الاثنين، 3 نوفمبر 2014

دعينا نرى ما يحبّه الله ..

دعينا نرى ما يحبّه الله ..

جريدة الرؤية ..

" إن بناء السمعة يستغرق 100عام إلا أن تشويهها يستغرق 5 دقائق فقط .." ..
-       وارين بافيت –
***
" ريحانة جباري " هذه المرأة الإيرانية بقضيتها التي هزت ليس الداخلي الإيراني الرازح تحت حكم الملالي فحسب بل هزت أيضا العالم الخارجي ، الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعية تويتر والفيس بوك ، فنحن في عالم المرئيات وفي عولمة تختصر جل أحداث العالم وتضعها في يدك ؛ كي تكون متفرجا أو مطلعا أو حتى متحدثا عن المرأة " ريحانة جباري " لأن البعد الإنساني هو ما دفعك كإنسان تتخذ موقفا تجاه إنسان آخر تشعر أنه يحتاج إلى دعمك رغم أن المسافات الكون تفاصل بينكما ، ليس المسافات فحسب ، بل أيضا في ظل الظلم الواقع على أي إنسان في هذا العالم تشعر بأنها قضيتك الشخصية ، فتدعمها بكامل روحك النابضة بالإنسانية ، في هذا البعد الإنساني لا تلتفت لكل التمييزات والاختلافات في اللون والجنس والعرق والدين والمذهب ، لأن قضيتك هو الإنسان في أي بقعة وعلى أي اختلاف كان .. وربما يصدق القول القائل بأننا أمم تجمعنا المحن التي تعمل على تذويب كافة المعارك البشرية على طوال التاريخ من أجل قضية إنسانية نؤمن بها ..
قضية " ريحانة جباري " هي ليست قضية امرأة ايرانية فحسب بل هي قضية كل امرأة في بقاع الأرض ، المرأة التي تعرضت وما تزال تتعرض لصنوف التمييز العنصري والظلم المرير الواقع عليها من قبل مجتمعات تراها نقيصة لكونها أنثى ، جاءت الديانات السماوية لتحررها ولكن ثمة جوقة تنبذ فكرة أن تكون المرأة روحا مستقلة ، فكرا طليقا أو حتى امرأة حرة ..
" ريحانة جباري " من يقرأ حكايتها ويقف على ملابسات قضيتها لن يجد اختلافا بينها وبين أي امرأة أخرى سواء قرأنا عنها ، سمعنا ، أو شاهدنا عنها فيلما ؛ فأشكال الظلم متكررة والظالم غالبا هو نفسه " الرجل " في المجتمع البطريركي ، من يعرف " ريحانة " سيربط حكايتها بامرأة تدعى " ثريا " وحكاية رجمها ، من سوء حظ " ثريا " أن حكايتها وقعت في إيران في عام 1986 م في ذاك الزمن لم تكن ثمة عولمة حقيقية في إيران التي كانت في ذاك الوقت تحت قبضة الملالي التي منعت انتشار الصحون الفضائية فكيف بانتشار الانترنت ومواقعها التواصلية ..؟!
 ولولا صحفي مر على قريتهم المعزولة حين تتعطل سيارته ، فيتعرف أثناء تواجده في القرية على سيدة تدعى " زهرة " التي بدافع القهر والمرارة والاستبداد الواقع على ابنة أختها " ثريا " سردت بسرية تامة قضية " ثريا " التي دفنت مرجومة ؛ فزوجها اتهمها بالزنا ليتخلص منها بعد أن رفضت أن يتزوج عليها أو يطلقها ، وليهرب من مسألة إعالتها لفق عليها قضية الزنا ، لترشقها حجارة رجال القرية ، الذين وقفوا مع الزوج وادعاءاته ؛ لأنه رجل ، وحكموا على " ثريا " بالرجم ؛ لأنها أنثى التي تجسد الشيطان والفسق ..!
ناهيك عن الهجمات بالحمض على النساء في أصفهان وغيرها من مدن إيران بحجة أنهن لم يحترمن وضع الحجاب ، فياله من عقاب فظيع من حفنة من البشر على كائن أنثوي أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرا حين قال " استوصوا بالنساء خيرا " وفي حديث آخر " رفقا بالقوارير " ، لكن هؤلاء البرابرة يحكمون على المرأة وفق أهوائهم و عقدهم النفسية التي لا حدود لها ..!
وحين تترك إيران لتتأمل أوضاع المرأة في دولة كبيرة كــ" الهند " يدهشك على الرغم من ارتفاع مستوى التعليم في الهند وتسابقها في مجالات العلمية والفكرية وغيرها ، والمرأة التي أصبحت جزءا مهما في دفع الركود عن هذا المجتمع ووصلت لمنصب رئيس الحكومة والتي حققت انتصارات ساحقة في مجالات العلوم المختلفة ، غير أنها ما تزال أنثى هشة في نظر شريحة عريضة من المجتمع الهندي ، يكفي أن تقرأ عن حالات العنف والاغتصابات التي تتعرض لها المرأة في شوارعها وفي منتصف النهار ليدرك الإنسان مدى الحضيض الرجل تجاه شريكته في الحياة المرأة ، حتى أن امرأة هندية قالت مرة عبارة تختصر الوضع المهول بقولها : " نحن في الهند نعبد آلهة إناث ولكننا غير قادرات على حماية النساء .. " !
وفي أفغانستان تدهشك حد المرارة مقتل الشاعرة الأفغانية " ناديا أنجومان " وهي في السابعة والعشرين من عمرها ، كانت طالبة في كلية الآداب ، جامعة "هيرات" بعدما أصدرت باسمها الحقيقي ، كتابها الوحيد "غولي دودي" أي "الزهرة القرمزية" ، الذي منحها انتشارا شعريا واسعا في أفغانستان وإيران ، هذه المثقفة التي انقض عليها زوجها الأفغاني الأستاذ " فريد أحمد جيد ميا " وأوسعها ضربا حتى الموت ؛ لأنها كتبت قصائد جميلة وقالت إنها طيرا من طيور الجنة ..!
ماذا عن حادثة الفتاة الأفغانية " عائشة " التي ظهرت مجدوعة الأنف على غلاف مجلة «تايم» الأميركية ؛ لندرك أن بعض الذكور في أفغانستان سواء أكانوا متعلمين مثقفين أو حتى أميّين جاهلين لا تكاد تجد فارقا بينهم بل تجد أنهم يعانون من عقد النقص نفسها ..!
ماذا حكاية المرأة في السعودية أو اليمن أو في دول أمريكا وأوروبا تلك التي تتغنى بالديمقراطية في الوقت نفسه تتفاجأ بالظلم الواقع على المرأة في مجتمعاهم ، يكفي أن نعرف أن دولة كفرنسا التي تحارب النقاب بحجة أنه سبب من أسباب العزلة الاجتماعية هي نفسها من تدفع للمرأة نصف مرتب الرجل وفي الوظيفة نفسها ..؟!
فلو أحصينا حكايات النساء في المجتمعات ذكورية فسنكتب أسماء وسنذكر حكايات عريضة عبر التاريخ وسنرى مئات الآلاف من النساء هي " ريحانة جباري " ؛ أجل ، إنها القصة ذاتها ، طالما أنه ليس هناك احترام للمرأة فإنه ليس هناك احترام لثقافتها ولكيانها الإنساني ، ولكل ما يمثلها كامرأة وكأنثى أيضا ، أما بالنسبة للقانون فليس هناك من يكترث به حقا ؛ لأن من بيده سوط القانون هو الرجل ، وسنكتشف أن حال المرأة ووضعها هو نفسه في معظم ديانات الكون سواء في الاسلام والمسيحية والهندوسية والبوذية واليهودية إلى لا آخره وفي قبضة جوقة وضعوا أنفسهم في مصاف الآلهة على المرأة التي يرونها ناقصة ومنبوذة وأسباب شرور العالم واضعين أنفسهم موضع الضحية ..!
كان على " ريحانة جباري " هذه المرأة الإيرانية التي أعدمت أن تدفع مرتين ، مرة لأنها أنثى وهذا ثمن باهظ لأن الرجل في المجتمعات الشرقية لا سيما المسلمة يقتل المرأة بتهمة الشرف فيحبس لعدة شهور ويخرج في احتفال ذكوري صاخب دون أي تأنيب في الضمير حتى لو كان قتل تلك النفس الإنسانية كان مجرد فرضية شك فالمجتمع الذكري نفسه يبرر للرجل دائما ولا يبرر للمرأة مطلقا أما إذا كان الرجل هو المغتصب الجاني فما عليه سوى أن يعقد قرانه على الفتاة التي قام باغتصابها ؛ فياله من عقاب ..!
كان على " ريحانة جباري " أن تدفع الثمن مرتين ، مرة لأنها شيطان كما رأتها معظم الديانات في العالم وكما تراها اليوم الديانات نفسها والأفراد أنفسهم ، فهي تظل الشيطان الذي أغوى الرجل الذي وقع ضحية " فتنتها " ولإيمان " ريحانة " بهذا وتخاذلها منه حين كتبت من ضمن ما كتبته في رسالة إلى أمها كاعتراف روحي من امرأة تعرضت لظلم كبير ولا يغتفر جعلها تكتب : " في اليوم الأول الذي قام به وكيل الشرطة بإيذائي من أجل أظافري فهمت أن الجمال ليس أمرا مرغوبا في هذا العصر ، لا جمال المنظر ، جمال الأفكار والرغبات ، الكتابة اليدوية الجميلة ، جمال العيون والرؤية ، ولا حتى جمال صوت جميل " ..
هذا العالم القاسي الذي يغرس أنيابه في كل جميل يحارب حقيقة عظمى ، يعصي حقيقة ربانية مقدسة في أن الله جميل ويجب الجمال ، إنهم _ أولئك _ أدعياء الدين والاسلام يحاربون منبع الجمال الإنساني الذي أحبه وقدسه الله عزوجل ، وحدها " ريحانة جباري " آمنت كامرأة بالله وما يحبه ويراه ، وحدها آمنت أن الله سوف ينصفها في الزمن الآخر حيث لا حكم سوى حكم الله تعالى حين ختمت رسالتها المؤثرة بعبارة تشد فيها عزم أمها المكلومة على حالها كامرأة : " في العالم الآخر ، إنه أنا وأنت من سيوجه التهم ، وغيرنا هم المتهمين .. دعينا نرى ما يحبه الله ، أنا أحبك " ..!

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق