الجمعة، 25 سبتمبر 2009

حكايتها مع نيتشه كحكاية المجنون مع نظيره




حكايتها مع نيتشه كحكاية المجنون مع نظيره


القاصة ليلى البلوشي لـ(أشرعة):


لم يكن هدفي أن أرقص مع الجرأة للشهرة السريعة
ليس ذنبي إن كانت شخصيات قصصي شريرة أو قاسية أو حتى سفاحة
المكان هو الوفاء والزمن هو من يختبر فينا ذاك الوفاء


حوار: حسن المطروشي


تكتب بشغف وجرأة وشفافية متناهية .. ترصد حراك الحياة وتجليات الوجوه .. ترسم ملامح الأشياء بريشة الفنان المبدع .. تقتنص اللحظات الأكثر إيغالا ودهشة، وتقتحم العوالم الأكثر نأيا وسكونا، لتبتكر منها عالمها الإبداعي الخاص، الذي تنقش من خلالها قصصها التي تشبهها إلى حد التماهي.إنها القاصة ليلى البلوشي .. قاصة عمانية تعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكنها تصر على الحضور في المشهد الشقافي العاماني من خلال المشاركة في الملتقيات والفعاليات الثقافية المحلية.صدرت لها هذا العام مجموعة قصصية تحمل عنوان (صمت كالعبث) كما سبق وأن صدرت لها دراسة عن أدب الطفل في الإمارات العربية المتحدة.(أشرعة) التقت القاصة ليلى البلوشي التي تحدثت عن هموم الكتابة وأسئلة الإبداع وإشكاليات القول السردي، إلى جانب الكثير من القضايا والهموم الثقافية والفكرية التي دار حولها الحوار...ما لا يراه القارئ


* صدرت لك مؤخرا مجموعتك القصصية الأولى (صمت كالعبث) .. وددنا أن تحدثينا عن هذه التجربة، والمضامين التي طرحتها المجموعة؟


** كيف كانت تجربتي ..؟ لا أدري .. على حين فجأة وجدت قلمي يحتضن ورقة بيضاء قائلا لها: هيا لنعبث معا بصمت .. فكان صمت كالعبث .. الصمت والعبث .. العبث والصمت .. توأمان أنجبتهما المجموعة .. وللصمت لغة ومفردات ونزيف خاص .. أما العبث فهو الأرجوحة التي قد نحركها نحن بأيدينا أو تحركها الرياح عوضا عنا حينا أماما وحينا خلفا .. انطلقت من العنوان؛ لأنني بكل بساطة لا أجيد السباحة في بحر المضامين، فقد أرى بعيني ما لا يراه القارئ، وقد ألمس بيدي تفاصيل لا يجسها القارئ، وقد أشم بأنفي روائح لا يشمها القارئ .. لذا أحب دائما أن أترك لقارئي مطلق الحرية في تناول مضاميني .. أما لفظة ( القصصية ) فاسمح لي أن أضعها بين علامتي تنصيص؛ فقد يرنو البعض أنها قصص ربما مكتملة و ربما ناقصة، وقد يجنح آخرين إلى أنها قصص أقرب إلى المقال أو ربما خواطر سردية .. ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع حقا ..


* المتأمل لقصصك لن يخطئ في ملاحظة أولية تتمثل في الجرأة التي تتميز بها في الطرح، والقضايا التي تتناولينها .. هل هي ضرورة إبداعية، أم مسايرة لموجة الكاتبات الخليجيات اللاتي انتهجن حديثا هذا الأسلوب لأغراض الشهرة السريعة؟


** أنتمي لخارطة الخليج العربي أجل، لكن ليس من الضروري أن تتجنس قصصي جغرافيتي، وقد رأى البعض أنها مفعمة بجو عربي أكثر مما هي خليجي، والقاص حين يكتب نصه سواء كان يطرح مشكلا خليجيا أو هما عربيا يضع (إنسانا) ما أمامه يعري أفراحه، أتراحه، ذكائه، غباءه، عقله، جنونه .. في خيط سردي تُفصِّله الشخصية وهلم جرا .. أما عن الجرأة .. فلم يكن هدفي مطلقا حين رافقت القصة القصيرة كفن أدبي أن أرقص مع الجرأة مطية لشهرة سريعة أشبه ما تكون بالوجبات السريعة الملطخة بما هب ودب فتملأنا تخمة حد التقيؤ أحيانا .. وقد وجه أحد المفكرين سؤالا إلى المحطات الفضائية قال فيه: (كيف تسمحون لراقصة أو فنانة بعرض مفاتنها على شاشاتكم ولا تسمحون لأديب أو مفكر أن يعرض أفكاره ..؟!) فكان الجواب: (أن يعرى الجسد لا يعترض عليه كثيرون، أما الحقيقة العارية فلا أحد يقبلها) ..! ولا يستطيع الكاتب أن يسير دائما على حبل الجرأة إلا ما يستحق المجازفة؛ وإلا كان عرضة للسقوط، ولتحطمت عظامه قطعة قطعة؛ إن لم يوازن خطواته ..


* تتقاطع أفكار المبدع مع قناعات المجتمع السائدة والمتوارثة .. كيف تواجهين ردود الأفعال تجاه هذه الجرأة التي تعرين من خلالها هذه القيم المهترئة؟


** أرى أن هذا السؤال مكملا لأعلاه، وجوابي كذلك سيكون بمثابة تأكيد له .. سأورد موقفا مررت به مذ فترة قريبة من أحد القراء وكان فلسطيني الجنسية، حين قابلني هذا القارئ وجه لي عبارة واضحة جدا وقوية قائلا: (أنت عنصرية) ..! متبعا اتهامه أن إحدى قصص المجموعة المعنونة بـ ( جواري تحت الجلد ) قاسية جدا، وأن أهل فلسطين يحبون ويقدرون زوجاتهم كثيرا.حاولت أنا المسكينة التي طالني هذا الاتهام أن أفهمه أنني مجرد حكاءة فقط، وليس ذنبي إن كانت شخصيات قصصي شريرة أو قاسية أو حتى سفاحة .. وأنني امرأة تحترم الرجل كثيرا وتقدر جهوده التي يبذلها للمرأة على جميع المستويات وليست بيني وبينهم أي كيد أو عداوة من أي نوع كان .. ولكن ما إثم الكاتب إن كان الواقع الذي يتنفس فيه خانق هواؤه.. ؟!


الأنوثة والمكان


* ثمة عالم أنثوي تنحاز له أعمالك القصصية قي مفرداتها وأجوائها .. ألا يعد ذلك تكريسا لجدلية الأدب الأنثوي والأدب الذكوري لديك؟


** الأدب الأنثوي + الأدب الذكوري =.....؟! المرأة في مجتمعاتنا تتعرف على الذكر أولا من خلال أبيها حين تكون ابنة، ثم من خلال أخيها حين تكون أختا، ثم من خلال زوجها حين تكون زوجة وأخيرا من خلال ابنها حين تكون أما .. والرجل في مجتمعاتنا يتعرف على الأنثى أولا من خلال أمه حين يكون ابنا، ومن خلال أخته حين يكون أخا، ثم من خلال زوجته حين يكون زوجا وأخيرا من خلال ابنته حين يكون أبا .. الناتج = ( تكامل ) .. كلاهما يكمل الآخر .. فلماذا هذا الجدل العقيم واللهث خلف مصطلحات غرضها خلق جو من الفوقية والعداوة والأفضلية ؟! أما على مستوى الأدب .. بالنسبة لي كلاهما يستطيع بمرونة أن يحل محل الآخر .. المرأة رجل والرجل امرأة .. ونجس هذا التلاعب المبدع في كثير من الروايات العالمية على سبيل المثال وليس الحصر رواية ( آنا كارنينا ) لتولستوي، ورواية ( مدام بوفاري ) لفلوبير .. وعلى مستوى العربي كروايات أحلام مستنغانمي التي أتقنت فيها لعب الدورين معا .. فهل حين كتب هؤلاء أعمالهم جادلوا أنفسهم قائلين يا إلهي، ما هذا الخطب الجسيم الذي ارتكبته، كيف أكتب عن المرأة وهو يخص الأدب النسوي .. أو كيف أزعم أنني رجل ومن العار أن أكون رجلا حتى على الورق ..؟!الشخصية هي التي تستحيل إلى امرأة أو رجل وفق مقتضى العرض القصصي، تاركين له حرية التجنيس من منطلق عفوي جدا .. ومن ناحية أخرى .. لم دائما يحكم على توجه الكاتب أدبيا من أول إطلالة له سواء كان مجموعة قصصية أو شعرية أو رواية ..؟!ولو أنني في مناسبة ما ارتديت ثوبا أزرق، هل هذا يعني أنني سأظل سجينة هذا اللون إلى الأبد أم أن نفسيتي في تلك الفترة كانت ميالة إليه ليس إلا ..؟ وهل القاضي حين يحكم على المجني عليه يعلن حكمه عليه من أول جلسة له أم تعقبه جلسات أخرى قد تبرؤه وقد تدينه .. ؟! قصارى القول أن كل كاتب له خيال ما يغريه حين الكتابة قد يظل محلقا فيه أعواما وقد يحيد عنه أعواما أخرى .. والكتابة معزوفتها ( المزاجية ) فما يمليه عليه مزاجي أعزفه، ولأننا لا نعلم ما تخبئه لها التغييرات الطقسية فلا نعلم كذلك ماذا ستلد أمزجتنا من طقوس .. ؟!


* تتجلى لديك حميمة بالغة واحتفاء عميق بالمكان الذي تتفننين في سرد تفاصيله بعشق شديد .. هل أنت ممن تسمنهم الأمكنة؟


** أنا من الذين يربطهم بالأمكنة توق أستعذبه ويستعذبني .. يمتد بيننا هذا التوق جسرا مضيئا نرصف عليه فرحا لنشوة اللقاء وحزنا لقطيعة الفراق .. وحين نرضخ مرغمين للنأي ننفصل كانفصال القدم عن التشبث بأرض ثابتة تحته بينما روحه تبقى طيفا تعود إليه تشبثا وكأنها لم ترحل عنها حقا .. عندما كنت طفلة كان أهلي يتبادلون الزيارة مع أقاربنا وأصدقائنا في أماكن مختلفة .. كنا نشق الدرب إليهم صباحا متدافقين إليهم بلهفة، وحين كان الأفق يتصهب احمرارا لأن الشمس راحلة إلى بيتها لتنام كنا نغادرهم .. فكنت أتضمخ بالحزن العميق .. ومن يومها أعلنت بغضي للغروب؛ لأن هذا الزمن المبهم يسلبنا أصدقاءنا وأوقات مرحنا معهم .. وقد يحتوينا مكان ما مع الذين نحبهم، فنعانق معهم تلك اللحظة بكل أحاسيسها الجغرافية، وفجأة يختفي ذاك المكان؛ لأن عقارب الساعة لدغتنا فسممتنا بالمغادرة .. لكن حين يحدث ذلك نتعلق بهامش استفهام: هل الزمن الذي فصلنا عن ذاك المنبع الجغرافي سنظل وفيين له أم تخوننا ساعاته التي كانت مصبه..؟!إذن المكان هو الوفاء والزمن المتراخي هو من يختبر فينا ذاك الوفاء ..


* إلى جوار النص القصصي القصير تكتبين النصوص القصيرة جدا التي تشبه إلى حد بعيد قصائد الومضة الحديثة .. هل نستطيع القول أنك بذلك ترضين غرورك الشعري الذي تمارسينه بصمت عابث؟


** بدأت بالشعر أو ما يسمى بالخاطرة الشعرية ومازلت وفية له وأمارسه بصخب عابث .. في الشعر أنت تطلق صرختك في بيت واحد .. وفي القصة القصيرة أنت تحتاج إلى عدة سطور كي تغري المتلقي باستمرارية القراءة والمتعة وخلق الجو .. القصة القصيرة جدا هنا وقفت مع الشعر وقفة تكامل فأطلقت صرختها في سطر واحد .. وهو فن بدأ يولد ولادة جميلة، حتى أن الكتاب أخذوا يخصصون إصدارات خاصة لهذا الفن، وكذلك ثمة مسابقات تعنى بها كفن أدبي مستقل، فكما ولد الشعر العمودي التفعيلة وقصيدة النثر، أعتقد أن القصة بدأت تحنو نحوها .. وكونها في فترة نهوض وولادة أعتقد أنها فرصة أن يبذل فيها القاص طاقاته للابتكار والتجديد .. والمدهش حقا .. هو أنني بدأت بالشعر قبل القصة بكثير، لكن القصة أعلنت عن نفسها أولا ..!


شجرة وارفة على البياض


* يأخذ البعض على كتباتك القصصية أنها تجنح كثيرا إلى فضاءات القول الشعري .. أهو الشعر يتسلل خفية إلى قصصك فتتركين له العنان، أم أن لحظة الكتابة انخطاف لا يعبأ كثيرا بمقاييس النقد ومعاييره الصارمة؟


** أكتب لأنني أمر بنشوة متعة حين الكتابة .. أمتلئ داخليا بأحاسيس مدهشة أكون فيها نحلة وامضة تتضوع نشاطا من رحيق لآخر ومن زهرة لأخرى .. حينا ونملة تشق دربها بهمة حينا آخر .. يستحيل واقعي إلى خيال حابل بالمطر يضخ ألوانا من قوس فزح .. أحبو على بساطه السحري طفلة صغيرة وحينما تقع تلك الطفلة ترى نفسها في حضن غيمة حنون متشبثة بها .. أعشق الشعر وأحب أن أغرسه شجرة وارفة على البياض .. وحينما أفيق من سكري .. أرى النبيذ وأرى الشعر .. فأعرف أيهما كان سببا في تخطبي اللاواعي ..! أما عن معايير النقد .. فأن أتفق مع صديقي القاص الجزائري ( صباح السعدي ) الذي يرى أن الكاتب الذي يضع الناقد أمامه لحظة الكتابة فهو قاص فاشل .. الناقد حقوقه محفوظة حينما ينتهي الكاتب من عمله كاتبا وناقدا لنفسه أولا، يأتي بعد ذلك المبدع الآخر للنص الذي هو الناقد .. وهو(فنان آخر يحس ما أحسه الفنان الأول ولا يختلف عنه إلا في أنه يعيش بصورة واعية ما عايشه الفنان الأول بصورة غير واعية) هكذا كان يردد الشاعر الجميل المرحوم نزار قباني .. فليفعل به ما يريد وليعلقه على أي مشجب كان أو يرمي به في أقرب قمامة إن أراد؛ لأن الكاتب ينقطع صلته بعمله ساعة نشره، وحق لكل قارئ وناقد أن يقلبه على أي وجه شاء .. والكاتب هنا ليس سوى متلق آراء ووجهات نظر إن استوعبها جيدا ارتقى كنجمة وإن نفر منها كان كالنعامة التي تخفي رأسها ولا يجديها إخفاؤها شيئا .. أما أنا سأهمس في أذن ناقدي وقارئي معا: أحرقني كي أضيء ..


* تمجدين الفلسفة ونيتشه .. ما أثر قراءات الفلسفية على نتاجك ورؤاك الإبداعية، وهل ترين أن النص الإبداعي يتسع لكثير من الفلسفة؟


** أمجد الفلسفة والهندسة النفسية عموما كفنون أصيلة لفهم العالم اللاواعي من حولي .. فالإنسان الذي أمامك لا يمكن الجزم بحالته من لحائه الخارجي فقط، فقد نقابل وجها يومض بالفرح لكن إن تسللنا في داخله رأينا جبالا من الحزن وأنهارا من الكآبة .. والوجه المتجهم قد يخبئ في داخله طفلا تسعده ابتسامة .. أما حكايتي مع نيتشه فهي كحكاية المجنون مع مجنون مثله .. والمثل يقول خذوا الحكمة من أفواه المجانين، حتى الحكايات القديمة التي كانت أمهاتنا تسمعها من أفواه جداتنا كانت تخص أقوال المجنون الذي يدور في الأحياء المعتمة في ضوء القمر صائحا ومحذرا كنبوءة تعصف بهم في أي لحظة .. ونيتشه كأي فنان في هذا الكون له جوانبه المشرقة والمظلمة على حد سواء .. وهو القائل يوما عن المرأة :( لم تبلغ المرأة بعد ما يؤهلها للوفاء كصديقة، فما هي إلا هرة، وقد تكون عصفورا وإذا هي ارتقت أصبحت بقرة) .. أحترم وجهة نظره، وهو لا يلغي فلسفاته الأخرى التي تسمو بالأصالة، وتأثيري لعالمه قد يظهر في أعمال أخرى .. أما عن أثر القراءات الفلسفية على نتاجي .. فلا أعلم .. فحين أكتب أعبر بطلاقة دون أن أضع أمامي قيما وتوجهات فلسفية معينة أسير عليها في أي نص .. والنص بحد ذاته قد يتسع للفضاء الفلسفي وقد لا يتسع .. وهذا يخضع لطبيعة النص وماذا يريد الكاتب منه ..؟


آفاق الطفولة


* على مسار آخر لديك اهتمام بأدب الطفل، وقد صدرت لك دراسة عن أدب الطفل في الإمارات العربية المتحدة .. ما تفاصيل هذا الإصدار وما الجديد فيه؟


** الحديث عن أدب الطفل عموما وعن دراستي خصوصا يجعلني أشير بإصبعي بزخم تقدير إلى رجل نبيل يدعى الدكتور ( إبراهيم الغنيم ) وهو غني عن التعريف له تطلعات أدبية وفكرية ونفسية عالية جدا .. فهو من شدني من يدي ووضع أمامي هذا الأدب الذي لم يكن لي به صلة سوى بحث تخرج كان مفروضا علينا أكاديميا .. ومعا انطلقنا .. هو بوضع الخطة وأنا التنفيذ .. حاولنا أن نلم بجوانب الأدب المكتوب للطفل في الإمارات بنوعيه الشعري والنثري ودور الهيئات المساهمة بفعالية في نهضة الطفولة مع عرض ونقد بعض ما طرحناه في الجانب النظري .. مع تقديم بعض توجيهات أشبه ما تكون بنصائح أخوية لرقي وسمو الأعمال المكتوبة للطفل .. الجديد فيه استطيع أن أقول بأنه الكتاب الأول الذي ضم بين دفتيه كتابا إماراتيين وفنونهم التي كانت متشعبة في أكثر من جهة وتم رصفها في جهة واحدة .. والمثري حقا أن الطفل في الإمارات نتيجة لتشجيع بعض الجهات المعنية بالطفولة بدأ يكتب لنفسه ولأقرانه .. وهذا منطلق حقيقي وهو ما يدعى بأدب الطفل للطفل .. وحاليا أنا معنية بهذا الأدب بالدراسة والتوجيه ..


* كباحثة في هذا المجال .. كيف ترصدين وتقيمين الكتابة في أدب الطفل على المستوى العربي؟


** هناك كتاب يعملون بوفاء وبحب وأصالة من أجل الطفل ومن أجل أن تسمو الطفولة آفاق أعلى مما هي عليها .. لكنها جهود فردية، حتى المؤسسات ينقصها في كثير من الأحيان الدعم والتشجيع، والكاتب للطفل حينما يريد أن يلقي بكتابه في مطبعة النشر تقع على عاتقه مادية يجب أن يخطط ويستعد لها مسبقا؛ لأن الكتاب الذي نقدمه للطفل يخضع لمعايير وشروط طباعية معينة من سماكة الغلاف وجودة الورق ووضوح الخط، مع ملء الصفحات بالرسوم والألوان البراقة تتلاءم والمشاهد التي تطرحها سواء شعريا كان أم نثريا مع مراعاة المرحلة العمرية كذلك .. و الكاتب هنا أيضا بدوره يحتاج إلى دعم وتشجيع كبيرين .. ولكن بشكل عام الاهتمام بالطفل على مستوى الكتاب والباحثين والمؤسسات بدأ يتكاثف بشكل جيد حاليا وهذا مبشر..


* لفت نظري تناولك لأدب الطفل في الإرث الخليجي المحكي والقصص الشعبية القديمة .. ما الذي يمكن أن يرصده الباحث في الخرافة والقصة الشعبية الخليجية الموجهة للأطفال، وهل يمكن أن تكون نموذجا تربويا للأجيال الجديدة؟


** الإرث الشعبي وقصصه المحكية جانب مهم كان يجب أن ننبش فيه؛ لأنه الأصل ويرصد منه الباحث الكثير.. فقد نهل منه آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا من قبلهم .. كبروا على أهازيجها .. تقدم صورة عريقة عن ماض بكل تجلياته وعرضها فرصة للطفل المحاصر حاليا بالعولمة أن يلم بها .. والطامة أن العالم الحالي لم يترك للطفل فرصة الاختيار، أخذ يهجم عليه دفعة واحدة؛ لأنه وجد فيه سلعة مربحة تدر عليه بالملايين سواء على المستوى الإصدارات الموجهة له التي لا تعنى بتثقيف الطفل بقدر اللهث المادي من جيوب والديه، و ما يعرض على شاشات التلفاز من قنوات خاصة للطفولة قضت على شخصية الطفل في الترغيب وقلّصت خياله في التمني، فهي تلبي غالبا كل ما يتمناه الطفل وهذا ليس صحيا على تربيته حين يشتد عوده، ومن ناحية أخرى سلبت الإدهاش كصفة مهمة جدا له، فلما كنا صغارا كانت رغباتنا تخضع لما تقدمه الشاشة الصغيرة بمحطاته القليلة من أفلام كرتون تخضع لمدة زمنية محددة ولا يتجاوزها مطلقا وكم كان يدهشنا إذا تحطمت قاعدته الثابتة من أجل عيوننا الصغيرة ..؟! فالعودة إلى بعثها يكون بمثابة تعريف للطفل وقد تشبع فيه الكثير من الحاجات كحاجة إلى الأمن، الحب، الانتماء، الاندهاش، معرفة الأشياء، توسيع نظرته للحياة .. مدى الرغد الذي يحياه .. الخ. وهذا لا يقع على عاتق الباحث فقط، بل الأسرة والهيئة المدرسية والمؤسسات والقنوات الفضائية في كل الأصقاع والأدب المكتوب بأجناسه .



* نشر الحوار في جريدة الوطن العمانية في ملحق ( أشرعة ) بتاريخ 23 / 9 / 2008م

هناك تعليقان (2):

  1. تسجيل مرور..


    إعجابي يا ليلى

    ردحذف
  2. عزيزتي " علا " ؛

    أقدر جدا متابعتك ..

    تقبلي عميق شكري ..

    ليلى

    ردحذف