السبت، 18 يوليو 2009

النوم




النــــوم

نحن لا نفكر بالنوم إلا عندما نحرم منه ، تماما كأي نعمة من النعم التي وهبها الله لنا .
أثناء النوم ، يقوم الدماغ بعملية بالغة التعقيد هي أرشفة المعلومات التي نحصل عليها في اليوم السابق ، ووضعها في ملفات خاصة يسهل الرجوع إليها في المستقبل ، كما أنه يفكر في المشاكل التي واجهتنا في النهار ويحاول التوصل إلى حلول لها ، ووضع الحل في ملف خاص يفتحه لنا عندما نفكر في المشكلة بعد أن نستيقظ ، وإذا حرمنا من النوم فإن المعلومات التي نحصل عليها والأفكار التي تخطر لنا ، والوجوه التي نقابلها ، والانطباعات التي تتكون لدينا في اليوم السابق تتراكم بشكل عشوائي في الدماغ ، وتختنق ، وتؤدي إلى حدوث بلبلة لا يستطيع الدماغ فيها الوصول إلى المعلومات التي يريدها .

والطريف أن الدماغ ، عندما يحفظ المعلومات التي يحصل عليها في ملفات ، لا يحفظها بشكلها الخام وإنما يضع عليها ملاحظاته ، ومثال على ذلك أن الوجه الذي تقابله في مكان عام مثلا ، يحفظ له الدماغ ما يزيد على 150 صورة بعضها كاريكاتيري بكل ما في الكلمة من معنى ، فإذا كان صاحب الوجه كبير الأنف مثلا ، فإن الدماغ يلتقط صورة للأنف ، ويضخمه في الصورة عدة مرات بحيث يجعله يستوعب معظم الوجه ، وإذا كان الشخص يعاني من الرشح بشكل دائم فإن الدماغ يحتفظ بصورة أخرى تبدو فيها فتحتا الأنف وكأنهما نهران غزيران يتدفقان ، إلى آخر ما هنالك من تفاصيل وانطباعات تجعل من السهل عليك التعرف إلى هذا الشخص واتخاذ موقف منه عندما تقابله في المرة التالية ، وكل هذه الأشياء التي يضعها الدماغ في خدمتنا ما كانت لتتيسر لنا لولا النوم .

وقد أجرى العالم " هيرمان هوبر " تجربة حول النوم فرض فيها على مجموعة من الأشخاص البقاء في حالة يقظة ، فترة من الوقت ، وفي اليوم الأول لم يتأثر هؤلاء ، وفي اليوم الثاني بدت حاجتهم إلى النوم وكأنها غير قابلة للتجاهل ، وفي اليوم الثالث أصبح هؤلاء ثائري الأعصاب ، مشدودين ، يؤدون عملهم دون حماس ، وفقدوا الإحساس بالمبادرة ، وفي اليوم الرابع أصبحت حالتهم أكثر سوءا ، وباتوا يغطون في النوم دون إرادتهم ، وبات المسح الكهربي لأدمغتهم ، وهم في حالة يقظة ، وبعد بضع ساعات أصبح هؤلاء يعانون من الاضطراب في الرؤية ، والخداع البصري ، والهلوسة ، والأوهام السمعية .

والنوم لا يطيل العمر ، ولكنه يجعل الحياة أكثر جمالا ، والسهر لا يقصر الأعمار ، ولكنه يحولها إلى حلقات متصلة من الهلوسات والتهيؤات ، ولو استمرت تجربة هيرمان يوما واحدا لبدأ رجاله يعانون من هلوسات مرضية ، كأن يتخيل أحدهم أن هنالك من يحاول دس مخدر له في فنجان القهوة ، أو أن هنالك من يريد القضاء عليه ، وربما يتصل بالشرطة لكي يقدم بلاغا عن محاولة قتله ، ولو استمرت أكثر لفقد هؤلاء إحساسهم بالانتماء .


المصدر : جريدة الخليج الاقتصادية .
الكاتب : أبو خلدون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق