف عليه الناس يوما ما ، وقد كانت أقواله لا تناقض رغباته ..

* خطط أن يكون مليونيرا ، حتى أن " أندريه بريتون " اتهمه بـ" عبادة الدولار " ، فرد عليه دالي بأن حكمته منذ الصغر نصحته أن يسعى رويدا لأن يصير مليونيرا ، وقد أضيف حلمه هذا إلى حيز التحقيق كما خطط بإرادته ..

* كما كان يسعى إلى تسلق الكمالية ، و يشير " تشارلز هانيل " وهو أحد المشاركين في تفسير نظرية قانون الجذب قائلا : " الحقيقة المطلقة هي أن ضمير " الأنا " تام وكامل ؛ وأن ضمير " الأنا " الحقيقي هو روحي ولا يمكنه بالتالي أن يكون أقل من مثالي ؛ ولا يمكنه مطلقا أن يعتريه نقص أو قصور أو مرض " ، وكان هذا الضمير نغمة دالي التي كثيرا ما كان يدندنها في حياته قائلا : " أنا أؤمن بأني أعظم رسامي عصري " وقوله كذلك : " أنا خال من العيوب، أنا السريالي الوحيد غير المنتمي، لم ينجح لا اليمين ولا اليسار في إغوائي " .. وبشهادة فرويد الذي قال عنه : " لم أرى في حياتي لاسبانيا أعظم كمالا من سلفادور دالي " ..

* ولأن من أولويات هذا القانون أن يكف الإنسان عن ترديد الأفكار السلبية ، وغرس عوضا عنها أفكارا ايجابية باستمرار ثم مصّها من طاقة الكون ، فقد كان سلفادور يبدأ يومه بلذة لا تضاهى : " حين استيقظ في الصباح، اختبر لذة لا تُضاهى: إنني سلفادور دالي ، وأسأل نفسي ما الذي سيفعله اليوم هذا الإنسان المعجزة، سلفادور دالي" .. فكيف تتوقعون صباحات رجل يدلل يومه بلذة يسيرها له الكون بلمسة منه ..؟!

من هنا نستطيع القول بأنه كان أنموذجا إنسانيا يتمتع بصحبة نفسه متدفقا بالحب ، فانعكس ذلك بحبور كبير على كل العوالم التي كانت تحيط به من حوله ، والتي جلبها بملء إرادته ..
هذا هو " سر " هذا الفنان العبقري الذي استحق عن جدارة حياته الحافلة بالإثارة ، ودهشة الانجاز ، والتميز الابتكاري ، ونيازك الشهرة والثراء والحب ، وكل ذلك كان نتاج أفكاره التي ارتقاها سلما سلما ، كان يطلب ويؤمن ويتلقى ببساطة مطلقة ..

هناك تعليقان (2):

  1. الكون المجازي7 يوليو 2010 في 1:42 ص

    تقديم رائع يشي بعمق الرؤية لنفسية سلفادور.
    سلفادور رسام جسد مشاعره في لوحاته التي تتسم بتوقيع الحلم على الواقع، ولكن سلفادور ليس كما يدعي هو بانه يتصف بجنون العظمة لان لوحاته تعبر عن طفل برئ يقبع في داخله، عن طفل يشعر بالخوف من البرد والوحدة والموت.

    ردحذف
  2. " الكون المجازي " ،

    شكرا على مداخلتك ،

    سلفادور دالي هي شخصية من عدة شخصيات ، استطاع هذا الإنسان بدأب أن يعيشها دفعة واحدة ليتمع بالحياة من كافة أوجهها ،

    أكثر من الحياة هو حياة دالي ،

    كان طفلا ، كان عاشقا ، كان مجنونا ، كان هذيانيا ، كان كل ما رغب به ..

    ولعل الخوف والبرد والوحدة والموت هو ما فجر فيه تلك الحيوات كلها دفة واحدة ..

    وسلفادور دالي يقول للعالم من خلال أعماله : عيشوا حيواتكم كلها ، فجروها ، إن الحياة أقصر مما تتوقع ..

    شكرا لك وتقديري ،

    ليلى

    ردحذف