السبت، 23 مايو 2015

صفحة أمريكية من العار لم تطوَ بعد ..!

صفحة أمريكية من العار لم تطوَ بعد ..!

كان وصول الرئيس الأمريكي " باراك أوباما " عام 2008م إلى سدّة الحكم ودخوله مع زوجته وابنتيه من الباب المفضي إلى البيت الأبيض كانت أشبه بصدمة عالمية كبرى وقتئذ ؛ لأن البيت الأبيض كان منيعا في وجه الرجال السود ، البيت الأبيض الذي ظل طوال الحكم الأمريكي حكرا على رجال لون جلودهم أبيض بل إن حتى تسميته أشبه ما تكون ذات مغزى عنصري ..!
ولا يمكن أن تتحدث عن فترة حكم رئيس أمريكي أسود دون أن تخوض في حديث عن رجال ونساء سود كانت لهم جهود جبارة أشبه بمعجزة لتغيير تاريخ مجتمع أمريكي اشتهر بعار التفرقة العنصرية ، على رأس هؤلاء الأبطال أصحاب الكلمة الحق والموقف الحق ، والذين دفعوا ثمن موقفهم المشرف امرأة الحافلة التي فجر موقفها الشجاع في وجه رجل أبيض أراد دون وجه حق استيلاء على مقعدها في المكان المخصص للسود ؛ لأنه لم يجد مقعدا فارغا له في المكان المخصص للبيض ، المرأة التي أُصرّ دائما على ذكر اسمها في كل مقالة استذكر فيها تاريخ العنصرية الأمريكية ، كي يبقى اسمها مشعا في الذاكرة في وجه طوفان النسيان "روزا بانكس " هي التي كانت سببا في قيام تظاهرات واحتجاجات قادها قس معمداني كان غير معروفا يومها ، ولكن صار شهيرا للغاية وهو " مارتن لوثر كنج " ، هذه المرأة التي توفيت عام 2005م صارت أيقونة لحركة الحقوق المدنية ولولا شجاعتها لما كان " باراك أوباما " اليوم رئيسا لدولة عرفت بالعنصرية ، ولعل وصوله إلى موقع السلطة حجب قليلا الرأي العام عن قضايا العنصرية الأمريكية ، والتي لم تشف تماما منها كما خيل للبعض في الأعوام الأخيرة ، فالعنصرية لم يكن تصرفا اجتماعيا نابعا عن مجتمع اعتاد على ممارسته لأعوام طويلة مع شعور متفاقم بالتفوق لذوي الجلود البيضاء على نظرائهم السود فحسب بل كان أشبه بمرضاة الرب ، موقفا دينيا يلتزم به للأسف كثير من الأمريكيين حتى وقتنا الحاضر ..!
 الناشطة الثورية السمراء " آنجيلا ديفيس " من أبرزت من كانت ضد الحراك العنصري منذ الستينات ، و كانت مطلوبة لدى الإف بي آي في عام 1970م لمواقفها الجريئة أشارت بوضوح إلى أن العنصرية الأمريكية ليست مسألة أشخاص وإنما هي منهجية كاملة داخل مؤسسات الدولة الأمريكية لا سيما مؤسسات الشرطة والأمن والسجون ..
 ولعل الأحداث التي جرت العام الماضي في " فرغسون " والعام الحالي في " بالتيمور " يجعلنا أمام حقيقة دامغة على أن العنصرية الأمريكية لم تمت وعلى ما يبدو لن تموت ، فما يزال كثير من الأمريكيين الأفارقة يعانون من التفرقة ، وعدم المساواة بينهم وبين البيض في فرص العمل والتعليم ، مما ضاعف من مشاعر هياجهم وتمردهم على رجال الشرطة البيض الذي لا يكفون في كل فرصة سانحة على الانتقاد منهم ؛ ففي السنوات الأخيرة شهد المجتمع الأمريكي عنفا من رجال الشرطة البيض على الشباب الأمريكي الأسود الذين يذهبون ضحية قتل لأسباب تافهة دون أن يحاسب مرتكبوها على جرائمهم ، مما جعلت التظاهرات والاحتجاجات تتفجر في معظم أنحاء البلاد من هؤلاء المظلومين دون أن يسمع لهم أحد وكما قال " مارتن لوثر كنج " : " إن أعمال الشغب هي لغة غير المسموعين " ، هذه الأعمال التي تتفاقم آثارها و أوراها مع مرور الأعوام ؛ لأنها لا تجد لصرختها صدى يخلصها من العنف الذي تتعرض له باستمرار ، ها هو غلاف مجلة تايم الأمريكية في عددها الأخير توثق أحداث بالتيمور الأخيرة التي ذهب ضحيتها شاب أسود أعزل تسبب رجال الشرطة البيض في قتله ، الغلاف الذي كتب عليه تاريخ عام 1968م وعام 2015م ، أي أنها مشتعلة منذ اغتيال الناشط الإنساني " مارتن لوثر كنج " إلى يومها هذا ، " كنج " الذي قرأ التاريخ جيدا قبل أن يغادر الأرض التي اغتيل عليها في بالتيمور حين قال كلماته في خطبة عام 1968م : " أنه من غير الأخلاقي أن ندين أعمال العنف بدون أن ندين الأسباب التي أدت لإشعال أعمال العنف نفسها ؛ هذه الأسباب هي التي تجعل الأشخاص يشعرون بأنه ليس أمامهم بديل غير الثورة العنيفة " ..
لم تعد العنصرية الأمريكية التي كانت موجهة وما تزال نحو الأمريكيين من الأصول أفريقية وغيرها فحسب ،  بل إن عنصريتها التي لا تكف عن التعاظم والتعالي عند كثير منهم تصوب اليوم نحو كل إنسان مسلم ، كل مسلم في أمريكا يحصر في دائرة عنيفة من الشك والارتياب ، وحين يقع أمر إرهابي فإنهم يشهرون أصابعهم أولا في وجه كل أمريكي مسلم ، وتتمادى هذه العنصرية عندما يوصفون الإرهابي إذا ما كان أمريكيا وغير مسلما بأن أفعال جرمه الإرهابي ناجمة عن الجنون ، أما الإرهابي المسلم فإن صفة الجنون أبعد ما تكون عنه حين يقترف الجرم نفسه الذي اقترفه غيره ..!
وهذا ناجم عن أسباب كثيرة ، ولعل أهمها الجهل المتعمد بالحقائق المزعجة ، فالعنصرية باتت اليوم جزءا لا يتجزأ من حياة المؤسسات الأمريكية كما ذهب الكاتب والباحث الصحفي " نعوم تشومسكي " في آخر حوار معه في صحيفة نيويورك تايمز ..

الثلاثاء، 12 مايو 2015

خسرت كثيرا لأكسب نفسي ..

خسرت كثيرا لأكسب نفسي ..

جريدة الرؤية

منذ فترة لاحظت أن كثير من الأصدقاء ألغوا حساباتهم في تويتر والفيس بوك ، وسأستثني هنا أولئك الذين قاموا بإلغائها رغبة في التفرغ لمشاريعهم الحياتية ولا سبب آخر كما أفصحوا بذلك ، ومعظم هؤلاء يعطلّون حساباتهم لأجل مسمى ثم يعودون حين يفرغون مما انكبّوا عليه خلال فترة غيابهم الاجتماعي ، أما الآخرون أولئك الذين أعلنوا بأنهم ألغوا حساباتهم ؛ بحجة البعد عن الضجة ، أو لأنه عالم لا يناسبهم ويسعى إلى استفزازهم باستمرار ، أو لأنهم شعروا أن أصواتهم لا تصل ، أو لأنها غدت حملا ثقيلا ، وغير ذلك من أسباب متضافرة ذكروا معظمها قبل المغادرة النهائية ..
على الصعيد الشخصي أستطيع أن أعترف بأن مواقفهم من مواقع التواصل الاجتماعية أدهشتني نوعا ما ، وما أدهشني أكثر هي عملية المغادرة و مباعثها ؛ ربما لأنني لست من النمط الذي يغادر أشياءه ، لست من النوع الذي يهجر حساباته أو يقوم بإلغائها ، والأهم هو أنني لا أحب أن أخلف ورائي عوالم ناقصة أو مبتورة أو باهتة أو ساذجة أو ثقيلة ومقرفة وما إلى ذلك و مهما بدت انطباعاتي عنها ، لا أحب أن أغادرها لكونها لا تعجبني أو لأنها لا تتوافق معي ، أو لأنها تزعجني ؛ لأني لو غادرتها مرة بسبب الآخرين ، لو فعلتها مرة فسأعملها مرارا وسأخلّف ورائي عوالم كثيرة على الصعيد الواقعي أيضا بلا تبرير مقنع سوى أن الآخرين والعالم المحيط بي هو مبعث ذلك الانسحاب ؛ فالحياة الواقعية التي نحياها لا تخلو من المنغّصات التي نواجهها في عوالمنا الافتراضية ، وبتعبير " سورين كيركغارد" : " الحياة ليست معضلة يجب حلها ، بل واقع يجب اختباره " ..
وهنا سأستعيد موقفا مررت به وصديقاتي في أول عام لنا في وظيفة التدريس ، فقد جاء قبولي في مدرسة عرفت فيها مديرتها بأنها شريرة بكل معنى الكلمة وقسوتها ، حتى أن صديقاتي منهن من قدمن استقالتهن إلى وظائف أقل وجعا للرأس ، وأقل انسحاقا للروح ، وإرهاقا للفكر ، ولفيف منهن قدمن طلب نقلهن إلى مدارس أخرى ما عداي ، رفضت وقتها تماما رغم الظروف السيئة المحيطة بي فكرة الهروب والتراجع وأنا التي توقن دائما بأن العالم لن يكون مثلما نريد نحن ، هذا واقع علينا أن نقبل به ، وكانت أمامي تحديات هائلة ، وصعوبات جمة ، في الوقت نفسه كنت مصرة على الاستمرار مهما بلغت حدة الظروف وتمادت نرفزتها ..
و حدث تماما ما توقعته ، ما يحدث غالبا في أكثر المرات إن لم يكن دائما ، ما حدث أن مديرة المدرسة صارت تعي بأنني لست كائنا هشا مثل الباقيات وأن أسلوبها غير التربوي في التعامل هو الذي بدا هشا أمام صمودي الذي قبل بمبدأ التحدي ..
بعد أعوام قليلة المديرة نفسها تعلمت أن تحترم نفسها قبل أن تحترم غيرها ، والأهم أن وجودي على حد – اعترافها – الشخصي ساهم بشكل كبير في تبديل نظرتها للحياة الإدارية ، وفي أسلوب تعاطيها مع الآخرين والعالم ، جعلها تفكر مليا وبحكمة أكبر بأن الحياة من الممكن جدا أن تكون أخف عبئا بابتسامة نابعة من القلب وكلمة لطيفة ..
يحدث كثيرا كثيرا ، يحدث دائما أن نؤثر في الآخرين دون أن نعلم ، أن نكون مفيدين دون أن يخبرنا أحد بذلك ، وليس من الضروري أن نعلم ذلك ، لكن علينا أن نمنح أنفسنا فرصة ، فرصة نستحقها ، فرصة تكسبنا أنفسنا ، فرصة تجعلنا نعدد خسارات الحياة ونستعيد أعباءها على هيئة مواقف مضت في حال سبيلها ومدت أرواحنا في المقابل حزما من التفاعل والأمل و المحبة والسلام والصداقة ، كما قال الشاعر " إبراهيم نصر الله " : " خسرت كثيرا لأكسب نفسي ، ظلالي مملوءة بالأمل ، وقلبي لما يزل بعده ، أخضر " ..
فرصة جعلتنا نقلّص ولو عدوا واحدا من سجل حياتنا الشخصية ونحوّله إلى صديق أو منافس شريف ، فرصة تجعلنا نسقط أقنعة الخوف والرهبة والنفاق والخديعة والغدر والخيانة لتغدو الحقيقة وحدها ، حقيقتنا هي من تقودنا بصمود وبموجبها نتعاطى مع العالم بأسلوبنا النقي وإن نبذنا أسلوبهم ، فالزمن وحده كفيل بكل شيء ..

ليلى البلوشي