الثلاثاء، 6 مارس 2012

خليجنا ليس واحد ..!












خليجنا ليس واحد ...!







جريدة الرؤية العمانية ..







في جلسة مجلس التعاون الخليجي تصاعدت اقتراحات لتحويل هذا التعاون بين دول الخليج العربي إلى ما يسمى " إتحاد " تحقيقا لمزيد من الأمن والتعاضد والمصالح المشتركة ..!




" خليجنا واحد " هكذا يقال .. وما أكثر ما يقال وما أقل ما يتجسد هذا المقول في فعل واقعي عميق ومرئي للجميع .. فأبسط اختلافات في خليجنا يكمن في التفاوت الاقتصادي ودخل الفرد وسبل المعيشة ، فيما تتوحد وبشكل يكاد يكون مدهشا في كتم الأصوات والقمع وتفشي الوساطات والمحسوبيات وخنق الحريات على مستوى المرئي والمسموع والمقروء ..!




أما على مستوى المعيشي والاقتصادي ، فالفرد الخليجي ما بين فقر مدقع وغنى ساحق بل التركيبية الاقتصادية مخلخلة بـــــــــــ- أدق تعبير - وغير عادلة بــــــــــــ- أكثف تعبير- فحسبما تقرير الذي صدر حديثا في مجلة " غلويل فايننس " على موقعها الالكتروني جاء فيه أن قطر احتلت المرتبة الأولى ضمن قائمة الدول الأغنى في العالم بمتوسط نصيب للفرد يبلغ 90.149 ألف دولار ، وحظي متوسط نصيب الفرد في الكويت المرتبة الـ 14 ضمن قائمة دول الأغنى في العالم ، و احتلت الإمارات 18 بينما كل من البحرين والسعودية وسلطنة عمان قد احتلت المراتب 33 و36 و38 على التوالي ..!




بينما كشف تقرير " التنمية البشرية 2011م " الصادر عن الأمم المتحدة من وقت قريب أن الإمارات هي ثاني أعلى نصيب الفرد من الدخل القومي في العالم ، وهي دولة لا يوجد فيها مواطنون يعيشون في فقر مدقع و عدد السكان الفقراء في الإمارات يبلغ صفرا ..




ففي قطر والكويت والإمارات معدلات دخل الفرد مرتفعة بل تعادل في دخلها الدول الأوربية كألمانيا وفرنسا والسويد وسويسرا ، وعدد الفقراء في هذه الدول من مواطنيه يكاد يكون معدوما والأفراد فيه يعيشون في رفاهية ، وحين يصل إلى سن معينة يتقاعد وتدفع له دولته راتبا تقاعديا مناسبا لمستواه المعيشي كفرد ، مع دفع إعالات شهرية لكبار السن من الجنسين مع عدم الأخذ بعين اعتبار حقوق الأرامل والمطلقات بما يوفر لهن حياة كريمة ويحفظ كرامتهن من ذل الزمن ..




بينما في كل من المملكة العربية والسعودية وسلطنة عمان والبحرين فأوضاع الخليجي لا تسر .. وما كان الخبر الذي نشرته إحدى الصحف الخليجية عن حالة عائلة سعودية مكونة من 11 فردا تعيش في مقبرة لأب سعودي سبعيني يستلم راتبا قدره 2000 ريال سوى إحدى الحالات التي نجد مثيلها وربما أعتى منها في البحرين أو سلطنة عمان ، في هذه الدول الأسرة تتساند على كتف شخص واحد هو الأب والذي غالبا ما يكون رجلا أميا ودخله على قد حاله وفي حال فقد رب الأسرة ، فإن الأسرة كلها تنهار ليس في فقر مدقع بل تحت درجة الصفر المعيشي ..!




وكثير من الناس في بقاع العالم العربي والعالمي لديهم اعتقاد راسخ بأن الإنسان الخليجي هو شخص مرفّه والحياة تنساب إليه بسهولة ؛ ولهذا بعض الأخوة في المغرب والأردن حينما سمعوا باقتراح ضم كليهما ضمن التعاون الخليجي تناوش الأهالي فيما بينهم بفرح مكلل بأمنيات عظيمة بأنهم أخيرا سوف يركبون الهمر وتتكدس جيوبهم بالأموال ويأكلون السنكرز على حد تعبير بعضهم .. لهذا فلا عجب أن ارتفاع أصوات بعض الخليجيين حين يطالبون بحقوقهم في أوطانهم ينظر إليها من باب المبالغة والطمع من قبل أفراد الدول الأخرى ..!




والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة : لماذا أوضاع الفرد في دول الخليج تتفاوت رغم أنها كلها نفطية ، ففي وقت يعيش فيه القطري والإماراتي والكويتي مرفها ، بينما السعودي والعماني والبحريني يعيشون في أوضاع اقتصادية متردية وتتفشى في هذه الدول الثلاث حالات الفقر المدقع لبعض مواطنيها ..؟!




فإذا ما كانت الحجج تكمن في تباين مساحات الدول وحجمها مع اختلاف عدد السكان ؛ فها هي اليابان عدد سكانها يفوق 130 مليون وهي من أكثر الدول تقدما رغم شح الموارد ورغم ظروف الطبيعة القاسية عليها من زلازل وفيضانات ..!




قطعا على رأس الأسباب هو " الفساد " وهو أحد أهم عوامل تفشي حالات الفقر المدقع ؛ فالبرغم هي سماء واحدة يستظل تحتها كل من صاحب ثروة وملايين مقابل معدم يفتقد أساسيات الحياة الكريمة ..!




ومن نتائج هذا الفساد هو غياب العدل بين الناس وتوزيع الثروات بناء على العلاقات الاجتماعية والسياسية والتبعية المطلقة ، وغياب الرقابة القانونية وينتج عنه إدراج أرقام مزيفة لرصد الميزانيات التي تقدمها بعض الوزارات ، ناهيك عن غياب النقد الحكومي وإذا ما رفع المواطن صوت حقوقه يلاحق بتهم كثيرة أبسطها الخيانة ..!




عدم تعيين الكفاءات الجيدة في الأماكن المناسبة ، بل يكاد يشغل الأفراد غير المناسبين لمراكز مهمة وحساسة في الدولة ، مع بقاء الأشخاص أنفسهم على الكرسي نفسه لسنوات مديدة وإذا ما تمت بعض التغييرات فهو تغيير شكلي بحيث يغير مكان الشخص فقط وترحيله إلى وزارة أخرى فينال لقبا جديدا مستبدلا بها لقبه العتيق .. فمعظم المسؤولين في أوطاننا ليسوا من جامعي مؤهلات وشهادات وخبرات بل من جامعي ألقاب وكراسي ..!




ولهذا تغيب الخطط التنموية الحقيقية المجسدة عبر أفكار متغيرة ومتضمخة بروح التجديد والتطوير والشباب ..!




إذن أساس خراب المجتمعات وتأخرها مليون سنة ضوئية في ركام التخّلف والتأخر هو " الفساد " هذا التنين الذي يسحب إلى جوفه حقوق الآخرين وقوتهم وحين تسلط أضواء المحاسبة عليه يحرق الأخضر واليابس ..!




وهذا الفساد أنواع .. فساد على عدة أصعدة .. ولهذا الفساد أحجام .. فساد من أكبر موظف في الدولة إلى أصغرها .. كلهم خائضون في الحلقة ذاتها من دوائر الاستفادة ، فالعنصر الصغير يسرق ولكنه يعرف أن مديره يسرق أكثر منه ، والرئيس الأعلى أو المدير الدائرة يسرق أكثر من الجميع ، ولهذا فإن مظاهر الخوف تحمل في طياتها معرفة كل طرف آخر ..!




وأقرب من هذا ما جاء في قصة " مروان بن الحكم " مع وكيله في غوطة دمشق ، تلخص هذه اللعبة .. يروي ابن عبد ربه عن " مروان بن الحكم " أنه زار ضيعة له في الغوطة فأنكر منها شيئا ، فقال لوكيله : ويحك ، إني لأظنك تخونني .. قال : أفتظن ذلك ولا تستيقنه ..؟ قال : أو تفعل .. ؟ قال : نعم والله إني لأخونك ، وإنك لتخون أمير المؤمنين وإن أمير المؤمنين ليخون الله .. فلعن الله شر الثلاثة ..!







" الفساد " مرض معدي وفتّاك وإن لم تقض المجتمعات المسؤولة عليه .. فعلى الوطن السلام ..!







ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق