الأحد، 28 فبراير 2010

أعراس وقطع رأس


أعراس وقطع رأس

حنيف قريشي/ترجمة: رولا فتال عبيد

جمعت معداتي وهاأناذا بانتظارهم. لن يتأخروا، فهم لا يتأخرون.
أنت لا تعرفني شخصياً. وجودي لم يخطر على بالك .لكني أراهن أنك قد رأيت عملي من قبل أو بعضه على أقل تقدير، لقد تم بثه في أنحاء العالم وعلى معظم القنوات الإخبارية . بإمكانك أن تجده الآن على الإنترنت إذا أردت ذلك وإن كنت تستطيع احتمال النظر إليه.
لا تتوقع أن تلاحظ أسلوبي أو بصمتي الفنية أو شيئاً ما من هذا القبيل فأنا أصور رؤساً مقطوعة وهذا شيء عادي في هذه المدينة التي دمرتها الحرب، مرتع طفولتي.
كشاب عاشق للسينما، لم يكن طموحي في يوم من الأيام تصوير أشياء كهذه.كما لم تكن من أمنياتي أيضاً أن أصور أعراساً رغم ندرتها هذه الأيام حالها حال احتفالات التخرج والحفلات .لطالما تمنيت أنا وأصدقائي أن نصنع أفلاماً حقيقية، بممثلين من لحم ودم وحوار ونكت وموسيقا كما كنا نفعل ونحن طلبة. الآن لم يعد أي شيء من ذلك ممكناً.
كل يوم نكبر فيه نشعر بأننا نستهلك. نحن فنانون قبل كل شيء والحكايات لا تزال هناك بانتظار أن تروى. لكن (صناعة الموت) طغت على كل شيء.
لقد وقع علينا الاختيار لنقوم بتلك الوظيفة، وليس بإمكاننا سوى القبول، لا نستطيع الادعاء بأننا نقوم بزيارة لأقربائنا أو بأننا نعمل في غرفة المونتاج. بإشارة عاجلة يطلبوننا وفي ساعات مختلفة، عادةً ما تكون في الليل، دقائق قليلة وبعدها يكونون في الخارج ومعهم أسلحتهم يضعوننا في سياراتهم ويغطون رؤوسنا.لاوبما أنه لا يوحد سوى واحد منا يعمل في مثل هذا الوقت، فإن السفاحين يساعدوننا في حمل المعدات. وبما أنه يجب علينا أن نضبط الصوت والصورة وأن نشغل الكاميرا ونقوم بتحضير إضاءة المشهد، فقد طلبت منهم أن يحضر معي أحد المساعدين، فما كان منهم إلا قدموا شركائهم السفاحين الغلظاء ولم يكن لديهم أدنى فكرة عن أي شيء ولا يستطيع مسح عدسة دون أن إحداث مشكلة.
أعرف ثلاثة أشخاص آخرين يقومون بنفس المهمة.ونحن نناقش ذلك فيما بيننا ولكن لايمكن أن يخطر على بالنا أن نتحدث بهذا الأمر لأي شخص آخر وإلا فسوف تزهق أرواحنا أمام الكاميرا .
حتى وقت قريب صور أقرب صديق لي رؤساً مقطوعة رغم أنه ليس بمخرج فهو مجرد كاتب، صدقوني. ليس لدي أي تعليق عليه غير أنني لا أثق به وبيده الكاميرا. فهو ليس متمكناً من طريقة عمل تلك المعدات. ككيفية وضعها وتشغيلها ثم بعد ذلك إدخال المواد المصورة إلى الكمبيوتر ومنها إلى الانترنيت. إنها مهارة بكل وضوح.
كان هو من أتى بفكرة ابتكار بطاقات تعارف كتب عليها " أعراس وقطع راس ". عندما توجد الكهرباء، فإننا نلتقي في شقته لمشاهدة أفلام الفيديو. وعندما نفترق يقول لنا مازحاً " لاتدفن رأسك في الرمل يا صديقي. لا تفقد رأسك الآن. ارفع ذقنك!"
من عدة أسابيع مضت بدا عليه الاضطراب الشديد. فعلى الرغم من أن الكاميرات التي تم الاستيلاء عليها من الصحفيين الأجانب كانت من نوعية جيدة إلا أنه وهو يقوم بإضاءة المشهد احترقت إحدى اللمبات في الكشاف الوحيد الذي كان لديه ولم يستطع استبدالها بأخرى، في هذه الأثناء تم إحضار الضحية. صديقي حاول ابلاغ الرجال "العتمة شديدة ولن تظهر الصورة وبالتالي فلن يكون بإمكانكم أن تعيدوا اللقطة مرة أخرى" ولكنه لم يفلح في حثهم على الانتظار، كانوا على عجلة من أمرهم و قد بدؤا يقطعون الرقبة. من شدة ذعره أغمي عليه ولحسن الحظ كانت الكاميرا تعمل فظهرت اللقطة لكن بإضاءة ضعيفة طبعاً، فماذا كانوا يتوقعون ؟! أعجبتني أسميتها لينتشيان.أما هم فقد انهالوا عليه بالضرب عند الرأس المقطوع ولم يطلبوه مرة أخرى بعد ذلك.
كان محظوظاً. ولكن أتراه سيجن، فقد قام في السر بالاحتفاظ بنسخ من صور الرؤس المقطوعة والآن يلعب بهم على الكمبيوتر، يقطعهم ويعيد منتجتهم مرة أخرى، يجعلهم يتراقصون على موسيقى الأوبرا، الجاز أو الأغاني الكوميدية. يبدو انها الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يمارس بها حريته.
قد تندهش لو علمت أننا نتقاضى أجوراً، يعطوننا دوماً شيئاً يسمى "بدل أتعاب" وقد تندهش أيضاً لوعلمت أنهم يلقون بالنكت كأن يقولوا مثلاً "سوف تحصلون على جائزة في المرة القادمة. يا الشباب ألا تحبون الجوائز والتماثيل وأشياء كهذه؟
مهمة كريهة، الطريق الطويل إلى هناك وأنت تحمل الكاميرا والحامل على حجرك، رائحة الحقيبة، الأسلحة، وتتسائل إن كنت أنت الضحية هذه المرة. عادة تقطع الطريق وأنت تشعر بالغثيان ثم تجد نفسك في المبنى ثم في الغرفة، تعد الأجهزة وتسمع أشياء من غرف أخرى تجعلك تتسائل إذا كانت فكرة الوجود على الأرض فكرة جيدة.
أعرف أنك لا تريد تفاصيل كثيرة ولكن القيام بقطع رأس أحد الأشخاص عمل بمنتهى الخطورة إذا لم تكن جزاراً.وهؤلاء الشباب ليسوا مؤهلين لذلك إنهم فقط متحمسون، هذا ما يحبون القيام به. حتى تأخذ لقطة جيدة فمن الأفضل أن تنظر بشكل مباشر في عيني الضحية قبل أن يتم تغطيتهما. في النهاية يحمل الشباب الرأس المقطوع والدماء تنفر منه وهنا ربما تحتاج لأن تستخدم كاميرا محمولة حتى تستطيع التقاط كل شيء. عليك أن تضبط المشهد ضمن الكادر بعناية فائقة فليس من صالحك أن يضيع منك أي تفصيل ( في الواقع يجب أن يكون لديك حامل يتحرك رأسه بحرية وسرعة وهذا شيء أمتلكه ولن أعيره أبداً لأحد).
يحتفلون ويطلقون الرصاص في الهواء أثناء قيامك بإعادة الشريط لإلقاء النظر عليه. بعد ذلك يضعون الجسد في كيس ويلقون به في مكان ما قبل أن يأخذوك بالسيارة إلى مكان آخر حيث ستقوم بإدخال هذه المواد في الكمبيوتر ومن ثم بثها.
كثيراً ما أتسائل عن وقع كل ذلك علي. أفكر بمصوري الحرب الذين يقولون إنهم لينئوا بأنفسهم عن الواقع المؤلم والموت نحن أبرياء. لكن هؤلاء الشباب اختاروا أن يقوموا بهذا العمل لأنهم يؤمنون به.
يوماً ما أحب ان أصنع فيلماً حقيقياً ربما سيبدأ بقطع رأس يحكي الحكاية التي تقود لذلك. إنها الحياة التي تثير اهتمامي. أما الأشياء التي أقوم بها الآن فستستمر لبعض الوقت. بعض الأحيان أتساءل إن كنت سأصاب بالجنون، أم أنني لن أحظى بهذا أيضاً.
من الأفضل لي أن أذهب الآن। هناك أحد ما أمام الباب.


*كتب حنيف قريشي قصة "أعراس وقطع رأس" عام 2006 وحوِّلت إلى فيلم قصير من إنتاج القناة الرابعة في بريطانيا। وفي عام 2007 حصلت على الجائزة الوطنية للقصة القصيرة التي تقيمها البي بي سي।
المترجمة كاتبة ومخرجة مسرحية من سورية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حنيف قريشي :

ينتمي حنيف قريشي إلى عائلة من المهاجرين الباكستانيين. ولد في 1954، في مقاطعة «كنت» جنوبي إنكلترا لأب باكستاني وأم إنكليزية. درس الفلسفة في جامعة لندن. بدأ الكتابة وهو لا يزال في سن المراهقة. كتب سيناريوات أفلام ومسرحيات وقصصاً قصيرة، هذ فضلاً عن الرواية. عرف الشهرة باكراً بعدما رُشِّح فيلم «مغسلتي الجميلة» في العام 1984 لجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو، وكتبه قريشي. كذلك، نال فيلم «الحميمية» المأخوذ عن رواية بالاسم ذاته له، جائزة «الدب الذهبي» في مهرجان برلين. وعلى رغم إصداره روايات منها: «الألبوم الأسود»، «الجسد»، و «هدية غابرييل» وسواها، إلاّ أن الرواية التي نالت الشهرة والرواج، أكثر من غيرها، هي «بوذا الضواحي» 1990، وفيها يتحدث عن أحوال المهاجرين، وعن الهوية، والتعددية الثقافية، وبدت الرواية توثيقاً لتجربة شخصية. ترجمت أعماله، التي تصدر عادة عن دار «فابر آند فابر» إلى اللغة العربية وكان لدار «ورد» السورية الدور الأبرز في هذا المجال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق