الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

الجنة على شكل مكتبة

الجنة على شكل مكتبة

أؤمن بشدة بعبارة " بورخيس " في إحدى قصائده : " وأنا الذي تخيلت دوما الجنة على شكل مكتبة " ..
يفيض هذا الكون بالكتب .. يتلون ويتشكل يقصر ويطول .. وما أكثر الخيارات من حولنا ..! ووحده الجاحد من يعيش على لغة الأعذار في هذا العالم القرائي بإمتياز ، أقول هذا لأن حتى الأميّ في مظاهرات واعتصامات الربيع العربي كان يحمل لافطة أو اثنتين على _ أقل تقدير _ وثمة عبارة إنسانية . اجتماعية . سياسية . اقتصادية يؤمن بها مما دعاه إلى جهد رفعها طوال فترات المطالبة بالكرامة والحرية الإنسانية ..!
ولعل ذات الشخص – الأميّ – طلب من أحد المتعلمين قراءة بصوت مسموع ما تقوله الصحف المتنوعة والمتفشية في شوارع المظاهرات ..إننا في عالم قرائي شاسع ، ولكل كتاب موقف ومكان وزمان وحياة ، أو اندثار في هيئة حبس على رف رثّ في مكتبة تزعمها عنكبوت شائخ ..!
دعوني أثرثر هنا عن كتبي وعلاقتي بكل فروعها ..
هناك كتب للمشاوير السريعة كالطريق من البيت إلى السوق ، كانتظار في ردهة المشفى ، كأوقات الفراغ في مقر العمل ، في مثل هذه الحالات انتشل كتابا شعريا من مكتبتي وبأي لغة كانت لأي شاعر محلي عربي كان  أم غربي ؛ ليكون رفيقي الحقيقي خلال هذه الفسحة من الزمن ..
هناك كتب للأوقات المهمة ، لساعات الفراغ الطويلة كعطل نهاية الأسبوع أو العطل السنوية ، ففي هذه الحالات وحدها الروايات الضخمة وكتب علوم النفس المعقدة والدراسات الاجتماعية والفلسفية والتشريعية تتناسب والعطلة الممتدة ..
هناك كتب لا تُقرأ سوى مع الآخرين ، كتب وجدت للصحبة مع قراء مدهشين من نوع خاص .. كالقصص التي تتناول الأطفال أو الموجهة إليهم ، وغالبا ما اقرأها مع أطفال العائلة أو مع تلميذاتي في المدرسة ، وهي تجربة أثمرت عن خيالات مبدعة ، فالمسألة تطورت من مجرد قراءة بصوت حكائي إلى تمثيل هذه القصص كمسرحيات ، وفسح المجال لخيال التلميذات لاستكمال نهاية القصة المقروءة أو تخيل أحداث لم نتطرق إليها أو تخيل مقدمة / نهاية مختلفة للأحداث ، إنها أشبه بعملية إعادة كتابة الكتاب بطريقتنا الخاصة ..!
هناك كتب للمطبخ ولغرفة الغسيل ، تترك الطبخة على نار هادئة لتغوص في طبخة قرائية مشتهى ببهارات من نوع آخر ، أما غرفة الغسيل فالروايات القصيرة ذات السهل الممتنع تفي بالغرض جدا ..
هناك كتب لا أقرأها إلا عند مشاهدة التلفاز أو متابعة فيلم ، ففترة الاعلانات التجارية جيدة كفسحة استغلال لقراءة شيء يسير من مقالة مسطرة في كتاب ما أو متابعة موضوع لافت للاهتمام من إحدى المواقع الالكترونية أو تصفح مجلات والصحف ..
ثمة كتب خلقت لتكون رفقة لنا في السفر ، وأحرص في مثل هذه الأوقات على الاصطحاب معي كتب تضاعف من حجم استمتاعي أو تلك الكتب القريبة من القلب ، وسبق أن قمت بقراءتها فيكون السفر مع حضور الكسل خير وسيلة لإعادة ما سبق وخضت عوالمه ، فتكون قراءتها هنا بمثابة استجمام واسترجاع ..
هناك كتب احتياطية أحملها معي في الحقيبة ، وحقائبي مصدر تندر من صديقاتي ، فهي مستودعات لكل شيء حتى كتاب يسلي أي عابر سبيل أو وحيد ، وهناك كتاب أحمله معي ليس لضرورات القراءة وحدها ، بل لأستدعي شعورا ما في داخلي كون أني لا أخرج من المنزل فارغة ؛ فحقائبنا نحن النساء لا تخلو على أقل تقدير من أحمر شفاه ، وعلبة تزيين صغيرة ، ومرآة ، وزجاجة عطر ، فلماذا لا يغدو طبيعيا أن يكون من ضمن هذه الحمولات التي تحطّم أكتافنا أحيانا كتاب أنيق لتجميل الداخل ..؟!
وثمة كتاب لا يحلو لنا قراءته سوى على سرير وثير بخيالاتنا والكتاب الذي أغوانا إلى عوالمه وكم تستهويني المجاميع القصصية في مثل هذه الحالة خاصة الخيالية منها أو سيرة مشبعة بالإنسانية ..!
وكتب ما قبل الخلود إلى النوم ؛ لتكون زادنا نحن - الحالمين - بواقع أجمل ، الروايات المترجمة عن خيال العلمي وكتب الرحلات إلى مدن غامضة ، هناك حيث نتعرّف على ذواتنا الأخرى ..!
" هناك باب موصد حتى نهاية الأزمنة / بين كتب مكتبتي / هناك كتاب لن أفتحه أبدا " ..
أجل يا " بورخيس " لن أفتحه أبدا ، كي أحتفظ كقارئة فضولية شغف فتحه يوما ما ..!
ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق