الثلاثاء، 29 يناير 2013

كتاب في الحمام ..!


 
 
كتاب في الحمام ..! 

 

نشر في جريدتي : الرؤية / العرب / البلد

 

انتشرت في الآونة الأخيرة صورة كاريكاتورية تظهر مجموعة أطفال صغار وفي أيديهم أجهزة من هواتف حديثة وآيباد متحلقين بحذر حول عدة كتب ملقى على الأرض أمامهم ويحاولون جسها بعيدان من خشب وكأنهم يتساءلون : ما هذا الشيء الغريب ..؟!

ويبدو أن هذا الكاريكاتور عمل ضجة نوعا ما بين أوساط من الناس بمختلف فكرهم وثقافاتهم ؛ فمنهم من رأى أنها إهانة لقدسية الكتاب وهناك من تساءل عن زمن يندثر فيه الكتاب كليا في مجتمعاتنا وتحل محله أجهزة مستحدثة فقط ، بينما آخرون حمّلوا الأمر رؤى متباينة ..

هذه التساؤلات ووجهات النظر المختلفة جعلتني أتساءل بدوري : ألا تعبّر الصورة عن هذا الزمن ..؟! عن عصر الذي نحن فيه الآن ، حيث الكتاب أصبح واقعا مهجورا في حياة أطفالنا اليومية ، ليس فقط الأطفال حتى الكبار بعيدون عن ثقافة الكتب ..!

ولعل من يحرص للذهاب إلى معارض الكتب التي تقام سنويا سوف يشهد ظاهرة تفشت في مجتمعاتنا العربية عموما ، وفي مجتمعاتنا الخليجية خاصة وهي أن معظم الداخلين لمعارض الكتاب هم الذين لا علاقة لهم بالكتب ، الذين غالبا يكونون مرافقين لفرد من أفراد أسرهم أو أقاربهم أو أصدقائهم جاء يقتني كتبا وماذا يفعل هذا الفرد الذي جاء مرافقا سوى أن يزجي وقته في مقاهي المعارض وحين يحين موعد المغادرة من معرض الكتاب يغادرون وهم حاملين في أيديهم أكواب الذرة المتبّلة أو آيسكريم أو قهوة ..!

أفراد مجتمعاتنا ليس لديهم ثقافة شراء كتاب أو حتى الاهتمام الكافي بحدث الكتاب نفسه رغم اهتمام مؤسسات بعض الدول والتي تحرص سنويا على إقامة أكثر من معرض للكتاب وتدشينها بمهرجانات وندوات تعنى بالتثقيف ولكن عادة لا يحضرها سوى المهتمين بهذه الثقافة ، ولكن ماذا عن باقي شرائح المجتمع .. ماذا عن دورهم تجاه الكتاب وتجاه تثقيف أنفسهم في عالم يخوض في صراع الفكر والاختراعات ..؟!

 هذا الاهتمام المتراخي بثقافة الكتاب من الطبيعي أن يؤثر بدوره على أبنائهم في زمن كزمننا أصبحت الأجهزة باختلاف أنواعها هي التي تثير اهتمامه أكثر من كتاب لم يتعرف عليه في صغره ؛ وحين بدأت علاقته بالكتاب ابتدأت مع الكتاب المدرسي المزدحم بالمعلومات التي تفرضها عليه وزارة التربية والتعليم ، ويتعاطى معها مضطرا كفرض مدرسي تؤهله للانتقال إلى مرحلة دراسية أخرى ..!

 هذا الكتاب المدرسي الذي يعطّله عن ألعابه وعن أشيائه المحببة ؛ بتأكيد طفل اليوم ليس كطفل الأمس .. فطفل الأمس أوضاعه النفسية والحياتية ليست كما طفل اليوم ؛ الطفل في تلك الأزمنة كانت المدرسة بالنسبة له فسحة يتلقى منها أشياء كثيرة لم يسبق أن تلقاها أو سمع بها في بيئته التي كانت ضئيلة في إمكانياتها المغرية وغالبا ما كان التلفاز هو وسيلة متعته الوحيدة .. ونظرا لظروفه وظروف العصر لم تكن الكتب متوفرة له ولم تكن ثمة معارض سنوية تقام بتلك الكثافة التي نشهدها اليوم ولهذا كان الكتاب المدرسي بيئة خصبة للتلقي والمعرفة والانفتاح ..

بينما طفل اليوم نشأ في عولمة اختصرت أمامه كل شيء ، ترعرع في بيئة مدهشة فمن خلال كبسة زر يحصل على كميات مهولة من المعلومات وهي متوفرة له في جهازه الخاص الذي يحمله معه في كل مكان والتي تشغل وقته كليا ، فالأجهزة التي يحملها ليست للمعرفة وحدها بل غنية بألعاب يحبذها ، وبما أن المدرسة مكان لها نظام خاص وقوانين تطلب من الطفل الالتزام بها فحين يذهب سيخلف وراءه سلسلة من الأجهزة هي وسيلته الماتعة للتواصل مع العالم ، هنا تكون المدرسة بمثابة حجر عثرة في طريقه ويكون الكتاب المدرسي والكتب الأخرى ليست من ضمن مخططاته أو ميوله واهتماماته ، وتبدأ علاقة التصادم ما بين رغبات الطفل ومصلحته في الحياة ..!

فهل يحرص الأفراد في مجتمعاتنا العربية لخلق صلة ما بين الطفل والكتاب منذ الصغر ..؟! هذا السؤال أما الإجابة فعليكم ولكن قبل أن أنهي المقالة سوف أعرض عليكم حكاية طفل مع الكتب رواها الكاتب الروائي " باولو كويلو " .. تقول الحكاية : " كنت عاكفا على توقيع الكتب لقراء في مينا بولس في الولايات المتحدة الأمريكية عندما طلب مني أحد القراء أن اكتب إهداء لابنه البالغ من العمر 16 عاما .. فسألته ضاحكا : " ألا تعتقد أن الوقت مبكر قليلا بالنسبة له في هذا الصدد ..؟ ورد الرجل : " لا ، فهو يحب الكتب حبا جما وعادة ما يلتهمها كلها .." وفي وقت لاحق وعندما علقت على هذا مع بعض الأصدقاء اكتشفت أن هذا الرجل لم يكن يأخذ الأمر على محمل الفكاهة ، فالآباء في الولايات المتحدة يعرّفون أطفالهم بالحضور المرتبط بالكتب .. "

ويضيف الروائي " باولو كويلو"  بقوله واصفا أهمية الكتاب عند هؤلاء الأطفال وحرص آبائهم : " في مرحلة مبكرة من العمر وعندما يدلف الصغار إلى أسرتهم فإن كتابا لابد أن يكون موجودا إلى جوار دمية الدب الشهيرة ووقت الاستحمام تجد كتابا بلاستيكيا جنبا إلى جنب مع اللعب التي تأخذ شكل المراكب والسفن في حوض الاستحمام مع الصغار وشيئا فشيئا يعتاد الأطفال ذلك وينتهي بهم الأمر إلى قبول الكتب باعتبارها جزءا مهما لا يتجزأ من حياتهم .."

 

ليلى البلوشي

الاثنين، 21 يناير 2013

إمبراطورية " النمل " ..


 
إمبراطورية " النمل " ..

 

نشر في جريدتي : الرؤية / العرب اللندنية

 

النمل .. وما أدراك ما النمل ..؟!

لقد كرم الله تعالى النمل بأن ذكره في القرآن الكريم في سورة سميت باسمه " سورة النمل " بقوله تعالى : ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(النمل: 18)

يُذكر أن النمل من الحشرات الاجتماعية الناجحة مثل: الزنابير، والنحل ، وهو في حالة عمل دائم ومستمر، ويدين بكامل الولاء والانتماء لمملكته ، والنمل يمثل 20% من الكائنات الحية على كوكب الأرض وتبلغ أنواعه ما يقرب من 20.000 نوع من النمل تنتشر تقريبًا في كل مكان في العالم..

ويبدو أن مملكة " النمل " لفتت علماء لوقت طويل وطالما كانت مظاهر حياة هذه الحشرات الصغيرة اهتمام تجاربهم الحثيثة علهم يكشفون غوامض أنظمتها البديعة التي سخرها الله عزوجل لهم ..

في أحدث بحث علمي تطرَّق لعالم النمل العجيب الذي لا تنتهي عجائبه، درس العلماء نموذجًا حيًّا لطبيعة الحياة السياسية بين الملكة والشغالات في مملكة النمل، وشاهد العلماء كيف يكون الصراع على السلطة ديمقراطيًّا.. وكيف تتغلب المصلحة العامة على المآرب الشخصية والنزعات العنصرية في أصغر مملكة في العالم.

وسلَّطت هذه النتائج الضوء على التركيب المعقَّد للحياة الاجتماعية في مملكة النمل ، التي تُعَدّ من أعقد النظم الاجتماعية في عالم الحشرات وأكثرها نجاحًا، وكانت دهشة العلماء كبيرة بعد أن أظهرت دراستهم طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم فيها من خلال الصراع حول تحديد النسبة الجنسية لسكان المملكة ..!

ويعرض هذا الصراع لمحة من الحياة السياسية لمجتمع النمل الذي لا توجد فيه ملكيَّة مستبدَّة مطلقة تحت سيطرة الملكة الأم ؛ حيث الملكة مسخَّرة لتحقيق إرادة نسلها ، كما أن المملكة ليست بجنَّة للشغالات في المقابل.. وأثبت العلماء أن الملكات والشغالات في مجتمع "نمل اللهب" خاصة في اختلاف وتفاوض للوصول إلى اتفاق نهائي حول تحديد نسبة ذكور وإناث النمل المنتجة حديثًا في المستعمرات، للحفاظ على استقرار ومستقبل المملكة‍. .

وطبقًا لبحث قام به فريق من الباحثين في جامعة "نورث كارولاينا "وتم نشره في مجلة " جورنال أوف ساينس " منذ ثلاث سنوات ، فإن الشغَّالات وملكات النمل عادة ما يتوصلن -عن طريق التفاوض - إلى "حل وسط" في خلافهن المستمر حول نسبة الذكور والإناث ..

الحديث يدور حول نوع من النمل يسمى " النمل اللهب " منشؤه الأصلي هو جنوب أمريكا، ويتسبَّب في خسائر هائلة للاقتصاد، وقد تتسبب أنواع منه في قتل الماشية والبشر في بعض الأحيان، وتُهدد كمياته الهائلة في وسط أمريكا الجنوبية بغزو خطير للولايات المتحدة، ولم تفلح المبيدات الكيماوية في إبادته ؛ لأنه يتميز بمعدلات عالية في التناسل ، حيث تُنتَج مئات من الملكات الجديدة التي تكون كل منهن قادرة على تكوين مستعمرة جديدة.

واللافت للنظر في هذه المملكة التي تغدو أشبه بإمبراطورية أن شغالات النمل كلهن من الإناث ، وهن أكثر عددًا ونشاطًا وعملاً في المستعمرة ، ويقمن عادة بجميع متطلبات المستعمرة من تجميع للغذاء، والدفاع عن المستعمرة، وحمايتها من الأعداء، وتنشئة وتربية الصغار ، أما الملكة فهي التي تقوم بوضع البيض ، وقد يصل عمرها إلى عشرين عامًا، وتُنتَج ذكور النمل وقت الحاجة فقط، ويموت الذكر بعد التزاوج مباشرة.

ويوضح الدكتور " إد فارجو" الأستاذ المساعد في علم الحشرات والمؤلف المشارك في البحث- أن أهمية هذه الدراسة تكمن في أن علماء الحشرات قد ظنوا لعقود طويلة أن الشغالات في مستعمرات النمل يسيطرن سيطرة كاملة على عدد الذكور الذي يُسمَح له بالعيش في المستعمرة ، وذلك عن طريق قتل العديد من الذكور، بينما ما زالوا في طور اليرقة.

وافترض العلماء أن الملكة- بكل بساطة- عبارة عن ماكينة وضع بيض، ولكن الحيرة تملكت العديد من العلماء العاملين في هذا المجال لعقود طويلة ؛ نظرًا لعدم ثبات عدد الذكور بالنسبة للإناث في مستعمرات النمل ، فضلاً عن زيادة نسبة الذكور في بعض المستعمرات بالرغم من هيمنة العاملات الإناث على هذه النسبة. .

ولكن " فارجو" وثلاثة من زملائه الأوروبيين وجدوا تفسيرًا آخر، وحسب تجربتهم العلمية أن الملكة يمكن أن تعدل في نسبة الجنس في مستعمرتها بتحديد عدد البيض المؤنث الذي تضعه، وبذلك تدخل الملكة في نزاع مع العاملات، وفي بعض الأحيان قد تمارس الملكة ضغطًا وسيطرة أكبر على العاملات ، وفي بعض الظروف فإن العاملات يمكن أن يمارسن ضغطًا أكبر على الملكة في المقابل ..

يُشار إلى أن ملكة النمل قادرة على تقرير المصير الجنسي لنسلها بالسماح للمني الذكري المخزون داخلها بتخصيب البيض ، أو إنتاج بيض غير مخصب ، ويصبح بذلك البيض المخصب إناثا وغير المخصب ذكورًا.

كما يشار إلى أن الصراع على السلطة بين العاملات والملكة في عالم النمل يرجع للمصالح والأولويات المختلفة لطرفي الصراع ، فضلاً عن الصفات الوراثية المتباينة ، فللعاملات نظرة عنصرية تتعلق بنوع وعدد الأعضاء الجدد في المستعمرة ؛ نظرًا لطبيعة النظام المُعقّد لتصميم الجنس في النمل والحشرات الاجتماعية الأخرى ، فالعاملات يصبحن أكثر صلة ببعضهن البعض ؛ لأنهن يشتركن في حوالي 75% من الجينات ، وفي المقابل يشتركن بنسبة 50% مع أمهن الملكة ، و25% فقط مع ذكور النمل ؛ لذلك فإن العاملات تفضلن عادة زيادة عدد أخواتهن ويقللن من عدد الإخوة الذكور في المستعمرة.

وفي المقابل تهتم الملكة أكثر بإنتاج الملكات الجديدات، وإنتاج الذكور للتزاوج مع ورثة العرش اللاتي سينشئن مستعمرات جديدة .. والملكة لديها قدرة عالية على المناورة ، فقد تجبر العاملات على قبول الأمر برفع نسبة البيض المذكر في المستعمرة ، وهو ما يجبرهن على قبول الوضع ، ويؤدي إلى زيادة نسبة الذكور رغمًا عنهن وحتى قدرتهن على قتل الذكور بشكل انتقائي فإنه لا يحدث في حالة رغبة الملكة في زيادة عدد الذكور؛ لأن ذلك يهدد ويدمر مصادر المستعمرة المحدودة. .

ومن جهته يؤكد " فارجو" على أن " لعبة شد الحبل" بين الملكة والعاملات تحدث عادة في نطاق المستعمرة ذاتها، وأن المستعمرة تستقر في النهاية على تحديد المهام الخاصة بها للحفاظ على مستقبلها ومستقبل أبنائها، لكن التنافس والصراع بين ملكات النمل يكون شديدًا لضمان بقاء جيناتهن لخلق المستعمرات القادمة. وعلى سبيل المثال فإن الملكة المتواجدة حديثًا في منطقة تتميز بوجود ملكات أخريات ينتجن أغلبية من الإناث، تتجه لإنتاج أغلبية من الذكور، والعكس بالعكس، وسر هذا الأمر المثير ما زال يُشكِّل لغزًا علميًا حتى الآن..

" إمبراطورية النمل " درس آخر من دروس الحياة ، حيث تكفل المواطنة الشاملة والعادلة والحرة البقاء والإستمرارية والخلود لحضارات ممالك وإمبراطورات ودول في كل زمان ومكان ..

 

ليلى البلوشي

الثلاثاء، 15 يناير 2013

مراسيم زمن الرومان ..!


 
 
مراسيم زمن الرومان ..!

 

نشر في جريدتي الرؤية / العرب اللندنية

 

أثناء قراءاتي لتاريخ المجتمع الروماني في عهوده العتيقة ، وقفت على جوانب هذا المجتمع الذي كان أبويا حتى النخاع ،هذا المجتمع البطريركي كان يسعى إلى إصدار قوانين تتآلف والمصلحة الخاصة بالإمبراطورية وطموحاتها دون أن تراعي حقوق المواطنة الشاملة ؛ فهو مجتمع كان يؤمن بحقوق مصلحته فقط وبما أنه مجتمع بني على قوائم ذكورية فمن الطبيعي أن يفرض فيه الرجل مواطنته وإن لم تبارك الإمبراطورية ذلك وإن لم يكن ضمن غاياتها وخططها ، فالرجل كانت وسيلة أما المرأة فكانت وسيلة وسلعة قابلة لكل شيء حسبما صفقات الإمبراطورية ، ومن الواضح عبر دروس التاريخ أن المجتمع الذي لا يراعي حقوق المرأة ومواطنتها الحقة على أرض إمبراطوريتها فمن الطبيعي أن تنهار ..!

يذهب معظم الفلاسفة والباحثين أن أهم سبب من أسباب انهيار الحضارة الرومانية هو عدم وجود جيل جديد يساندها في وقت سقوطها ، فالمجتمع الروماني كان مجتمعا قويا ، وقد خاض حروبا شرسة في الزمن السالف ونتيجة لذلك قضى معظم الرجال نحبهم في تلك الحروب ساقطين موتى بالآلاف ..

المجتمع الروماني كان مجتمعا عسكريا وطبيعة هذه المجتمعات أنها تعتمد على النسل لتدعيم مملكتها الضخمة ؛ ولهذا كان الزواج منظما ويتم للشاب في سن الرابعة عشر وللأنثى في سن الثانية عشر وليس مطلوب من المرأة سوى أن تنجب أبناء دون مراعاة لحقوقها كمواطنة حرة في مجتمع كان أبويا ضمن منظومة شديدة الصرامة ، ومن مظاهر تلك الأبوية القاسية كانت الأسرة أشبه بوحدة عسكرية من جيش في حرب دائمة وكان الأب وحده دون سائر أفراد الأسرة الذي له حقوق قانونية في عهد الجمهورية الأول ، فهو وحده الذي كان من حقه أن يشتري الملك ويحتفظ به ويبيعه حتى بائنة زوجته تكون ملكا له ، ليس هذا فقط بل كانت ابنته من ضمن مملكاته حتى إن تزوجت تظل تحت سلطتها ، إلا إذا أسلمها بنفسه إلى زوجها فتنتقل من ملكية الأب إلى ملكية الزوج ..!

ويبدو أن مجتمع الروماني كان متعمقا في نظامه الأبوي ؛ فحتى الابن كان كل ما يكسبه في نظر القانون ملكا خاصا لأبيه ولم يكن من حقه أن يتزوج دون موافقته ..!

ولعل هذه القوانين الصارمة هي التي كانت وراء تفلت المجتمع الروماني الذي مر بتحديات هائلة ، وكان من ضمنها سلسلة الحروب التي لم تهدأ أوارها ، وهذه الحروب كانت أشبه بتنين ضخم تلتهم الرجال ولا تخلف وراءها سوى الحرائق ؛ فاختل نظام السكاني في هذا المجتمع الذي كان عملاقا وحريصا تمام الحرص على زيادة النسل باستمرار وكانت هذه الوظيفة تقوم بها المرأة ، فعسكرية النظام كان بحاجة ماسة إلى ذكور لحروبها وكانت المرأة التي تجهض نفسها تعاقب بالإعدام كما تعاقب إن لم تمارس دورها كأم ..!

بل بالغ المجتمع الذكوري في إسقاط كرامة المرأة كإنسانة ؛ فالرجل منهم حين يكتفي بعدد أطفاله كان القانون يخول له أن يعطي زوجته إلى جاره الذي لا ولد له ؛ كي تنجب له أبناء أو يقدمها لأي إنسان يرغبها لمدة معينة أو لزمن غير نحدد ، هنا يتضح لنا مدى استبدادية هذا المجتمع الذي كان يسعى فقط لغاياته ويكتفي بتحقيق مآربه ، فدور المرأة الأساسي في المجتمعات الحربية هي إنجاب الأبناء ولا يهم السبل لذلك والمرأة مجرد متاع وكان يطلب من الرجل أن يتجرد من غيرته بسبب حاجة المجتمع للعدد الوفير من الرجال المحاربين ..!

كل هذه القوانين الصارمة جعل المرأة تطالب بتحريرها من النظام البطريركي ، بل جعل النساء والشباب يمتنعون عن الزواج ويميلون للعلاقات الحرة التي تعفيهم عن المسؤوليات الجمة التي يطالب بها المجتمع الصارم وهنا كانت بداية الانهيار ..!

ونتيجة للفوضى السائدة وقتذاك فقد سعى أباطرتهم إلى الإصلاح الإجتماعي ؛ كي يستعيد المجتمع المختل نظام توازنه ويذكر أن " أغسطس " هو مؤسس النظام الامبراطوري الروماني ومن أعظم ساسة روما وقادتها على مر العصور والذي كان يعرف بأسماء عديدة وكان أشهرها لقبه " أغسطس" والتي تعني " القديس " ، كان من الحكام الذين اتصفوا بالجدية والصرامة والسعي الدؤوب للإصلاح على المستوى الإجتماعي ونتيجة للحالات الطلاق السائدة وامتناع الأفراد عن الزواج في ظل مجتمع متساهل في ممارسة الفجور والرذيلة  وضع " أغسطس " لائحة قوانين تهدف العودة إلى روح العهد القديم ورصانته التي بلي عهدها ، ومن تلك القوانين أنه سوف يذيق أشد العقوبات كل من يمارس الزنا والتي عدها إساءة إجتماعية ، كما أنه منع حضور النساء من حفلات الألعاب الرياضية ، ولكن أشهر تلك التشريعات كانت تنظم الطلاق وتشجع العودة إلى العائلات الكبيرة ، ولم يكتف بهذه القوانين الأولية بل حرص على إصدار لائحة أخرى بالقوانين وكان من ضمنها أن العزاب وبحسب مرسوم " لكس جوليا " للقرارات يحرمون من الإرث ، أما المتزوجون الذين لم ينجبوا أطفال كان عليهم دفع ضرائب باهضة على الإرث ..

وبعدها بزمن صدر مرسوم آخر كان يدعى مرسوم " لكس بابيا بوبايا " يكافأ بموجبه الأبوان اللذان ينجبان ثلاثة أطفال فما فوق بإعفائهم من ضرائب معينة وبتفضيلهم في ترقيات الوظائف ..

ولكن هذه الأنظمة واللوائح الجديدة لم تفلح في إعادة الشعب إلى سابق عهده حيث الولاء والطاعة العمياء ؛ وهذا أمر طبيعي لم يفلح أباطرة الرومان في فهمه ، فكل جيل يحمل طابعه الخاص وتمرده الخاص وتحدياته الخاصة وكل ذلك في ظل نفسيات قابلة للتغيير والتجدد والإنطلاق ، وليس من المعقول والحكمة أن تسير كل الأجيال على الخط نفسه وأن تبقى له الأطباع نفسها التي كانت سائدة عند الجيل السالف في تقبّله لسياسات حكامها التي تفرض على هوى مصالحهم قبل كل شيء ..!

الإمبراطورية الرومانية أو غيرها من الإمبراطوريات وجب على أممنا العربية أن تأخذ منها حزما من الدروس والعبر في مراعاة المواطنة لكافة أفراد المجتمع دون تمييز جنس على آخر ، وأن تصدر لوائح وقوانين تصب في مصلحة الشعوب لا تكون كداعيات لمصالحها السلطوية الخاصة ..!

ولعل من أهم الرؤى التي يجب أن تقف عليها حكومات اليوم هو أن كل جيل له خصوصيته وله أفكاره وتوجهاته ولن يعودوا إلى الوراء بينما الزمن يتقدم وبينما العالم في لهاث نحو التغيير ، فما تزال سياسات بعض الدول متأخرة إلى زمن معطل يستجدي من ابن قرن الحادي والعشرين ما كان مفعولا وساريا عند ابن قرن العشرين ..!

الإمبراطورية الرومانية التي صمدت ثلاثة قرون سقطت في غمضة عين وكأن شيئا لم يكن ..! في زمن التغيير تعرف الحضارات العظيمة كيف تتماشى مع تغيرات الزمن والعالم والتاريخ ، والأهم أنها تعرف كيف تحتوي شعوبها وتطلعاتهم نحو مستقبل زاخم بمصلحة الشعب وبقائه كي تبقى صامدة كمماليك وإمبراطوريات ودول ..

ليلى البلوشي

الاثنين، 7 يناير 2013

أنا أكلت خبز الدم ..!


 
 
أنا أكلت خبز الدم ..!

 

نشر في جريدتي الرؤية / العرب

 

" سوريا " ماذا يمكن أن نكتب عن " سوريا " بعد مرور عامين على ثورة الحرية والعدالة .. ثورة تقاوم بدم جسدها وروحها الاستبداد والمجازر والدم والقهر والجوع ..؟!  سيرة ثورية بين شعب أعزل وبين شبيح عزم حتى آخر رمق من وحشيته أن يبيد شعبا طالما كان مبادا من قبل .. لكن الفارق أن الإبادة الجارية اليوم على مرأى من العالم لا في الخفاء كما كان في الماضي .. الفارق أن كل محاولات تلميع الواقع الشبيحي ما عادت تجدي فهو مفضوح ؛ فهل يمكن أن نكمم رائحة الدم النفاذة وأم نواري سوءات جثث متفحمة ..!

ماذا اكتب عن " سوريا " اليوم في عز فصل صقيعي متجمد من الرعب والجوع ..؟! هياكل عظمية تنافح عن حقها في العيش على أرض هي ملكها .. على أرض اعتقد طاغية سفاح أنه مالكها الوحيد الذي لا شريك له .. !

لا أستطيع – شخصيا – بعد الآن أن اكتب عن " سوريا " وإن حصل واقترفت الكتابة عن " سوريا " فإنها ستكون كتابة حمراء بلون الدم .. برائحة جثث متفسخة وذكريات متفحمة ..!

لكنني اليوم سأترككم مع حكاية لرجل سوري مع " خبز العدس " من ذاكرة صحفي سوري منضم لجيش الحر " حسين الجمو " .. ويبدأ حكايته عن " العم عثمان " ليرويها :

" كان العم عثمان يروي لنا في أواخر أيامه فصولاً قاسية من حياته تعود إلى طفولته.. واعتاد أن يختار قصصاً محددة ليرويها بذاتها دون غيرها، وهذا ما جعل من تكراره للقصة ذاتها علينا مراراً غير مفهوم بالنسبة لنا.

بعد سنوات من وفاته لم يتبقَ شيء أتذكره من مروياته المتنوعة والممتدة لفترة من الزمن سوى جزئية واحدة فقط، وهي متعلقة بالخبز.. وتبدأ القصة في ربيع سنة سبقها موسم جفاف ضرب معه إنتاج الحقول من القمح والشعير، ونقص المخزون الذي يعينهم للوصول إلى الموسم التالي في فصل الصيف.. بقيت لكل عائلة ما يعينها على الصمود أياماً قليلة فقط، والكميات المتوفرة لدى كل من هذه العائلات لا تتحمّل توزيعها على الآخرين للمساعدة ، فاحتفظ الجميع بالكمية التي لديهم في ظل استهلاك متقشف للغاية.

لم يكن الشاب عثمان من الذين يخزنون أي كمية من الطحين، ونفد منه القمح نهائياً.. كان البديل هو خبز الشعير الرديء جداً، لكن حتى هذا لم يكن متوفراً.

عندما يصل إلى نقطة الحديث عن خبز الشعير، كان أحد الحضور من كبّار السن أيضاً، يهز رأسه ويلقي بجملة واحدة فقط : "أنا عشت تلك الأيام" ويقصد أنه مرّ بتجربة خبز الشعير، لكن العم عثمان يبادره بابتسامة فورية ويردف مؤنباً : "وما هي المشكلة في خبز الشعير.. هي نعمة من الله .. نعمة ". ثم يلتفت إلينا : "بني.. أنا أكلت خبز العدس".. يرفع وجهه إلى السماء ويقهقه عميقاً مثل آبار البدو في البرّية.. يقول مرة أخرى : "خبز العدس" ويضحك حتى تأتيه نوبة سعال حادة توقف جموح نوبة الضحك. وباعتبار أني كنت من المحبين للعدس الأخضر وآكله من الحقل مباشرة فقد استغربت من إشاراته إلى أن خبز العدس تجربة سيئة، وعندما سألته عما يقصده، وما الفرق بين خبز العدس وبين خبزنا الحالي؟ كانت تعود إليه نوبة ضحك أشد خطراً من الأولى، ويقتنص لحظة بين فراغات الضحك ليقول: "الحمار.. الحمار وهو حمار لا يستطيع مضغ هذا الخبز".. يقولها وهو يواصل قهقهته الطويلة قبل أن يقوم عن الكرسي ويغادر مرتاحاً... وفخوراً بأنه الوحيد الذي ذاق من القرية خبز العدس الذي يكون بسماكة كف اليد وذو رائحة كريهة..

العم عثمان ليس هنا لأروي له ما يجري اليوم.. كل سوريا تعيش أياماً تعادل ما عاشه إن لم يكن أكثر. أطفال سوريا وشيبها يكونون جوعى هذه الأيام.. لا عدس ولا أرز ولا قمح ولا شعير..!

تعال يا عمّي وأخبرنا كيف نصنع خبز العدس الذي كنت تذوقته " أيام الرفاه" كما سيقول أطفال سوريا الذين سيقهقهون قريباً.. بعمق.. كمنجم فحم ..!"

ياااه ... حكاية العم عثمان مخبوزة بالمرارة في زمن كان الجوع وحده يعبر أجسادهم .. لكن ماذا لو أن العم عثمان في سوريا اليوم ..؟!

أي حكاية كان سيرويها العم عثمان عن سوريا اليوم التي تركها القاصي والداني وليمة لشبيح متعطش للدم ؛ لسفاح طاغية قصف في الأيام نفسها جوعى مصطفين لشراء الخبز أمام أفران الجوع والقهر والدم والصقيع .. نكاية بهم تم قصفهم والعالم بأكمله يتفرج على جثث هياكل متفحمة وطحين مبقّع بالدم والدموع  ..؟!

هل سمعتم أيها العالم عن " حلفايا " و" تلبيسة " و " البصيرة " ..؟!

العم عثمان – الله يرحمه – صنع خبز العدس وليس موجودا اليوم في سوريا ليعجن الطحين المصبوغ بالدم ويسرد حكايته ويختمها بعبارته التي كان سيخلدها التاريخ : " أنا أكلت خبز الدم " ؛ لأن الخبز العدس سيكون ترفاً وبذخاً في سوريا الدم والجوع والقهر والبرد ..!

 

ليلى البلوشي

الثلاثاء، 1 يناير 2013

" يوسف ندا " من داخل الإخوان المسلمين ..


 
 
" يوسف ندا " من داخل الإخوان المسلمين

 

نشر في جريدتي : الرؤية / العرب اللندنية

 

" يوسف ندا " من داخل الإخوان المسلمين عنوان يتصدر هذا الكتاب الذي بين يدي يحكي سيرة حياة رجل غامض بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .. " يوسف ندا " قبل أن ينشر سيرته في كتاب ورقي سبق وعرى كثيرا من حقائق ومؤامرات عالم السياسة العالمية في برنامج لقناة الجزيرة " شاهد على العصر " الذي يقدمه المذيع أحمد منصور ..

" دوجلاس تومسون " كاتب سيرة " يوسف ندا " يقوله في المقدمة عنه : " هذا الرجل الذي يعلم الجانب الأكبر مما لم يروه أحد عن نصف قرن من الغضب والثورة لقد حضر وشهد الحروب وحوادث الإرهاب العالمي والأزمات الدولية المعقدة ورآها من الداخل فهو شاهد عيان على التاريخ ومشارك حقيقي ومفاوض في صنع الأحداث التي شكلت هذا التاريخ " ..

بعد هذا التعريف الصاخب عن " يوسف ندا " يحاول كل قارئ للكتاب أن يعرف من هو هذا الرجل الذي يحمل رصيدا تاريخيا لا يستهان به البتة حول العالم ..

" يوسف ندا " هو مصري يعيش في المنفى ويقول لكل الناس إنه تشرف بعضويته في جماعة الإخوان المسلمين لأكثر من 60 عاما وهي أكثر المنظمات الإسلامية في العالم العربي تأثيرا وغموضا وإثارة للجدل ..

مر " يوسف ندا " مذ بلوغه بأحداث جسام أجرت تغييرا جذريا على حياته ولعل من أهمها حدثين ؛ الأول حين ألقي القبض عليه وهو في عامه الثالث والعشرون بتهمة انضمامه للإخوان المسلمين وذلك في عهد الرئيس " جمال عبدالناصر " وهنا تبدأ مرحلة جديدة في حياة " يوسف ندا " حيث اقتاده الجنود العسكريون من منزل أهله في الإسكندرية إلى سجن حربي فعايش رعبا حقيقيا عن الويلات التي ذاقها السجناء هناك ؛ مفصحا بذلك أهم تفاصيل القمع الذي تعرض لها جماعة الإخوان المسلمون في عهد زعيم القومية " جمال عبدالناصر " كما تشير اعترافات الكتاب بنصه : " هذه الوحشية أصبحت من نظام الحياة في مصر بعد استيلاء البكباشي جمال عبدالناصر على السلطة في أعقاب ثورة 1952م .. كان يخشى أن يفقد السيطرة وأن يخسر قلوب المصريين وعقولهم أمام الإخوان المسلمين الأكثر شعبية فكان رد فعله هو إزاحتهم عن الأنظار وهكذا امتلأت السجون بأكثر من 300 ألف عضو من جماعة الإخوان في السنوات الأولى من عهد عبدالناصر " ..

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : متى أصبح " يوسف ندا " عضوا في جماعة الإخوان المسلمين ..؟

يحكي " يوسف ندا " حادثة كانت سببا فعليا لدخوله إلى عالم الإخوان المسلمين ؛ حيث يصف أنه في يوم من عام 1948م كان يمضي في طريقه فصادف اثنين يتقاتلان بالسكاكين ؛ لقد هاله ما رأى واعتقد أن الشرطة ستصل بين لحظة وأخرى لتفض المشتبكين ، ولكن ما حدث أن مرت جماعة من الشباب وعمدوا إلى فض الاشتباك بين الطرفين المتناحرين وتباعد بينهم بالكلمة الطيبة والاحتضان مهدئة الخواطر والموقف كله .. كان الوسطاء هم من جماعة الإخوان المسلمين ومن هذه الحادثة تقرب منهم وأصبح عضوا فاعلا فيهم وتوسعت من خلالها صلاته حول العالم .. حيث يعرض الكتاب كيف أن " يوسف ندا " كان وجها بارزا لحل كثير من قضايا الشرق والغرب في العالم بمباركة مرشد جماعة الإخوان المسلمين ؛ حيث كانت تلك الدول تسعى إلى طلب مساندة الإخوان لحل معضلة عالقة ومن ذلك استعانة أمريكا بهم حين حجز أتباع " الخميني " رهائن أمريكية في مظاهرة شعبية حرضها المرشد الإيراني لتحدي أمريكا ؛ فحاصر الشباب السفارة الأمريكية في طهران وحجزوا حوالي 36 أمريكيا وقتئذ .. فلجأت أمريكا مستعينة بالإخوان قائلة لمرشدهم الذي كان " عمر التلمساني "  : " أنت رئيس منظمة إسلامية وإيران دولة إسلامية وأنت تعرف كيف تخاطبهم وبإمكانك أن تتدخل فهلا ساعدتنا ..؟" علما أن علاقة إخوان المسلمين بالثورة الإيرانية ومرشدها كانت طيبة ؛ حيث وقفوا إلى جانبهم حين دعوا إلى إسقاط حكم الشاه وهنا يبرر " يوسف ندا " عن هذا التأييد بقوله : " اعتقدنا أننا نرضي الله بتأييدنا للثورة وكنا نعتبر أي حركة في العالم ترفع الظلم عن كاهل المسلمين هي حركتنا " لاحظوا أن كلمة " اعتقدنا" ترمز اليوم إلى خيبة أمل مريرة عن موقف إخوان المسلمين من الثورة الإيرانية ومرشدها ..

كما عملت جماعة الإخوان المسلمين وعضوهم الفاعل " يوسف ندا " في تسوية كثير من القضايا كوصول لتسوية حرب العراقية والكويتية ؛ حيث قابل رجل الإخوان " يوسف ندا " الرئيس العراقي السابق " صدام حسين " لحل أزمة الحرب التي كانت قائمة وقتذاك بين العراق والكويت ..!

ودوره في تسوية الخلافات ما بين المملكة العربية السعودية واليمن على مسألة الحدود .. وقضية اليمن من جهة أخرى والتي ربحتها بواسطة " يوسف ندا " التي كانت ضد أرتيريا في التحكيم الدولي على جزر حنيش وسقر .. هذا إضافة إلى كشف كثير من وثائق وصلات سرية كانت بين الزعيم الليبي المقتول " معمر القذافي " وصلاته الوثيقة بإسرائيل ..!

أما الحدث الآخر الذي نكأ بحياة " يوسف ندا " بعد أحداث 11 من ستمبر تصدر اسمه قوائم الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ؛ فقد اتهمت سياسة بوش الأمريكية بنكه المعروف " التقوى " بتمويل القاعدة وعلى رأسهم " أسامة بن لادن " ..!

تعرض " يوسف ندا " بعد هذا الاتهام الموجه له لسوء سمعة ونتيجة لسياسات تجميد كافة أمواله وحساباته فقد تعثرت تجارته التي قضى أعوام في إنعاشها .. وقضى بقية سنواته الأخرى لاستعادة سمعته وصورته أمام العالم حتى احتكمت الأدلة الأجنبية إلى براءته وبنكه " التقوى " من تهمة تمويل الإرهاب ..

جاءت سيرة " يوسف ندا " حاملة لكثير من التجارب السياسية ، وكما احتوى على بعض رؤى يراها هذا السياسي المحنك بعد صلات واسعة حول العالم ، ومن ضمن تلك الرؤى بين أن الثورات التي قامت قبل هذا الربيع كانت انقلابات عسكرية أكثر من كونها ثورات شعوب .. لكن ثورات الشعوب برزت مع الربيع العربي حيث الشعب هو من يسقط الطغاة وليس العسكر .. كما أشار أن اشتعال الربيع العربي قد يكون امتدادا لاشتعال الربيع الخليجي ومما قاله في هذا الشأن : " هناك أماكن أخرى تتهيأ للانقلاب القادم لكن الثورة القادمة من المحتمل أن تقوم في المملكة العربية السعودية والخليج هذه أكثر الدول عرضة لذلك ، وعندما تحدث ثورة هناك فسوف يدبر الأمريكيون انقلابا له من الآن ، إما من خلال أحد أفراد الأسرة الحاكمة وإما الجيش وإما الأجهزة  الأمنية .. فهم يريدون أن يكون الجالس على العرش أحد رجالهم ومسيطرا على الأمور " ..!

كما أنه خصص حديثا عن الثورة المصرية وكيف أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن لها نية في ترشيح أعضاءها لرئاسة الجمهورية .. في الوقت نفسه يرى " يوسف ندا " أن ترشيح الإخوان للرئاسة وفوز أحد أعضائهم بها منح جماعة الإخوان المسلمين شرعية بعد 84 عاما من النضال في ظل الملكية والدكتاتورية .. كما أنه أثنى على الدكتور " محمد مرسي " مشيرا إلى أنه و" سعد الكتاتني " من أكفأ وأفضل الإخوان ..

وأخيرا يرى أن جماعة الإخوان المسلمين كان ضحايا الآلة الإعلامية وأنهم بين حجري الرحى فالناس العاديون المطيعون للقانون قد حصروا بين رجال الإرهاب المجانين والحكومات الدكتاتورية المستفزة من قبلهم ..!

لا شك أن سيرة " يوسف ندا " سيرة غنية وثقيلة بأحداث جسام كشاهد مرّ على العصر وشهد أهم فتراتها اشتعالا وتحديا وعبر جماعة عرفت بالإخوان المسلمين ما تزال تحظى بالرفض النسبي وتُعرف بالغموض .. ولعل قادم الأعوام يكون مع أو ضد " إخوان المسلمين " وحده التاريخ يدوّن ذاكرة العصر ويراكمها لأجيال قادمة ..

 

ليلى البلوشي