الاثنين، 2 نوفمبر 2015

أرض الخواء .. تيك دابرا ..!

أرض الخواء .. تيك دابرا ..!

من يعرف أرض الخواء المعروفة بــ" تيك دابرا " في عمق صحراء غامضة لم يسبر سرها ولم ينج من متاهتها سوى رجل واحد في هذا العالم .. ؟!
في هذه الأرض عليه ألا يكون بطلا من لحم إنما حجر بلا دم ؛ لأن الحجارة وحدها استطاعت أن تشكل جزءا من المشهد ، رحلة في قلب الموت لم يطلقها سوى رجل طارقي يدعى " غزال صياح " المعروف بالصّياد ، أموهاغ من كيل – تالغيموس .. " أموهاغ " هو لقب يطلقه الطوارق على أنفسهم وتعني " النبيل " ..
يتطرق الروائي " ألبرتو باثكث فيكيروا " في روايته المشوقة " طوارق " ترجمة عبدو زغبور .. إلى حكاية " غزال صياح " وهو رجل طارقي ينتمي لنسب نبيل ، يستقبل في ضيافته رجلين أحدهما مصاب وآخر تجاوز سن الشباب ، ويحدث أن يفاجئ مضربه في الصحراء جنود يطلبون الضيفين ، وحين يرفض الطارقي تسليمهم ؛ لأنهم في ضيافته ومن ضمن قوانين الطوارق احترام هذه الضيافة والذود عنهم كما لو أنه يذود عن شرف عائلته ، ولكن الجنود لا يأبهون لقوانين الطوارق التي يرون أن الزمن عفا عليها ، ولهذا يقتلون أحد الضيوف بينما يجرون الآخر معهم ، ولهذا الرجل حكاية طويلة ..
يشعر الطارقي بعد مغادرتهم بإهانة كبيرة ؛ لأنهم تعرضوا لمن كانوا في ضيافته وتحت حمايته وأنهم لم يحترموا ذلك وأهدروا كرامته كطارقي نبيل ، ولهذا يطلب من أهله أن ينقلوا مضاربهم إلى مكان آخر في قلب الصحراء الواسعة ، بينما هو ركب على جمله وحمل معه سيفه وبندقيته العتيقة وقربة ماء ، وتوجه رأسا إلى القصاص لكرامته المهدورة بقوانين الطوارق ، ليطبق العدل ، وكان أول من اقتص منه هو رجل طارقي مثله ؛ لأنه دل الجنود على مضربه ، وهو يعرف تماما عادات الطوارق عن إكرام الضيوف ، وبضربة سيفه يقطع رمق حياته دون اعتراض من أفراد عائلة الرجل وقبيلته الذين شهدوا المبارزة الطارقية ..
ثم يتوجه رأسا إلى الكابتن قائد الجنود الذي بعث الجنود لاعتقال أحد ضيوفه وقتل رفيقه ، ولم يكن الطارقي يعلم شيئا عن الرجل المخطوف الذي اعتقله الجنود ، وحين كان السيف قاب قوسين أو أدنى من رقبة الكابتن سأله الطارقي عن الرجل المعتقل فهو ضيفه وسيحرره من قبضتهم كي يصون كرامته ، فأخبره الكابتن بأن الرجل هو " عبد الكبير " مجرم اقترف كثير من الجرائم غير أن الطارقي لم يقتنع بكلامه ، وقبل ذبحه أخذ منه معلومات عن المحافظ الذي أمر بمهمة القبض ..
تمكن الطارقي المهيب " غزال صياح " بعد أن اشتهر في تلك البقاع من أن يصل للمحافظ ويهدده ليعرف مكان " عبد الكبير " فعرف منه بأنه بطل قومي ، وخاض غمار تحرير بلاده من الفرنسيين ، واستلم السلطة لثلاث سنوات ونصف ، ولكن أصدقائه الثوار غرروا به ، وقاموا باعتقاله وحبسه في حصن منيع وسط الصحراء ، حيث بقي فيها لأربعة عشر عاما ..!
ولأجل تحرير " عبد الكبير " الذي لم يكن الطارقي يعرفه كما لم يعرف عن شؤون البلاد شيئا بل لم يعرف أن بلاده استقلت من الفرنسيين ، وأن ثمة حدودا ستفصل الصحاري الشاسعة حيث مضاربهم ، كل ذلك لم يعرفه الطارقي ، فالطوارق يحبون حيواتهم في الصحراء بعيدا عن ضجة المدن والعالم الآخر المحيط بهم ..
هذا الطارقي يحرر البطل القومي والقائد المغدور به " عبد الكبير " من حصن منعزل في صحراء بعد أن يقتل أربعة عشر جنديا وهم نيام ، ثم يجرهم إلى أسرتهم ويغطيهم ؛ كي لا تنهشها الطيور الجارحة ، فيكتشف الآخرون مكان وجودهم ، بينما هم على أسرتهم لا يُكتشف موتهم إلا بعد ثلاثة أيام على الأقل بفعل الرائحة الكريهة التي ستنبعث منهم ..!
هذا الطارقي ومعه " عبد الكبير " سيخوضون مغامرة خطيرة إلى " أرض الخواء " المعروفة بـــ" تيك دابرا " ، ليكون في داخل أرض المتاهة حيث لا يمكن للجنود الذين يحاولون مطاردتهم بمعية رئيس الجمهورية ؛ فــ" غزال صياح " أصبح طارقيا شهيرا كبطل قومي سيغير تاريخ البلاد ، هذا الرجل الأميّ الذي لا يعرف العالم المتحضر ، وأبرز ما وصل إليه ، غير أنه يعرف صحراءه الشاسعة جيدا ، ويوقن بأنه قادر على دخول أرض الخواء المستحيلة في وقت عجز فيه أجداده النبلاء ، بل في كل خطوة كان يخطوها نحو " تيك دوبرا " كان يسمع هاجسا يقول له : " اهرب من تيك دوبرا " ..
لكن هذا الطارقي والذي أراد أن يوصل ضيفه الذي اعتقل في مضربه إلى الجهة الأخرى من هذه الصحراء ؛ كي يكون بأيد أمينة عند الفرنسيين في " باريس " و يستعيد من هناك سلطته التي سلبت ، وينجح البطل القومي بفعل جسارة الطارقي الذي يحرص على أن يبقيه حيا ، ويغذي فيه الأمل ، وهم في عمق أرض الموت مع أربع جمال ومخزون من الماء ، وحين لا يجدون ماء يقوم الطارقي بشق بطن الجمل كي يشربوا ماءه المخزن ودمه ، هذا الدم لسفينة الصحراء هو ما يبقيهم أحياء حتى يصلوا لمكان " القافلة العظمى " التي عرف سيرتها الأسطورية كل طارقي ، تلك القافلة التي كانت حلما قديما لكل الحالمين في الصحراء ، ألف ثروة وثروة والتي حتى شهرزاد لم تتجاسر على تخيلها قط ..
القافلة نفسها التي ضمت عم الطارقي في زمن ما وتاه في غموضها ، فحين وجد نفسه في داخل أرض الأموات كما عرف عن أرض الخواء وجس تلك الهياكل العظمية لرجال ولجمال ماتوا من الظمأ و الطارقي يعرف أن " الجمال عندما تموت من العطش تبحث دائما كأمل أخير عن نقطة اتجاهها " ..
لقد مرت أعوام مديدة على موتهم ، حيث الكنز الذي أصبح كله ملكا له ، كنوز القافلة العظيمة التي كانت تحوي أنياب الفيلة ، وتماثيل من الأبنوس وحرير ، ونقود من ذهب وفضة وألماس بحجم حبة حمص ، إنه في أرض الخواء دون أن تفلح طائرات الجنود من محاولة النيل منه ، لا يوجد أحد في العالم قادر على الإمساك بطارقي أوحد في الصحراء ..!
من مثل هذا الطارقي الذي واجه أسياد العالم بسيف عتيق وبندقية بائسة ، بهما أنقذ بطلا قوميا وثائرا وغيّر تاريخ بلاده ، و لكنه يا للمفارقة المدهشة أنهى سيرة هذا التاريخ حين قتل بالبندقية العتيقة نفسها البطل القومي نفسه الذي أنقذ حياته ؛ لأنه لم يكن يدرك أنه خلال ذاك الأسبوع وهو متجول تائه في مدينة لا تشبهه في شيء أن الرئيس السابق الذي خطط لقتله لخيانته قد حل محله البطل القومي الذي اغتاله في لحظة دهشة وصدمة كبيرتين ، و تنتهي الرواية بحسرة القارئ بلا شك ..!
رواية " طوارق " تقف على كثير من عادات الطوارق كأكثر القبائل بين كل الشعوب الاسلامية الذين مازالوا يتبعون بوفاء تعليمات نبيهم محمد – عليه الصلاة والسلام – كما أنهم أعلنوا المساواة بين الجنسين ونساؤهم ليس فقط أنهن لا يلثمن وجوههن كالرجال ، وإنما يتمتعن أيضا بحرية مطلقة حتى لحظة الزواج دون تقديم حساب عن أفعالهن لا لآبائهن ولا لزوجهم المستقبلي ، والذي يخترنه بأنفسهن وبمحض عواطفهن ، الطوارق قبائل آمنت بحرية الجنسية لنسائها من خلال " حفلات العزاّب " التي يقيمونها بين حين وحين ، ويحق فيها لكل أنثى أن تتمتع برجلها الذي تختاره ..
المرأة الطارقية ، سليلة الصحراء ، أكثر نساء العالم حرية واستقلالا برضى ذكور القبيلة و مباركتهم ...

ليلى البلوشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق