الجمعة، 27 فبراير 2015

قناع الموت الأحمر

قناع الموت الأحمر

 " إدغار آلان بو " الكاتب الشهير في حبك قصص الجرائم والرعب يقدم في كتابه المعنون بــــ " قناع الموت الأحمر " الذي يحوي في طياته قصصا متنوعة من أروع ما قدمه في عالم الفن القصصي الغرائبي ، والمجموعة ثمة قصة رشحها " آلان بو " كي تمثل المجموعة الكاملة فتحمل عنوانها وهي " قناع الموت الأحمر " وتتماهى الرمزية الهائلة في هذه القصة التي يحكي فيها " آلان بو " عن وباء عمّ البلاد بأسرها ، كان مروعا لا مثيل له في التاريخ بأسره ، وكان يُعرف أيضا باسم " الطاعون " كما وصفها بهول في عبارة : " فالدم القاني لحمته والاحمرار المخوف سداه " ومن مظاهر هذا الوباء الآلام المبرحة ، والدوار الفجائي ، وتدفق الدم على الجلد ، مع انحطاط مستمر إلى درجة الانهيار ، ولا يتطلب للقضاء على المرء أكثر من نصف ساعة فقط ..!
وكان للبلاد أمير يدعى " بروسبرو " كان سعيدا وثريا ، فحين رأى أن نصف سكان إمارته قد أصبحوا في عالم الفناء ، استدعى ألفا من أصدقائه المعافين والخالين من الهموم وكلهم من فرسان البلاط وسيداته ، ولجأ معهم إلى دير شبيه بالحصن ، ضاربا عليه وعليهم حصارا منيعا ، وكان هذا الدير عظيما في تخطيطاته ومتينا في بنيانه ؛ لأنه من تصميم الأمير الشاذ ومن ابتكار مخيلته ، فقد كانت جدرانه عالية وسميكة ، ولهذه الجدران أبواب حديدية منيعة ، فلما دخلت الحاشية الدير المنيع حملت معها الأفران لصهر الحديد والمطارق الضخمة وصنعت المتاريس القوية وأقامتها خلف الأبواب والنوافذ لتحول دون الخروج من الدير في حالات اليأس أو الجنون العارض ، ولتكون حاجزا في وجه من تسول له نفسه اللجوء إليه ، وقد زود الدير بالمؤونة الوفيرة واتخذ من التدابير ما يجعل الحاشية تستخف بالمصابين وتسخر منهم فهم كانوا بأمان تام في الدير المنيع ، أما العالم الخارجي الذي كان تحت وطأة الطاعون فعليه أن يتدبر أموره بنفسه ..!
وقد عمد الأمير كي يبدد الهموم عن نفوس حاشيته ، ويجلب لهم المتعة ، إلى تزويد الدير بجميع وسائل الترفيه ، فحشد المهرجين ، المغنين ، الراقصين ، الموسيقيين ، ربات الحسن والجمال ، وبراميل الخمر المعتقة ، وبعد مرور خمسة أشهر على هذه العزلة المنيعة عزم الأمير على إقامة حفلة مقنعة ، بينما كان الطاعون يفتك بالناس المقيمين خارج الدير فتكا ذريعا ..!
وقد أقيمت الحفلة المقنعة في غرف ملكية السبعة مبنية على طراز غير مستقيم تكشف الواحدة على الأخرى في آن واحد وكان في الدير عطفات حادة الزوايا ، تقوم كل منها على بعد عشرين أو ثلاثين ياردة وكل عطفة تكشف عن منظر جديد ، كما كانت تزينها نوافذ ضيقة للتهوية وكل منها تتلون بلون الغرفة وتبعا لخرفها ، فقد كان الأمير مولعا بالفخامة والتغيير ؛ لذا كانت الغرفة الأولى باللون الأزرق ، والثانية باللون الوردي ، والثالثة باللون الأخضر ، والرابعة باللون البرتقالي ، والخامسة كانت بيضاء ، والسادسة بنفسجية أما السابعة فكانت متشحة بالسواد بستائرها المخملية ، غير أن لون زجاج نوافذها كان باللون الأحمر القاني وكانت هذه الغرفة بظلها الحمراء تشعر من يدخلها بالروع والوحشة ، لذا لم يكن يتجرأ على دخولها إلا بضعة نفر ، وكان في هذه الغرفة السوداء ساعة ضخمة ملبسة بخشب الأبنوس يروح رقاصها و يجيء ثقيلا ومتكاسلا ورتيبا وعاليا حتى أنها كانت توقف الموسيقيين عن العزف وتصيب بالدوار بعض الحاشية ، وعلى الرغم من كل ذلك فقد استمر المرح ومظاهر الاحتفال في الدير المنعزل ، ومن تماهي الأمير مع حفلته جعلته يختار ألبسة وأقنعة حاشيته وكانت تسطع وتبرق وفيها من الألوان والزخارف الكثير ، وكانت الغرف غاصة بالحاشية مع مظاهر الترف والصخب إلى أن أعلنت الساعة بصوتها المهول حلول منتصف الليل فتوقفت حينها الموسيقا عن العزف ، وسكنت حركات الراقصين عن الرقص ، وعمّ مكان سكون عميق ، ولما أتمت الساعة دقاتها تنبه القوم إلى وجود شخص مقنع بينهم ، فاستأسرتهم هيئته ، وراحوا يتهامسون بشأنه ويتمتمون ، ثم صاروا يعربون عن قباحة مظهره حتى غمرهم الهلع والفزع ، فالقناع الذي كان يخبئ وجهه كان يشبه ملامح الموت وثوبه كان ملطخا بالدماء ، سرعان ما صار القوم يلهجون بعبارة : " الموت الأحمر " ..
الموت الأحمر الذي فروا منه جاء كلص إلى حيث هم في عتمة الليل ، هذا الموت الذي فتك أول ما فتك بالأمير " بروسبرو " ، سرعان ما صار يصرع بأفراد الحاشية اللاهية واحدا بعد آخر وتوقفت الساعة الأبنوسية عن الحركة عند مصرع آخر فرد منهم حتى عم ظلام حالك وفناء دائم على الدير وكأنه لم يكن قط ..!
ليلى البلوشي

الخميس، 12 فبراير 2015

الحياة بين ضفتين ..!

الحياة بين ضفتين ..!

جريدة الرؤية ..

قرأت من وقت قريب عن رجل وامرأة ، الرجل هو " براين بورني " البالغ من العمر 70 عاما وهو مليونير بريطاني انفق جميع مدخراته لعلاج زوجته " شيرلي " بعد أن شخصت بمرض سرطان الثدي ، وبعد أن شفيت الزوجة تماما من هذا المرض الخطير قام الزوج من شدة فرحته بإنفاق 16 مليون جنيه استرليني لجمعيات سرطان الثدي لكي لا يعاني أحد مثلما عانت زوجته ، فقامت الزوجة حينها بطلب الطلاق منه في عام 2012م بعد زواج دام 30 عاما ؛ بسبب أن الزوج لم يعد يملك المال الكافي لكي تعيش حياة جيدة هي و أطفالها ، أيضا لأن الزوج أصبح يقضي معظم وقته بالاهتمام بالجمعيات الخيرية ..!
" بورني " زوجة المرأة " براين " المليونير السابق يعيش الآن وحيدا مع نفسه في شقة مستأجرة تقع فوق مؤسسة خيرية ، وفي مقابلة معه عبر فيها بأنه لم يكن يريد أبدا انهاء هذا الزواج ..
لا شك أن هذه القصة الواقعية غريبة ومدهشة في آن ، يجمع فيها تناقضات شتى من تضحية ووفاء ، من نكران المعروف ومن السذاجة أيضا ، لعل حتى مشاعرنا كقراء تتفاوت حين نقرأ هذه الحكاية أو حين تحدث أمامنا ، لكن أنا أكيدة أن معظمنا سيتعاطف مع الزوج مهما بلغت درجة سذاجته في التخلي عن كامل ثروته الضخمة في لحظة فرح كانت استثنائية بالنسبة له وهو موقف ينم في الوقت نفسه عن الحب العميق للمرأة التي تزوجها ، وأتوقع أن معظمنا متفق كم أن الزوجة ناكرة للمعروف تجاه زوج ساندها بقوة وعزم حقيقي ، وقلما نرى ذلك في واقع الحياة من الرجال تحديدا ، ولكن في الوقت نفسه ربما أيضا لا نستطيع أن نلومها ؛ فهي امرأة اعتادت على نمط معين من الحياة ، وهي أم أيضا ترغب بحياة مريحة لأطفالها ، لكن معظمنا سينبذ قرارها بالطلاق من زوج أنفق كامل مدخراته من أجل شفائها ، لذا سنظل مندهشين من قرارها المصيري و ربما البعض منها سيميل إلى احتقارها وهو يتساءل بينه وبين نفسه : كيف يمكنها أن تفعل هذا بإنسان كان معها في أحلك لحظات حياتها ..؟!
وانطلاقا من هذا ذهب تفكيري بعيدا ، وصرت أفكر فيما يقترفه داعش من وحشية في حق كثير من البشر ، هؤلاء هم ثلة من الشباب ومعظمهم من الدول العربية ، ما الذي جعلهم ينظمون لداعش ..؟ ما الذي يشعرون به وهم يقطعون رؤوس أشخاص ويعلقونها على أجسادهم ..؟
نحن كمتفرجين على فعالهم العنيفة نظل نتفرج ونتساءل كيف يمكن أن يرتكبوا هذه الوحشية ضد إنسان اختلف معهم في فكرة أو مذهب أو ديانة ..؟ كيف يمكن أن تكون أيديهم مضرجة بدماء ضحايا أبرياء ثم ينامون ليلهم وكأن شيئا لم يحدث بعد حفلة الدم ..؟ كيف يمكن أن يظل بعضهم تحت رايتهم على الرغم من كل ما شاهدوه من عنف وحشي يمارس أمام أعينهم ..؟ كيف لم يقتنعوا أن ما يفعلونه هو شر وأنه لا يمت صلة بالإسلام الذي يدّعونه ..؟!
نحن نفكر ونتساءل ، هذه هي أسئلتنا ، وهي تنم عن نكران لكل ما نراه ونتفرج عليه ونقرأ عنه ، حمامات من الدم ، ومن سبي النساء وكأننا أمام مشاهد تعود لعصور جاهلية ، تلك العصور التي خلت من الاسلام وسماحته ..!
ولكن يبدو أن هؤلاء الدواعش الذين ننكر بكل ما نملك من طاقة إنسانية وضمير حي فعالهم المقيتة ، لابد وأن لهم وجهات نظرهم ، لهم أسبابهم التي يرون أنها مقنعة ؛ كي يستمروا في الطريق نفسه ، وكافية لهم تماما على ما يبدو ليعتقدوا أن بقية الطرق هي دروب تؤدي إلى جهنم ، وتغذيهم بما يكفي من إيمان ليصلوا إلى مرتبة من الإيقان بأنهم حراس الجنة ؛ و جاؤوا كي ينقذوا البشرية الضالة من ألسنة النار ، وكل ذلك قادهم إلى درجة من الاعتقاد بأن الله عزوجل وضع مفاتيح الجنة في أيدي قادتهم ؛ ليخلصوا العالم من ضلالتها ، لذا وجب عليهم الخنوع والطاعة الأبدية لهم بكل ما تمليه عليهم عبودية الجاهلية الأولى ..؟!
هكذا حين تكون الحياة بين ضفتين ، وكل ضفة تدّعي بأنها درب الخلاص ..!

الاثنين، 2 فبراير 2015

لصوص النوم ..!

لصوص النوم ..!

جريدة الرؤية

  جيء ليلة لملك الفرس " كسرى أنو شروان " بإنسان متشرد فسأله : ماذا تفعل في هذا الليل ..؟ فأجاب : أهيم على وجهي ..! فضحك كسرى وقال : الذي يسير وحيدا في الليل يكون عاشقا أو لصا ، فأيهما أنت ..؟ فأجاب المتشرد : لا هذا ولا ذاك ..!
قال له كسرى : قل عاشقا تنج من العقاب..!
فرد عليه : سمعا وطاعة ، أنا عاشق ..!
فقدم له كسرى مبلغا من المال قائلا له : اذهب إلى عشيقتك ومعك هذا المال ، فإذا لم تكن لك عشيقة اتخذها ، المرء لا يعيش دون عشيقة وإلا صار لصا.. !
في كتاب " هكذا تكلم زرادشت " ترجمة " علي مصباح " حكاية للفيلسوف " نيتشه " يفصل فيها حديثا عن النوم تحت مسمى " حول منابر الفضيلة " فيقول فيه :
" تجنبوا اللقاء مع الذين ينامون نوما سيئا ويسهرون الليل " ..
أما عن اللصوص الليل فيقول : " يخجل اللص في حضرة النوم ، فيتسلل بطيئا في الليل ، ولكن لا خجل عند حارس الليل ؛ فهو ينفخ بوقه بلا خجل " ..
في شذرات من يوميات " بودلير " يقول عن النوم :  فيما يختص بالنوم ، تلك المغامرة الكئيبة لكل ليلة ، كان يمكن القول إن الناس ينامون يوميا بجرأة غير معقولة ، لولا أننا نعرف أنها جرأة الجاهل بالخطر " ..
وعن "  نوم أبيض " يقول عنه الشاعر " عباس بيضون " :  لا أنام في سرير، لا أذهب إلى فراشي في الساعة نفسها تقريباً كما يفعل الجميع ، لا أذهب إلى فراشي بتاتاً ولا أفكر في أن أذهب ، لعلمي أنني إذا فعلت ذلك لا أنام ، إذا دعوت النوم وتحضرّت لن يحضر ، إذا دخلت تحت اللحاف وسوّيته فوقي ، بعد أن أكون خلعت ثيابي و وضبتها ولبست البيجاما ، إذا وضعت رأسي على الوسادة وأطفأت النور بعد أن أكون تأكدت من إغلاق النوافذ ، لن أنام ، لقد طردت النوم بكل هذه الحركات ، جعلته أبعد فأبعد حركة بعد حركة ، لو فعلت ذلك سيطير النعاس من عينيّ تماماً ، لن يأتي النوم بقدمه إلى هذا الفخ ، هذا الترتيب سيجعله يهرب ، ما أفعله حين أعود في ساعة غير محددة من الليل هو التمدد أمام التلفزيون بثيابي ، وفي الحر بثيابي الداخلية ، التمدد لا يخيف النوم فإن أتمدد غالباً وليس للرقاد وحده ، أضع رأسي على وسادة فوق ذراع الكنبة وأتطلع إلى التلفزيون وانظر في كتاب ، اللمبة مضاءة والبيت مشعشع والتلفزيون والع وأنا فقط أتفرج ، ليس لدى النوم ما يخشاه إذاً ، بوسعه أن يخرج ويتسلل ، أنا لا انتظره لكني وسط الفيلم أدير رأسي على الوسادة ولا أعرف كيف أكون نمت ، أنا كمن لم ينم ، حتى وأنا غاف لست نائماً حقيقياً ، لا زلت في ثيابي ولست في فراشي ، لا بد أن التعب خطفني ، التعب فقط وإن كان نوماً .. "
والفنان الإسباني العبقري " خوان ميرو " كان يعشق النوم ، لدرجة قبل أن ينام كان يكتب على باب غرفته من الخارج : " الفنان يعمل ، فلا تزعجوه " ..!
بينما الكاتب " آلان لايتمان " في روايته " أحلام آينشتاين له تفسيراته النفسية ذات صلة بالنوم فيقول : "  الضوء يخطط الحياة في هذا العالم ، ولذلك فإن الشخص الذي يولد عند الغروب يمضي النصف الأول من حياته في الليل ، يتعلم مهنا داخلية كالحياكة وصناعة الساعات ، يقرأ كثيرا ، يصبح مفكرا ، يأكل كثيرا ، يخاف من الظلمة الشاملة في الخارج ، يحرث الظلال ... أما الذي يولد عند شروق الشمس يتعلم مهنا خارجية كالزراعة والبناء ، يصبح قوي البنية ، يتجنب الكتب والمشاريع الذهنية ، يكون مشرقا ولا يخش أي شيء " ..
وأنا ولدت في الليل ، في منتصف ليلة شتوية ماطرة رعدية بالتحديد ، لكني لا أجيد الحياكة ولا صناعة الساعات ، وعلى الرغم من لصوص النوم الحائمة من حولي غير أني أجيد النوم بشدة ، كأن بي عضة من " ذبابة تسي تسي ".. !
ولكن لمن يتناول حبوبا منومة من عيار قوي دون أن يغمض له جفن كبطل " ميلان كونديرا " في روايته " كائن لا تحتمل خفته " فما عليه و- على مسؤوليتي- سوى بكتاب " تأملات قبل النوم " لأوشو ، فإنه يبدد ليس فقط لصوص النوم ، بل أيضا لصوص الحسد ، الحقد ، الكذب ، الخيانة ، الخوف ، الجشع والاكتئاب ..
ونوما هنيئا مقدما  ...

ليلى البلوشي