الاثنين، 2 فبراير 2015

لصوص النوم ..!

لصوص النوم ..!

جريدة الرؤية

  جيء ليلة لملك الفرس " كسرى أنو شروان " بإنسان متشرد فسأله : ماذا تفعل في هذا الليل ..؟ فأجاب : أهيم على وجهي ..! فضحك كسرى وقال : الذي يسير وحيدا في الليل يكون عاشقا أو لصا ، فأيهما أنت ..؟ فأجاب المتشرد : لا هذا ولا ذاك ..!
قال له كسرى : قل عاشقا تنج من العقاب..!
فرد عليه : سمعا وطاعة ، أنا عاشق ..!
فقدم له كسرى مبلغا من المال قائلا له : اذهب إلى عشيقتك ومعك هذا المال ، فإذا لم تكن لك عشيقة اتخذها ، المرء لا يعيش دون عشيقة وإلا صار لصا.. !
في كتاب " هكذا تكلم زرادشت " ترجمة " علي مصباح " حكاية للفيلسوف " نيتشه " يفصل فيها حديثا عن النوم تحت مسمى " حول منابر الفضيلة " فيقول فيه :
" تجنبوا اللقاء مع الذين ينامون نوما سيئا ويسهرون الليل " ..
أما عن اللصوص الليل فيقول : " يخجل اللص في حضرة النوم ، فيتسلل بطيئا في الليل ، ولكن لا خجل عند حارس الليل ؛ فهو ينفخ بوقه بلا خجل " ..
في شذرات من يوميات " بودلير " يقول عن النوم :  فيما يختص بالنوم ، تلك المغامرة الكئيبة لكل ليلة ، كان يمكن القول إن الناس ينامون يوميا بجرأة غير معقولة ، لولا أننا نعرف أنها جرأة الجاهل بالخطر " ..
وعن "  نوم أبيض " يقول عنه الشاعر " عباس بيضون " :  لا أنام في سرير، لا أذهب إلى فراشي في الساعة نفسها تقريباً كما يفعل الجميع ، لا أذهب إلى فراشي بتاتاً ولا أفكر في أن أذهب ، لعلمي أنني إذا فعلت ذلك لا أنام ، إذا دعوت النوم وتحضرّت لن يحضر ، إذا دخلت تحت اللحاف وسوّيته فوقي ، بعد أن أكون خلعت ثيابي و وضبتها ولبست البيجاما ، إذا وضعت رأسي على الوسادة وأطفأت النور بعد أن أكون تأكدت من إغلاق النوافذ ، لن أنام ، لقد طردت النوم بكل هذه الحركات ، جعلته أبعد فأبعد حركة بعد حركة ، لو فعلت ذلك سيطير النعاس من عينيّ تماماً ، لن يأتي النوم بقدمه إلى هذا الفخ ، هذا الترتيب سيجعله يهرب ، ما أفعله حين أعود في ساعة غير محددة من الليل هو التمدد أمام التلفزيون بثيابي ، وفي الحر بثيابي الداخلية ، التمدد لا يخيف النوم فإن أتمدد غالباً وليس للرقاد وحده ، أضع رأسي على وسادة فوق ذراع الكنبة وأتطلع إلى التلفزيون وانظر في كتاب ، اللمبة مضاءة والبيت مشعشع والتلفزيون والع وأنا فقط أتفرج ، ليس لدى النوم ما يخشاه إذاً ، بوسعه أن يخرج ويتسلل ، أنا لا انتظره لكني وسط الفيلم أدير رأسي على الوسادة ولا أعرف كيف أكون نمت ، أنا كمن لم ينم ، حتى وأنا غاف لست نائماً حقيقياً ، لا زلت في ثيابي ولست في فراشي ، لا بد أن التعب خطفني ، التعب فقط وإن كان نوماً .. "
والفنان الإسباني العبقري " خوان ميرو " كان يعشق النوم ، لدرجة قبل أن ينام كان يكتب على باب غرفته من الخارج : " الفنان يعمل ، فلا تزعجوه " ..!
بينما الكاتب " آلان لايتمان " في روايته " أحلام آينشتاين له تفسيراته النفسية ذات صلة بالنوم فيقول : "  الضوء يخطط الحياة في هذا العالم ، ولذلك فإن الشخص الذي يولد عند الغروب يمضي النصف الأول من حياته في الليل ، يتعلم مهنا داخلية كالحياكة وصناعة الساعات ، يقرأ كثيرا ، يصبح مفكرا ، يأكل كثيرا ، يخاف من الظلمة الشاملة في الخارج ، يحرث الظلال ... أما الذي يولد عند شروق الشمس يتعلم مهنا خارجية كالزراعة والبناء ، يصبح قوي البنية ، يتجنب الكتب والمشاريع الذهنية ، يكون مشرقا ولا يخش أي شيء " ..
وأنا ولدت في الليل ، في منتصف ليلة شتوية ماطرة رعدية بالتحديد ، لكني لا أجيد الحياكة ولا صناعة الساعات ، وعلى الرغم من لصوص النوم الحائمة من حولي غير أني أجيد النوم بشدة ، كأن بي عضة من " ذبابة تسي تسي ".. !
ولكن لمن يتناول حبوبا منومة من عيار قوي دون أن يغمض له جفن كبطل " ميلان كونديرا " في روايته " كائن لا تحتمل خفته " فما عليه و- على مسؤوليتي- سوى بكتاب " تأملات قبل النوم " لأوشو ، فإنه يبدد ليس فقط لصوص النوم ، بل أيضا لصوص الحسد ، الحقد ، الكذب ، الخيانة ، الخوف ، الجشع والاكتئاب ..
ونوما هنيئا مقدما  ...

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق