الخميس، 1 مارس 2012

الشيطاني : سلمان رشدي ..!











الشيطاني : سلمان رشدي ..!







نشر في مجلة الألف








سلمان رشدي .. الكاتب البريطاني الهندي الأصل الذي طورد بلعنة آياته الشيطانية ، تلك الرواية التي لغمت دروبه لسنوات عدة في قنن الخوف والرعب والأرق ، ما فتئت روحه تلهث كل ليلة من أن توقظه أجفانه صباحا على صدمة رأسه المنفصلة عن جسده المسجى في هيئة مقتول مع سبق الإصرار والترصد ، ببيان أصدره آية الله خميني في عهد مضى ..





لكن ذاك الكابوس الذي عدّ من عيار ثقيل دفن في قبره بسلام ، في تلك الأجواء الملغمة كانت روايته " آيات شيطانية " تقرأ بسرية تامة ، طالعها غالبا أولئك الذين يتقنون اللغة التي كتبت بها ، في زمن أميط حبل المشنقة عن رقبة مؤلفه ، ومعظم قراء العرب قرؤوا الرواية على استحياء من نسخة الكترونية مجهولة الترجمة ورديئة نوعا ما ، لكن الفكرة على الأقل شمرت نفسها عن الظل .. ولأن حنجرة الضجة ازدردت طريقها إلى بطن الهدوء ؛ هذا ما جعل مترجمي العرب يصدرون تباعا معظم الروايات التي كتبها سلمان رشدي طوال تلك السنوات .. لعل من أهمها " أطفال منتصف الليل " و" العار " و" الغضب " وغيرها ..









ثمة جدلية حول مفهومي المرأة والرجل يتلمسها بعض قراء سلمان رشدي في معظم رواياته .. فهما ليسا فقط ذكورة وأنوثة ، بل واجهات أساسية يتركز على مشجبهما أهم وأكثر القضايا جدلا في العالم الأجمع هما : " الوطن " و" الدين " ..









" المرأة " هي نمط شرقي متحفظ يلاحقها العار بمجرد ما تخلع حجابها .. والخلع هنا هو الإلحاد والخروج عن الملة ، لكن تبقى هذه المرأة مهما تهجم عليها العار أنثى محتفظة بنعاتها الطبيعية التي فطرت عليها أهمها الخجل ، وذلك يتوافق تماما مع فسيولوجية المرأة الهندية التي تكسي رأسها حياء كلما وقع عينيها على رجل يدنو منها متغزلا ..





كما تتلبس نساؤه سحر " الوطن " بسحرها تغدو المعشوقة التي تهيم الرجل في شيطانية فتنتها وكأن لسان حاله يردد حقيقة كان قد أذاعها الأديب " مصطفى صادق الرافعي " في زمن ما قائلا : " حينما تقابل امرأة جميلة لا تقل ما أجملها ، بل قل ما أجمل الشر ..! " ..





فيكّن لها المعبود الرجل كما الوطن الحب والوفاء والولاء في البداية ، لكن سرعان ما يزول تأثير هذا السحر كحفنة من الرمل في قبضة الريح ، فالأنا الشخصية في داخل كل منهم يثور ، يعربد ، يعلن بأنانية طاغية وبملء شبق متأصل : أنا سوف .. !





لهذا العلاقات الشرعية التي تواثقت بين شخصيات روايته هي قوية في البدء لكنها فاترة في نهايتها بشكل مثير للخيبة ، كما علاقة " نسيم وآدم " و" أمينة وأحمد سيناء " في روايته " أطفال منتصف الليل " وعلاقة " " رضا حيدر وبلقيس " في رواية " العار ، و" إيليانور ومليك سولانكا " في رواية " الغضب " ..





بل تشعر أحيانا أن العلاقات بين الزوجين تكاد تكون معدومة سوى كونهما رجل وامرأة ضمهما القدر في فراش واحد وأنجبا أطفالا ليذكرهما على الدوام ، أنهما ما يزالان زوجان في نظر المجتمع كمسمى فقط مع سقوط كافة الحقوق الزوجية ، وبشكل عام ليست ثمة علاقات إنسانية واجتماعية مسلسلة بين أفراد الأسرة الواحدة ، فإما الأب مجهول الهوية أو غير كفء بأبوته .. بينما الأم عادة هي مجرد رحم يأوي عن مدة لا تقل تسعة أشهر ..





بل الأم والأب هما مجرد مسميات وألقاب لا أكثر ولا أقل ، كما رمز الدين في رواياته فهو إيمان فردي وليس حالة جماعية ..!









بينما " الرجل " يتفنن سلمان رشدي في رسم الرجل في رواياته بطريقته الخاصة فهو متوحش .. قبيح .. شيطاني .. نزق .. ويعزى شيطانيته إلى البيئة الشريرة التي انبثق منها وإلى نساء متلبسات بسحر غامض يتمدد تأثيره إلى النطفة التي تكبر شيئا وشيئا في أرحامهن المظلمة .. والرجل هنا واجهة وطنية ..









والوطن هنا مجموع أمكنة وسماوات وأزمنة متعددة .. هي الهند وباكستان ولندن وأمريكا .. الهند والباكستان تحديدا هما بؤرتا النزاع الأساسية في قضايا كتبه ، بينما لندن هي المنفى المحايد وكأن سلمان رشدي بمنفاه ذاك قد تخير موقعه من العالم جيدا ؛ كي يتفرج من على البعد على أهم دولتين تأثيرا في تاريخ بنيته ومولده ونشأته كهندي حامل الجنسية البريطانية ، لكنه في مكنونه ما يزال ذاك الهندي هوية وكيانا اسما وثقافة ..









والجدلية الأخرى في روايات سلمان رشدي هي لعبة الأسماء .. والاسم يشكل هوية الإنسان وهي هوية شخصية في طابعها لكنها غير حرة ؛ فالطفل حين يولد لا يختار اسمه وتبقى تلك الهوية حبيس صاحبها إلى أن يشّب عوده فيمكن له حين ذاك تبديل اسمه .. وهي حقيقة أعلنها " ساراماغو " في روايته " كل الأسماء " حين أذعن بقوله : " أنت تعرف الاسم الذي أطلقوه عليك ، ولكنك لا تعرف الاسم الذي هو لك " ..





وهذا هو مبتغى سلمان رشدي من تبديل أسماء شخصياته .. تلك التي لها أكثر من اسم أو يذيل كيانها في لقب متغير حسبما الظروف والأزمنة والغايات .. تلك الأسماء التي تحمل رغم ذاك ثقل ماضيها وكأنها بالتبديل تثور على ذاك الماضي المشوه .. وكأنها تلغيه وتقضي عليه أبديا بمجرد ما ينادون بأسماء أخرى .. ولعل رواية " أطفال منتصف الليل " من أكثر الروايات التي عبرت عن هذا المعنى الجدلي للأسماء ..









" سلمان رشدي " هذا الكاتب الذي لم يعرف يوما استقرارا مكانيا وزمانيا متوحدا .. فقد سمعت صرخة ولادته في الهند وغادر والداه إلى باكستان قسرا ؛ نتيجة نزاعات الهندوس ثم ما لبث وجد نفسه صبيا في الرابعة عشر مغادرا إلى انجلترا ، ومع كل تلك العوالم لم تهدأ ثائرة العنصرية والتحقير والذل والانكسار ... بعد هذا هل نستطيع أن نلقي لوما على " انسان " توحشت فيه قيم النبل والخير في حياته بأنه كائن متوحش شيطاني نزق ..؟!









سؤال يدفعنا إلى التفكير بهدوء وصمت تامين للغاية ..!













ليلى البلوشي









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق