الاثنين، 27 يناير 2014

السلطة والفرد 3-3

السلطة والفرد 3-3

الرؤية / العرب
مع مرور الزمن انتقل الفرد من الولاء للقبيلة إلى الولاء للحكومة التي نشأت وأخذت مكان القبيلة وأصبح الإنسان خاضعا ومحكوما من قبلها ؛ فبنشوء الحكومة أصبح بعض الناس أكثر سلطة من البعض الآخر وأصبح مفهوم القوة نابعا من عدد من يحكموا هؤلاء الأفراد ..
وقد أثار حب السلطة اللذة في الغزو والتوسع في الممالك وزيادة عدد الأفراد ليشكلوا قوة كبيرة ، ولهذا حين تم استعمال المغلوبين لخدمة الغالبين بعد أن كان مصيرهم الموت كان هذا العامل من صالح الحكومة لاستخدامهم في أمور شتى لتحقيق أغراضهم الخاصة مثل بناء القصور والأهرامات ..
على الرغم من هذا الاستغلال البشري إلا أن الناس كانوا ينعمون بأوقات من الرخاء في ظل تلك الحكومات ، فقد ساد هؤلاء الناس شعور بوجوب التضحية في سبيل الدولة ، بل كان لتأثير العامل الديني التأثير الأكبر فكان العصيان من قبلهم يعد خروجا على الدين يسبب غضب الآلهة ، ولما كان الحكام يؤمنون بذلك إيمانا صادقا حاولوا أن يجعلوا بقية الناس يؤمنون به فيدربونهم عليه كما تدرب الحيوانات على القيام ببعض الأعمال ..!
لكن الاستقرار بحد ذاته لم يكن سهلا وكان من السهل نتيجة لاتساع مساحات الممالك المترامية الأطراف التي يحكمونها عبر شمال الأرض وجنوبها أن يفقدوا السيطرة عليها وأن ينتج عن ذلك ظهور أمراء وملوك الطوائف لتخرج عن سيطرة الدولة ويحكموا بسلطة مستقلة ، لقد حكم كل من الإسكندر وهولاكو وجنكيز خان امبراطوريات شاسعة تفككت بعد موتهم مباشرة إذ كانت تعتمد على شهرة الفاتح وقوته ، أما في روما واليونان فالوضع كان مختلفا حيث كانت الحضارة الرومانية – اليونانية مبنية على مبدأ تثقيف الأفراد لا على مجرد إخضاعهم بالقوة ..
لقد تغير شكل سيطرة الحكومة على حياة الأفراد تغيرا كبيرا على مر الزمن وزاد سلطانها ليس فيما يتعلق بسعة ذلك السلطان فقط ولكن في مدى تدخل الحكومة في حياة الأفراد ، إن حضارتين كالمصرية والبابلية كان فيها للطبقات العليا في المجتمع ( الملوك والكهنة ) في هذه الامبراطوريات نشاط سياسي محسوس بينما انعدم مثل ذلك النشاط عند أفراد الشعب الآخرين وتمكن الكهنة من التدخل في حياة الناس إلى حد كبير ، وكان للملوك سلطان مطلق في كل شيء تقريبا عدا أمور الدين التي كانت في يد السلطة الدينية وهي الكنيسة ..
بدا الاستقرار سائدا في هذه الحكومات ولكنه كان استقلالا قائما على سياسة الخضوع والتخويف وعلى مبدأ العبودية وعلى حساب استذلال سائر أبناء الشعب ..
أخذت قوة الدولة تزداد في حين تضعف قوة الأفراد باستمرار منذ القرن الخامس عشر حتى الآن ، وكان اختراع البارود سبب ذلك في بادئ الأمر ، وقد شهد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر نجاحا كبيرا في قوة الدولة إلى حد جعلها قادرة على حفظ النظام وفي الوقت نفسه قل تمتع أفرادها بالحرية خاصة الطبقات الدنيا الاجتماعية ، ونتج عن هذه القوة للدولة إلى مطالبة الناس بالحرية الفردية ، وقد وقف معهم المصلحون الاجتماعيون ودعوا إلى ضرورة المساواة بين جميع أفراد المجتمع في حقوقهم وواجباتهم ، خاصة مع ظهور طبقة جديدة من الأغنياء وأرباب المال أدت الثورة الصناعية إلى إيجادها ..
وحين حددت الحكومة والشركات كثيرا من مظاهر حرية الفرد أدى ذلك إلى ضعف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية وكانت هذه الظاهرة قد هددت روما القديمة وهي ظاهرة خطرة على النشاط الاجتماعي ..!
حين تكون السلطة بيد أفراد معينين وقلائل وحين تتحكم الشركات الكبرى فإن الفرد في المجتمع يتناسى المصلحة العامة وينصرف إلى ملذاته الخاصة بقدر ما تسمح به الظروف ومن هنا تظهر أول مظاهر هوة ساحقة ما بين الحكام والمحكومين ؛ هذه الحالة التي تجلب الكثير من المشاكل وتتداعى مظاهر التمرد والثورة في نفوس الشعب ..
لقد حكم على " سقراط " بتناول السم لتبشيره بمبادئ خلقية جديدة ، ففي الدول الدكتاتورية المعاصرة يعرض الشخص الذي يعتنق فكرة تعارض فكرة الدولة نفسه للخطر كما تتعرض فكرته للخطر كذلك ، إذ إن كل تغيير في التفكير السياسي في الدول الدكتاتورية ينبغي دائما أن يأتي عن طريق الحكومة والحكومة كما هو معروف في الماضي والوقت الراهن في أنها لا تشجع ما يتنافى ومصالحها وعلى هذا هي لا تنشر سوى مذهبا واحدا وعلى أفراد المجتمع الكافة الخضوع له ..
لقد كانت للدولة منذ نشأتها الأولى وظيفتان ، إحداهما سلبية والثانية إيجابية ، وكانت الوظيفة السلبية منصبة على منع اعتداء الأفراد على بعضهم داخل الدولة والوقوف دون الغزو من الخارج وتبع ذلك محاولة المحافظة على حياة الأفراد وملكياتهم ومعاقبة المجرمين بالعقوبات القانونية ..
أما من الناحية الإيجابية فكانت الدولة واسطة لتسهيل الاتصالين العقلي والعاطفي بين أفرادها ولتكوين شعور عام مماثل فيهم جميعا نحو وطنهم ..
ولكن حين نحت معظم الحكومات اهتمامها نحو مصالحها الخاصة وإسقاط حقوق شعوبها نتج عن ذلك ثورات كثيرة غزت تلك الحكومات وقامت بفك سيطرتها وإنهاء حقبة حكمها التي دامت لقرون وأعوام طويلة ..
فالأفراد اليوم أكثر وعيا حول ما يتعلق بحقوقهم كأفراد في المجتمع تحت حكم دولة وجدت لخدمتهم ولتنظيم أمورهم وتسير مصالحهم العامة بما فيه من حفظ النظام ودعم مبادئ الاستقلال وبث الرخاء بينهم ..

ليلى البلوشي

الاثنين، 20 يناير 2014

السلطة والفرد 2-3

السلطة والفرد 2 – 3

الرؤية / العرب

في الأسبوع الذي مضى ألقينا الضوء على سلطة الفرد من حيث النظام الاجتماعي وانقسام الفلاسفة وعلماء الاجتماع حول حقوق حريات هذا الفرد ، ويعود ذلك حسبما سقف الحريات التي أتيحت لكل من الطرفين في أزمنتهم ..
وفي هذه المقالة سنلقي الضوء نفسه على سلطة الفرد من حيث صلته بالقبيلة على صعيد العلاقات الاجتماعية والولاء المبذول ..
يعيش الفرد في وحدة جماعية وذلك ينبع على أساس غريزي في جميع المخلوقات الاجتماعية من ضمنها الإنسان ولعل الصلات الاجتماعية تتضح أكثر من خلال ظواهر عيش كل من النحل والنمل ، تلك الحشرات التي لا يظهر على سلوكها ما يدعو إلا الاعتقاد بأنها لا تسلك سلوكا اجتماعيا ، فظاهرة السلوك الاجتماعي عند هذه المخلوقات في سبيل المصلحة العامة يدعو إلى العجب غير أن ظاهرة التعاون لا تخلو من المساوئ كذلك ؛ وذلك لأن النحل والنمل لا يهيء الظروف اللازمة لأفراده للإبداع الفني أو للاكتشافات العلمية أو لظهور التعاليم الدينية فحياتها الاجتماعية هي أشبه بحياة ميكانيكية جامدة تقتل روح التغيير والإبداع لأنها ماضية على وتيرة واحدة ..!
ولهذا فإن مفهوم التعاون الجماعي على صعيد السلوك الانساني يجب أن يكون عنصر من عناصر الإبداع الفردي ويساهم في التخلص من الركود الاجتماعي الذي يكون سائدا عن النمل والنحل ..!
كما أن حياة الإنسان مر عبر التاريخ بتطورات هائلة من فرد بدائي يعيش في الغابة ويتقي شر حيواناتها المتوحشة التي كانت أقوى منه إلى فرد يعيش في أماكن بعيدة عن الغابات والحياة البدائية ، هذا الإنسان الذي كان يعيش ضمن جماعات ، والتعاون الذي كان سائدا بين أفراد كل جماعة بقدر ما كان العداء مستحكما بين الجماعات المختلفة خاصة عند اتصالها ببعضها ، غير أن الاحتكاك بين الجماعات المختلفة كان نادرا لقلة عدد أفراد النوع الانساني ، فقد كان لكل جماعة حدودها الخاصة ولا يحدث احتكاك إلا حين خرق تلك الحدود ، حتى الظواهر الاجتماعية كالزواج كان محصورا إلى أفراد الجماعة ولا يتعداها إلى غيرها وإذا ما زاد عدد جماعة من الجماعات إلى الحد الذي لا تسمح به مساحة الأرض التي يسكنونها أصبح محتملا أن يحدث نزاع بين تلك الجماعة وبين جماعة أخرى مجاورة لها ..
كان الفرد قديما يعيش ضمن قبيلة ولقد كان الانتقال من العائلة إلى القبيلة انتقالات بيولوجيا ولعل من أهم غاياته هو التعاون في إيجاد لقمة العيش اعتمادا على مهنة الصيد وهي الوسيلة الأساسية للعيش في الماضي ، والتعاون أيضا من أجل الكفاح ضد جماعات أخرى ، من هنا ازدادت العلاقات الاجتماعية قوة عن طريق إثارة الخوف من الأعداء مما ساهم في نمو الجنس الانساني خضع الأفراد لسلطة الجماعة وبمرور الزمن عبّر الناس عن ولائم للجماعة بواسطة ولائهم لرئيسها ..
وكان رئيس الجماعة فردا مقتدرا وله مكانته في جماعته والجماعات الأخرى كذلك وقد سهل ذلك في ازدياد حجم الجماعة غير أنه لم يقض على غريزة الخوف التي كانت سائدة ، بل إن الحروب بين تلك الجماعات تحولت من إبادة المغلوب إلى حروب يستولي فيها الأول على الثاني ، ويصبح المغلوب عبدا يستعمله الغالب لمآربه بعد أن كان معرضا للتعذيب والفناء ..!
وحين تغيرت سياسات الجماعة تجاه الحروب صارت المجتمعات مكونة من قسمين من الناس أبناؤها الأصليون وهم عمادها والناس المغلوبون على أمرهم ، وخضع هؤلاء المغلوبون للغالبين عن طريق الخوف لا عن طريق الولاء الغريزي ..
وقد نشأت مع مرور الزمن أنواع جديدة من الولاء عندما أخذت المدنية تتطور ؛ فظهر ولاء مبني على أساس العقيدة بغض النظر عن الجنس والفواصل الجغرافية وأخذت قوة الولاء للعقيدة بالازدياد حتى أصبح الولاء للعقيدة الدينية يفوق ولاء الشخص لأمته كما اتضح ذلك في أوروبا في القرن السادس عشر وفي بلاد العرب في القرن الحالي ..!
في الوقت الحاضر تتنشر على وجه البسيطة عقيدتان كل منها تحاول كسب ولاء الناس ؛ تدعى إحداها العقيدة " الشيوعية " ولها كثير من الأتباع الذين هم على أتم الاستعداد للدفاع عنها ، أما العقيدة الثانية فتدعى " الطريقة الأمريكية " في الحياة ، هذه الأمركة التي غزت بلاد العالم من شرقها إلى غربها إلى درجة خوف دولة عظمى كفرنسا من تأثير هذه الأمركة على إمبراطورتيها الباريسية الخالدة بتاريخها ..!
على الرغم من الحياة المدنية السائدة إلا أن الولاء للجماعات الكبيرة في الوقت الحاضر ما يزال مبنيا على أسس نفسية قديمة التي بنيت عليها المجتمعات الصغيرة ، ولم تفلح الوسائل المستحدثة كالمدارس والأديان والدعاية والتنظيمات الاقتصادية لتغيير في الطبيعة الإنسانية الموروثة ؛ فالإنسان يميل غريزيا إلى تقسيم البشرية إلى قسمين أصدقاء وأعداء وينبع اختيارهم غالبا من مصلحة فردية ، فالصديق هو الذي تنسجم مصالحنا معه على عكس العدو ، ومع المصالح المتغايرة في حياة الأفراد من الطبيعي أن تطرأ تغيرات على علاقات هذا الفرد ، ومن الممكن أن يكون حينها العدو صديقا والصديق عدوا بناء على مبدأ المصلحة التي فرضتها أنماط ودوافع الحياة الرأسمالية ..!
ومن الغريب ما قرأته أن دولة كاليابان بنت نموذجها الاقتصادي لما بعد الحرب العالمية الثانية على ثقافة اجتماعية تتعامل مع الشركات على أنها عائلة أو مؤسسة اجتماعية يتم من خلالها توظيف الخريجين الجدد ليظلوا في كنفها حتى خروجهم للتقاعد مقابل ولاء تام للشركة ، كما أن الترقي والصعود يتم على أساس الولاء وليس بالضرورة الأداء الجيد ..!
بقيت الغرائز القديمة التي تحدرت إليها البشرية من أسلافها تقف حجر عثرة وتدفعهم إلى كره بعضهم البعض ، على الرغم من أن المثل كالدين والأخلاق والمصلحة الشخصية الاقتصادية وحتى تنازع البقاء من الناحية البيولوجية جاءت لتعزز من أسس التعاون والمحبة بين البشر ، وعلى هذا لن تتحقق الوحدة الإنسانية إلا إذا تخلصنا من الولاء الضيق للجماعة التي ينشأ الفرد فيها ، والسعي على إيجاد ظروف من شأنها العمل على تقوية نوازع التعاون بين الناس ..!

ليلى البلوشي

الثلاثاء، 14 يناير 2014

السلطة والفرد 1


السلطة والفرد 1-3

الرؤية / العرب

" السلطة والفرد " هو عنوان كتاب الفيلسوف الإنجليزي المعاصر " برتراند رسل " يطرح فيه عدة قضايا تمس الفرد وسلطته في المجتمع الذي يكون فيه مواطنا له حقوق وواجبات وهناك سلطة تقود شؤونه ..
وحول هذا الفرد وسلطته في المجتمع الذي يعيش فيه على صعيد التنظيم الاجتماعي ، انقسم المفكرون وعلماء الاجتماع  في أنحاء أوروبا إلى قسمين متعارضين أشد التعارض ، ففريق الأول يرى أن الحرية لا تتحقق على وجهها الأكمل إلا إذا تمتع الفرد بحقوقه وامتيازاته كافة ويتم ذلك التمتع كاملا عن طريق تقليص ظل الحكومة تقلصا كبيرا ؛ إذ تعتبر الدولة والمنظمات السياسية والاجتماعية وسائل لخدمة الفرد لا غايات يخدمها الفرد ومن أشهر دعاة هذا المذهب وهم كثيرون ، " مونتسكيو " و" روسو"  و" فولتير"  في فرنسا .. و" جون ستورت مل " و" آدم سمث " و" جرمي بنثام " في إنكلترا .. و" توماس جفرسن " والرئيس " هوفر"  في الولايات المتحدة الأمريكية ..
بينما يرى الفريق الآخر من المفكرين بأن الحرية لا تتم إلا عن طريق الخضوع للدولة ، ويعتبر هذا الفريق من الكتاب الأفراد وسائل لتحقيق المثل العليا التي تسعى الدولة إلى تحقيقها ولا يصبح الفرد بنظرهم إنسانا بالمعنى المراد إلا إذا انضوى تحت لواء دولة معينة .. ومن أشهر داعة هذا المبدأ من القدامى شيخ الفلاسفة " أفلاطون " ومن المتحدثين " هيغل"  و" شبنغلر"  و" روزنبرغ " في ألمانيا و" كروتشى " و" جنتيلي"  و" موسوليني " في إيطاليا ، والكتاب الذين يؤمنون بالمذهب الدكتاتوري كافة ..!
وخلال التأمل نرى أن كلا الفريقين سواء من كان مع مبدأ حرية الفرد أو خضوعه لسلطة الدولة فإنهما يفتقدان التوازن ؛ فقد اعتبرا كلا من الحرية الفردية والتنظيم الاجتماعي شيئين متناقضين ، وعد أنصار الحرية الفردية وهم دعاة المدرسة الأولى تدخل الحكومة في شؤون الأفراد اعتداء على حرياتهم ، بينما خالفهم دعاة التنظيم الحكومي وهم أنصار المدرسة الثانية واعتبروا الحرية الفردية خروجا على النظام ونقضا لمبدأ الحرية نفسه ..
واختلاف مذهب كلا الفريقين من حيث سلطة الفرد وحريته في ظل التنظيم الاجتماعي يعود إلى الأوضاع التي عايشها هؤلاء الفلاسفة والعلماء في ظل حكوماتهم ؛ فدعاة الحرية الفردية ونبذ تدخل الحكومة في شؤون الأفراد وفي ظروف سياسية كان تدخل الحكومة في شؤون الأفراد أثناءها عنيفا صعب الاحتمال ، مما دفع هؤلاء المفكرين إلى الدعوة إلى تقلص ظل الحكومة وإطلاق حرية الناس ، لقد انبرى كل من " فولتير " و" روسو " حينما ساءهما كثيرا تدخل الكنيسة والدولة في التضييق على حرية الأفراد إلى مهاجمة التنظيم الاجتماعي مما مهدا لقيام الثورة الفرنسية ، وفي الوقت نفسه حمل كل من " بنثام " و" جون ستيورت مل"  و" آدم سميث " حملات صارمة على تدخل الدولة في أمر حرية الأفراد السياسية الاقتصادية ونادى كل منهم بوجوب رفع الحواجز التي وضعها المجتمع عن طريق قوانينه كي يصبح الأفراد أحرارا لا أرقاء ..!
بينما عاش دعاة التنظيم الحكومي في ظروف سياسية تقلص فيها نفوذ الحكومة ، فخيل لهم بأن تمتع الفرد بالحرية إنما ينتج عنه نوع من الفوضى ، وفقدان النظام ، فدعوا إلى نقيضه ، ومن أشهر دعاته كما قلنا سابقا " أفلاطون " تلميذ الوفي " سقراط " حكيم اليونان والذي حين حكم عليه الجمهور بالقتل مما جعل " أفلاطون " ينفر من الحرية الفردية كما كانت شائعة إلى زمنه ودعا إلى ضدها ..!
وفي الوقت نفسه تلك الحرية الفردية مع هذا الفريق أتعب كل من " هيغل " و" شبنغلر " و" روزنبرغ " فقدان التنظيم الحكومي في ألمانيا في الفترة التي عاشوا أثناءها ، مما أفقدها على رأيهم القدرة على تأدية رسالتها التاريخية للعالم ؛ فنادوا بوجوب القضاء على حرية الأفراد ..!
في تلكم النداءات التي دارت حول إطلاق الحرية ومنعها ، النزاع الذي دار بين فلاسفة أولئك العصور يجعلنا نتساءل حول تفسير الحرية في مجتمعاتنا ، فللحرية آفاق ومفاهيم عديدة من حيث حرية اللباس وحرية المعتقد وحرية الاختيار ، يجعلنا نضع استفهامات حول المراد بالحرية ..؟ وهل حرية الفرد ذاتية أم مؤثرة ضمن الجماعة التي يتعاطى معها ..؟ وهذا بدوره يقودنا إلى تعريف الحرية بمفهوم الاجتماعي ..
تعنى الحرية بمعناها الاجتماعي هي توزيع علاقات أفراد مجتمع من المجتمعات في وقت ومكان معينين أي أن الحرية تغيير في حصص الأفراد والجماعات التي تكون ذلك المجتمع ، وعليه عدم استطاعة شخص ما من الناحية الاجتماعية أن يقوم بعمل معين تعني فسح المجال لغيره كي يقوم بذلك العمل أو بعمل معين آخر تحت ظروف خاصة ، وعلى هذا المبدأ لكي نعرف حرية مجتمع من المجتمعات ينبغي ألا ننظر إلى ما يستطيع بعض الناس أن يفعلوه فقط بل وإلى ما لا يستطيعون أن يفعلوه كذلك ..!
يعيش الفرد في ظل مجتمع تنطلق حريته من حرية الآخرين ، وكلما ارتقى المجتمع سلم التطور ازدادت درجة ذلك الاعتماد وأصبحت أعمال الفرد وآراؤه ذات أثر كبير على غيره من الأفراد ، وإذا ما وقفت وقتيا حرية فرد معين في محل ما تحت ظروف معينة ، فإن ذلك يعني بدء تحرك حرية فرد آخر أو أفراد آخرين وعلى هذا الأساس لا ينبغي البحث عن حرية فرد من الأفراد أو جماعة من الجماعات البشرية دون النظر إلى حرية الأفراد الآخرين والجماعات التي تشارك ذلك الفرد أو تلك الجماعة حياتها ..
وفي ظل مصالح الأفراد في تلك المجتمعات تتزاحم وتتشابك ، فإن على الحكومة أن تسعى إلى تنظيم توزيع علاقات الأفراد تجنبا لاصطدام بعض المصالح ولابد للأفراد كي يحافظوا على حرياتهم أن يخضعوا للحكومة في هذا المضمار والأفراد الذين يخضعون للحكومة يحصلون على قسط من الحرية أكبر مما قد يصيبهم في حالة نفض الحكومة يدها من الاشتراك في عملية توزيع ، ولكن أفراد الحكومة لا يترددون في الوقت نفسه في إساءة استعمال سلطتهم فيقتلون الحرية تحت ستار الدفاع عنها ، أي أن أفراد السلطة قد يصل غرامهم بالسلطة التي يمارسونها حدا يحبب لهم استعمال تلك السلطة للقضاء على أي حركة مهما كان الدافع لها ومهما كانت غاياتها ..!


ليلى البلوشي
Ghima333@hotmail.com

الاثنين، 6 يناير 2014

موضة الح رب ..!

موضة الح رب ..!

الرؤية / العرب

في كتابه " العلاقات الحميمية : لغز العلاقة الحامية " للفيلسوف " أوشو " يتساءل في مقدمته قائلا : " ليت المودة موضة .. لكنا اتبعناها نحن الأتباع والتابعين .. الشر موضة ، والحقد موضة ، والخوف موضة ، والغضب موضة ، والفقر موضة ، والسياسة موضة .. لماذا لا نجعل الحب موضة .. لماذا أصبحت الحرب موضة ..؟ "
نعم .. نعم .. سير الحرب غدت موضة رائجة ؛ حين كنا صغارا وكان الكبار يناقشون سير الحروب في المنطقة كانت وحدها " فلسطين " هي التي تطرأ ببالنا .. هي الجريحة .. المغتصبة على أيدي دمويين يقال لهم " إسرائيل " هي الحرب الوحيدة التي كانت تشغلنا .. تشغل العالم الذي كنا جزءا منه ، في ذاك الوقت كانت غايتنا واحدة . وهمنا واحد . وحربنا واحد . وعدونا واحد هي " إسرائيل " وحدها ..!
ولكن اليوم ماذا نرى ..؟ سير حروب لا تنفك عن الاشتعال .. الحرب التي كانت تعني " فلسطين " وحدها في ذاكرة الأجيال الماضية غدت اليوم تعني أيضا " العراق " و" سوريا " و" لبنان " و" مصر " و" ليبيا " و" اليمن " و" الصومال " و" السودان " والقائمة الحربية تطول .. حروب .. حروب وكأن الحرب غدا موضة ..؟!
في ظل صراعات العالم وتحدياته ما الذي يحتاجه الإنسان ليبقى صامدا في وجه زوابعها وبراكينها وحروبها ..؟
ما الذي يجعل عبء العالم أكثر خفة ..؟ ما الذي يجعل بعضنا يتحمل جرعات الألم والفقد والبرد والصهد والجوع والحرمان عبر هذا العالم مترامي القسوة ..؟
ربما آن الأوان كي نسعى إلى شطب سير الحروب الدموية بضخ نماذج من سير الحب كي نقلب القواعد التي غدت في صالح الحرب وحدها ..؟!
نبثّ الحب وسيره ؛ كي يستعيد هذا المجتمع عافيته كما صرح شاعر الحب " نزار قباني " : " نحن مجتمع بلا عافية ؛ لأننا لا نعرف أن نحب .. لأننا نطارد الحب بكل ما لدينا من فؤوس ومطارق وبواريد وخناجر .. ما لم نفتح للحب نوافذنا فسوف نظل نباتات شوكية لا تورق ولا تزهر .. وتظل قلوبنا قارات من الملح لا يخرج منها أي غصن أخضر " ..
كما تعودنا على سيّر " الحرب " آن الأوان أن نتعوّد على سير " الحب " ؛ أن نقرأ عن الحب .. أن نكتب عن الحب .. أن نعايش الحب كسلوك يومي بدءا من حب أشياء صغيرة كحب ابتسامة .. كحب إصبع طفل .. كحب عصفور ناعم يحط عابرا على نافذتنا .. سيكبر هذا الحب من تلقاء نفسه .. يكبر .. ليكتمل نموه في هيئة سلوك طبيعي وعادي ويومي .. في هيئة طقس من طقوس الحياة ..!
في هذه المقالة سأعرض نماذج مختلفة عن الحب والتضحية والإخلاص تمس الكيان الإنساني والطبيعة الحيوانية كذلك ؛ فعلى الرغم من كل صراعات التي تواكبت عليهم إلا أن الحب ظل رفيقهم أبدا .. حكاية رجل صيني تزوج بأرملة تكبره بعشرة أعوام عندما كان في التاسعة عشر من عمره ، وهرب بها إلى إحدى كهوف جبال الصين ، عاش الرجل وزوجته بعيدا عن الناس هربا من الشائعات والملاحقات ؛ لأنه فعل شيئا يخالف المجتمع وقتذاك ، وعلى مدار خمسين سنة قام العاشق الصيني بنحت 6000 درجة سلم حتى تستطيع زوجته الصعود والهبوط بسهولة عندما تكبر ..!
كان بإمكان هذا الرجل أن يطلق زوجته التي تكبره في عجزها لكنه آثر أن يبقى وفيا ؛ إنه الحب .. إنه الإخلاص ..!
وحكاية أخرى عن رجل كان يعاني من اضطرابات الزهايمر ؛ فقامت زوجته الذكية بتفصيل قميصين وكتبت على خلف كل منهما عبارتين مختلفتين ، قميص الزوج صاحب الزهايمر كتبت عليه عبارة تقول : " إذا ما تهت خذوني إلى ريتا " بينما الزوجة كتبت على قميصها : " أنا ريتا " .. وكانا دائما يتجولان في الأماكن العامة بالقميصين المتميزين نفسه .. إنه الحب .. إنه الإخلاص ..!
أما الحكاية المؤثرة حقا .. عايشها رجل ياباني  حين أراد تجديد جدران بيته ، ومن المعروف أن البيت الياباني التقليدي مبني من الخشب حيث يكون بين جدران البيت فراغ ، فعندما نزع أحد الجدران وجد سحلية عالقة بالخشب من إحدى أرجلها ، انتابته رعشة الشفقة عليها ، لكن الفضول أخذ طريق التساؤل عندما رأى المسمار المغروز في رجلها يعود إلى عشرة سنوات خلت عندما أنشأ بيته لأول مرة ..
دار في عقله سؤال: ما الذي حدث ..؟
 كيف تدبرت السحلية أعوام العشر تلك في فجوة ما بين الجدران يلفها الظلام والرطوبة ودون حراك ..؟
 توقف عن العمل وطفق يراقب السحلية .. كيف تأكل ..؟
 وفجأة ظهرت سحلية أخرى حاملة الطعام في فمها ، دهش الرجل وعمت في نفسه مشاعر رقة الحب الذي أثاره هذا المشهد سحلية رجلها مسمرة بالجدار، وأخرى تطعمها صابرة مدة عشرة أعوام ..
سبحان الله ..!
ليكن " الحب " موضة ولنكسر راء " الحرب " .. لنركلها بكل ما نملك من طاقة حب ؛ كي نشعر بآدميتنا في قاع مجتمع مريض بالحرب ..!

ليلى البلوشي