الاثنين، 10 سبتمبر 2012

الأقليات واختلال العالم ..! 4


 
 
الأقليات واختلال العالم ..! 4

 

نشر في جريدتي : الرؤية / العرب

 

عالم اليوم غارق في التحديات الهائلة ، وكل دولة تسير بخطى حثيثة على إثبات خصوصيتها ما يعزز في اعتقادها مكانتها بين الأمم وتهيء لها الخلود ..

في هذا الجزء الأخير من سلسلة مناقشة أفكار الكاتب " أمين معلوف " في كتابه المهم " اختلال العالم " سوف نفغر الضوء هذه المرة على مسألة الأقليات وما تواجهه في هذا العالم في وقتنا الحالي وفق رؤية مؤلف اختلال العالم ..

يرى " معلوف "  أن العالم العربي يعاني من فقر في وعيه الخلقي ؛ بينما الغرب لديهم وعي خلقي ولكنهم حوّلوه إلى أداة للسيطرة ..! مما لا شك في وقت من الزمن كانت العالم العربي أكثر تطبيقا لمبدأ " التسامح " حيث لم تطفو عقد الأقليات إلى السطح وكانت غالبا العلاقات ما بين المسيحي والمسلم تمضي على خير ما يرام و أواصر أكثر قربا كانت تجمع ما بين السنة والشيعة .. في حين عرف العالم الغربي عبر التاريخ بمجازر وحشية تم تطبيقها بدافع العنصرية والأقلية ..

بينما اليوم يشهد الزمن على بروز قضايا الأقلية إلى السطح بدرجة تشكل أزمات على مستوى الوطن والوطنية وما تحتمله من تأويلات الانتماء الحقيقي والخوض في دائرة الشك والتهم ..

يتحدث " معلوف " عن أقليات مختلفة منها الأقليات المسيحية في دول العالم العربي والتي كما يرى أن وضعها لم يكن مثاليا يوما ولكنها كانت تتواصل للحفاظ على البقاء في ظل جميع الأنظمة ولكن لم يسبق لها منذ فجر الإسلام أن شعرت بالتهميش كما اليوم ..

أما الطوائف اليهودية في العالم العربي ، فإن انقراضها بات أمرا واقعيا ولم يعد هناك سوى بضعة ناجين .. وقد نشرت وسائل الأعلام كما قرأت منذ فترة قريبة أن ما يقارب 130 يهودياً يعيشون في اليمن.. «بينهم 50 يهودياً تقريبا يعيشون في العاصمة صنعاء، حيث تعمل السلطات هناك على حمايتهم، بينما يعيش الباقون في محافظة عمران» في إشارة منها لإعلان خبر مغادرة عائلة الزنداني إلى إسرائيل والاستقرار هناك حاملين جثته بعد مقتله .. 

يعرض " معلوف " حالة إقلية اندهش شخصيا من بقائها في العراق حتى اليوم وهم معدودين ؛ ففي عام 2007م عرف بوجودها في العراق وهذه الأقلية تدعى بـــ" جماعة المانديين " أو الصابئة وهي طائفة صغيرة ومتكتمة ومتواضعة إلى حد يجعل وجودها غير معروف لمن هم خارج العراق ..

ويرجع وجود هذه الطائفة التي عاشت في بلاد ما بين النهرين في القرن الثالث الميلادي وكانت لهم طقوس خاصة في ممارسة عقيدتهم وهم مع تضائل عددهم ملتزمين بتلك الطقوس وطريقة ممارستها حتى اليوم رغم مرور أربعة عشر قرنا .. ولكن منذ عام 2007م اتضح أن هذه الطائفة تعاني من خطر الانقراض فهم كسائر العراقيين مفاعيل الجنون القاتل الذي ينتاب هذه البلاد وفي غمرة هذا الانفلات غير المسبوق للتزمت الديني لم يعد حتى الوازع القرآني قادرا على حمايتهم ، بل نتيجة الترويع اعتنقت عائلات منهم الإسلام مكرهة والسكين على نحرها كما أنهم طردوا من وظائفهم وهجروا من بيوتهم ونهبت متاجرهم حتى كتب أحد ممثليهم يقول : " سبق لنا أن مررنا بألف محنة لكن هذه قد تكون وبيلة نحن مهددون بالزوال في وقت قريب " ..!

لنفق هنا ولنتأمل قليلا فما يعانيه " المانديين " في العراق لا يختلف عما يعانيه مسلمي " بورما " في ميانمار على يد جماعات بوذية والتي صدمت العالم بمعاملتهم المشينة والوحشية للأقلية المسلمة في بلد واحد بل يضعنا أمام صدمة فطوال سنوات ونحن نسمع ونقرأ عن الديانة البوذية ومدى مبادئ التسامح والهدوء والتأمل العقلاني الذي تتصف به وما تمارسه اليوم يناقض تلك الواجهة التاريخية التي عرفت بها طوال تلك القرون ..!

فهل السعي إلى إثبات الهوية الدينية يكفي أن يكون مبررا لقتل الأقليات في كل وطن ..؟! ماذا عن المواطنة وشروطها وأحقيتها لكل إنسان في كل بلد ..؟! أسئلة تشعر الإنسان بالعجز التام والحيرة الصارخة بالإحباط ..!

ويذهب " معلوف " إلى أن مصير الأقليات بالنسبة إلى كل مجتمع وبالنسبة إلى الإنسانية جمعاء ليس ملفا كسائر الملفات ، وإنما هو بالإضافة إلى مصير النساء أحد أصدق المؤشرات على التقدم الخلقي أو على التقهقر ، وإن عالما يتحسن فيه يوميا احترام التنوع البشري حيث يمكن لكل شخص أن يتكلم اللغة التي أختارها وأن يمارس معتقداته بسلام ويؤكد أصوله بهدوء دون أن يتعرض للعداوة ولا للاحتقار من جانب السلطات كما من جانب الناس إن عالما كهذا هو عالم يتقدم ويرتفع ..  وبالمقابل إذا تغلبت التشنجات الهووية كما هي الحال اليوم في الغالبية الكبرى من البلدان في شمال الكرة الأرضية كما في جنوبها حيث يجد الإنسان صعوبة متزايدة كل يوم في أن يكون هو نفسه بصفاء وأن يتكلم لغته بحرية ويمارس إيمانه بحرية ، فكيف يمكن إذن أن نتكلم عن تقهقر ..؟!

يرى " معلوف " أن من الطبيعي أن تتحرك مشاعر الضحايا ومن المقلق أن تكون الوحيدة التي تتحرك مشاعرها ، فمشكلة الأقليات ليست فقط مشكلة لهذه الأقليات بل هو مصير بضعة ملايين من الناس وعلة وجود حضارتها وغائبتها ..

 

ليلى البلوشي

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق