الاثنين، 18 أبريل 2011

هويتنا العربية والروبوت الآلي ..! (३)

هويتنا العربية ؛ والروبوت الآلي (३) ( نشر في جريدة الرؤية ) بعد تسليط " الهوية العربية " حبل المشنقة حول متهمين " الفرد والمجتمع " ، بقيت جدلية معلقة ما بين السماء والأرض بلا حل ناجع ؛ وهي منظاد " الشك العربي " ، الذي يتفسح بحرية خارجة عن القانون ، دون أن يردعها أي رادع قانوني أو شرعي ॥! أمة الشك التي خلقت أفرادا يثقون بآلاتهم أكثر من إنسانيتهم ، وخلفت سلطة في مجتمع مخملي ترقص رقصة الحيران ؛ لا للتعبير عن الفرح ؛ بل هي نشوة الخسران والضائع والضال في مجتمع صنعوه فتآمر عليهم ! ولأنهم لا يثقون بكائن ؛ خاطر غريب عزز في أعماقي مكانة الإنسان الآلي " الروبوت " في مستقبل أوطاننا ؛ بعد ربيع الثورات الذي تمطط على ما يبدو في بعض الدول ، هذا الروبوت ؛ ماذا لو غدا هو كبش الفداء الجديد ، أو لنستبدل اللفظة إلى " سلاح الطاعة الفعال " إن صحت التسمية ؛ دون أن يفوتنا إبداء عبارات تفخيم وإجلال ! فنحن في - عصر الآلات - بلا منازع ، وهي عينها أضحت الحبيب والرفيق والأب والأم بل الأسرة بجل قدرها ومقدارها ، أفراد غرسوا ثقتهم في صميمها ، وشركات كبرى استغنت عن سواها ؛ لأن سواها يسبب لها الصداع ؛ وهي لا تشكو الصداع ولا علل الدهر ؛ ولكن ماذا عن الرموز السامقة ؛ الذين وجدوا أنفسهم في أزمة مستعصية ! أجل ، كما استهام خاطري الطارئ ، " جيوش من روبوتات آلية " يستعين بها أولئك المتشبثون بكراسيهم في بعض دول عربية ؛ فبعد أن ذابت الثقة كما تذوبقطعة آيس كريم ؛ لسهونا حفظها في الثلاجة ؛ فنكيل بعد ذلك أقذع التهم على الشمس المنصهرة ، ونلعن الصيف الذي عشق الشمس دون غيرها من الكواكب ؛ فلا يفوتنكم - أكرمكم الله - أننا ننتمي لظل أمة تهوى اسقاط التهم ؛ لمجرد الهوى ! روبوتات آلية ، هل سيتخذ منها لنفسه عسسا ومعاونين ويرصفهم في جيوش تذود عنه من هجمات الضواري ؛ في زمن كما يراه بنظرة زرقاء اليملمة الثاقبة أن أفراده الحقيقيين عجنوا من طين الخيانات وشرايين الغدر الفوضوي ، روبوتات آلية لا حس ولا نفس راضخة كديكورات ، في زمن يعوز أولئك الواقعيون أن يتنفسوا هواء الحرية والكرامة وهتاف المصالح الجماعية ، ومطالب تفتح فمها ومعدتها ، ولا تنتهي ، ولا تكل ، ولا تمل ! في مقابل تلك الروبوتات الآلية ؛ التي إن كلفته لا تكلفه سوى تكاليف صنعها وشحنها والاهتمام بأحشائها الدقيقة ، وفوق هذا تذعن بكلمل حواسها العقلية المبرمجة على هواه وحده قائلة له على الطالع والنازل عبارة واحدة متوحدة يعشقها مالكها ، ويموت من أجلها وفي سبيلها بينما هي هاتفة بحس متواصل لا يتغير ولا يتزعزع : "أمرك مولاي " ؛ وإن تقلص حس الهتاف ؛ فإن الخلل بسيط في شحنها ببطارية تدوم زمن ما تدوم ، بينما يعود هو ليغط نومة الكهف في نعيم فردوسه ؛ فروبوتاته بلا ضمير ولا سؤال ولا ابتزاز مستقبلي ؛ إذن كل شيء يمضي في أدق أمان وأعم نظام ! لعل مل يصبو المقال إليه تفكير جهنمي من انبثق على حين تشفي من عقل مراهق شقي ؛ ولكن في حجيم الثورات كما يصفها أولئك الذين دفعوا سمعتهم وكراسيهم ثمنا لها ؛ أن الأموال التي كدسوها في أقبية قصورهم الباذخة هي وحدها كفيلة والمتكفلة لتسانده في غموض مستقبل لا يأمن شره الآتي ، فتلكم الجوقة من فرط العيش المترف ، لم تتورع أموالهم المكنّزة من جيوب الآخرين للقيام بعمليات تجميلية ؛ ليوهموا شعوبهم أنهم ما يزالوا موفوري الشباب رغم كهولة ماضيهم القاتم ؛ وماذا يمكن أن يجانب أولئك الذين تعاطوا مع شعوبهم بلغة الأقنعة ، حتى نسوا وجوههم الحقيقية ، بل لم يألفوها يوما ، فاستبدالها أشبه باستبدال أحدهم فردتي حذائه ! وهما دون أدنى شك أغلى وأثقل من وزن المواطن في بعض بلداننا العربية بأمانة ؛ فلن يضيره شئ في استبدال أعوانه من البشر بأعوان آلية ، وبهذا يعزز انتقامه من جيل شهر أجهزته في نصب وجوههم بواسطة جهاز حاسوبي مبرمج بالخدمات ؛ ليفقئ أيديهم التي كبست من أجل تطهير الأرض من فسادهم ؛ بمفاجأة " روبوت آلي " مبرمج بالطاعة العمياء ! أفلا تناهض قوانين تصفية الحسابات حقوقها حاكمة بأن العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم ؟! ومن خلال هذا يكونوا قد أوجدوا لأنفسهم مأربا قانونيا رسميا ؛ ليثقبوا بها أعين الهاتفين السالفين ! شء لا استغربه مطلقا ؛ ففي هذا العالم كل شيء جائز ، وكل شيء واقع ، وقد يجدف البعض أن فكر مقالتي " هوليوودي " النزعة ، ولكنني أبلغهم مقدما ، أنني أصدق على عماء أفلام هوليوود وأصفق لنبوءاتها ! أليست هي طالما تنبأت وما تزال بمصير الكون والانسانية الجمعاء ، بينما نطعن نحن - العرب - تنبؤاتهم فاغرين أفواهنا ببلاهة : إنها خزعبلات ، شيء لا علاقة له بالواقع مطلقا ! لكن أمريكا تنفي ذلك ، وما تزال أفلامهم تستعرض على شاشاتنا المسطحة ما لا يمكن تصديقه ولا الجزم به ، كما أن الدول الغربية التي تنجب أفكارها ما تزال حريصة باجتهاد على تحويلها إلى واقع ملموس وحي ونابض ؛ فقط من أجل أعيننا الساحرة نحن - العرب - فقطلأجل هذا بحسن نية ؛ فلا يجرفنكم الظن ؛ فإن بعض الظن إثم ! ومازلنا نتابع بلا تصديق ؛ لأننا أقوام لا تؤمن إلا حينما تسقط الفؤوس على الرؤوس ؛ بحكم تكتلات وهمية نفخت فينا حتى التخمة ، تتقارب أو تتفاوت من عقل غربي إلى عقل عربي آخر । لعلنا على وشك ولوج عهد جديد مغاير ، إنه عهد السلطة مع روبوتاته الآلية ،كالتي شاهدناها بابتساماتها الرشيقة في مطاعم اليابان - قبل أن يبتلعها التسونامي الزلزالي وليمة مثقلة الدسم على صحن من ماء - ولكن في هذه لحالة ليست لخدمة الزبائن بل لخدمة نفر واحد فقط ؛ على الأصح لحمايته الشخصية ؛ فهو من وسواس الشك القهري ، ما عاد يطبق له جفن ولا يهدأ له نبض! دون أن يفوتني تنبيهكم : الروبوت الآلي صناعة غربية مستحدثة ! سأذّكركم يوما ، أو ذكّروني ! ليلى البلوشي

الاثنين، 11 أبريل 2011

هويتنا العربية والفرد (२ )

( المقالة نشرت في جريدة الرؤية ؛ كما في كل يوم اثنين ) هويتنا العربية ؛ والفرد ॥؟! ( 2 ) هذه المقالة متسلسلة مع مقالة الأسبوع الماضي ، في حديثها عن مسير الهويات العربية ، التي باغتت بانفتاحها المجتمع ؛ خاصة تلك القامات بجيوبها الثقيلة ، لكني اليوم سأفتتح المقالة بمفتاح القصة من خلال قصة قصيرة جدا ، عنوانها " احتلال " تقول الراوية : ( كان حذاؤه إيطاليا ، وساعته سويسرية ، وبنطلونه إنجليزي ، وقميصه ايرلندي ، وعطره فرنسي ، وأكله هندي ، ولفافته أمريكية ، وسيارته يابانية ، وكانت لغته مزيجا من كل ذلك ، ولكن جواز سفره كان عربيا ..!) * بعدما ثقل على المجتمع في حضارية هذا العصر مجاراة الفرد الذي من صلبه ، لم يبق أمامه من مهرب سوى حيادية تبدي أشد ما تبدي انفعالا عميقا ممزوجا بالذهول والحيرة تجاه ما يحدث في ساحة ملعبه الذي كان خاصا وغدا ما بين ليلة وضحاها عاما ..! ومما لا يمكن نكرانه أن هذه التداعيات عينها أحدثت نوعا من الخلخلة في كيان الفرد الذي وجد نفسه هو الآخر متورطا في مطب هويتين ؛ هويته المحلية التي تراكمت عليه من مجتمعه ، وهوية أخرى معاصرة تسلقت عليه بكافة صيحاتها من الخارج ، صاحبنا البطل في القصة القصيرة جدا ما هو إلا فرد عربي ، أجل عربي ولكن شيئا واحدا فقط يثبت لنا انتماؤه العربي ؛ إنه شيء مادي بحت وبحجم كف اليد ، يحمل عنه معلومات شخصية ولا يتعداها سوى كون حامله " عربي " ، عربي فقط ولا تفاصيل أخرى من الممكن أن تعنى بها عوالم الماديات ..! هذه المستوردات الخارجية كانت مادية في البدء ، فمن منا لا يفتتح وجباته اليومية من الصباح حتى المساء بطعام من أصل أمريكي أو فرنسي أو ايطالي ..؟! ناهيك عن أشياء أخرى غربية متلاصقة بنا بشكل يكاد يوميا ؛ وفي النهاية كلنا يهتف سجّل : أنا عربي ..! ومن ثم أكملت المستوردات المعنوية ما بدأته المادية ، واكتسحت الأسواق آخر تقنيات التكنو " الهواتف المتحركة / الحواسيب " التي غدت في أول طلوعها مغتربة في بيتها الجديد ، ولكن نتيجة لعوامل التي تم ذكرها سابقا منها الفضول الراغب في الانفتاح أو التقليد الأعمى للآخر من قبل الفرد مما ضاعفها تحفزا في فرض وجودها بجدارة ؛ لتضحى هي من تدير البيت وأصحابه ، بينما الهوية العربية في عقر دارها غدت دون وجودها مغتربة ، خاوية ..! فتلكم الاختراعات لم تكن سوى غربية مئة بالمئة ، والفرد العربي تجاه هذه الحقيقة الفاغرة هل يعد نفسه عربيا مئة بالمئة ..؟! الجواب ببساطة مطلقة : لم تعد هويته عربية خالصة ؛ فشوائب تلكم المتغيرات غدت ضرورة من ضرورات هذا الزمن الراكض بقوة تريليون طائرة نفاثة ، والفرد لم يجد بدا سوى اللهث وراءها بالسرعة عينها لا بدافع الاختيار وحده الذي كان ، بل بدافع الفرض ، وإن وظفت صيغ المبالغة كلها لا أعتقد بأني أجدها كافية ؛ فقد غدا وجودها في حياتنا " واجبا " على كل فرد .. فهذه الهوية الناقصة المغتربة هي نفسها من فجرت الثورات العربية ؛ لاستعادة كمالها الناقص ..؟! في هذا العالم المتناقض لم يعد بإمكان الإنسان أن يحيا في ظل متغيرات العالم من حوله متفرج الأيدي والحواس ، وللمجتمع الدور الأكبر ؛ لأنه هو من سخرها لأفراده ؛ في مجتمع أراد أن يكون حضاريا بلغة الغرب ، بصناعات غربية ، بهويات غربية ، بأدمغة غربية ، وإذا ما كان كل قرار صادر في كافة الهيئات والمؤسسات من أصغرها إلى أكبرها تحتم حضاريتها في التعامل من الفرد ، وأبسط مثال أنها تشترط عليه في حال تقديم طلب وظيفة ورقة بخط حاسوبي منمّق موثقا معلوماته الشخصية برقم هاتفه المتحرك ويبعثه عبر بريد الكتروني ، أو ربما المقابلة تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعية الفيس بوك وتويتر .. إن هويتنا العربية تشتعل على جمر حقائق عدة ؛ فمن ناحية الفرد ورغم دود الخلخلة التي تتجشم شعوره فإنه مُصر على اكتمال قمر هويته العربية الناصعة ولكن بطرق غربية مستحدثة ، بينما المجتمع بقادته يرغبون تحضرا تواكب مكانتهم في سبق عالم ديمقراطي شامل فقط كصورة مؤطرة لوجه سياسي لامع متحضر في المحافل الدولية ، وفي الوقت عينه يضيقون الخناق بكافة السبل تلك الهوية العربية التي يرفضون اكتمالها في الداخل بوسائل غربية ..! لكن يا تُرى إن وجدت اختراعات عربية بديلة لاختراعات غربية هل ستواري حفرة الشك الغائرة بشكل ملحوظ جدا ما بين السلطة والفرد بمعدل متساو..؟! الفرد الذي أصبح عميق الثقة بشاشة حاسوبه أكثر من أي شيء آخر ؛ أليست هي من أخرجته من عزلته إلى عالم تواصلي ، وفجرت فيه قيم الكرامة والحرية ، وأثبتت له أنه يستحقهما بجدارة ، وعززت فيه إيمانا بأنه كيان مستقل تهز حماسته هزا بقولها له على طريقة " أوباما " : " بلى تستطيع ذلك " ، تستطيع التغيير ، تستطيع أن تقول وتفعل ، بعد أن أمسيت لا تقول ولا تفعل ..؟ والمجتمع القامات العالية يستوقفها في - الوضع الراهن - حاسوب مسطّح لا تدري بأي لغة أو عقلية أو يد تتعاطى معه ..؟! فهل ثمة نهاية لصراعات المجتمع والفرد وهويتهما العربية في حربهما الدائرة العتيقة ..؟! من حيّز حريتي ؛ رأيي أنا : لا فكاك ، من هذا الصراع الأبدي ؛ إلا بترقيع عدة فجوات متخثرة منذ قرون ..! ومن حيّز حريتك أيها الآخر : فما رأيك أنت ..؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * القصة القصيرة جدا من تأليف كاتبة المقال .. يتبع .............................................، ليلى البلوشي Lailal222@hotmail.com

الاثنين، 4 أبريل 2011

هويتنا العربية ؛ والمجتمع ..! ( १ )



( مقالة من ضمن المقالات التي ستنشر في جريدة الرؤية ؛ كل اثنين أسبوعيا ) ..


هويتنا العربية ؛ والمجتمع ..! (1 )

" موقف الإنسان من الحياة هو في الحقيقة مزيج من الإرادة والظروف الخارجية ، إن بإمكانك أن تتدخل في تحديد مصيرك ، وبإمكانك أن تغير ظروفك ، وبإمكانك أن تحس بالحياة إحساسا جديدا غير الإحساس المفروض عليك " .. - الشاعر الإنجليزي وورد ثورث – * * * من البدهي جدا أن العربي اليوم ، لم يعد ذاك الإنسان المكلل بالبساطة ، الذي يعيش في كنف خيمة صحراوية مسربلة في تلالها المذهبة بشمس اللانهاية ، جدي وأجدادكم كانوا يتصافحون يدا بيد ؛ لا " موبايل بموبايل " يدردشون عبر زيارات اجتماعية واقعية من بيت إلى بيت ؛ لا افتراضية من " فيس بوك إلى فيس بوك " ، وكان غداؤهم اليومي يكاد يكون معدودا والأهم طازجا وليس مجمدا كأطعمة اليوم ، كما كانت الصناعات بكافة تنوعها القاصر تكاد لا تخلو من طابع محلي عربي ، لكن اليوم سلال الجمعيات التعاونية تشهد بغير ذلك تماما ، إنها خليط من دول لربما شاهدناها فقط من خارطة العالم وإن حالفنا الحظ بزيارة بعضها ، وأخرى ما تزل تكتفي بوقعها الجديد في ذاكرة أذاننا ..! و" الهوية " التي لا تعرف أين هي من هذا الانفتاح تطرح وتجمع وتضرب وتقسم على نفسها وعلينا سؤالا مصيريا لافتا : إلى أين مسيري ..؟! أضواء الاتهامات ستطال فئتين مهمتين يمثلان كيان كل عالم في جسد هذا الكون الذي خلق في سبعة أيام هما : " الفرد " و " المجتمع " ؛ هذان الثنائيان العلاقة بينهما سيامية الخلقة مهما تداعت أو ناهضت أحدهما عن الآخر ؛ فإن الأثر محتوم متوحد بينهما شئنا أم أبينا ؛ فلا فرد دون مظلة المجتمع ، ولا مجتمع دون أساس الفرد .. وإذا ما كانت الحياة نصفان نصف متجلّد ونصف ملتهب ؛ فإن " الفرد " المتصل بهذه الحياة يمكن تعريفه بإيجاز بليغ بأنه ذاك العضو الذي يتمتع بسمات إنسانية متباينة ، قد يكون خاملا أو نشيطا في مجتمعه ، لديه من المؤثرات ما يجعله قابلا للانفتاح على الآخر ، إما برغبة مطواعة منه في تطوير كيانه الطموح أو تقليدا أعمى ، وكلا العاملين غاية الأهمية في بوتقة التأثير .. أما بالنسبة " للمجتمع " إما أن يشرع سقفه بشفافية ليطل منها أفراده ما لدى العالم الآخر أو يكلف نجاّريه المتمرسين وعلى رأس الخدمة هم دائما بصنع قفل أسطوري خالد لا يصدأ ولا تهزّه كوارث التغيير ، وفي كلا الحالتين لا ينجو من تهمة التورط حسبما سعة الانفتاح لدى أفراده .. ضغوط الفرد والمجتمع في الوطن الواحد هو ما أفرز تسونامي الثورات العربية مهيجة مبتلعة معها كل شيء ، لدرجة أن المرء يضحي بنفسه أو فرد من أفراد عائلته ، دافعا بجسارة ذاك الثمن النفيس باستحقاق من أجل تغيير يطال " المجتمع " الذي يقيم فيه .. فالفرد العربي ليس بحاجة إلى انفتاح ؛ فهو أصلا منفتح قبل انفتاح مجتمعه الذي كان يراوح ما بين رجل للأمام ورجل للخلف ، وهو اعتراف اختزله بكبرياء كاشف كل القيادات الهامة التي كانت تشكل قطاعات المجتمع المختلفة ..! هنا فقط ، خلال ربيع الثورات أدرك جيدا معظم القادة أن عقلية ساعاتهم تشير إلى غير الزمن الذي اعتادوا عليه حتى تآلفا معا ، إلى زمن كهل طال أم قصر مدته عن واقع أفرادهم ، وهذا الإدراك المتخلف عن الركب التحضر شرع كافة المحسوسات المتأخرة عن شعورها إلى مدى خطورة تلك الصناعات والاختراعات والاكتشافات التي تنتمي إلى أدمغة أجنبية خام ، صدّرها لبلده ؛ بنيّة تعزيز مكانته في أفئدة الخارج قبل كل شيء .. عندما فغرت هذه الحقائق كاشفة عن نفسها بالتدريج من قبل الفرد والمباغتة غير المتوقعة من قبل المجتمع ، لم تجد بعض الدول بهويتها العربية سوى تمرير لصفقات شراء ما هو أجنبي ليغدو ملكية عربية وكان آخرها اقتراح سري لـ" شراء موقع الفيس بوك " من منشئه ؛ لا للانفتاح وهو شيء قد اعتاد عليه الفرد من مجتمعه ، بل لغايات أخرى لم تعد في اللحظة غامضة على القاصي والداني ؛ ولعل من أكثرها أهمية مصادرة الأيدي التي تكبس والألسنة التي تهتف ، وهو بمثابة اختراع لم يخطر ببال الكثيرين من " الهوامير " إلا في وقت أراه شخصيا - متأخرا جدا – كتخلف تلميذ ثريّ خانته ساعته الثمينة للوصول في الوقت المحدد لاختبار مهم ؛ ففاته تسجيل حضوره بعدما ذاع الجرس قراره الصارم رافضا دخوله لجان الاختبارات ؛ بينما لسان حاله الذي وجد نفسه وحيدا يحتج باجترار داخلي - لم يعتد عليه - بعد عهد ولّى من الصراخ و الوعيد ، لكن اليوم بنبرة خافتة يهمس بين جدرانه : كيف هذا و ساعتي عالمية الصنع وباهضة للغاية ..! والمثير هنا أن هذه الأيدي والألسنة تشكل هوية فردية نضجت على نحو مغاير وكثيف ؛ ولكن الأهم فالأهم أن هؤلاء لم يفكروا بتأهيل أدمغة عربية ؛ لتغدو قادرة على منافسة أدمغة غربية ، والسبب بسيط هي أن ثقتهم في أدمغتهم العربية قاصرة ، بل و يشوبها تخوف متشكك من أنها هي نفسها بعد تجارب الثورات المريرة فيهم تكون قنبلة مستحدثة تصوّب فوهتها إلى رؤوسهم في زمن ما إن استدعى الأمر ..! ليثقل كتف المجتمع بتهمة أخرى لا تقل خطورة عن التهم الأخرى وهي فضفضة أزمة الثقة التي همت تتزحزح ليس فقط من مساحتها شبرا شبرا ، دارا دارا ، زنقة زنقة ، حائطا حائطا ، بل فردا وحاكما عينا بعين وسنا بسن ، والهوية العربية مطرقة ما تزل في حضرة استفهامات متكاثرة عن حمم صراعات الأفراد والمجتمع في وطن واحد .. !

يتبع ........................................... ،


ليلى البلوشي