الجمعة، 21 نوفمبر 2014

ورطة وزيرة الثقافة الفرنسية ..!

ورطة وزيرة الثقافة الفرنسية  ..!

مثقف : ما اسم الكتاب الذي تتصفحه ..؟
قارئ : " آنا كارنينا "..
مثقف : آه ، تلك التي كتبها " فلوبير " ..
    قارئ : بل " تولستوي " ..
مثقف : آه ، صحيح ، طبعا ، بالمناسبة ، ما جديده في هذه الأيام .. ؟
قارئ بعد صمت طويل : ها ...... في الواقع إنه متوفى عام 1880م ..!*
أكاد أتخيل هذا الحوار دائما في عقلي ، الحوار الذي سيجمع ما بين قارئ حاذق لديه سعة ثقافية حقيقية ليس مضطرا لأن يثبتها أو يفرضها على أحد ، بل هي رغبة ذاتية في غاية الإخلاص منه للكتب التي يقرأها بأمانة ، حب ، استمتاع ، فكر ، وتأمل حقيقي ، حين يكون الكتاب موازيا لصديق حقيقي لا تكل منه بل كلما فرغت من مصاحبة أحدها لبرهة من الزمن رأيت نفسك أمام كتاب آخر ، صحبة أخرى تعدك بجماليات العالم ..
مازلت أؤمن بيقين تام أننا في عصر " القارئ " الذي يوازي المثقف مهما تفاوت حقل ثقافته ، بل في كثير من الأحيان يربو هذا " القارئ " المثقف إلى مرتبة " القارئ " السوبر الذي يفوق المثقف فكرا ، ونقدا ، ورؤى لما يكتبه أو ما تقوله كتبهم على افتراض أن المثقف هو مؤلف كتب ولا شك معنى الثقافة يفيض ويستفيض لما هو أكثر من ذلك ؛ ولعل الخبر الذي نشرته صحيفة " نيويورك تايمز " الذي قام بترجمته للعربية المترجم " أحمد شافعي " عن الضجة التي تشغل حاليا أجواء الساحة الثقافة الفرنسية أثارتها تصريحات وزيرة الثقافة الفرنسية " فلور بيليران " بأنها لم تقرأ كتابا منذ سنتين ، هذا التصريح كما يقول الخبر سبب رعبا في دوائر النخبة الثقافية ؛ ليثير عاصفة من الانتقادات واسعة في وسائل الإعلام الاجتماعي ، ففي فرنسا بلد سارتر و موليير تعد الثقافة وسعة الاطلاع الأدبي جزءا من المكانة الاجتماعية ، ولكنها في الوقت نفسه تعد أيضا جزءا أساسيا من مؤهلات شخص يفترض أنه المشرف على ميزانية الثقافة في البلد كما تشير الصحيفة ..!
وما زاد الطين بلة عندما سئلت الوزيرة عن كتابها المفضل من بين كتب " باتريك موديانو " الكاتب الفرنسي الحائز أخيرا على جائزة نوبل في الأدب ، ضحكت وزيرة الثقافة بغير ارتياح ولم تستطع أن تسمي كتابا واحدا للكاتب المحتفى به ، ولعل الاحراج الشديد والمطب الحقيقي الذي وقعت فيه وزيرة القافة هنا هي أنها منذ أسابيع قليلة أثنت على " موديانو " لـــ" تمثيله الحيوية الثقافية والتأثير الأدبي الفرنسي أمام أعين العالم " ، وفي وقت سابق من الحوار كانت قد أسهبت في الكلام عن غداء لها مع " موديانو " رأته شخصا لطيفا وضحكا خلاله كثيرا .. هذا التصريح في وقت ذاته دفع الكثيرين إلى مطالبتها بتقديم استقالتها ؛ لأنه عبر عن لا مبالاتها بصاحب نوبل الفرنسي مما يجعلها غير مؤهلة لوظيفتها ..!
ربما كان مبعث الغضب الفرنسي في هذا الوقت يكمن في أن فرنسا المعروفة بزهوها وتقديس تفوقها الثقافي لا سيما في ظل الأمركة التي غزت أساليب حياة معظم سكانها في وقت جاء نوبل لصالحها ولصالح إرثها الثقافي ، ولذا كان حريا حسبما افترض على وزيرة ثقافتها أن تدرك حساسية الوضع وأن تضاعف من مسؤولياتها الشخصية حيال الثقافة والفكر ..
رأى كثير من النخب في فرنسا بل القراء العاديون كذلك أولئك الذين يقدرون قيمة الكتاب وأهميته لنهوض الأمم وبناء الحضارات وخلودها في بلد زاده الثقافة والعلوم المختلفة بأن اعتراف وزيرة الثقافة بأنها لم تقرأ كتابا لمدة سنتين فحسب لضيق الوقت في وقت اعترفت بأنها على الرغم من ذلك كانت تقرأ كل ما له علاقة بمركزها الوظيفي وعملها ، وهذا التصريح بحد ذاته لاقى توبيخا لاذعا من مثقفي فرنسا لكون وزيرة الثقافة تقدم قراءة المذكرات الوزارية على الأعمال الأدبية الرفيعة وهذا لوحده عار كبير ..!
لكن بالنسبة لنا كعرب وفي أجواءنا العربية الخبر يدعو للرثاء على حالنا كالعادة ؛ فليت الأمر يشمل على عدم قراءة الكتب فحسب ، فالأمر يكاد يكون ربما عاديا عند الكثيرين في الدول العربية بألا يمس وزير الثقافة كتابا مطلقا في حياته ، فلو كان الكتاب ولو كانت القراءة تشكل أهمية كبرى ودفعا حقيقيا من قبل القائمين عليها في دولنا العربية لكان الكاتب العربي ثريا من بيع الكتب على غرار كتاب الغرب في أمريكا وأوروبا وغيرها ، ولما اضطر إلى وظيفة تساند جوعه إلى جانب الكتابة التي يمارسها كوظيفة أيضا ومسؤولية كبيرة دون أن يجني منها ما يسد رمق حياته .. فحين نقدر قيمة الثقافة وأثرها في دول العربية حينها فقط يمكن للكاتب أن يكون كاتبا فقط ، وتكون وظيفته الكتابة وحدها التي يتفرغ لها بكامل حواسه وجسده وفكره دون أن تشتت فكره متاعب الحياة وأعباءها المادية ، وحينها بلا شك سنطالب بإقالة وزير من وزراء الثقافة في دولة من دولنا العربية لجرم عدم قراءته كتبا خلال عام أو عامين ؛ فياله من حلم ساحر فنحن مازلنا في مرحلة التي نطالب فيها بإقالة الوزير النصّاب ، المتهم بالتلاعب والسرقات ، واهدار المال العام ، وعدم الاهتمام الفعلي بالفكر ونهوض الثقافة ، ولم نصل بعد لمرحلة التي نطالب فيها وزيرا نزيها بالإقالة لمجرد أنه لم يقرأ كتابا  ..!
هناك من تعاطف مع تصريحات وزيرة الثقافة الفرنسية ؛ لأنها مشوبة بالصدق .. في وقت يتفنن فيه الكثير من الوزراء بوضع أقنعة براقة على شخوصهم لنيل رضى الجمهور أو كسب دعم الجهات العليا ، فيدعون غشا وكذبا وتلفيقا وتزويرا ما ليس فيهم ولا يمت لهم بصلة ، ويحدث في معظم دولنا العربية أن تكون الشهادة التي وضعها الوزير على حائط مكتبه الفخم ليست سوى شهادة مزوره حصل عليها من جامعات تتقن فن التدليس والتزوير وفن ايصالهم لأعلى المراتب الوظيفية في سبيل غايات شتى ..!
أمثال هؤلاء الوزراء المزورين المؤهلات الوحيدة التي يملكونها بجدارة واقعية هي احتكار كرسي الوزارة لأكبر وقت ممكن من السنوات على حساب من لهم المؤهلات الحقيقية والرؤية والتخطيط والفكر وهلم جرا ...
وكم أغبطها شخصيا وزيرة الثقافة الفرنسية على ورطتها الثقافية ؛ فشتّان ما بين ورطتها ورطة بعض وزراء الثقافة العربية ..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
·        القصة القصيرة جدا بعنوان " مثقف " من المجموعة القصصية " قلبها التاسع " للمؤلفة ، بلاتينيوم بوك ، ط1 ، 2014 م ، الكويت ..
ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق