الاثنين، 27 يونيو 2011

نبوءة " يوئيل ماركوس " ..! २






نبوءة " يوئيل ماركوس " ..! 2




جريدة الرؤية العمانية ..







مما لا شك فيه أن موقف الناشطة اليهودية الأمريكية " راني أبيليا " موقف شجاع جدا كاشفا عن عقلية يهودية مغايرة ، وهو موقف يصدق على حقيقة نادرة طالما سار على دربها الكثيرون حين اثبتوا أن ثمة فارق فاغر ما بين " اليهودية " و" الصهيونية " في معاني تعاطيها للإنسانية والقيم والأخلاقيات وتباين نظرتهما للآخرين من البشر على اختلاف أجناسهم وأديانهم ، و" أبيليا " هي نمط من الآلاف الذين يرفضون رفضا تاما لكل ما تنتهجه الصهيونية الإسرائيلية من انتهاكات في حق الشعب الفلسطيني والآخرين من العرب والمسلمين ؛ وقد أشارت إلى شيء مهم من خلال اعترافها الذي لا يقل جسارة عن موقفها الصمود حين قالت : " نحن جيل شاب من اليهود الذين لن نصمت ولن نسمح لرؤساء الحكومات الإسرائيلية بالتحدث ، ونرى أن بإمكانهم أن يتحدثوا فقط في المحكمة الدولية ، فهي التي تحاكم مجرمي الحرب .." .




ويبدو أن نزعة التحرير اجتاحت روح الشباب اليهودي الذي يرفض بشدة سياسة التابع والمتبوع التي حرصت سياسات التربية الصهيونية انتهاجها ؛ وقد اثبت ذلك في المظاهرات التي احتشد فيها آلاف الإسرائيليين حاملين أعلاما إسرائيلية وفلسطينية طالبين بحق الفلسطينيين في إقامة دولة ضمن حدود 1967م تحت شعار " نعم لدولة فلسطينية ونتنياهو يقودنا إلى الكارثة " ، ويبدو أن المستقبل سيفرز تطلعات يهودية شابة متباينة تماما عن رؤى الصهاينة ومخططاتهم ، فإذا ما كان جيل العرب العتيق كان ميالا إلى التشاؤم والخضوع والهزيمة ؛ فإن جيل الشباب العربي الآني أثبت للعيان وللأجيال التي ولت أن الأزمنة قابلة للتغيير كما البشر والعقول وتطلعاتهم ..




نعيد السؤال تارة أخرى : هل الزمن ضد إسرائيل ..؟




يرى الصحافي " فيليب استيفنز " في " الفايننشال تايمز " بأن " نتنياهو" قاد إسرائيل إلى عزلة دولية ، وأفرزت علاقته المشروخة مع " أوباما " ما يشبه الفراق بينه وبين أوروبا ، ولم تستطع كل من فرنسا وبريطانيا من إخفاء استياءها وفقدت ألمانيا بحكم أسباب تاريخية صبرها معه ، وجاءت نقطة التحول في فبراير الماضي عندما أيدت هذه الدول قرارا أصدره مجلس الأمن يشجب توسع " نتنياهو " في بناء المستوطنات غير الشرعية وأيد 13 من إجمالي 15 عضو في مجلس الأمن هذا القرار ..




وليس هذا فقط بل ثمة أعداد هائلة من اليهود يرغبون في الحصول على جوازات سفر ثانية للهجرة إلى أوروبا بعيدا عن الجحيم السياسي التي قبعت فيه إسرائيل نفسها في فلسطين ، وبحثا عن الأمان الشخصي والوطني المفتقد في ظل عدم وجود ثقة واحترام بين اليهود وزعمائهم الذين يعتبرونه فاسدين وعالة على القيم اليهودية التي خطفتها الصهيونية ، خاصة من المهاجرين اليهود الروس الذين قرر معظمهم الاستقرار في روسيا بعد نبذهم للصهينة الإسرائيلية الفاسدة ، وبعد تلاشي الأحلام الوردية في حياة مخملية بالتوظيف والعيش الرغيد في ظل إسرائيل ، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية غدت هي اليوم ، لجيل اليهودي الجديد " أرض الميعاد " هاربين أسرابا إليها ..




ولعل الزمن الآتي سيثبت لنا صدق نبوءة " يوئيل ماركوس " وهو زمن تخشاه إسرائيل بشدة ، وهي تعرف جيدا رغم كل محاولات الصمود الخسيسة اللامشروعة والخالية من الإنسانية التي تقترفها أن وحدها شجرة الغرقد تنحاز له كما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ، يا عبدالله ، هذا يهودي خلفي ، تعال فاقتله إلا الغرقد ، فإنه من شجر اليهود "




.. ولو رغبت إسرائيل نصيحتي ؛ فإن من مصلحتها زراعة أشجار الغرقد عوضا عن كثافة بناء المستوطنات التي تلتهم الأراضي الفلسطينية ببطن كالحوت لا يعرف للشبع طريقا ، لكن يبدو أن غرور - شعب الله المختار - كما وهمّت نفسها المستبد تأبى النصح ؛ وذلك شأنها الخاص .. !







ليلى البلوشي







الاثنين، 20 يونيو 2011

نبوءة " يوئيل ماركوس " ..!







نبوءة " يوئيل ماركوس " ..! 1







" جريدة الرؤية العمانية "







أشار الصحفي " يوئيل ماركوس " بأن : " الزمن لا يعمل في مصلحة إسرائيل ، سيحل الوقت الذي يبدأ الجمهور يفهم فيه أن حكومته لا تحكم ، بل تحارب من أجل استمرار وجودها " ..




ما يجري في واقع العالم العربي من تأجج الضمير العربي ، وثائرة الشعوب في نيل حياة أكثر استحقاقا لكرامتها الإنسانية ، كل هذه الصحوات تكون كالطعنة المسمومة في تاريخ إسرائيل ؛ التي طوال تلك القرون وهي تزرع ألغام الفتن والحروب والغاية تبرر وسائلها الدنيئة في كل بقعة يمس وجودها اللاوجود ...!




وإذا ما كانت الانتفاضات التي تصدت لها إسرائيل وقمعت وجودها حتى على عوالم افتراضية كانتفاضة الأولى والثانية التي شحذت الهمم الشباب العربي على الفيس بوك ؛ فإن محاولاتها للتنكيل بها لم يمعنها عن فرض انتفاضتها الثالثة التي تتكاثف جذوة حماستها يوما بعد يوم ، وارتفاع أصوات الشعب الفلسطيني في حق تقرير مصيره بإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس ناهيك عن الصلح الذي أجرته مصر بين فتح وحماس ، وما أثمرته من فتح معبر رفح وهي خطوة نددتها السلطات الإسرائيلية بشدة ..




هل الزمن ضد إسرائيل حقا ..؟




سؤال فضفاض بحجم ضخامة العنف الإسرائيلي ضد الإنسانية ، ولكن على ما يبدو أن رعاياها أو المنتمين تحت بلاطها أدركوا ومازال الكثير منهم يدرك أن إسرائيل تعمل لمصلحة وجودها فقط بغض النظر عن الوسائل التي تمارسها لفرض هذا الوجود ، ولمن تابع قضية ضرب التي تعرضت لها المناضلة اليهودية الأمريكية " راني أبيليا " من المنظمات اليهودية الأمريكية الداعمة " أيباك " في الكونغرس الأمريكي ؛ وذلك لأنها قاطعت خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي " بنيامين نتنياهو " ؛ فقد استفزتها عبارات " نتنياهو " عن إسرائيل والديمقراطية مما حداها إلى الصراخ في وجهه قائلة : " أوقفوا جرائم الحرب الإسرائيلية " وقالت إن نتنياهو يزعم بأن حدود عام 1967م ليست قابلة للحماية وبينما ترى هي بدورها بأن الاحتلال والجوع في غزة ليسا قابلين للحماية ..




وعلى إثره رقدت الناشطة في المستشفى في واشنطن ، والمعروف عن أبيليا أنها بعد زيارتها لغزة قررت أن تكرس حياتها في أنشطة حركات الاحتجاج ضد جرائم الحرب الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، كما أنها كانت ضد منظمة " أيباك " ؛ لأنها تتبع سياسة القضاء على رأي الآخر وإسكاته ..!




وتشدد على ضرورة ممارسة ضغط اقتصادي على إسرائيل وملاحقة زعمائها ، وهو رأي يتفق تماما عما أشارت إليه الممثلة الأمريكية وسفيرة النوايا الحسنة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين " أنجلينا جولي " التي انتقدت إسرائيل أثناء حربها الأخيرة على غزة وصرحت آنذاك بأنه على العالم أن يتحد ضد إسرائيل ، وموقف الروائي البرتغالي " جوزيه ساراماغو " الذي رأى أن إسرائيل التي مورست عليها القمع في زمن " هتلر " في أنها تمارس هذه الوحشية نفسها على من حولها ، وحين صرح بهذا في وجهها قبل وفاته منعت إسرائيل بيع كتبه ، وهو لا يبتعد كثيرا عن رأي الروائي الياباني " هاروكي موراكامي " وخطابه الذي ألقاه في القدس 2009م عندما استلم الجائزة الأدبية الرفيعة في دولة إسرائيل ، و قد طولب " موراكامي " بعدم قبول هذه الجائزة بسبب العنف الهائل الذي كانت إسرائيل ترتكبه بحق المدنيين العزل في قطاع غزة ، بيد أنه آثر الذهاب لتسلم الجائزة و ألقى خطاباً أدان فيه العنف الإسرائيلي قائلا عبارته الشهيرة في الخطاب : " عندما يكون هناك جدار صلب شاهق و بيضة تتكسر عليه فإني سأقف دوماً إلى جانب البيضة " .. وغيرهم الكثيرين من كتاب ورجال أعمال ومشاهير في مجالات عدة انتقدوا الصهينة الإسرائيلية وسياستها ولكن الملاحظ ، أن معظم هؤلاء من الغرب ومنظماتها الحقوقية العالمية ، الذين رجحوا كفة الإنسانية على كفة المصالح الذاتية ، فلا يغيب عن الكثيرين سياسات القمع والملاحقات التي يتعرض لها كل من وقف بجسارة ضد إسرائيل ..!




ولا تغيب وحشية سياسة إسرائيل عن الكافة ؛ ففتاوى الحاخامات تسمح بقتل غير اليهود سواء كانوا رجالا أم نساء أم أطفالا حتى الدواب التابعين لهؤلاء يعاملون بالمثل ، ولأن سياستها في القتل صارمة ؛ فاليهودي الذي يقف ضد مصلحة إسرائيل أو حين يكون فاعلا في مناهضة جهة أخرى مضادة ؛ فإنه سيدفع الثمن هذه المناصرة بأبشع الطرق والوسائل ، كما فعلت مع " لوقا إلياف " سكرتير عام حزب العمل الإسرائيلي الذي جاء في كتاب له اقترح فيه فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وأن تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل في أراضيها ، مما حدا الصهاينة إلى عزل الرجل من منصبه وقامت الجماهير بقذفه بالبيض والطماطم في كل مكان ، وحرم من دخول المعابد والمنتديات العامة عقابا له على ما كتبه في صالح فلسطين ، وكما نهجت سياسة الضغط عينها مع " جولدستون " و" بني مورس " ليجعل الأخرين يغيران موقفهما لصالح الصهيون الإسرائيلي ..!







يتبع ......







ليلى البلوشي







الاثنين، 13 يونيو 2011

من تاريخ المصاصات إلى تاريخ الثورات






من تاريخ المصاصات إلى تاريخ الثورات




" جريدة الرؤية العمانية "




قال مؤلف الأطفال السويدي " أولف ستارك " عندما عرض كتابه الجديد " الصبي والصبية والجدار " مستوحيا فكرتها من خلال زيارته لأطفال فلسطين في الأرض المحتلة : " التقيت بالكثير من الأطفال الفلسطينيين من أماكن مختلفة ، في حي الشيخ جراح بالقدس ، رأيت الأطفال الذين طردوا من منازلهم ليعيشوا في خيمة لا تختلف عن العراء في شيء ....، كان الأطفال يشيرون بأصابعهم إلى الطرف الآخر من الشارع ويقولون : هناك بيوتنا كنا نعيش هناك .."




ولاحظ هذا المؤلف السويدي أن أطفال فلسطين يسقطون رغباتهم وأحلامهم المنقوصة على رسوماتهم ، فهم يرسمون بيوتا ملونة تتسع لأحلامهم وآمالهم ، على تلك الأوراق رأى حنينهم إلى بيوتهم الضائعة أو فردوسهم المفقود ..




كم يتأثر الأطفال بالواقع المحاصرين بأحداثه ..!




مهما غدا هذا الواقع محزنا أو مبهجا ، ولعل أطفال فلسطين ؛ الجوقة التي عرفت جيدا معنى أن يولد المرء وسط الحرب والدم وأصوات قنابل وقذائف مستمرة وبيوت تهدم وتشرد وجوع مرير ، ومن خلال حقبة هذه الثورات الجديدة التي شمّرت ساعدها في كل بقعة من عالمنا العربي ، كان من الطبيعي أن يكون الطفل وهو جزء مهم من كيان هذا المجتمع ، أن يكون حاضرا بجسده وصوته وأعماله التي يقدمها من معين عقله البريء كشاهد عيان لا يعرف تفسير ما يجري سوى أنها حقائق تؤثر فيه حتى أعمق الأعماق ..




فأطفال اليوم مما تكاثف على واقعهم من إرهاصات الأحداث تبدلت شخصياتهم الداخلية ، ما عادوا يكتفون الاسترخاء بكسل مفرط أمام أفلام الكرتونية والمصاصات في أفواههم أو أن يقبعوا برتابة أمام البلاي ستيشن والألعاب الالكترونية المختلفة ، بل جرتهم التغييرات بقوة إلى ساحاتها ومطالبها ، هاتفين بحقوقهم المشروعة منها الكرامة والحرية والعدالة وحياة تستحق أن تضم مستقبلهم بأمان تام ..




ولعل " الثورة المصرية " هي أولى الثورات التي ناهضت دور الأطفال في معيشة تغيير قلب التاريخ المصري رأسا على عقب ، فقد كانوا هؤلاء الصغار ضمن أسرهم في ميدان التحرير ، منددين بالسلطة ، بأصواتهم الهتافية ، وقد حرصن معظم الأمهات على مشاركة حتى الأطفال الرضع ؛ كي يشعروا ويعايشوا التغيير الجاري في البلاد كما أشار معظمهن ، كي يعرفوا أن التغيير لا يأتي سهلا ، بل بالمقاومة والإصرار والاعتصام حتى النصر ..




حتى أن أحد الأطفال وهو ما بين سن الخامسة والسادسة حينما سألته المذيعة التابعة لقناة العربية أثناء ثورة شباب الخامس والعشرين من يناير : لماذا أنت جالس هنا في هذا الوقت المتأخر ..؟ أجاب الطفل ببراءة وابتسامة خجولة تزين شفتيه : كي أصوّت ..




وفي " اليمن " لم يبق طفل يمني من الثوار ، إلا وقد تصدرت وجهه الصغير كلمة واحدة كبيرة وقوية بحسها الوطني " ارحل " ، هذه الكلمة شاملة لكل ما يربو إليه هذا الطفل ، طفل التغيير والحرية متسللة هتافاتهم وخطاباتهم في ساحات التغيير ، بل ما يثير من مشاهد حينما انتصب ضباط يمن الأحرار وسط ساحات التغيير مع أطفالهم الذكور والإناث بالزي الموحد نفسه ، زي ملون ببياض ينم عن جسارة نادرة للتضحية في سبيل حبيب واحد اسمه وطن ..




بينما في " ليبيا " فإذا كانت سلطة " القذافي " الطاغية لم يتوان عن استغلال براءة الأطفال وخداعهم ؛ كي يجدوا أنفسهم وسط ساحات المعركة وفي الصفوف الأولى كجدار لحماية كتائبه ..!




بينما في فريق " الثوار الأحرار " فقد منعوا الأطفال من المشاركة في عمليات الحربية ، واقتصر دورهم المنيط عليهم هو تنظيم حركات السير ونظافة الشوارع ، و رغم ذلك التحق كثير من المراهقين بالثوار على جبهات القتال حاملين رشاشات كلاشنكوف دون مواربة أو خوف ، ومعظمهم هربوا من أسرهم ، وتخفوا خلف أعمار تستر سنواتهم الحقيقة طمعا في النصر والحرية ، بينما يقضي من هم أصغر سنا في رسم علم الليبي القديم وهو يحتضن أحلامهم في العيش الكريم والحرية والنصر ، خاصة في مدينة بنغازي ، تلك المدينة الليبية التي انطلقت منها شرارة التطورات الليبية الراهنة ، علم ليبيا الجديد تصدر لوحات الأطفال ، ليتحول الحائط إلى ما يشبه " جدارية أمل " فهؤلاء الأطفال تشبعت مخيلتهم بأحداث المحورية والتاريخية التي تمر بها ليبيا ، ليتشكل جيل جديد من الطامحين في الحرية والديمقراطية والاستقرار ، فهم أمام مرحلة جديدة يطلقون فيها العنان لإبداعهم البناء ؛ كي يتم إعادة بناء الوطن ، واستئناف الحياة مرة أخرى دونما بطش عسكري وقصف وسجن ، وستكون هذه الرسومات هي شاهد عيان في أزمنة الأجيال اللاحقة وثقت يوميات المرحلة الليبية الراهنة ، بكل ما فيها من منغصات وانتهاكات ومواجهات وطموحات من أخيلة غنية بالمستقبل ، وإن غدا مجهولا عبر ذاكرة صغيرة لكنها كبيرة بأحلامها المتطلعة ..




وماذا عن أطفال " سوريا " الجريحة ..؟ أولئك الملائكة الصغار الذين خربشوا على الجدران وكتبوا بدافع محاكاة أطفال تونس ومصر وليبيا العبارة التي توارثتها كافة الثورات العربية " الشعب يريد إسقاط النظام " ؛ لتكون هذه العبارة التي دونوها عن حماس مفرط وشقاوة عفوية هي القبس التي استطالت السماء السورية وأرضها إيذانا لثورة مدت شرعيتها في أصقاع البلاد ..




ولكن ما يصدم المشهد العربي حقا ؛ حينما اقتيدت القوات الأمن السورية هذه الجوقة البريئة من الأطفال إلى سجونها وكأنهم مجرمي حرب ، فذاقوا ما ذاقوه من ضرب بالسياط والحرق بأعقاب السجائر وصعق بأسلاك الكهربائية ، كسر وبتر أعضاء ونزع أظفارهم بالكماشات في مشاهد مؤلمة تتقطع منها الضمائر البشرية النابضة بحس الحياة والإنسانية ولعل مقتل الطفل " حمزة الخطيب " ابن الثالثة عشر على يد قوات الأمن السورية أعظم دليل على فظاعة ووحشية التعذيب لهذا النظام ، ولا نقول سوى أن وراء ثورة سوريا العظيمة كان أطفال ..!




والتأثير لم يشمل أطفال العرب وحدهم ، بل تقافز إلى " أطفال الغرب " ، خاصة أطفال الدبلوماسيين الذين كانوا يعملون في الدول العربية التي جرت على أرضها الثورات ، ويجد أطفال هؤلاء السياسيين أو من كانوا مقيمين في دولة الثورات حين يرتحلون حاملين حقائبهم إلى أوطانهم بنوع من الفجوة العميقة والتغرب في المكان ؛ لأن الانتقال من مكان إلى آخر بعد تحقيق نوع من التوازن والاستقرار ليس بالقرار السهل خصوصا مع نفسية كنفسية الأطفال ، كما أن هؤلاء الأطفال يضطرون ربما إلى الانتظار حتى تخمد الثورات وتؤتمن الدول ، أو ربما عليهم التجاوب مع الحياة الجديدة وما يترب عليها من منزل ومدينة ومدرسة وجيران وأصدقاء جدد أي خلق تواصل على مستويات عدة مع المجتمع الجديد ، وإن كانوا في قلب أوطانهم الأصلية ، ومعظمهم يفضلون العودة لمعايشة هذه الثورات عن قرب بعد أن شهدوا أولى شراراتها ..




وأخيرا لا يسعنا سوى الإيمان بعبارة الكاتب " باولو كويليو " الذي قال عن عمق حقيقي : " إن القادرين على فهم الحياة هم الأطفال ، أو أولئك الذين ينظرون إليها كالأطفال " ..







ليلى البلوشي




الاثنين، 6 يونيو 2011

خانوا أسماءهم ..!






خانوا أسماءهم ..!




" جريدة الرؤية العمانية "







إننا في عصر الدروس والعظات والعبر بامتياز ، للعاقل الذي يتعظ ، لضمائر تعتبر من حركة التاريخ وسقوط وقيام مماليك ليس في غمضة عين بل بهمّة شعب ، في زمن احتشدت فيه قيم ومبادئ حية وأخرى ميتة كانت تصول وتجول بمرأى من الجميع ..




في خبر قصير عن صحة الرئيس إسرائيل الأسبق " آرئيل شارون " التي هي من تدهور إلى تدهور ؛ حيث اضطر الأطباء الإسرائيليون إلى استئصال أجزاء من أمعائه بعد إصابتها بالعفن والغرغرينا ، والمعروف أن شارون أصيب بجلطة دماغية ، وشلل تام ، لا يستطيع معه أن يحرك حتى جفون عينيه ، وينتظر أن يتم استئصال أجزاء جسده الواحد تلو الآخر وهو حي ..!




أليس هو ذات الجسد الذي كان في زمن مضى يستمتع بشهوة دموية وهو يتفرج على جثث الأطفال والنساء والشيوخ والشباب الفلسطيني وهي أشلاء متناثرة طرية الدماء والحزن ، ولكن في الزمن الآني على ما يبدو لقد خانه جبروت جسده ، خانه حتى الحياة ؛ تنفيذا لعدالة الرب ..!




و لكل من يتابع نتائج " الثورة المصرية " سيحتشد دروسا مستفادة ، عن ممالك تعلو ومن ثم تسقط ، عن التاريخ الذي يخلد من يخلد بشرف ويطعن من يطعن بانكسار لا يبرأ ، ووحدهم من زجوا بأنفسهم في قلب التاريخ بطرق ملتوية سيدفعون أثمان وجودهم بطريقة أو بأخرى ، في زمن يثبت لنا أن ليسوا وحدهم الأحرار والمعدمين يدفعون ضرائب كرامتهم بل من داسوا على كرامتهم وسلبها منهم دون وجه حق ، هم من سيُدفعهم الزمن الثمن النفيس ، الزمن العادل ، الحي ، إن آجلا أم عاجلا ..!




لكل من يحدق إلى " أصحاب البشوات " خاصة ؛ أولئك الذين نهبوا مصر وثرواتها طوال تلك الحقب التي خلت تنتابه مشاعر عدة ، منها أن الطيور على أشكالها تقع ، وأن من كانت جيوبه ثقيلة ستكون مرقعة يوما ، والدرس الأهم أن الله يمهل ولا يهمل ..




لفت نظري وأنا أتابع كالآخرين آخر تطورات محاكمة الرئيس السابق " حسني مبارك " وحرمه ونجليه وحاشيته من الوزراء الذين لعبوا في ثروات مصر وخيراتها بلا أدنى وخز للضمير ، قضية " الأسماء " خاصة تلك التي يحملها تابعي الرئيس المتنحي وهم : " أحمد نظيف " وهو رئيس الوزراء المصري السابق ، و" حبيب العادلي " وزير الداخلية السابق و" يوسف بطرس غالي " وزير المالية السابق ، وأمين التنظيم الأسبق في الحزب الوطني " أحمد عز " ورئيس مجلس الشورى السابق " صفوت الشريف " ووزير البترول الأسبق " سامح أمين " .. وعند التدقيق نجد أن أسماؤهم كالتالي " نظيف " ، " العادلي " ، " غالي " ، " عز " ، الشريف " ، " أمين " ..!




يقال في معاجم اللغة العربية أن " لكل امرئ من اسمه نصيب " ؛ ولكن ما حدث لحاملي تلكم الأسماء أعلاه سيحرضّنا على سؤال مهم : هل من الممكن أن تخون الأسماء حامليها ؛ تخونها لدرجة الخذلان ..؟!




وبالتأمل سندرك بأن الأسماء براء ، ومن أطلق على هؤلاء هذه الأسماء أيضا براء ، بل هم من شوّهوا الأسماء التي يحملونها ، أسماء آبائهم وأجدادهم ، وسيذكر التاريخ جيدا هذا التشويه ..!




والمدهش حقا ؛ أن كل واحد من هذه الجوقة بأسمائهم الملتصقة بهم كأنما وضعوا في مكان جُرم المناسب ، فعلى سبيل المثال وزير الداخلية " حبيب العادلي " الذي وضع في مركز حساس جدا من أجهزة الدولة ؛ فلا كان عادلا يوما ولا حبيبا من قائمة الشعب ..!




و" أحمد عزّ " الذي تلاعب مع من تلاعب في ترشيحات الشأن الوطني لم يكن ذا عز وأنفة يوما تجاه وطنه وأبنائه ..! و" صفوت الشريف " الذي خان الشرف ، " وأحمد نظيف " الذي كان تضاد اسمه كليا ، و" سامح أمين " الذي خان الأمانة بسماحه لـ " حسين سالم " رجل الأعمال الهارب من الحصول على منافع مالية بغير حق تزيد على 2 مليار دولار ..!




في متابعتي لقوائم هذه الأسماء لهؤلاء الأشخاص ، تكونت لدي حساسة غريبة من الأسماء ، التي قد يخونها أصحابها ويلطخها بمستنقع مرير لا خلاص له منها ..




خانوا أسماؤهم ، وخانوا أوطانهم ، وخانوا ضمائرهم ، ومن خان لا يخون الآخر بل يخون نفسه ؛ فما أكثر خياناتهم في حق أنفسهم ..!




أقول هذا .. وأنا أتأمل اسم " عصام شرف " ؛ فعسى من رشحته " الثورة " أن يكون حاملا الشرف إلى أهل مصر الكرام بعدما نسوا مذاقه ..!




ليلى البلوشي

الأحد، 5 يونيو 2011

مكتبة أحذية ..






مكتبة أحذية






"امنح فتاة حذاء لائقا، عندها تستطيع أن تغزو العالم"
مارلين مونرو




***
عندما كنت تلميذة صغيرة، بالتحديد في الصف الأول الابتدائي، اذكر مقرر مادة اللغة العربية في ذاك الوقت، كان الدرس الأول في الكتاب معنونا بـ"حذاء هند ورجل نورة"، وثمة جملة لا تزال ملتصقة بذاكرتي، فالمعلمة كانت تحرص على تلقينها لنا بتكرارها عدة مرات، والجملة كانت تقول: (لبست نورة حذاء هند، حذاء هند كبير ورجل نورة صغير..).
ومذاك الدرس، وأنا لا أتوانى عن انتعال أحذية كبيرة استعرض من خلالها وجه الشبه بيني ونورة الصغيرة، التي كانت دائما تنتعل حذاء أختها الكبرى كسبيل استكشاف عوالم من هم أكبر منها سنا بكثير، تكوّر بعد ذلك مفهوم الحذاء ومدلولاته عندي، وطالما تمنى قلبي الصغير بصغر عقلي وقامتي ورجلاي تحديدا أن انتعل الحذاء الأحمر، دون أن يفوتني حلم حصول على حذاء سندريلا؛ كي تتجسد الأسطورة فيني، وأدركت تلك الطفلة التي كنتني مع الأيام أنه كلما كبر الحذاء كبر معه أشياء أخرى..
ثمة أحذية متعددة تلبسنا على أشكال وأحجام وألوان مختلفة، وبعض الأفراد يفرطون أقدامهم بالتدليل، فينتعلون في العام الواحد أكثر من نوع من الأحذية، فهناك أحذية للمدرسة، أحذية للسوق، أحذية للعيد، أحذية للمنزل وأحذية لخارج المنزل إضافة إلى أحذية نقتنيها بلا مناسبة، أحذية لكل الفصول والمناسبات، وفي السنوات الأخيرة حرصن ـ معظم النساء ـ على أن يكون لكل زيّ حذاء خاصا يتلاءم مع لونه، ويذكر أن المغنية "فيرجي" نجمة فريق "بلاك أيد بيز" واجهت موقفا محرجا قبل دقائق من أداء فقرتها على الهواء في برنامج تلفزيوني، حين وجدت أن الحذاء الذي سوف تنتعله غير ملائم لفستان السهرة الذي ترتديه، فأغاثتها من تلك الأزمة المغنية "شيرلي كول" حين قدمت لها حذاء مناسبا من غرفة ملابسها في هيئة التلفزيون، وحين اعتلت "فيرجي" منصة المسرح علقت بقولها: (لقد وقعت لي أزمة في الدقيقة الأخيرة قبل أن أعتلي المسرح، لذلك شكرا لك شيرلي كول لجعلي استعير حذاءك)..
بينما أفراد آخرين الذين تعوزهم حاجات أخرى أهم بكثير من الحذاء؛ فإن الحذاء يمشي في أقدامهم أعواما طويلة حتى يهترئ كفم تمساح مفتوح، وإذا ما ضاق حذاء على قدمين كبيرتين؛ فإن هناك قدمين صغيرتين أخريين سترثان هذا الحذاء.. وهذا ما حدث مع الكاتب "أنيس منصور" حيث حكى قصته المؤلمة مع الحذاء في كتابه (قلوب صغيرة) قائلا: "لو كان لي حذاء جديد ولو مرة واحدة ما جرى ما كان، فقد كنت ارتدي أحذية إخوتي الأكبر مني، هم أكبر مني والأحذية أكبر من قدمي، وكنت أشعر براحة في قدمي وحرية في الحركة أو هكذا كنت أقول لنفسي، ولا بد أنني كنت أقول ذلك في حالة دفاع عن النفس، عندما يتعجب زملائي في المدرسة من هذا المنظر الغريب، ولم يكن دفاعا عن نفس ضد شخص واحد وإنما ضد كثيرين، فقد كان بعض زملائي يجيئون ليتفرجوا على حذائي كم هو طويل، كم هو كبير، وصرت أشعر بأنني فعلا مضحك والذي كان يؤلمني أنني لا أستطيع أن أفعل شيئا ولا أعرف كيف أداري حذائي ولا أين أضع قدمي.."
عقدة الكاتب "أنيس منصور" تفاقمت مع الأيام بحيث أخذ يتصور أن كل تلميذ يقع منه قلم على الأرض أو مسطرة إنما هي حيلة ليلقي نظرة على حذائه، لدرجة أصبح أول من يدخل الفصل وآخر من يخرج منه..!
وللكاتب التركي الساخر "عزيز نيسين" قصة ظريفة بعنوان (الحذاء الضيق) حيث تروي القصة عن رجل له صديق عاشق لفتاة، اضطرته الظروف إلى أن يستدين مبلغا من المال؛ كي يشتري حذاء جديدا ليرافق صديقه إلى منزل الفتاة التي يحبها، فيجد أن الحذاء الذي على مقاس قدميه أعلى سعرا من الأحذية الأخرى، ونتيجة قلة ذات اليد يشتري حذاء أقل من مقاسه بدرجة واحدة، وطوال الطريق تتوجع قدماه من الألم، وفي أثناء الزيارة كان صديقه يثرثر ويحكي لأهل الفتاة قصصا ساخرة بينما هو تقبّع في صمته، متعرق بشدة والاحتقان يأخذه بينما كل قطعة من جسده تلتهب من الحمى ، ولم يملك صاحبه أمام حجر صمته سوى أن ينعته بالخجول أمام أهل الفتاة، وحين خروجهم من منزل الفتاة تسأله والدتها إذا ما كان متزوجا، فيحرك رأسه إشارة بلا.. وطوال الطريق يؤنبه صاحبه على صمته، بينما يتحامل الألم كثيرا على قدميه، وحين يصل إلى مقر عمله يلقي بجسده على الأريكة وتتداعى أيادي كل من زملائه لمساعدته في خلع الحذاء الذي كان لاصقا ويأبى على النزع، حتى يحمل كل واحد منهم سكينا ومشرطا وموس حلاقة فيمزقوا الحذاء قطعة قطعة، وعندما عانقت قدميه حريتهما ظل لمدة ثلاثة أيام غير قادر على المشي، ويبدو أن تلك الحرية كلفته فاتسع معه مقاس قدميه حتى غدا أكبر من مقاس قدميه المعتاد بمرتين، لكن الطرافة هو أن والد الفتاة زاره في منزله عدة مرات وعبرّ له عن إعجابه بخلاله الكريمة وخجله وارتأى أن يختاره زوجا لابنته ، عوضا عن صديقه التافه والثرثار وعديم الحياء، ولكن حينما كثف والد الفتاة من زياراته ، توجه هو إلى درج طاولته واخرج منه الحذاء المقطوع الذي ضاق على قدميه ورماه أمامه صارخا: ها هي الأخلاق والتربية والخجل خذه وزوجّه ابنتك..!
إذا ما كان حذاء ضيقا على القدمين يكفل زواجا مباركا على صاحبه؛ فلينتهز الفرصة كل ذي حاجة إذن..! لكن ماذا عن استغناء شخص محتضر عن حذائه مقابل رغبة أخيرة يحصل عليها بعد مغادرته روحا إلى العالم الآخر..؟!
ففي قصة "ليف تولستوي" (ثلاث ميتات) يطلب حوذي شاب بعد أن ترهل حذاؤه من العم خفيدور الحوذي المريض حذاؤه ، بعد أن اتفق الجميع من حواليه أن شخصا مريضا مثله وعلى شفا الموت لن يحتاج إلى حذاء، وافق العم خفيدور على الاستغناء عن حذائه مقابل أن يشتري له الشاب شاهدة قبر بعد موته.. فأخذ الشاب الحذاء ومات العم خفيدور دون أن تزين قبره شاهدة..!
ويحكى أن "غاندي" كان يجري للحاق بقطار وقد بدأ القطار بالسير وعند صعوده القطار سقطت إحدى فردتي حذائه ، فما كان منه إلا أن أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على سكة القطار، فتعجب أصدقاؤه وسألوه، لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟ فقال غاندي بكل حكمة: أحببت للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما ، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده..
لا اذكر أبدا عن حذاء ضاق على قدمي أو تاه عني أو سبب لي مشكلة كحذاء الطنبوري الذي ضاق منه الويل وتبهدل بسببه كثيرا، لكنني اذكر جيدا حكاية مكتبة كتبي مع أحذيتي، وكان ذلك حين استبدلت مكتبتي القديمة بمكتبة أكبر ذات سعة بحيث تتنفس كتبتي بحرية دون أن تضيق بها الأنفاس، ووضعت المكتبة القديمة في زاوية من المنزل ؛ فقد عزّ عليّ التخلص منها، وبقيت عزيزة النفس في زاويتها تشكو الفراغ والوحدة بلا صوت ، وحدث أنني من النوع الذي اقتني أحذية كثيرة لكن قطعا هوسي ليس بمستوى النجمة الاستعراضية "بيلي مادلي" التي تملك أكثر من 800 حذاء للاستخدام الشخصي ، إضافة إلى 900 حذاء للاستخدامات الأخرى..!
وكلما اقتنيت حذاء جديدا، أضم الحذاء القديم إلى مجموعة الأحذية العتيقة المخبأة أسفل السرير، وإن كنت لا انتعلها إلا مرة أو مرتين حسبما المناسبة والظرف والمكان والزيّ، وحينما تفاقمت عدد الأحذية المحبوسة تحت السرير، أشفقت على حالها هناك في ظلمتها بلا أنيس ولا ونيس ولا أنفاس متجددة، فخطرت برأسي فكرة تصفيفها مكان الكتب في المكتبة القديمة، ومذاك اليوم ومكتبتي القديمة زاخرة بالأحذية بعدما كانت للكتب، والأهم من ذلك كله يسهل عليّ الوصول إليها بلا عناء، فيما كنت في السابق أواظب أحيانا حين يعييني الحصول على فردة دون أخرى ، على انتعال الحذاء بعينه ، كيفما كان أمامي عدة مرات..
***





"بقيت أتذمّر من عدم امتلاكي حذاء ، حتى رأيت رجلا بلا قدمين"
كونفوشيوس





ليلى البلوشي