الاثنين، 30 ديسمبر 2013

في الغرب إنجازات وعند العرب جنازات ..!

في الغرب إنجازات وعند العرب جنازات ..!

الرؤية / العرب

تلويحه وداع يلوح بها العالم عام 2013م ..
عام برزت فيه عدة المستجدات وقضايا سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الديني أو العلمي ، وأكثر ما لفت نظري هي الانجازات العلمية لعام 2013م ، ولعل من أبرزها على مستوى العالم اعلان الناسا أنه بعد ست وثلاثين سنة على إطلاق فوياجر سيترك النظام الشمسي رسميا ليصبح الجسم الوحيد من صنع الإنسان الذي ينتقل عبر الفضاء إلى ما بعد النجوم المعروفة ، وزراعة الدماغ عبر رقائق السيليكون ، كما اكتشفوا البيض الجوراسي وهي مجموعة من بيض الديناصور المتحجر اكتشفت في جنوب الصين ، والجمل الكندي تم اكتشافه في جزيرة كندية ، والنقب الأسود الذي لاحظوه عبر أسطح انفجار لأشعة غاما ، وحاسة اللمس والتي صنعها مجموعة الباحثين ويمكن عبرها التزود بحاسة اللمس ، وتسجيل براءة الجينات ، وبرغر من اللحم الصناعي الأول من نوعه في لندن ..
اكتفي بعرض ما سبق من إنجازات التي قام مجموعة من الباحثين والعلماء من أنحاء العالم بعد جهد طويل واشتغال فكري صارم ، وإجراء بحوث واسعة عبر سنوات مديدة من اكتشافها ، كل تلك الإنجازات غريبة عن العرب وعن موضع اهتمامهم كذلك بل إنك كعربي حين تقرأ ما أنجزته العوالم الأخرى من اكتشافات واختراعات مختلفة تشعر بالخجل من نفسك .. ويقفز في داخلك سؤال يكلله العار : ما الذي قدمه العرب في أعوامهم الأخيرة ..؟
وتتقافز عليك الأسئلة من كل حدب وصوب : ما أبرز إنجازات العرب من الناحية العلمية أو حتى السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..؟
تقلّب في صفحات العرب من خليجها إلى محيطها ؛ فلا تجد سوى صراعات مريرة وسجل دموي في قتل بعضهم البعض باسم الدين والدين منهم براء ، بل إن قدراتهم العظيمة في القتل وإزهاق الأرواح فاقت قدرات إسرائيل نفسها ..!
ماذا لدى العرب سوى أمم قسمت نفسها إلى طوائف ومذاهب و قسمت شعوبها بــ" مع أو ضد " حسبما تمليه الموضة السياسية ، وقسمت أوطانها إلى شمال وجنوب حسبما منافع ومصالح الشخصية لقاداتها ، القادة أنفسهم الذين يرون أن إسرائيل دولة صديقة ..؟!
وسباق التباري في فرض الخناق على حرية الإعلام ، وخنق حرية الكتابة التي تفرضها رقاباتهم على الكلمة ، بل من أبرز ما حققوه على مستوى إجراءات قانونية هو إمكانية حبس إنسان لمجرد أنه غرد عبارة من 140 حرفا ، ناهيك عن قضايا الفساد التي يفلت منها الفاسدون ويجلد فيها المظلومين ..!
كيف لأمة نقاشاتها وحواراتها تدور حول : هل أنت سني أو شيعي .. ؟ أو هل الحجاب واجب ..؟ أم هل قيادة السيارة جائزة أم ممنوعة للمرأة ..؟ كيف لمثل هذه الأمة أن تخرج منها إبداعات ومخترعات واكتشافات على الصعيد العلمي ؛ حيث العالم الآخر ما يزال فيه العلماء والباحثون يبذلون كافة جهودهم من أجل فكرة يجدون أنها تنفع البشرية في قادم الأجيال ، أو من أجل مشروع فيه إنقاذ لطبقة الأوزون أو في التخفيف من عبء الكوارث التي تهدد البشرية عبر سنوات قادمة في كوكب يضم جميع البشر باختلاف لغاتهم ودياناتهم وأطباعهم ..
يعمل أولئك العلماء بإخلاص وإيمان ، بينما ينشغل الفارغون في عوالمنا العربية بلعنهم بالكفر والإلحاد وتوزيع صكوك الغفران في أحقية دخول الجنة والنار ..!
ولم يفكروا ولو لبرهة بفكر سليم أو بعقل رصين .. العقل الذي هو من أعظم نعم الله - عزوجل - عليهم .. بأن لولا هؤلاء الكفار والملحدين لما عرفنا الهاتف المتحرك والحاسوب والتلفاز والسيارات والقطارات والطائرات والمكيفات إلى لا آخره ، بل شر البلية ما يضحك أنهم يقذفون لعناتهم إليهم عبر أجهزة وحسابات قام باكتشافها الذين يطلقون عليهم لفظة " الكفار "  وينعتون أوطانهم بأوطان الكفر والفجور والعصيان ..!
كم من دولة كانت متخلفة عبر قرون مضت وغدت اليوم قوة اقتصادية وعلمية كالهند والصين وسنغافورة بل أبسط مثال هو أن تقارن ما بين عقليات رؤساء كل من " كوريا الشمالية " و" كوريا الجنوبية " ؛ لتجد مدى " تفوق الذي بلغته " كوريا الجنوبية " التي كانت دولة متخلفة قبل خمسين عاما ولكنها اليوم تتفوق على أمريكا وألمانيا وفرنسا من حيث عدد الاختراعات المسجلة بالنسبة للفرد .. وهنا يأتي السؤال : بماذا يشغل هذه الشعوب أنفسهم يا ترى .. هل تشغلهم الطائفية أم عبودية المرأة أم جل اهتماماتهم يتماشى مع عصر سريع .. عصر يتوق إلى المعرفة الفكرية وإلى مواكبة الثورة العلمية الهائلة ..؟
حتى على مستوى قضايا المرأة ؛ ففي دولة ما تزال تمر بأزمة جدلية حول السماح للمرأة بقيادة السيارة بينما النساء في العوالم الأخرى أثبتوا بجدارة كيف يمكن أن تكون المرأة قوة في بلدها .. وإلى أي سلطة يمكن أن تصل بقدراتها الشخصية إن أرادت ، منها من تحكم أقوى اقتصاد في العالم ، وأخرى رائدة فضاء ، ومنها من حصلت على نوبل في مجالات الكيمياء والفيزياء والأدب ، بل وصلت لرتبة وزارة خارجية ورئيسة دولة .. أما المرأة العربية فهي ما تزال مطاردة من بعضهم بعبارة " عورة وناقصة عقل ودين " ..!
فما معنى أن تكون المرأة وفي دولة عربية مسلمة هي الثانية على مستوى العام من حيث سوء معاملتها للنساء ؛ وعلى ما يبدو يعد هذا من أبرز إنجازاتهم في عام 2013م ..؟!
يذكرني وضع المرأة في عالمنا العربي بحكاية صينية قديمة ؛ ففي قديم الأزمان كان ناسك متعبد يعيش في عزلة تامة في أحد الجبال النائية يقوم بتربية طفل يتيم جيء به إليه وعمره لا يتجاوز الثالثة .. مر الزمن والطفل يكبر دون أن يحتك بالعالم الخارجي ، عندما بلغ السادسة عشرة من عمره أخذه سيده ليريه العالم ، نزلا الجبل وبعد ثلاثة أيام من السير على الأقدام وسط الجبال وصلا إلى السهل ، وبما أن الطفل  لا يعرف شيئا ، فقد كان الناسك كلما مرا بحيوان ذكر له اسمه : هذا فرس ، وهذا بغل ، وهذا جاموس وهذا كلب ... وهكذا ، إلى أن ظهرت امرأة ، تتجه صوبهما .. فسأل الطفل الراهب عن اسم هذا المخلوق ..
" اخفض بصرك ، قالت الفتاة مقلدة صوت العجوز .. لا تنظر إليها ، إنها نمرة ، وهي الحيوان الأكثر خطورة في العالم .. لا تقترب أبدا منها وإلا قضت عليك ..! "
وفي تلك الليلة ، عندما عادا إلى الجبل ، لاحظ الراهب أن الطفل لم يتمكن من النوم .. بات يتقلب في فراشه وكأنه ينام فوق الشوك .. كانت تلك أول مرة ، يراها فيها على تلك الحالة .. فسأله عما يشغل باله .. أجابه الطفل قائلا : " سيدي ، لا أتوقف عن التفكير في تلك النمرة التي تأكل الرجال " .. !
وكل عام وأنتم بألف خير ...
ليلى البلوشي

الاثنين، 23 ديسمبر 2013

طبلة تطرب السلطان ..!

طبلة تطرب السلطان ..!

الرؤية / العرب

في خبر موجع ومؤسف من نوعه تفاجأ به عالمنا العربي رحيل الروائي والشاعر والفنان التشكيلي والعازف السوداني "محمد حسين بهنس" الذى جاء خبر وفاته صدمة لمثقفي السودان وأصدقائه من المصريين ، وليس خبر الموت هو صدمة بحد ذاتها ؛ فالموت حق يموت طفل في مهده أو حتى قبل ولادته أو رجل أو امرأة  .. ولكن ربما أسباب الموت هي التي توجع الإنسان وتصدمه في واقع الحال .. كحالة الكاتب والفنان السوداني " محمد حسين بهنس " الذي فوجئ من حوله بموته في فجر يوم الخميس متجمدا من البرد على أحد أرصفة وسط البلد بالقاهرة ، حيث كان يحيا مشردا بلا مأوى ولا غطاء لينضم بهنس إلى قائمة طويلة من المواطنين واللاجئين الذين رحلوا هذا العام موتا من البرد في بلدان العالم العربي ..
" محمد حسين بهنس " لم يكن مبدعا عاديا وهذا ما أكده معظم المقربين منه .. صاحب الرواية الشهيرة ( راحيل) التي كتب عنها النقاد في السودان عند صدورها بأنه أشبه بمولد " طيب صالح " آخر قادم يحمل الخير للسودان ، بل ما أكدته أعماله الفنية وجهوده كفنان تشكيلي ؛ ففي السودان أطلق بهنس الفنان الكثير من الفعاليات المناهضة لانفصال الجنوب عن منظومة أسسها وكانت تدعى " سودان يونيت " ونظمت عددا من المعارض والرسم على الشوارع كاعتراض وصرخات احتجاج على الأزمة التي سقط بها بلده المنفصل داعما كإنسان وكفنان إلى الوحدة ..عرضت لوحاته في فرنسا وألمانيا وأفريقيا .. كان متعدد المواهب من كاتب وفنان تشكيلي برسومه الضوئية البديعة .. شاعر و عازف جيتار يحمل حنجرة سحرية ..
هذا الفنان الذي عاش متشردا ومات متجمدا في ميدان التحرير بينما على جدران قصر الإليزيه بباريس لوحاته الضوئية تتباهى بفنها هناك ..
هذا الكاتب العربي وغيره مما عانوا الظروف عينها من التشرد والفقر والمرض والموت المتجمد كالراحل " نجيب سرور ، والكاتبة المغربية " مليكة مستظرف " ، و الشاعر " أمل دنقل " والشاعر المصري " أحمد فؤاد نجم " الذي كان يعيش على أسطح المنازل ، والمبدع الأسواني " إبراهيم فهمي " ومات الناقد " عبد الرحمن أبو عوف " ولم يجد قبرا يواريه ..!
لا يخفى حال معظم الكتاب العرب والأدباء والفنانين في أرجاء عالمنا العربي الذي يحيا في ظل ظروف صعبة وقاسية سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي وعادة الأسباب كاشفة ؛ فمعظم هؤلاء الكتاب المشردين والذين عانوا من ظروف قاسية يعزو إلى مواقفهم السياسية .. إلى روحيتهم الثائرة ، ووقوفهم الصامد مع الشعوب عبر كتاباتهم وأشعارهم ، وعبر إنسانيتهم ، وعبر كامل حواسهم البشري ..
بينما يتمتع معظم كتاب السلطة أو المقربين من السلطة بحياة مرفهة ، أنموذج من الكاتب " التوي " وهو مصطلح أطلقه الكاتب المسرحي " برتولت بريخت " على كتاب مقربين من السلطات أولئك الذين يبيعون آراؤهم لخداع الشعوب ، وامتصاص وعيهم الحر ، وبث الأوهام والخديعة ، في سبيل حفنة أموال ومنافع يحصلون عليها من السلطات .. إحدى طرق الطغاة الملتوية ليخيّم ظلام الوعي على فكر شعوبهم .. لتسميم آراء كل ثائر وحر ونزيه وللسيطرة البوليسية ، وللتحكم في الشعوب كأراجيز تحت قبضتهم ..!
ما يزال الكاتب الإنسان يدفع ضرائب ضميره الحي والواعي .. الضمير الذي ينبذ فكرة تقفيص الآراء وتوجيهها كما يريد لها القبضة السياسية .. أولئك الذين يودون لو يحرقوا كل الكتب التي تحرض على الفكر ، لو يخترعوا مهنة إطفائي الكتب تلك المهنة المتخيلة التي تناولها الروائي " راي برادبوري " في روايته " فهرنهايت 451 " وهي فرقة إطفائية وظيفتها تكمن في إشعال الحريق وسكب الكيروسين على كل منزل يحتوي كتبا توقظ الضمير وتحرض الوعي .. تلك الكتب التي تراها السلطات كقنابل موقوتة مدمرة يجب حرقها ..!
هذه العقول نفسها والتي ترعبها الكلمة ودها لو يضعوا تحت المقصلة كل حنجرة تغني الحقيقة ؛ في عالم ما تزال فيه الكلمة مدانة والفكرة تكفيرا والضمير الحر يهدد أمنا قوميا ..!
كأنهم ينقلون لك رسالة فحواها : لا تكن مبدعا . لا تكن واعيا . لا تكن إنسانا . ولكي تحيا آدميا في عالمنا العربي عليك أن تكون طبلة ومن المهم جدا أن تطرب أغانيك وألحانك السلطان ..!
" بهنس " الفنان الذي كرمته فرنسا وأحبطت السودان آماله وصقيع القاهرة أودى بحياته .. باختصار حال معظم موهوبي العالم العربي ..!
" أنبياء الحقيقة لا يموتون .. لأن الحقيقة لا تموت .. يموت المزيفون وأشباه الرجال .." قاله في رثاء بهنس صديقه " منتصر زاروج " ..
رحم الله الروائي السوداني الإنسان والفنان " محمد حسين بهنس " وكل متشردي عالمنا العربي ...

ليلى البلوشي

الاثنين، 16 ديسمبر 2013

من سرق مكسرات الملكة ..؟!

من سرق مكسرات الملكة ..؟!

الرؤية / العرب

قرأت خبرا في إحدى الصحف أن الملكة إليزابيث الثانية مستاء بشدة من سرقة المكسرات الخاصة بها وبعائلتها والموضوعة في الممرات المؤدية لغرفهم بقصر بكنجهام ..
فالعاملين في قصر بكنجهام يضعون في دهاليز الملكة إليزابيث الثانية كؤوسًا فيها مكسرات مختلفة وما يسمى بـ" مزيج بومباي" .. الذي يتكون من أنواع مختلفة من التوابل وشعرية مصنوعة من الحمص والعدس والفول السوداني والذرة والأرز..
وقد لاحظت الملكة أن مكسراتها تنفذ بسرعة مما جعلها تغضب جدًا من حراسها الذين يسرقون المكسرات المخصصة لها، بحيث قررت وضع علامات خاصة في الجانب الداخلي لهذه الكؤوس لكي يتبين انخفاض مستواها ..!
 بل إنها اتخذت إجراء رسميا بأن طلبت من إدارة القصر تنبيه الحراس بعدم سرقة المكسرات من الممرات .. حيث أرسلت لكل فرد منهم تعليمات تتضمن الرجاء بعدم سرقة المكسرات بأيديهم " الوسخة " ..!
شر البلية ما يضحك ؛ ففي أرض كإنجلترا بلد القوانين التي تجري على قدم وساق تغضب فيه ملكتها على سرقة مكسراتها الخاصة : فهل هذا دليل على صرامتها المسؤولة تجاه كل الممتلكات في بلدها أم هو شعور خاضع أناني لممتلكاتها الشخصية فقط ..؟!
 وعلى الرغم من غرابة السرقة والحادثة برمتها ، إلا أنه تعدي على حقوق الآخرين وممتلكاتهم والمحاسبة أمر واجب كي يحافظ كل على حقوق الآخر ولا يتعداها مهما غدا الأمر ضئيلا ..
ولكن في دول العربية .. في دول السرقات الكبرى تغدو العملية عكسية .. فعادة المواطنون البسطاء هم من يتعرضون للسرقة بشتى أنواعها .. وتجري تلك السرقات أمام أعينهم أحيانا وبعلمهم وأحيانا دون علمهم يسلبون أرزاقهم دون أن يستطيع أن يرد حقوقه المسلوبة إليه ، أو حتى يجرؤ على استردادها في بلد تكون فيه القوانين في يد الأقوياء .. بينما أولئك الجشعون أصحاب الملايين يسلبون حقوق غيرهم ليلا ونهارا دون أن يتعرضوا لمساءلة قانونية مسؤولة : من أين لك هذا ..؟
ووحدهم الضعفاء هم يدفعون دائما ؛ لأننا في زمن يحاسب فيه المعدم المسكين بينما يفر من تطول أيديهم وثرواتهم من القانون ..!
في بلد القوانين المسؤولة والتي تطبق على الجميع بلا استثناء لا تضيع فيه الحقوق ودائما تجد طريقها إلى قانون عادل وصارم يحاسب فيه المذنب مهما كانت مكانته الاجتماعية أو مهما غدت نفوذه قوية ومهما كان جرمه طالما هناك تعدي على حقوق وممتلكات الآخرين ..!
ولكن في بلدان بلا قوانين أو قوانينها خاضعة لهوى الواسطات ، أو لمن يدفع أكثر ، أو لمن لديه القدرة على إسكات القانون وحجبه تحت جناحه .. فالتأكيد تمضي فيه صفقات السرقة بأمان تام وبلا محاسبة والأمثلة في واقعنا الحالي كثيرة جدا ..!
في بلدان تطبق فيه قوانينه فقط على الذي لا سند له بمجرد ما يفتح أحدهم فمه يخرسونه بأبشع الطرق ؛ لأن في خرسه حماية لظهور كثيرة ..
في بلدان القوانين التعسة عليك أيها الإنسان أن توقظ ضميرك .. حتى الضمير غدا عملة نادرة وحضورها غريب في أوطان تموت فيه الضمائر وتنتحر ؛ وهذا يعيدني لحكاية عن رجل تقيّ لا يحضرني اسمه .. هذا الرجل مر على سوق وكانت ألذ الفواكه والخضروات أمامه مفروشة وهو عابر بينها .. وحين اشتهى زبيبا مد يده تلقائيا ثم أكل واحدة منها .. وحين قفل راجعا إلى بيته طوقته الوساوس من كل حدب وصوب عن الزبيب الذي أكله بلا إذن من صاحبه .. وصاح به ضمير اليقظ أن كيف امتدت يده إلى شيء لا يملكه ..؟!
مرت الشهور والأعوام و كلما حدث له شيء أو ألمت به مصيبة أرجعه إلى حبة الزبيب التي أكلها بلا إذن من صاحبه ودون أن يدفع  ثمنه ، وظل هكذا يؤنب نفسه على الإثم الذي اقترفه وظل يستغفر ربه عليها حتى فارقته الروح ..
رد الحقوق وقيام دولة القانون حيث تسري قوانينه على الجميع بلا فصل في الطبقات والمستويات  يحتاج إلى حاكم عادل ومسؤول وبضمير حيّ يطبق فيه القوانين على نفسه قبل المحكوم .. ولو كان هناك ضمير حيّ عند أي رئيس حيّ لتأسى بسيدنا عمر ابن الخطاب – رضي الله عنه – حين قال : والله لو عثرت ناقة بالعراق لظننت أن الله سوف يسألني عنها يوم القيامة لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر ..؟
المواطنة حقوق وواجبات على الحاكم والمحكوم ...
في زمن القوانين الخاضعة لمن هم أقوى وزمن الضمائر الميتة نقل مرة أن في أرض البرازيل .. أرض اللصوص وقطاع الطرق والفساد والطبقات .. تساءل الفلاحون يوما ببراءة : لماذا يوجد أناس كثيرون بلا أرض بالرغم من وجود أراض كثيرة بلا ناس ..؟
فردوا عليهم بالرصاص ..!

ليلى البلوشي

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

في سيرة قصور الحكام ..!

في سيرة قصور الحكام ..!

الرؤية / العرب

قرأت مرة حكاية عن صوفي شهير كان يدعى " إبراهيم الأدهم " دخل ذات يوم هذا الصوفي قصر أحد الملوك ولما كان معروفا في تلك الأرجاء ، فإن أحدا من الحراس لم يتعرض سبيله ، وهكذا تمكن هذا الصوفي من المثول أمام الملك فخاطبه بجسارة : " أود قضاء الليل هنا " فرد عليه الملك مندهشا مما قاله الصوفي للتو ومن جسارة عدها وقاحة لا تغتفر وفيه تعدي على حقوق الملك وملكياته : " ولكن هذا القصر ليس فندقا " ..!
فرد عليه الصوفي أدهم بهدوء : " هل لي أن أسألك من الذي امتلك هذا القصر قبلك " ..؟
كاد الملك أن يصرخ في وجهه على وقاحته التي أخذت منحى متماديا غير أنه قرر أن يكبح جماح غضبه وتطاول الصوفي عليه : " كان أبي مالكا لهذا القصر وتوفي فغدا القصر ملكا لي " ..
فباغته الصوفي بسؤال آخر ورماه كقذيفة في وجه الملك مشتعل شرارة من هدوء أعصابه : " ومن الذي كان يملك هذا القصر قبل أبيك " ..؟
استبد الغضب بالملك وكاد أن ينفجر في وجهه ولكنه رأى أن من الذكاء كملك في مثل مقامه أن يرد بحكمة مقنعة على صوفي متشرد وليسكته قال : " كان القصر ملكا لجدي وتوفي بدوره فغدا ملكا لأبي " ..
ولحظتئذ عقب الأدهم : " هكذا إذن .. فإن هذا القصر هو مكان يمكث فيه الناس قليلا من الوقت ثم يرحلون عنه .. أليس هذه هو على وجه الدقة الوضع في الفندق " ..؟!
حين وعى الملك صدق ما ذهب إليه الصوفي أبدى الملك احترامه وتقديره له وسمح له النزول ضيفا عليه في القصر طوال وقت الذي يريد ..
هذه الحكاية بين صوفي وملك لا تختلف عن حكاية رجل تقي مع ملك إسبانيا الذي كان معروفا بقسوته تجاه من هم أضعف منه ، كما أنه كان يقدس الفخر لأجداده مذ انتصب ملكا على عرشه ..
وحدث مرة أن سافر مع حاشية له فمروا بحقل في منطقة أراغون حيث كان والده قد قتل في معركة منذ سنوات .. وفي طريقه التقى الملك برجل تقيّ يفتش في كومة كبيرة من العظام ، فاستوقفه ما كان يعمله الملك فسأله : " ما هذا الذي تفعله " ..؟
فأجاب الرجل التقيّ : " كل الاحترام لك يا صاحب الجلالة .. عندما علمت بأن ملك إسبانيا سيأتي إلى هنا قررت أن أجمع عظام والدك الراحل وأعطيك إياها لكنني مهما جهدت في التفتيش عنها لن أجدها ذلك لأنها تشبه تماما عظام الفلاحين والفقراء والشحاذين والعبيد " ..!

هل يلزمنا رجل رشيد في كل مملكة من مماليك الطغاة والقصور ؛ ليهز ضمائرهم ولو قليلا بأن كل شبر من أرض الوطن هي ملك جميع الشعب وليست ملكية خاصة للحاكم ..؟
 ولكن بعض الجبابرة والطغاة لا يريدون إدراك هذه الحقيقة الفاغرة أمام أعينهم في كل شبر من شوارعهم التي يعدونها ضمن ممتلكاتهم ، حتى الشعب هم ضمن ممتلكات هؤلاء الطغاة .. !
الشعب نفسه إذا تجرأ على التفكير ولو قليلا أرادوا التخلص منه أو ربما استبداله على تعبير الساخر للمسرحي الألماني " برتولت بريخت " :
" الشعب فقد الثقة بالحكومة / وأنه بجهد كبير فقط / يمكن له أن يستعيدها / ألن يكون من الأسهل / أن تحّل الحكومة الشعب / وتختار شعبا آخر " ..؟!

ليلى البلوشي

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

لماذا جون لا يعرف القراءة ..؟!

لماذا جون لا يعرف القراءة ..؟!

الرؤية / العرب

في الولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت لجنة تربوية عابرة بين صفوف إحدى مدارسها أن تلميذا يدعى " جون " في الصف الحادي عشر ولا يجيد القراءة ..!
كانت صدمة حقيقية وضربة قوية في وجه التعليم الأمريكي .. جعلت الموجهين والتربويين وقطاع التعليم بأكمله يعلن حالة طوارئ وتفتيش في ملفات التلميذ المدعو " جون " والمعلمين الذين مروا عليه طوال فترة دخوله المدرسة من الحضانة حتى الفصل الحادي عشر .. وتلك الظاهرة الغريبة من نوعها في قطاع التعليم الأمريكي جعلهم يطرحون القضية ومباعثها في كتاب مهم عن هذا التلميذ الذي لا يجيد فك الحروف وقراءتها على الرغم من أنه قد تجاوز مرحلته الطفولية وكان عنوان الكتاب " لماذا جون لا يعرف القراءة " ..؟
السؤال الذي يعبر بالي توا بشكل فاغر : كم " جون " يا ترى في بقاعنا العربي .. من خليجنا إلى محيطنا لا يجيد قراءة الحروف ..؟
كم طفل عربي أنهى مرحلته الطفولية دون أن يستطيع قراءة قصته ما قبل النوم ..؟ وكم مراهق أو بالغ وهو على عتبة مرحلة أخرى من حياته لا يمكنه القراءة بشكل صحيح بضع جمل وعبارات من صحيفة أمامه أو قراءة رسالة قصيرة تصل هاتفه ..؟
وهل كل خريجي مدارسنا العربية يجيدون القراءة أو الكتابة بشكل جيد وحقيقي ..؟
كمعلمة ومن تجربة شخصية أستطيع التأكيد بأن هناك كثير من التلاميذ حملوا شهادات تخرجهم من المدارس وهم بالكاد يفكون حرفا أو يكتبون جملة قصيرة بلا أخطاء إملائية وأسلوبية فظيعة ..؟!
ومازال غيرهم يتخرجون ويعبرون من مرحلة إلى مرحلة دون أن تمر لجنة توجيهية حقيقية تسأل المعلم أو التلميذ عن أسباب تدني مستوى القراءة أو الكتابة ..؟
ولعل المبعث في هذا الإهمال هو أن التعليم أصبح يمنح " مجانا " حين تكون قرارات بعض الوزارات بوجوب أن ينجح التلميذ خاصة في سنوات دراسته الطفولية الأولى .. وهي من أهم مراحل تعليم الصغار لأسرار اللغة ولقواعد كتابتها .. فكيف يمكن لهذا التلميذ الذي ينال النجاح مجانا مهما غدا مستواه التحصيلي أن يبالي بالدراسة وهو على يقين بأن نجاحه " مجاني " ..؟!
مثل هذه القرارات الظالمة وغير الواعية بمنظومة التعليم في زمن أصبح فيه حتى شهادات الطب والهندسة وغيرها تمنح " مجانا " .. هذه القرارات نفسها تسحب التحدي وروح المنافسة بين طلبتها فهي تساوي بين تلميذ ذكي ومجتهد وبين آخر كسول وغير مبالي وفوق هذا يجلس على مقعد دراسته بكامل بلاهته وهو على يقين من نجاحه ..؟!
والطامة الكبرى هنا هو عدم إيمانهم بقدرة التلميذ العربي على الإنجاز والإبداع والاكتشاف كما يؤمن المعلم الغربي والمجتمع الغربي بذكاء تلاميذهم وقدرتهم الفائقة على الاختراع وضخ هذا العالم بكل ما هو عبقري والواقع هو خير شاهد ..!
 فالفارق أن الغربي يجد من يؤمن به ويسانده .. ولكن العربي يطمسون ذكاءه بعبارات سلبية يثبطون همته ويرخون من طاقاته كإنسان قادر على سبر المستحيل مثله كمثل أي إنسان في العالم من حوله قادر على صناعة النجاح والتميز والإنجاز الحقيقي على أرض واقعه .. ومن تلك العبارات بأن يقال له على سبيل المثال : هل ستخرج مخترعا مثلا .. هل ستكتشف لنا الذرة ..؟!
كما أن التلميذ العربي وأخص الخليجي وفي بعض الدول يعرف جيدا أن ثمة وظيفة وبراتب مجزي ينتظره في أي وقت شاء بشهادة كاملة أو نصف شهادة .. وآخرين يدعمهم فيتامين واو فينال من خلالها وظيفة تكفل لهم حياة مرفهة ..! فما هو الدافع الذي يجعله طموحا أو مثابرا لنيل مستقبل أفضل ومستقبله جاهز بكل تحفيزاته ..؟!
لن تفلح الأجهزة المستحدثة التي نقوم بضخها في المدارس الحديثة في الرفع من مستوى التعليم .. إن لم ترافق تلكم الأجهزة عقول واعية تقوم بتوظيفها في منظومة التعليم حيث تسعى بأساليب ذكية في بيان أهمية الإنجاز التعليمي ومشاق مشواره لنيل ربق النجاح .. النجاح الحقيقي القائم على التحفيز والمنافسة والجدية والقواعد المتوازنة ما بين الصرامة واللطف لتنشئ جيلا مؤهلا لمواجهة تحديات هذا العالم المتنامي بسرعة فائقة ..
ما يعوزه تعليمنا هو إعادة بلورة أفكار التعليم وأهميته ليس في وعي التلاميذ فقط بل وعي المعلمين أيضا .. لأن هم من سيصنع الفكر ويسكبه في عقولهم بأساليب واعية لزمن قادم يجتاحهم .. زمن لا يرحم السذج .. زمن طموح يسابق نفسه ..!

ليلى البلوشي

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

مفارقة مشبّعة برائحة الموت ..

مفارقة مشبّعة برائحة الموت

الرؤية / العرب

   مفارقة مدهشة تلك التي تسامقت لديّ ، حين عكفت على قراءة قصة حياة الصحابية " عاتكة بنت زيد " – رضي الله عنها – في الأسبوع عينه مع قصة حياة الشاعرة الأميركية اللاتينية الحاصلة على جائزة نوبل " غابرييلا ميسترال " ..
 فكلا المرأتين باختلاف مكانتهما وظروف زمنهما والأحداث والطوارئ التي تعاقبت عليهما في تاريخ البشرية إلا أن حياتهما كأنما غزلتا على ثيمة الموت .. ذاك الموت الذي أضحى حقلا ملغّما مسوّرا حول قدرهما و كل من يطأ الحقل ينال نصيبه من حفنة الموت ..
فـ" عاتكة بنت زيد " هي أخت " سعيد بن زيد " – رضي الله عنهما -  كاتبة وشاعرة رائعة الجمال ، في حياة عاتكة ظاهرة تستلفت النظر وتستدعي التأمل والتعمق ، هذه الظاهرة هي أنها ما تزوجها رجل من صحابة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلا كانت خاتمة حياته الشهادة ..!
تزوجها أولا عبدالله بن أبي بكر – رضي الله عنهما – ثم قضى شهيدا يوم الطائف ، ثم تزوجها زيد بن الخطاب فقضى شهيدا يوم اليمامة ، ثم تزوجها عمر فمات عنها شهيد المحراب ، ثم تزوجها الزبير بن العوام فمات عنها شهيدا يوم الجمل ، وكان آخر أزواجها الشهداء الحسين بن علي شهيد الكربلاء ، فلقيت وجه ربها بعده بزمن يسير.. ولذلك قال فيها عبدالله بن عمر بن الخطاب : " من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة " ..
أما " غابرييلا ميسترال " هي الأخرى كان الموت يتنفس حولها ، ولكنه قبل أن يتنفس من رئتيها شفط الأكسجين من رئات الذين تعاقبوا على حياتها ، فكان الموت لهم بالمرصاد .. كان أولهم " روميليو أوريتا " الرجل الذي أحبته كان يعمل في شركة سكة حديد وانتحر بإطلاق الرصاص على نفسه بعد إدانته بتهمة اختلاس لتبدأ بعده طرقعات البؤس في حياتها ..
وفي خلال الحرب العالمية الثانية عملت ميسترال قنصلا فخريا لبلادها في البرازيل ومن هنا نشأت صداقة وثيقة بينها والكاتب النمساوي " شتيفان زفايغ "  وزوجته غير أنها سرعان ما انتهت بمأساة انتحارهما معا في " ريودي جينيرو " قد بلغت في نفسها مبلغا عظيما ؛ مما انعكس على حالتها الصحية ، وما تكاد تهدأ دويّ تلك الفرقعة حتى صفعتها فرقعة أعنف دويَّا وذلك بإقدام ابن أخيها " خوان ميغيل " على قتل نفسه ، وكان آخر سلسلة موتاها هو الطفل الذي تبنته ميسترال فتركها تتخبط في فوضى المآسي ، وحيدة ، منفردة ، فلم تتزوج أبدا وفاء لحبيبها المغدور ، وظلت طوال حياتها تواقة للأمومة التي وجدت نبضها الحقيقي في صفحات قصائدها المعتقة .. ولا عجب أن تحيي ذكرى موتاها في ديوان " سونيتات الموت " وهي القائلة : " الحياة حجّ غامض يفضي إلى الموت " فطوى السرطان صفحة حياتها المليئة بثقوب الموت واليأس في جنازة شيعّها أكثر من نصف مليون مواطن تشيلي مرفرفة بلقب " المملكة الروحية لأمريكا اللاتينية " ..
تلك المفارقة المشبعة برائحة الموت أذهلتني ..!


ليلى البلوشي

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

الطفل تشارلي وشكولاتة ويلي ونكا ..

الطفل تشارلي وشوكولاتة ويلي ونكا ..

الرؤية / العرب

قصة للأطفال ألفها الكاتب البريطاني " روالد دال " وحولت إلى فيلم عام 1971م .. أتت فكرة تحويل رواية تشارلي ومصنع الشوكولاتة من جسم الكتاب إلى جسم فيلم سينمائي عندما قرأت ابنة المخرج " ميل ستيوارت"  البالغة من العمر عشر سنوات الرواية ، وطلبت من أبيها أن يقوم بصنع الفيلم ويأتي ديف المنتج " ديفيد ل. وولبر" ليقوم بإنتاجه وعرض ستيوارت الرواية على وولبر والذي اتفق أنه كان في خضم مباحثات مع شركة الكويكر كاتس بشأن مركبة نقل لقطع حلوى جديدة ، وأقنع وولبر الشركة والتي لم تكن لها أية خبرة مسبقة في صناعة الأفلام ، أقنعها بشراء حقوق الرواية وتسويق وإنتاج الفيلم من أجل الدعاية وإنتاج قطعة وانكا كويكر كاتس جديدة ..
يعرض الفيلم شخصية السيد " ويلي ونكا " وهو يملك مصنعا للشوكولاتة وقد كان رجلا عبقريا حيث كانت له وصفة سرية في تصنيع حلوياته ، ولكن على ما يبدو أحد الجواسيس هرّب هذه الوصفة السرية ، وحين ذاك يتخلى ويلي وانكا عن أيديه العاملة معتزلا لسنوات في مصنعه الضخم ، ولكن حلوياته كانت تخرج من المصنع توزع وتستورد ، والناس ظلوا يتساءلون عن سر هذا المصنع إلى أن يأتي اليوم يعلن فيه " ويلي وانكا " تخصيص خمسة بطاقات ذهبية مخبأة في شوكولاتته لخمسة أطفال ، يسمح لهم بدخول المصنع وواحدا منهم فقط سيكون الفائز لينال جائزة تفوق الخيال ..
 " تشارلي " يقوم بدور البطولة في هذا الفيلم ، وهو الطفل الذي يكون أوفر حظا في العالم دون أن يعرف ، ينتمي لأسرة فقيرة فبالكاد تحصل على ما يسد رمقها مكونة من والديه وأجداده الأربعة ، كان هذا الطفل يعاون أسرته بمسح أحذية المارة ، وحين تظهر حكاية " ويلي وانكا " وبطاقاته الذهبية ، تحلم هذه الأسرة بحصول واحدة منها لطفلهم تشارلي ، فيحصل في عيد مولده على أول لوح شوكولاتة وانكا لكن بدون بطاقة ذهبية ، بينما في المرة الثانية يستغني له أحد جديه عن مصروفه الخاص ليجرب حظه و لا يحالفه ، وحينما يكون تشارلي مارا بين الأصقاع يتناهى إلى سمعه حصول ولد روسي على آخر بطاقة ذهبية ، لكن تشارلي يلمح بين الثلوج المتراكمة على دولار واحد فيجري إلى أقرب بقاله ليشتري لوحا من شوكولاتة وانكا فيبتسم له الحظ هذه المرة حين تفاجئه البطاقة الذهبية في جوف لوح الشوكولاتة ، ويعلم الجميع أن بطاقة الروسي كانت مزيفه ..
تفرح العائلة بحصول تشارلي على بطاقة ذهبية ولكن تشالي يقرر بيعها ؛ لأن أفراد أسرته بحاجة للمال ، لكن هنا يتدخل أحد جديه ليقول له جملة أعجبتني شخصيا حكمتها : " بني ، هناك كثير من الأموال تطبع في هذا العالم وقد يحصل عليها المرء في أي يوم ، لكن ثمة فرص لا يحصل عليها كل يوم والأغبياء فقط هم من يضيعون فرصهم في الحياة ، فهل أنت غبي ؟ "
ودخل تشارلي مصنع الشوكولاتة وحاز على الجائزة العظمى وهو امتلاك مصنع ويلي وانكا ..
الفيلم عرض دروسا مفيدة للأطفال ، ناقش فيه سلوكيات مشينة يرتكبها الأطفال وعالجها الفيلم بطريقة غير مباشرة ، فأول الأطفال الذين حصلوا على البطاقة الذهبية ودخلوا المصنع كان طفلا سمينا ، شرها ، طماعا ، وطمعه هذا يقوده إلى السقوط في بحر من الشوكولاتة لتضّخه آلة خاصة بضخ معجون الشوكولاتة  ، بينما الخيار الثاني كانت طفلة تحب العلكة وتعلك على أربع وعشرين ساعة ، شغفها المجنون هذا يقودها إلى تناول علكة غريبة صنعها وانكا ولم يجرب وصفها جيدا وحين تناولت الفتاة العلكة انتفخت حتى أصبحت كثمرة التوت الأزرق فحولوها إلى غرفة العصر ؛ كي يعصروا انتفاخها المزرق ..!
 والطفلة الثالثة كانت مدللة جدا وجشعة والتي جعلت أباها يسخر كل عاملات مصنعه لفتح مئات الصناديق المليئة بعلب الشوكولاتة للبحث عن التذكرة وحصلت عليها على حساب تعبهن ، وحين يبهرها سناجب وانكا وهم يقشرون البندق تأمر والدها بالحصول على إحداها ، ولكن السيد وانكا يرفض بيعها وهنا تجري الفتاة خلف إحداها لتصادف هجوما عليها من قبلهم وأخيرا تجد نفسها في حفرة للقمامة بعد أن رمتها إليها السناجب الغاضبة ..
بينما الطفل الرابع كان مغرما بمشاهد التلفاز أبهره اختراع وانكا في تحويل قطعة كبيرة من الشوكولاتة عن طريق الإشعاع إلى تلفاز آخر ويمكن إخراجها بسهولة من قبل المشاهد ، ويجرب هذا الطفل الاختراع على نفسه ليجد نفسه بعد الإشعاع صغيرا جدا بحجم الفأر ثم ينقل إلى غرفة مط التوفي ليمدد ويعود كما كان ، وتخلل الفيلم مقاطع موسيقية أداها رجال يدعون " الأومبا لومبا " بحفاوة مثيرة للاهتمام وهم أقزام حصل عليهم ويلي ونكا من أدغال أفريقيا ليعملوا معه بإخلاص ..
ولا يظل سوى الطفل تشارلي الذي يفوز بالجائزة ولكن قبل ذلك يعرض عليه وانكا أن يترك أسرته خلفه ، ويسعى لمجده الخاص وهو شرط الفوز بالجائزة ، ولكن الطفل تشارلي يرفض ذلك بشدة ويرى أن عائلته أهم بكثير من كل كنوز الدنيا ، تحدث مواقف كثيرة ويدرك من خلالها " ويلي وانكا " صحة مقولة الطفل تشارلي وأهمية العائلة فيحصل تشارلي على مراده  ..
* * *
عندما كنت طفلة صغيرة كانت لي أمنية كبيرة ، وهي أن أعيش في منزل من الشوكولاتة أتناوله على مهل كل يوم ، ومضى زمن على هذه الأمنية التي لم يكتب لها التحقيق ، ولكنه كان حلما لذيذا ويكفي أنني استمتعت وأنا احلم به ..
في معرض أحلام الصغار أتذكر طفلا صغيرا ، كان يحلم بامتلاك الكثير من الألعاب ولكن لانتمائه إلى أسرة معدمة لم تجد أحلامه وقتئذ سبيلا للتحقيق ، اضطر هذا الولد إلى أن يستغني عن مدرسته وعن قسط من طفولته ؛ ليعيل الأسرة الكبيرة التي ينتمي إليها ، وتحسنت أحوال الأسرة بفضل هذا الولد الذي كبر وأكمل دراسته وتزوج ، وحين أصبح أبا كان يحرص على شراء كميات كبيرة وحديثة من الألعاب لأبنائه ويشاطرهم لعبها معهم .. فحقق هذا الرجل الذي كان ذاك الطفل الحالم بالألعاب أمنيته بطريقة أخرى ..
هذه القصة الواقعية ترفع من معنوياتي كثيرا ، فلعل أحلامنا التي لم تتحقق في أوانها يكتب لها أوان آخر في وقت ما ..!
من يدري  فقط علينا أن نظل حالمين ...
ليلى البلوشي

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

في ذاكرة السفر والحقائب مع " إلما راكوزا " ..

في ذاكرة السفر و الحقائب مع " إلما راكوزا " ..


"  كنت طفلة الترحال الدائم
على جناح السفر تعرفت على العالم ورأيته يبتعد ويقترب مع الريح
اكتشفت الآن ورأيت تحولاتها
سافرت بعيدا كي أصل ، ووصلت لأرحل من جديد
كان لي قفاز فرو .. وهو كان لي
كان لي أب وأم
لم يكن لي غرفة أطفال
لكني امتلكت ناصية ثلاث لغات ، وثلاثتها كانت لي
كي أنتقل من ضفة إلى أخرى "

     " إلما راكوزا " في روايتها " بحر وأكثر " هي في البدء طفلة اكتملت حواسها على ذاكرة السفر والترحال وحقيبة أبدية الانتقال من رصيف . إلى محطة . إلى وطن . إلى غربة .. لا تتسع لخيالها الفضفاض المحلق في دهاليز عالم مدهش يسير على قدمين من التوغل والتكيف إلى عوالم تتعرف إليها شيئا فشيئا مع قافلة العمر الممتد ،  فكلنا سائرون وكلنا نجوب الآفاق : " وحيدة تقفين على المحطة الألف ولا تعرفين ما الذي تبحثين عنه ....، ألم تنوي أن تجمعي قواك ؛ أن تقلعي أسفارك ، أن تقللي انتظارك في المحطات المستعجلة ؟" ....
ووجع الغربة ظمئ ؛ ففي داخلها ثمة عودة إلى الوراء ، إلى تلك الجذور الضاربة في أرض غادرتها باكرة ليتفتح انتماؤها على هيئة هوية مضطربة ، تتأجج أوراها في قيعان روحها وفتيلها في اشتعال دائم على هيئة سؤال : " لن أعرف قط إلى أين أنتمي ؟ ولهذا كنت أتمسك بالسعادة القصيرة  " ....
وكان الانتقال من مكان إلى آخر كنورس رحال لم يكن طوع اختيارها وأخيها حينما كانا ما يزالان غضين كعصفورين صغيرين .. بل إن الأم والأب حينما يقومان أو يقوم أحدهما في تربيت على ظهر حقيبته المتكئة كهيئة استعداد للترحال ، كان يعني سفر جديد في بقاع شتى : " كلما طال حزم الحقائب ، كلما ازداد شعوري الشلل ، ثم إن أحدا لم يأخذ رأيي ، كان الآخرون يقررون الرحيل : الأهل والظروف ، يأمرون : أنت تأتين معنا ، وأنا أذهب معهم إلى المجهول ، إلى المرحلة الانتقالية التالية طوال طفولتي " ..
ولكن على ما يبدو أن الطفلة عينها جبلت على حكاية السفر ، فحين تغضن طولها .. كان الرحيل خيارا ماتعا بمتعة استكشاف مجهول يغري بمزيد من الرغبة : " استغرب الوالد من إلحاحي المتعجل ، فما إن نلت جواز السفر الأحمر ، ذي الصليب الأبيض ، حتى حجزت رحلة طلابية إلى براغ ، إلى كافكا ، إلى غوليم ، إلى فلتافا سميتانا ، إلى دولة مجهولة كليا "..
والمعروف أن للكاتبة ذائقة حافلة بتاريخ الشرق ، تشكلت في البدء كأمنية ، ولكن حين استطالت على قدميها عزمت على أن تعايش تلك الذائقة عن قرب المسافات في حكاية سفر لا ينتهي : " السفر سفر ، السفر إثارة الغبار تحت القدمين ، حتى لو غابت الأفراح والمشاق ، التجارب والمنتخبات من الذاكرة .."
وهذه السفريات كان لابد لها من ذاكرة ثقيلة تحتشد كفقاعات تدحرجها أنفاس ذاكرة نشطة : " تكتسي بالغبار ، تتفتت ، تصفر ، لكنها لا تشيخ : " الكنيسة المصغرة البيضاء والزرقاء من باتموس ، الطائرة الورقية الخضراء الصدئة من ليوبليانا ، الصليب الخشبي من رومانيا ، الأرنب الرخامي الصغير ، صافرة الأرغن المعدنية الصغيرة ، القناع البلاستيكي من البندقية ..." .
ولم يكن ارتباط المدن التي عبرت خلالها قاصرا على أشياء مادية جلبتها من هنا وهناك ؛ بل إن الأماكن نفسها كانت تحمل أسماء وصفات المؤلفين والكتاب الذين تعرفت عليهم الكاتبة من خلال آدابهم في الموسيقى والكتابة كـ " دستويفسكي " و" توماس مان " و" كافكا " ، والموسقيين كـ " بروخ " و" بيتهوفن " : " لكن هناك شيء آخر ، اسمه العالم الداخلي ، أنا صغيرة ، أنا قزم على خارطة العالم ، لكن عالمي الداخلي كبير ، قارة بذاته ، هكذا علمني الروسي ، دوستويفسكي ، تحت مشاعر الدوار ، وأعرف أيضا أن لا حدود لرغبتي في الاكتشاف .." . والتأرجح ما بين الموسيقا والأدب جعل منها شاعرة وعازفة بيانو ماهرة ..
أما القراءة .. فكانت مغامرة ، واكتشاف للذات والآخر ، وعالم سحري مفرقع تقمّص أجواءها قبل دخول المدرسة في هيئة شغف عميق ، وكان للأم دور كبير في تهيئة طفلتها لحكايات الأدب والكتابة : " لم أكن أشبع قط ، ضعت في هذا العالم السحري ، ما إن آخذ كتابا في اليد ، حتى يشحب العالم الحقيقي من حولي ، بالقراءة تعمقت أحاسيسي : غدت الألوان أقوى ، الروائح والأذواق أشد ، وهذا الخفقان الخفيف في القلب ، الفراشات في الصدر ، الاستلقاء في الفردوس .." .
في هذه الرواية تمتزج عدة أرواح .. والأكثر تلبسا تلك الروح السندبادية وكأنها أبدية الرحيل ، لهذا كانت مصلحات نفسها تتحاور عبر السطور عن " السفر " و" الذكريات " ، " حقائب " ، " آخرون " ، " أماكن " ، " أزمان " ، " عادات " ، " موسيقي " ، " كتابة " ، " قراءة  "..
استطاعت " إلما راكوزا " أن تسرد لنا كل ذلك عبر حوار داخلي ، بدا لأول وهلة هادئا معرفا بالأشخاص المقربين منها ، ثم تفشى وتشعب إلى عالم أكثر عمقا ودفئا إلى مونولوج طويل ، كثيف ، ممتد كطرق سفرها ، غني ، مشبع بذاكرة لا تأفل على النسيان وهي المستشهدة بقول " موريس بلانشو " الكاتب والصحفي الفرنسي : " النسيان ، الإذعان للنسيان في الذاكرة ، التي لا تنسى " ..

ليلى البلوشي

فستان سهرة أم دزينة كتب ..؟!

فستان سهرة أم دزينة كتب ..؟!

الرؤية / العرب / الآراء

المرأة .. أنثى تحبذ فكرة الجمال ، أن تظل دائما وفي كل مناسبة متأنقة ، ولكن في كثير من الأحيان وفي بعض المجتمعات تكون هذه الأناقة مكلفة جدا ..!
سواء كانت هذه المرأة تتزين لنفسها أو لزوجها أو صديقاتها أو لمناسبة أو لغاية الجمال نفسه .. سأحدثكم قليلا عن نفسي وسأعترف بأنني في الماضي ، خاصة في أيام الجامعة كان حضور مناسبة يكلفني كثيرا ، فكل مناسبة تستدعي سوق .. أن أذهب مشاورير ذهاب وإياب إلى محال متعددة  ؛ كي أكون أنيقة في الحفل الذي يمتد ربما لساعة أو ساعتين ، وبعد الانتهاء من الحفل كان ضميري يأكلني .. ففي كل مرة أشعر بأنني ببدت أموالي على أشياء لا تفيدني بعد أن استخدمتها في ساعات مضت ؛ فكل ما دفعته من أثمان بلعه الماء وأصبح حبيس خزانة مظلمة أو صندوق ضيق أو مستودع ..!
وعندما تضاعفت اهتماماتي وأصبحت على صلة وثيقة بالكتب .. أصبحت الكتب هي من أولويات مشترياتي وصرت أدفع بلا تأنيب أموال لا بأس بها في كل معرض للكتاب ، ويبدو أن هذه الكتب التي كنت أقوم بشرائها ويلممنني صديقاتي عليها وعلى كميات شرائها هي من نحتت في أعماقي وعيا مغايرا ورؤية مختلفة للأشياء من حولي ، وهي من جعلتني أفكر قبل شراء أي شيء مادي ، خاصة ما يتعلق بحفلات المناسبات في مجتمع يرى أن أناقة المرأة في المبالغة والكلفة .. في مجتمع مرفّه تدفع فيه نساؤه مبلغ ثلاثة آلاف درهم أو أكثر لقطعة قماش أو حقيبة يد أو حذاء أو تفصيل عباءة مزركشة .. أو تبتاع كلها جملة واحدة بمبلغ وقدره ؛ لإتمام صفقة الأناقة ..!
لكن الكتب وكما عبرت آنفا .. كانت مبعثا في تغيير أفكاري وخططي وأسلوب تعاطيّ مع الحياة المادية .. واعتقد أن الأمر بدأ حين وقفت يوما مع أخواتي لشراء فستان سهرة كان بارع التصميم ولكنه باهظ الثمن .. باهظ أن أدفعه لليلة واحدة ولمدة لا تزيد عن ساعتين ؛ كي يتفرج العالم من حولي عليه وينتهي الأمر .. ربضت أمام الفستان الباذخ وأنا أضرب أخماسا في أسداس وأقول في نفسي : نعم استطيع شراء هذا الفستان وسأرتديه لليلة واحدة فقط ولمرة واحدة ثم يكون حاله كحال البقية الباقية من الفساتين سجينات الظلام والغبار والنسيان ..!
في وقت ذاته وأنا أتأمله كنت أفكر في كمية الكتب التي يمكنني أن أحصل عليها بالمبلغ نفسه ؛ تلك الكتب التي تغذي عقلي وهي نفسها التي تظهر جمالي الروحي ..
بعد هذه الحسبة .. خرجت من المحل فارغة بلا أكياس بينما من كن معي محملات .. ومن فوري اتصلت على صديقة مقربة وقلت لها : هل يمكنك أن تعيريني إحدى فساتينك لمدة ساعتين ..؟
بعد هذا الموقف .. أصبحت في كل مناسبة اسأل : فستان سهرة أو دزينة كتب ..؟

ليلى البلوشي