الجمعة، 2 أكتوبر 2015

أن تكون بائعا للشاي في الهند ..!

أن تكون بائعاً للشاي في الهند ..!

يبدو أن بائعي الشاي لهم حظ وفير ، بل إن مهنة بائع الشاي في الهند تحديدا هي مهنة أصحاب الطموح الذين يمكنهم من خلال ممارستها مع الكسب الجيد التخطيط بهدوء لأحلامهم ، أقول هذا وببالي ثلاث شخصيات عن بائعي الشاي في بلد كبير كالهند ، حققوا إنجازات تستحق الإعجاب وتثير الدهشة أيضا ..
الشخصية الأولى التي طرأت ببالي هي شخصية خيالية غير أنها تلامس الواقع الهندي وربما العربي أيضا ، الشخصية الشهيرة " جمال مالك "  في فيلم البوليوودي الذي حقق نجاحا باهرا " المليونير المتشرد " وهي رواية كتبها " فيكاس سواراب " ، المتشرد هو " جمال مالك " الطفل اليتيم الذي له أخ وتقتل والدتهما نتيجة الطوفان الطائفي ما بين الهندوس والمسلمين ، هذا اليتيم الذي يختار طريقا مغايرا عن أخيه أحد أعضاء العصابات الشريرة ، هذا اليتيم الذي يجد في مهنة اعداد الشاي للموظفين في شركة كبيرة فرصة لتحقيق أحلامه حين يحاول من خلال شركة الاتصالات الذي يعمل بها بائعا للشاي إلى محاولة الاتصال بالبرنامج الشهير " من يربح المليون " ويقف الحظ إلى جانبه حين يحصل على الخط و يرشّح اسمه ، فيصعد منصة المليون و ينالها بجدارة تثير إعجاب الجماهير الهندية الحاشدة ، وكما تثير في الوقت نفسه تشكيك وحنق رجال الشرطة ومقدم البرنامج ؛ فالشاب المتشرد المعدم أناّ له بهذا الكم الهائل من المعلومات ، وتلك المعرفة الثقافية ، وما هو في النهاية سوى بائع للشاي في شركة اتصالات كبيرة ..؟!
بائع الشاي الذي يستحيل إلى المليونير المتشرد الشهير يعطي العالم درسا لاسيما المثقفين والكتّاب منهم بأن أحد أهم وسائل المعرفة وتعزيز الثقافة هو اختلاط مع الناس و الاقتراب من همومهم اليومية ومعايشة تفاصيلهم ؛ كي يكون المرء صادقا كفاية وعلى درجة كبيرة من الخبرة التي يكتسبها رويدا رويدا مغموسة بمرارة التجارب الموجعة ، فتكون زاده الحقيقي في هذه الحياة المتشككة والمليئة باللعنات والطعنات أيضا ..!
أما بائع الشاي الثاني الذي رسم طريق مجده فأصبح رئيسا للوزراء في الهند الحالي هو " ناريندرا مودي " ، كان الثالث من بين ثماني أطفال لعائلة هندية بسيطة عمل في مراهقته بائعا للشاي في إحدى المحطات على الطريق السريع ، وعمل أيضا في مطعم للعمال النقل البري بولاية غوجارات ..
هذا الرئيس الذي يثير الجدل قبل ترأسه وما يزال ، الجدل حول حزبه المتشدد الذي كان قاتل غاندي أحد أعضائه ، وموقفه أيضا من المسلمين في الهند وهو الملقب بــ" تاجر الموت " لا سيما موقفه من قضية حريق قطار في ولاية غوجارات حين كان واليا عليها ووقف في صف الهندوس على حساب المسلمين ، الحادث الذي كان عفويا و أصبح دمويا بل ومدبّرا ؛ لعدم حكمة وربما طائفية رئيس الوزراء وقتئذ ..!
و على الرغم من جهوده الحثيثة على الصعيد الاقتصاد الهندي وهي لبّ برنامجه حيث وعد بأن يكون القرن الحادي والعشرون هو قرن الهند ، غير أن عليه كرئيس لجميع الهنود بكامل أطيافه الدينية ، عليه أن لا يكتفي بإعلان ذلك بل إثباته أيضا في أرض الواقع ؛ لينعم الشعب الهندي بحياة كفيلة بإسعادهم وطمأنتهم على كافة الأصعدة ..!
أما بائع الشاي الثالث المميز حقا فهو " لاكسمان راو " وهو رجل في العقد السادس من عمره تقريبا ، هذا الرجل المواظب الذي يتميّز شايه بمذاق طيب ، يقبل عليها رتل كبير من الناس المتجولين من كافة أرجاء الهند ، ومن يزور الهند سائحا أيضا ، فمقهاه ، الكشك الصغير المسجل من البلدية رسميا مشرع دائما حتى في أيام المطر الغزير..
ولد " راو " لمزارع تقع في ولاية ماهاراشترا غربي البلاد ، وانتقل للعيش في دلهي التي تعد مركزا لكبرى دار النشر الكتب باللغة الهندية وعام 1975م لتحقيق حلمه كي يكون كاتبا ..
وهو ليس بائع شاي عادي البتة بل حامل لدرجة بكالوريوس وتقدم لنيل درجة ماجستير ، هذا الرجل الذي لا يكل عن تحقيق طموحه لاسيما كمؤلف كتب حيث له مؤلفات تزيد عن أربعين كتابا ، وهو يستخدم المنصات الالكترونية ليبيع كتبه التي تحقق مبيعات جيدة وهناك إقبال جماهيري عليها ، فهو قريب من الناس ، ومن مشاغلهم ، ويحدث أنه يعرض مع الشاي مؤلفاته أيضا ، فينتشلها باهتمام كل قارئ مهتم بتفاصيل الحيوات التي يرويها " راو " وهي في النهاية تلامس حياتهم ..
وفوق إنجازاته التي نال عليها جوائز عديدة فهو إنسان تسمو روحه بالتواضع حين عبر قائلا : " يلجأ الكتّاب إلى العديد من الحيل لتسويق كتبهم وصناعة الأفلام ومسلسلات تستند إليها ، إنني رجل بسيط أتلقى جميع رسائلي بالبريد ، توجد كتبي في مكتبات المدارس والكليات والجامعات في المدينة و يطلب مني في أغلب الأحيان ، أن ألقي محاضرات في العديد من المدارس والكليات في أنحاء البلاد ، ما الذي يمكن أن يبحث عنه كاتب أكثر من ذلك ؟ " ..
بائعو الشاي الطموحين هم أنموذج حي ّ في عالم ضاج بالعطالة والخيبات المرةّ و سوء الحظ المزمن ، هم خير من يلهمون العجز في قلوب كل من هو يائس ، كل من يعتقد أن طريق بلوغ الأحلام يبدأ بوسائل غير مشروعة ، أو بسلوك درب ملتوٍ ، كل من يعتقد أن النجاح هو ضربة حظ ، أو أنه يجب أن يكون من الأعلى وحين يصل لمنتصف مبتغاه يسقط سقوطا مدوياً ..!
وحده الحقيقي يدرك أن المجد لا يبلغه الإنسان سوى من أول خطوات السّلم ، خطوة وراء خطوة حتى يصل لنهايته بصبر و أناة وكثير كثير كثير من التعب النفسي والجهد الجسدي وحين يصل سيشعر بقيمة وصوله القيّم ..

ليلى البلوشي

هناك 12 تعليقًا:

  1. مقال أكثر من رائع استفدت منه كثييرا واستمتعت به كثيرا
    تحياتي :)

    ردحذف
  2. لأنني من عشاق الشاي .. أحتفي جدا بأي كتاب أو مقال يتحكي عن الشاي وعشاقه أصحابه، وهذا المقال من المقالات القليلة التي ادهشتني عن الشاي لأنها ربطت بالطموح .. لأقل شاي الطموح .. ياللروعة.. ممتع هذا المقال يا ليلى.. وقد قرأت كتاب الشاي للياباني أوكاكورا .. واقتنيت عدة كتب تحمل اسم الشاي احتفاء بكلمة الشاي (الشاي الأسود ربيع جابر ) وشاي بالحليب لمحمد جبريل .. حتى أنه في 2015 كان لي قط أسود صغير خجول جدا أسميته شاي .. بالعربي تعني المشروب وبالإنجليزي تعني الخجول (يعني اسم مشترك).. مودتي

    ردحذف