الخميس، 10 نوفمبر 2011

صهينة " عاموس " يهودية " عوز " ..!










صهينة " عاموس " يهودية " عوز " ..!






حين تعقد النيّة على قراءة رواية تعنى باليهود ، يستبد بك شعور المطاردة من أعين تستفز هدوء قراءتك ، فبعض العيون تحدق بك كتهمة تخوين ؛ وبعضها الآخر تربت على فضولك في تفكيك سطور فكر سفك تاريخ أبرياء ولطخها على مدى قرون باللون الأحمر .. ولكن هل نحن نفكر بالطريقة عينها التي يحلل بها الصهيوني المتشكك أبدا من كل شيء يمت العرب بصلة ، كما جاء في رواية " قصة في الحب والظلام " للروائي اليهودي " عاموس عوز " حين وضح لنا كيف أن اليهودي يقف منتصبا بوطنيته وحيرته تضخ أحاسيسه ما بين شراء جبنة صهيونية أم عربية ؛ ملقيا حيرته على نفسه : " أيهما سأشتري ..؟! " ومبعث الحيرة أن لغة منطقه تقول أن الجبنة العربية أرخص ثمنا وألذ طعما ، بينما لغة صهيونيته المتعصبة تنذره قائلة : " ولكنك إذا اشتريت جبنة عربية فقد خنت الصهيونية قليلا .." ..!





" عاموس عوز " في هذه الرواية التي جاءت سيرة ذاتية ، في سطور تتناول حياته على مستوى خاص وعام في الوقت عينه جاءت في استرسال عميق في 765 صفحة ، أحاول تسليط الدوائر على بعض نقاط معينة ، علها تشفي فضول القارئ المتطلع لمعرفة بعض جوانب وتشعبات الفكر اليهودي من جهة والصهيوني من جهة أخرى ؛ فــــــ " عاموس عوز " المتذبذب ما بين مناصرة صهينة اليهود ولكن في الوقت عينه يعترض الاستيطان بالأراضي المحتلة منذ اليوم الأول لقيامها ، وهذا التذبذب سرى مفعوله على لسان بطله " ميخائيل " في روايته " حنا وميخائيل " : " أؤمن بفكرة دولتين ، لم أعد متأكدا من أن هذا سيقود للسلام ، في أفضل الحالات ، سيحل السلام ، وفي أسوئها ، سنكون مضطرين بدل شن حربين – حرب احتلال غير عادية – وحرب عادلة من أجل بقائنا " ..





· في ما يلي عرض لجوانب تطرقت إليها الرواية بعد قراءتها :





1 ـ الجانب ( الخاص ) الاجتماعي :





· " عاموس " هو ابن وحيد لأب يعنى بالبحوث في الأدب العبري سليل عائلة مثقفة ؛ فعمه " يوسف كلانزر " الأديب المعروف على مستوى إسرائيل ، والأب المؤلف لعدة كتب كانت له صداقات مع بعض الباحثين والأدباء وكان " عاموس " طفل تلك الجلسات ..





· جديه لأبيه كان لهما أطوارهما الغريبة ، فالجدة كانت مريضة بوسواس النظافة القهري ؛ لدرجة حك جلدها بالمنظفات يوميا بلا كلل حتى يوم وفاتها ، والجد كان تاجرا مغمورا ولكنه بعد موت الجدة عاش ألذ حيواته كرجل تسعيني مغرم بنساء جميلات ويبادلنه غراما بغرام .. أما أمه ؛ فهي المرأة الهادئة ، يجري في دمها عشقان هما الصمت والقراءة ، تغادر الحياة انتحارا بعد حالات من السكون الطويل وسفر عبر كتب وصداع نصفي واكتئاب ورائحة أدوية الأرق ..





· تبرز في الرواية نزعة المحافظة من خلال تعاطي التربوي اليهودي مع أبنائهم ، خاصة في تلكم الفترة – الأربعينية الخمسينية – فوالديه كانا يجيدان عدة لغات ، ولما كانا يثرثران في قضايا عامه أو خاصة غالبا ما طغت الروسية على لغة تحاورهما ؛ كي لا يفهم الطفل " عاموس " - الذي لم يلقنوا لسانه سوى اللغة العبرية - ما يمكن أن يقولاه ؛ مبعث هذه التربية المحافظة كانت عتيقة يورّثها الآباء لأبنائهم ، كما موقف أمه " فانيا " حين علقت في موقف ونبهتها الأم بعنف : " أذكر مرة سألت أمي عن ذلك ، ولكنها ذهلت فعلا وشحب وجهها وقالت لي سونيتشكا ! ويحك ! اخجلي من نفسك ! .." .





· للعلم مكانة سامقة في المجتمع اليهودي ؛ فالهاجس اليهودي دائما يردد بينه وبين غيره بأن إذا ما شنت الحرب أوزارها ، أو إذا ما وقعت ثورة ، أو هجرة ، أو أحكام صارمة ؛ فإن الشهادة يمكن أن تطوى بسرعة أو تخبأ داخل بطانة الملابس والهرب إلى المكان الذي يسمح لليهود بتعاطي سبل العيش فيه : " كان الأغيار يقولون عنا هكذا : الدبلوم هو دين اليهود ، لا الغنى ولا الذهب .. الدبلوم " ..





· من خلال الرواية ، قد لا يفاجأ اعتقادنا بأن العائلات اليهودية تغمس سياسة الدولة في مأكلها ومشربها ونومها دون أن تحظى علاقاتهم الاجتماعية باهتمام يذكر ، أو أن تتعرض للخلخلة مثلما باقي العلاقات في العالم ؛ معظم العلاقات الزوجية في رواية " عاموس " لا تخلو من طابع الاعتيادية وأحيانا الاشمئزاز من الآخر دون التصريح بذلك علنا ، وعكازة قيام دولة إسرائيلية في تلك الحقبة كانت أهم من التصريح بالشؤون الاجتماعية أو حتى محاولة مناقشتها بين الأزواج مهما بدت طبيعة العلاقة قائمة بينهما ..





2 ـ الجانب ( العام ) السياسي :





· يؤكد " عاموس عوز " بأن الشعب اليهودي مطارد أبدا بلعنة الكراهية من قبل شعوب العالم : " لا يحبون اليهود لأنهم فطنون ، متوقدو الذهن ، ومتفوقون ...، لا يحبون مشروعنا هنا في أرض إسرائيل ؛ لأنهم يحسدوننا حتى على قطعة أرض صغيرة كلها مستنقعات وصخور وصحاري .. " ..





· بل يلقي تهمة العداء للسامية ، ومبعث الأزمة المشتعلة نيرانها عبر تلك الحقب ما بين اليهود والعرب على أوروبا ؛ فهي التي طالبت اليهود الذهاب إلى أرض ميعادهم ، وهي التي أججت نار التحريض على الصراع مع العرب ، وهي من غرست فتيل الحقد العام على اليهود بعد ذلك : " هناك في العالم جميع الحيطان كانت مغطاة بالكتابات المعادية " أيها اليهودي الحقير ، اذهب إلى فلسطين ، وها قد ذهبنا إلى فلسطين والآن كل العالم يصرخ علينا : " أيها اليهودي الحقير ، اخرج من فلسطين " ..





· ثمة نزعة خوف وقلق مصيري ، ونزعة العبودية والذل تطارد اليهودي مذ أبادهم " هتلر " في أفران مشتعلة : " طوال ألفي سنة تحملنا كل شيء بصمت ، ألفي سنة كنا كالغنم تقاد إلى المسلخ ، ولكن هنا في بلادنا ، فإننا لا نسمح بأي شكل من الأشكال أن يكون لنا شتات جديد ، شرفنا لن يدوسه أحد بعد الآن " ..





· لا تغادر اليهودي العادي نزعة حماية نفسه وإن كان مغموسا في شؤون الحياة : " يعمل طوال النهار في التبليط أو الاسمنت ، وفي المساء يعزف على الكمال ، وفي الليل يرقص مع الفتيات أو يغني لهن أغاني حزينة بين الرمال على ضوء البدر ، وقبيل الفجر يسحب من مخبئه مسدسا أو رشاشا ويخرج خلسة في قلب الظلام ليحمي الحقول والبيوت " .. ولديه اعتقاد دائم التفاقم بأن الآخرين دائمي السعي للقضاء عليهم في لحظة إن تراخت قوتهم لوهلة : " إذا رفعنا القدم ، فورا سيأتي شخص آخر ويأخذ من قطعة أرضنا التي لا تسمن ولا تغني من جوع " ..





· أيضا لا يخلو المجتمع اليهودي من التوصيف الطبقي ؛ فثمة طلائعيين الذين عاشوا بعيدا عن القدس ، والدرجة التي تليهم سكان الاستيطان المنظم الذين يقرؤون جريدة " دفار " وهم يلبسون الفانيلا ويجلسون على الشرفات ، مقابلهم خارج الجدار يوجد الإرهابيين وكذلك الأصوليين " الحرديم " والشيوعيين " أعداء الصهيونية " ..الخ . والجدير بالذكر أن الكثير من اليهود في الوقت الحالي يشكون من تفاقم عوامل التفريق بين الطبقات الإسرائيلية ؛ مما حدا الكثير من الجيل الجديد – خاصة - تغيير وجهتهم إلى أرض ميعاد أخرى وهي " أمريكا " وثمة احتجاجات حديثة العهد يطالب فيها الشباب اليهودي بحياة أفضل لمن هم ضمن الطبقات الوسطى في إسرائيل ؛ حيث ثمة خيبات حاقت بأحلام اليهود في حضن الصهينة من العيش المرفّه ، وهذه الخيبات ليست حديثة العهد فوالديّ " عاموس " كانا يحلمان بفردوس ينهلان منه ترف الحياة غير الكهف المظلم الضيق الذي لا يتجاوز مساحته الثلاثين مترا مربعا ويكاد سقفه يلامس رؤوس ساكنيه وسرير نوم هو عبارة عن درج كان يفتح مساء كل يوم ، فتبسط سيطرتها على مساحة الغرفة الضيقة من الحائط إلى الحائط .. ويبدو أن نظرة اليهود لـ " أمريكا " تغيرت في عقول شبابهم اليوم ؛ ففكر اليهودي العتيق كان يرى بأن : " في أمريكا حيث يحفرون ويجدون الذهب ، يسرقون قطار البريد ، يسوقون قطعان البقر على امتداد صحار شاسعة ومن يقتل أكبر عدد من الهنود الحمر يحصل في النهاية على فتاة جميلة " ..





· التهويد هو جزء مهم من السياسة الصهيونية ؛ لذا حرصت على ضخها في أفئدة وعقول أبنائها مذ نعومة وجودهم ؛ وذلك من خلال نشر اللغة العبرية وجعلها مجال الدراسة والنقاش بين الأبناء ؛ فالخشية كل الخشية أن تكون أوروبا هي عامل جذب هذه الأقلية إن أتقنت ألسنتهم لغتها ، ولهذا كان من ضمن أسباب فرض اللغة العبرية هو ضمان البقاء في إسرائيل ؛ مخافة انهيار الحلم الصهيوني التلمودي ، و هو ما خلّف شعب من اليهود مطاردين بلعنات القلق والخوف والفناء ..!









الرواية شرفة تطل على بعض حيثيات المجتمع اليهودي من جهة والصهيوني من جهة أخرى دون أن نسقط عامل " التعاطف " الذي سوف يشعر به الآخر ، أولئك الذين لمن لم تتشكل لديهم خلفية حقيقية عن سيرة الصهاينة في أرض فلسطين واعني هنا شعوب أوروبا وأمريكا وغيرهما ، فالسياسة الصهيونية متمرسة في شحذ العواطف لصالح كل ما يمس قضاياهم كاستحقاقهم سبل العيش الكافة كونهم كانوا وليمة مؤسية لنار النازية ، يستدرئون العطف عبر وسائل عدة على رأسها أفلام هوليوود وهم مالكوها ..! وهذا قطعا لا ينطبق على العرب العارفين بلؤم تاريخهم وخبث ألاعيبهم ..!





ويظل العالم اليوم موقنا بأن ثمة فارق كالضوء في عتمة مبهمة ما بين الفكر اليهودي والفكر الصهيوني على مستوى الاحتلال ونظرتهم للعرب والمسلمين تحديدا والفلسطينيين خاصة وقضيتهم ، وجهود البعض منهم لرأب الصدع لوقف نزيف صراع أبدي ما يزال يحيض دما ..













ليلى البلوشي





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق