إيران التي في طنجرة ضغط ..!
مذ عام 1980م وقع تبدل كبير جدا ومكلف للغاية في تاريخ إيران ، لم يكن التغيير الجذري الشامل على مستوى التسمية فحسب بل جر معه تغييرات شتى لم يكن المواطن الإيراني يتوقعها قط ، فبعد ثورة كونية قادها شباب متمردون حالمون بالتغيير ، شباب استطاعوا بتحديهم العميق على اسقاط نظام الشاه حاملين شموع أمنياتهم التي باتت على وشك الإنارة في محيط كان متعتما بالنسبة لهم ، لكن الشباب أنفسهم سرقت ثورتهم وأجهضت أحلامهم بعد أن ابتلعتها عباءات سوداء أحكمت قبضتها الحديدية باسم الدين ..!
في كل عام من سنة 1980 م والإيرانيون يحتفلون بذكرى ثورة الخميني ، لكن مع مرور كل سنة يزداد عدد الكافرين بالثورة حتى أنهم بلغوا درجة الإيمان بأن الثورة الإسلامية كانت أعظم و أوجع نكسة تاريخية في حياة إيران والإيرانيين ؛ حيث عصابات الملالي سيطرت على إيران ، ودمرت البيئة ، وشوهت التاريخ والحضارة الفارسية ، ونهبت ثروات الشعب الإيراني المغدور ، بشهادة القادة العسكريين أنفسهم الذين شاركوا ودعموا الثورة الإسلامية إلى أن استولت على الحكم ، وبدأت بممارسة التصفيات الجسدية لآلاف من الشباب ؛ لأنهم نادوا بصوت الحرية والديمقراطية ورفع مستوى دخل الفرد ، أفجع أنواع التعذيب والسجن والقتل والنفي وكان محظوظا من نجا منهم هاربا إلى خارج إيران ..
وقد أسهب " محمد محسن سازكارا " أحد الذين شاركوا في تأسيس الحرس الثوري الذي ساهم في إنشاء هذه القوة العسكرية ، التي تشكل اليوم العمود الفقري لنظام الجمهورية الإيرانية ، يتحدث بحسرة معترفا بأن الزمن لو عاد به إلى الوراء لما شارك في الثورة ، و لأدرك بأن إسقاط نظام الشاه كان خطأ نتيجته كانت مكلفة للغاية للشعب الإيراني الذي كان يتمتع بحريات هائلة مقارنة بزمن الثورة الإسلامية في مجالات ثقافية واجتماعية ودينية وإن كان ثمة تضييق على الصعيد السياسي ..
ينظر الإيرانيون اليوم بكافة أطيافهم بمنتهى الوجع والحنين والخيبة أيضا إلى زمن الشاه و يلتمسون العذر لإخفاقات 36 سنة ماضية في مجالات التنمية والمعيشة والحريات في الغرب ؛ فقد كان شعار المتظاهرين حين حاولوا التخلص من نظام الشاه هو تحسين المعيشة والتخلص من التبعية الغربية ، هذه الشعارات اليوم ما عادت لها جدوى في ظل الضغوط التي يكابدها الشعب ، الشعب نفسه الذي حوله النظام الإسلامي إلى كائن مقموع يمارس تناقضاته على سبل شتى ليحصل على مقدار من حريته الشخصية المسلوبة ؛ فبعد ثلاثة عقود ونصف لم يتحقق منها شيء واختصرت الانتخابات البرلمانية والرئاسية فقط على الاسلاميين ، ولم تعد هناك أحزاب سوى تلك التي تنتمي للنظام ومستوى المعيشة تراجع كثيرا وعم البؤس ، حتى أن طهران و بقية المدن الكبرى هي مجرد بقايا مما بناه الشاه ، والثورة أصبحت مجرد نظام سياسي قمعي ..
الإيرانيون اليوم يمارسون الحرية على نطاق فردي وبعيدا عن أعين الرقابة التي يفرضها الملالي ، ومن يقرأ السير الذاتية والقصص والروايات ، وكثير من المقالات والمقابلات لفئات من الشباب والمبدعين والكتاب والشعراء والممثلين والمخرجين السينمائيين الذين يحاولون نقل صورة حقيقية بلا رتوش عن الواقع الإيراني الذي بلغ آخر درجة من التحمّل ، من تلك المقابلات ما قالته الكاتبة " سحر دليجاني " وهي كاتبة إيرانية من ضحايا الثورة الإسلامية ، حيث إنها ولدت في إحدى سجون طهران عام 1983م ، أسرتها التي كانت معارضة لنظام الشاه وحين سقط عارضوا الثورة الإسلامية للأسباب نفسها وقد دفع أهلها ضريبة معارضتهم غاليا ، قالت مؤخرا في معرض الدولي للكتاب في بوغوتا ما يختصر الحالة الراهنة في إيران : " إن الشباب الإيرانيين هم تماما بعكس ما يريد النظام أن يكونوا ، فهم مثقفون و حيويون ولا يمكن أن تبقى الأمور معهم على ما هي عليه " موضحة أن الدعاية المركزة للقيم التي تفرضها الجمهورية الإسلامية في المدارس فشلت في أداء مهمتها .. !
تلك الأجيال البريئة التي سكبت الثورة الخمينية في عقولهم الغضة بخزعبلات ، وغذّتهم بأوهام ، وفرضت عليهم أنظمة وقوانينا تستعبدهم وتمنع عنهم التفكير الحر كآدميين وكأجيال لا ذنب لها سوى أنها وجدت نفسها أمام قوى دينية لها أطماعها السياسية في الاستحواذ والتملك ..
مما لا شك فيه باتت إيران تشكل تهديدا في الوقت الراهن على الصعيد الاقليمي والعالمي ، هي التي لا تكلف عن التمدد في العراق و سوريا واليمن و أفغانستان ولبنان ، تواجه اليوم تحديات وضغوطات هائلة من الخارج والداخل أيضا ، في ظل وعي شعبي أصبح يتصاعد مع كل عام من عمر ثورتهم ، فشباب الجيل الجديد ضاقوا ذرعا بسياسة القمع وما عادت مفاهيم الإمامة ، والخلافة ، والقيادة ، و صكوك الجنة والنار أو حتى التبعية الغربية تشكل لديهم فارقا اليوم بل حق تحسين مستوى المعيشة هو أهم مطلب من مطالبهم و لاسيما حين أدركوا أن سعر لتر البنزين في إيران في عهد الشاه كان تومان واحد فقط ، بينما اليوم في عهد الملالي أصبح سعر اللتر 1000 تومان كما ذهب حساب " شؤون إيرانية " في تويتر ..
وهكذا يقارن الإيرانيون بين النظامين بخيبة كبيرة و حسرة قد تستحيل إلى قنبلة موقوتة تحرق الأخضر واليابس ..
في ظل هذا الضغط الهائل من كل الجبهات فهل ستصمد الجمهورية الإسلامية ..؟
ليلى البلوشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق