الاثنين، 24 مارس 2014

صانع الأحلام ..

صانع الأحلام ..

جريدة الرؤية ..


" مازلت حيا ..! وأؤمن بأني سأجد الطريق يوما ما إلى ذاتي إلى حلمي ، إلى ما أريد ..! "

-       محمود درويش –

* *  *
 لكل منا " أحلام " خبيئة في حيز ما ..!
 بعض الأحلام صغيرة بحجم كف اليد ، وبعضها كبيرة كساحة ملعب ، وبعضها فضفاضة كثوب امرأة بدينة ، وبعضها ضيقة كأنبوب مص .. وأحلام طويلة الضفائر تحتاج إلى تشذيب أما الأحلام الرتيبة فتحتاج إلى روح البعث .. بعض منها تعرف طريقها إلى غايتها النبيلة وبعضها الآخر تغدو معلقة ، تائهة ، وقد تظل ضائعة الهوية لأعوام مديدة .. !
معظم أحلامنا كانت رغبات نائمة على وسائد الأمنيات .. والأحلام أفكار نحن نصنعها ونجرّها إلى حيث نحن ، إلى حيث نريدها أن تكون على أرض وجودنا كي نكتمل معها أو هكذا تخال دائرة اكتمالنا الناقصة أبدا ..
 نجعلها جزءا منا أو نريد أن تكون جزءا منا ربما لأنها تشبهنا أو تثيرنا .. ربما لأنها غريبة عنا وبدافع من الفضول نريد قنصها أو ربما لنزوة دهشة نندفع نحوها دون سواها .. تلك الأفكار الصغيرة بحجم دعسوقة سرعان ما تستحيل إلى أشياء كبيرة تجسد توقنا لها  ..
حتى الأحلام على قناعة بأنها تنشطر إلى نوعين : أحلام تعتمد على همّتنا ، وأحلام تعتمد على همّة الآخرين ..
أما النوع الثاني فهي ما تشيب المرء حقا ؛ لأننا نستطيع تحريك أنفسنا لكننا لا نستطيع إجبار الآخرين على تحويل حلم يجمعنا معهم إلى واقع ، وذلك لا يتأتى سوى حين تكون رغبتهما متوحدة وتسير في الاتجاه نفسه ..
وفي أحايين أخرى تكون الأيام هي عدونا اللدود لأحلامنا وبأهوائها الخاصة تحقق ما تريد وترمي ما لا تريد في قمقم الأمنيات ، ويظل حالمها يحلم باصطيادها يوما بعد يوم وقرنا بعد قرن ..
وبعض الأحلام تكون مزعجة لصاحبها فلا تنفك عنه حتى تجد طريقها في سماوات واقعه ، جميلة هذه الأحلام الدافعة لكنها إن تحققت بعد فوات الأوان ، فإن قيمتها الحقيقية بعدئذ تشيخ ..!
ومهما يكن لا تختصر الحياة في حلم واحد بل عدد في أحلامك وأحلم بقدر ما تشاء .. وإن مضى حلم فتش عن غيره في كل أفق يطل عليك وعلى كل أرض تطأه قدماك ، وإن مات حلمك فلا تيأس وجدّ طرقا أخرى لبعثها من جديد ، وإن انهار عنك حلم ما ابن حلما جديدا مكانه ، فلعل الحلم العتيق لم يبتّ لك الخير الذي كنت تريد ، ويجب على الإنسان أن يناضل في سبيل أحلامه فهي تحقيق لذاته الإنسانية في الوجود .. كما يرى " باولو كويليو ": ( يجب على الإنسان أن يناضل من أجل أحلامه ، ولكن يجب أن يعرف أيضا أن بعض الطرق عندما تبدو مستحيلة ، فمن الأفضل الاحتفاظ بالطاقة من أجل السير في طرق أخرى ) ..
والإنسان الذي تخلو حياته من الأحلام هو إنسان هائم على وجهه في صحراء شاسعة من الفراغ والضجر ويبهت مع ضياعه قيمة الزمن ويترهل معنى الشباب الحقيقي فيه والأهم من ذلك العمر يتوه في لا شيء ..( وقد يصبح العمر أحلاما نطاردها تجري ونجري وتدمينا ولا نصل ) كما يقول " فاروق جويدة " ..
ليس مهما أن نحقق كل ما نتوق له بل يكفي أحيانا أن نعيش لحظات الحلم ونحييه بخيالاتنا .. لا تبتئس إن تاهت أحلامك العتيقة دربها إلى الضوء ، فيكفي أنك حلمت بها .. يكفي أنك كنت سعيدا حين كنت تحلم بها ..
ختاما : صانع الأحلام ليس كهادم الأحلام ؛ كن بنّاءً لا هداما ..!

ليلى البلوشي

الثلاثاء، 18 مارس 2014

خطب محمود درويش الكافرة ..!

خطب محمود درويش الكافرة ..!

جريدة الرؤية

إنه الـــ 13 من مارس ذكرى ميلاد الشاعر الفلسطيني " محود درويش " شاعر الحب والوطن والمقاومة لهذا لا تندهش .. لا تستغرب مطلقا أن تتزامن ذكرى ميلاده مع الهجمات الإسرائيلية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ عدة أيام ، فتعود ذكرى شاعر الأرض والمقاومة بقوة مع كلماته التي تقول : " البنادق العربية تصوّب إلى كل الاتجاهات إلا الاتجاه الصحيح " ..!
ثم تستحضر ذكرى الشاعر بقوة .. بقوة أعنف حين تقرأ خبر : سحب الأعمال الكاملة للشاعر الفلسطيني محمود درويش في الأيام الأخيرة من معرض الرياض للكتاب ..!
أي احتفال ميلادي .. أي احتفاء لشاعر عظيم بوزن محمود درويش ؛ وتشعر كم أن الكلمة محاصرة ، وخطرة ، ومخنوقة .. كم أنها قنبلة نووية موقوتة تهدد عرش ممالك بأكملها ..!
تغتبط .. على الرغم من كل تلك الأسوار ينتابك شعور هائل بالاغتباط ؛ لأن الكلمة تثبت مع مرور عبء الأيام والشهور والأعوام أنها ثقيلة وفاعلة وصامدة وقادرة ، وأن قيراطها يساوي أوطانا بكامل عروشها المهزوزة من خفة كلمة ، وطرافة كلمة ، وقوة كلمة ، وقدرة كلمة ..!
الأعمال الكاملة للشاعر محمود درويش أغضبت المتحسبين ، لأنها تحتوي على عبارات تكفيرية ..! هكذا نشرت صحيفة سبق السعودية .. !
نعم .. نعم .. عبارات تكفيرية ؛ لنستحضر هنا في هذه المقالة بعض العبارات التكفيرية التي يرون أنها تهدد دين الإنسان المسلم والتي تتلاعب بعقله الرزين ، تلك الكلمات ، العبارات التي خطها الشاعر بروح دمه طوال تلك الأعوام ، أعوام الخيبة إلى أعوام الهزيمة والانكسار والصدمة الكبرى حيث الدم العربي يحتفي بطريقته الخاصة بالدم العربي ..!
تفتح كتاب " خطب الدكتاتور " لتنتقي بعض عبارات التكفير والفسوق تلك التي غدت كشوكة في حلوق بعضهم فتكتب : " وفي "خطاب الجلوس" يعلن الدكتاتور على الملأ ما يلي : "سأختار شعبي، سأختار أفراد شعبي، سأختاركم واحداً واحداً، من سلالة أمي ومن مذهبي، سأختاركم كي تكون جديرين بي... سأختار شعباً محبّاً، وصلباً، وعذباً، سأختار أصلحكم للبقاء ، وأنجحكم في الدعاء لطول جلوسي ..!"
تتماهى سخرية الشاعر من الدكتاتور مداها حين يخاطب شعبه في الخطاب نفسه معلنا : " سأختار أفراد شعبي .. سأختاركم واحدا واحدا كي تكونوا ، جديرين بي ، وأكون جديرا بكم ، سأمنحكم حقا أن تخدموني ، وأن ترفعوا صوري فوق جدرانكم ، وأن تشكروني لأني رضيت لكم أمة لي ، سأمنحكم حق أن تتملوا ملامح وجهي كل عام جديد ، سأمنحكم كل حق تريدون : حق البكاء على موت قط شريد .." !
في خطاب الضجر يبدو الدكتاتور متأففا من آفة الضجر : " ضجر .. ضجر .. وما من خبر ..؟ ، وأكتب في العام عشرينا سطرا بلا خطأ نحوي ، وتعرف ، يا شعب ، أني رسول القدر ، وألغي الزراعة ، وألغي الفكاهة ، وألغي الصحافة .. وما من خبر ؟ وأختصر الناس : أسجن ثلثا ، أطرد ثلثا ، وأبقي من الثلث حاشية للسمر .. وما من خبر ! "
يتضخم الضجر عن الدكتاتور ليصل مداه : " ومنذ صباي المبكر أخطب فيكم ، وأحكمكم واحدا واحدا ، وفي كل يوم أعد لكم مؤتمر ، فمن منكم يستطيع الجلوس ثلاثون عاما على مقعد واحد ، دون أن يتخشّب ، ومن منكم يستطيع السهر ثلاثين عاما ليمنع شعبا من الذكريات وحب السفر ؟ " ..
الدكتاتور هنا يرسم في خطابه مساراً واحداً وحيداً للشعب لا يجوز ولا يمكن اختيار غيره : "... و يا أيها الشعب ، يا سيد المعجزات ، ويا باني الهرمين ، أريدك أن ترتفع إلى مستوى العصر. صمتاً وصمتاً، لنسمع وقع خطانا على الأرض ، ماذا دفعنا لكي نندفع.. ثلاث حروب وأرضاً أقل ، وخمسين ألف شهيد وخبزاً أقل ، وتأميم أفكار شعب يحب الحياة ورقصاً أقل ، فهل نستطيع المضي أماماً ؟ وهذا الأمام حطام ؟ أليس السلام هو الحل؟ عاش السلام... ومن أجل هذا السلام أعيد الجنود من الثكنات إلى العاصمة، واجعلهم شرطة للدفاع عن الأمن ضد الرعاع، وضد الجياع، وضد اتساع المعارضة الآثمة، فليس السلام مع الآخرين هناك سلاماً مع الغاضبين هنا، هنا لن تقوم لأي فئات يسارية قائمة، سأفرم لحم اليسار، وأحجب ضوء النهار عن الزمرة الناقمة ، وفي السجن متسع للجميع ، من الشيخ حتى الرضيع ، من رجل الدين حتى النقابي .. والخادمة، فليس السلام مع الآخرين هناك سلاماً مع الرافضين هنا، هنا طاعة وانسجام، ليحيا السلام".
في "خطاب الأمير" يقف الأمير .. الدكتاتور على رأس شعبه البليد متحدثا بغطرسة : "أحبوا الأمير، وخافوا الأمير، ولا تقنطوا من دهاء الأمير، فليست لنا غاية في المسير، ولا هدف غير أن تستقر الأمور، على ما استقرت عليه : أمير على عرشه ، وشعب على نعشه ، أنا خنجر من حرير، أحب الرعية إن أخلصت ، وإن أرخصت دمها في سبيل الأمير، فعمر الرعية في الحب عمر طويل، وعمر الرعية إن كرهتني قصير... أنا السيف والورد والمصلحة، وليس على ما أقول شهيد، وليس على ما أريد قيود".
ليبسط استبداه الماحق قائلا : " .. ثمانين حولا ،  سأحكمكم .. لا مفرّ ، إذا كانت الحرب كراً وفراً ، وكان السلام مكراً مفراً ، فإن النظام مكرٌّ .. مكرُّ " ..
في خطاب القبر يجدف الدكتاتور ولكن من يبالي بتكفيره فهو الحاكم وكل القوانين والأنعام تخضع له ، وهو الخالق الذي ينفخ في روح شعبه الحياة أو الموت - شاء أم أبى -  : " بلغت الثمانين لكنني سأعيش ثمانين أخرى ، وتسعين أخرى .. وأرفع سيفي قلم ، وأحمل عنكم توابيتكم عندما تهلكون ، ...، فمن واجبي أن أعيش ومن حقكم أن تموتوا ، لأنجب جيلا جديدا يواصل أحلامكم ، ...، أنا الموت ، والموت لا ريب فيه ، أنا من أعد لكم أجلا لا مرد له ، فاعلموا ، أن ما فوق أرضي يجري بأمري ، وما تحت أرضي يجري بأمري ، فلا تهربوا من مشيئة قصري .."
أما في خطاب الفكرة فإن الدكتاتور صاحب الأفكار كلها يذعن : " أقول لكم ما يقرره الحزب ، والحزب سلطتنا المطلقة ، سننشئ من أجل برنامج الحزب ، من أجلكم ، طبقة ، هي القوة الصاعدة ، ونعلن من أرضنا ثورة الفقراء على الفقراء ، فليس على أرضنا أغنياء ، لنأخذ أملاكهم ، فلنوّزع إذا ، فقرنا ، على فقرنا في إذاعتنا والجريدة .."!
خطب الدكتاتور لم تنته ففي كل مناسبة له خطبة لشعبه ، ولأنها أفكار تكفيرية تلك التي ملئت بها خطب الدكتاتور ومعظم أعمال الشاعر محمود درويش ، فإن على القارئ .. على الإنسان العربي قبل أن يجرؤ على قراءة أعماله – صونا لإيمانه- أن يتصل بدار الافتاء ليسألهم : يا شيخ ، هل يجوز قراءة هذا الشعر ، هل هو حرام أم حلال ..؟
ليلى البلوشي

الجمعة، 7 مارس 2014

المرأة في يومها العالمي ..

المرأة في يومها العالمي ..!

الرؤية ..

الثامن من مارس هو يوم " المرأة العالمي " كما أطلقته عليه ماما أمريكا ، ما الذي يمثله هذا اليوم المصنوع أمريكيا للمرأة العربية أو الخليجية ..؟ وهل هذا الاعتراف العالمي بالمرأة من قبل أمريكا والعالم المترامي يخفف من عبء ما تعانيه المرأة العربية على العموم أو المرأة الخليجية على سبيل التخصيص ..؟!
عربيا أو خليجيا عادة لا تجد سوى تلك القيود الخانقة حول المرأة والرجل ، والمرأة في صورتها النمطية هي كائن حبيس كعصفور هش في قفص المظالم والتضحيات التي تتنفس على أحلامها الموبوءة وأمانيها المقهورة ، أما الرجل هو الوحش الهمجي والسفاح والظالم الذي عيناه لا تنامان ، السيد الذي تموء له المرأة بخضوع أمرك مطاع .. !
هذا الجدل العتيق في تاريخ البشرية الذي يصب نفسه في القالب نفسه ، فطوال تلك الأعوام والمجتمع يعيد ويكرر وينبش ما دفن وترسب ولكن مع كل جيل تجدد بحذاقة في استعراض ذلك بحيل مفبركة ولا تفعل غير ذلك حقا ..!
فعلى من سنلقي اللوم .. ؟!
هل سنشهر أصابعنا بحنق على الرجل بأنه الوحش الذي لابد له من ترويضه ، أم أننا سنضّخ حناجرنا بمستوى أعلى من الصراخ الذي استنفذ منه ما استنفذ في المطالبة بفك قيود المرأة ..؟!
أم سنقف محايدين حتى تتساوى كفّة الميزان بين الطرفين ، فنعلل بأن الرجل يتصرف على ذاك النحو حرصا منه على أنثاه .. أو نعلن بإن المرأة من حقها أن ترسخ وجودها في المجتمع بقواعد معينة ..؟
فعبر أحقاب تاريخية كان الوضع الفطري يصنف المرأة بأنها الجارية التي تقيد بالأصفاد وتجر من قيودها بأيدي جلادين بلا ذنب سوى أنها إغراء يهدد سلامة المجتمع الشرقي المحافظ ..! هذا الوضع الذي يستنكره العالم اليوم هو نفسه يتمظهر ولكن عبر قوالب وأشكال وتحت مسميات مختلفة تتخفى في ممارسات تستدعيه الحياة الحضارية ، لكن تبين في وسط دهشتنا أن " الرجل " أيضا يجرجر بالأصفاد ذاتها و للأسف الرجال مقيدون أيضا في المجتمع نفسه ، الرجل الذي وجد نفسه في مجتمع منفوخ حد التخمة بالقيم الاجتماعية المتسلسلة ببعضها ترفع من قدره وشأنه وتحط من قدر وشأن المرأة ، وثمة صوت أعلى منه يأمره بالرجولة المنفوخة بالعنف والقسوة والسيطرة فإن عصا غدا فأرا ، وإن ترهفت مشاعره أُحتقر إلى قائمة بلا شخصية ..!
 إذن الرجل مكبل مثله مثل المرأة تماما في المجتمعات العربية ، فلماذا نحاكمه بالمقصلة وحده في هذا الواقع المطوق بالمتاريس ..؟ نحاكمه كنساء لأن هذا الرجل ارتاح لفكرة السي سيد ولم يبذل جهدا حقيقيا لإلغاء أو تبديد تلك التصورات الخاطئة التي حفرت فيه مذ ولادته فانتشرت فيه كالسوس ، فما نتيجة سعي المرأة في الخروج من الأقفاص والمطالبة بالحرية إن كان العقل الذكوري مبرمج على تفكير آلي كهاتف محمول درج على تقنية ثابتة ..؟!
المجتمع نفسه الذي يقول للرجل المنحرف تزوج كي تعقل ، والذي يزوج الفتاة كي لا تنحرف ..؟! وكأن الزواج منظومة اجتماعية قائمة على أسس التربية ؛ فالزوج يعقل على يد زوجته والزوجة يمنعها زوجها من السقوط في مستنقع الرذيلة ، أين أسس المودة والرحمة التي أشار إليها الله – عزوجل – في كتابه المقدس  ..؟!
وهل فلحنا في إعدام سوء الظن على مستوى الأجيال ..؟!
المجتمع ككل متآمر على ترسيخ تلك القيم الساقطة في الحدود الفاصلة بين الرجل والمرأة والتي لوثتها إكراهات الموروث وأصفاد التناقضات ، حتى في مجال الإعلانات التجارية التي تسعى إلى تشيئ المرأة كدمية والتي تثير شبق الرجال ، فلماذا هذا السعي الملّح على حفر مثل هذه الصور التي تحطيم مُثل الثقة المتبادلة بينهما ..؟!
 ثمة عقد اجتماعية متوارثة لا غرض منها سوى أن تكون الفتاة كدمية مهما عبرتها حضارات العصر وأن يكون الرجل كوالده وجده وقبيلته كساعة مهما طرأ تغيير على شكلها الخارجي تبقى عقاربها لاهثة بالطريقة المكررة نفسها.. !
فالمجتمع العربي وكما عبر المستعرب الشرقي الياباني " نوبوأكي نوتوهارا " في كتابه " العرب من وجهة نظر يابانية : " مشغول بفكرة النمط الواحد على غرار الحاكم الواحد ، والقيمة الواحدة والدين الواحد وهكذا ، ولذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم ، وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين ، أعني يغيب مفهوم المواطن الفرد لتحل مكانه فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد ، في هذه المجتمعات يحاول الفرد أن يميز نفسه بالنسب كالكنية أو العشيرة أو بالثروة أو بالمنصب أو بالشهادة العالية في مجتمع تغيب عنه العدالة ويسود القمع وتذوب استقلالية الفرد وقيمته كانسان يغيب أيضا الوعي بالمسؤولية " ..
كثير من النساء يتصدرن اليوم أعلى مراتب الوظيفية كالرجال ، لكن هل كفّ الرجل عن ممارسة تسلطه عليها ..؟
ماتزال أعداد مهولة من النساء يعانين على أيدي الرجال على كافة الأصعدة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والدينية فهل مراكزهم الوظيفية فعلت شيئا ..؟
وإن فعلوا كان فعلهم بإتباع سياسة الإكراه ، وليس على أساس من الود الإنساني والتفاهم ، أي أن الرجل لم يفعلها عن طيب خاطر وتفهم منه بل ربما خضوعه كان يقنِّع وراءه دوافعا شخصية ..!
المطلوب أن يعامل كلاهما آخره بإنسانية مطلقة على دعائم التكامل لا كمنافس لابد من قهره ، فلكل منهما أحلامه التي يسعى لتحقيقها ولكل منهما أحاسيسه وطموحه وأهدافه في الحياة ، والكف عن الضغط الوعظي الذي يتقاذفه كل طرف على الآخر بطريقة همجية ..
المجتمع ليس بحاجة إلى تحرير لا المرأة ولا الرجل ، قبل تحرير ذينك الجنسين يجب تحرير الأفكار المتعفنة المتكئة على ترسبات ديناصورية التي تجتر تعاليمها كشيء مقدس لا يمكن الحياة من دونها ، بل تحتاج لضخ الحب والاحترام بينهما في مجتمعات بلا عافية ؛ لأننا لا نعرف كيف نحب كما عبر الشاعر نزار قباني ، تنقصها الرحمة والرأفة بل ليس لديها ما يكفي من الدين ليجعلهم على وفاق مع بعضهم البعض ..
و المطالبة بالكف عن ترميم القيم الاجتماعية المحنّطة ، إن التلميع يعلو كل شيء سوى المشاعر الإنسانية يتفشى فيها الصدأ يوما بعد آخر ، و ترقيع منطاد الثقة التي انفقأت فتخبطت في فوضى السقوط نحن نعيش في مجتمع مطارد بالشك بامتياز ، أشرك بغرسه في تربة عقولنا كلا الجنسين بلا تبرئة أي منهما ، فالأم على سبيل المثال في بريطانيا تقول لابنتها التي تسير في الشارع : " انتبهي وأنت تسيرين في الشارع ، فأنت لا تعرفين من هو الرجل الذي ستقابلينه عند المنعطف فقد يكون ذلك الرجل هو فارس الأحلام " .. والأم في خليجها إلى محيطها تقول لابنتها التي تسير في الشارع : " احذري وأنت تسيرين في الشارع ، فأنت لا تعرفين الرجل الذي ستقابلينه عند المنعطف فقد يكون دنيئا وقد يخطفك ويغتصبك..! " ..
وكل جيل يترعرع على الاستفهامات نفسها : لماذا الرجل مطارد بسوء الظن دائما ..؟ هل حقا هو كائن متوحش ..؟ ولكن ماذا عن آبائنا وأخوتنا وكل رجل قريب لنا أو تعاطينا معه ..؟ وهل حقا المرأة مصلوبة أبدا على سجية السقوط في مستنقع الرذيلة بسهولة ..؟
هذا ما يدعى بسياسية التعميم المرضي التي ماتزال مترأسة بجدارة في برمجة عقول الشرقيين ، فيتفاقم من جيل إلى جيل بالتوارث دون أن نحرك ساكنين ..
ثمة " خوف " فالرجل الذي يكون كالخاتم في يد المرأة ، لا يكون كذلك إلا بدافع خوف ، والمرأة التي تكون جارية في يد الرجل لا تكون إلا بغريزة الخوف الذكوري المتسلط عليها كذلك ، و ثمة " جهل " ومعظم الذين تتصف أدمغتهم بالجهل هم طبقة المتعلمين للأسف ، الأُميّ أكثر مرونة في التقبل و التعاطي مع الحياة من المتعلم حامل درجة دكتوراه ، فالأول ينطلق من بساطته والأخير من دكتاتورية الأنا .. !
إنها أنفاس حق لدعم المجتمع الأسري على قواعد الثقة وأسس الحب ، بعد نبذ التورية الاجتماعية وردم الأفكار الجاهزة التي يرتوي عليها الأجيال بالتناوب فالكل يلج من الدهليز نفسه ويتوه فيه دون الجرأة بإسدال القناع عن حقيقة قذارتها ، من أجل بناء جيل جديد له رؤاه وحريته ، والتحرر هنا لا يعني تحررنا من أخلاقنا وثيابنا وعاداتنا والمثل الاجتماعية الأصيلة ، بل التحرر هنا مصلوب على الآلية في ممارسة قوانين اجتماعية متوارثة تخلو من أي معنى انساني ، تحرر العقول المحشوة بالأفكار السلبية التي ليس منها غرض سوى أنها تعلن تعبدها للأزلام الجاهلية التي عفى عليها الدهر والتي ما تزال تؤدي فروض طاعتها بصورة ساذجة تتكشف عن هشاشة أصحابها وتناقضاتهم ، لنعبّد ذاك الدهليز وليكن الطريق أمامنا فسيحا باستقامة كالصراط المستقيم ..

ليلى البلوشي